سألت أحد الأمنيين القدامى المتقاعدين عن قراءته للوثيقة الأمنيّة المثيرة للجدل و المتعلّقة بعبد الحكيم بلحاج فكان جوابه بسيطا و مفاجئا : المخبرون المكلّفون بالاستخبار و نقل المعلومات الاستخباريّة ( و هذه وظيفة كلّ الأمنيين في إطار تقليد ردّ الخبر ) ينقلون المعلومات من مصادر متنوّعة و يجتهدون في نقل ما يرونه مفيدا في الحفاظ على الأمن و درء مخاطر التي تتهدّده ... و الكثير من المعلومات التي تكتب في التقارير الاستخباريّة تعكس ثقافة مصدر المعلومة الأصلي أو من تناقلوها حتّى وصلت إلى التّقرير ... و قد ذكر السيّد الأمني من باب التندّر أنّ بعض المخبرين كما نُقل له لا يزالون يستعملون لفظ خوانجيّة للحديث عن الإسلاميين أي أنّهم لم يتحرّروا بعد من الثقافة الأمنيّة القديمة كما أنّ العديد منهم يتساهلون في نقل المعلومة لأنّ الغاية من الاستخبار هو جمع أقصى قدر من المعلومات أي المعلومة في حدّ ذاتها لا صحّتها التي يقع التثبّت من دقّتها و صحّتها في مرحلة لاحقة و ليس من دور المخبر أو من شروط الاستخبار أن لا يقدّم المخبر إلا المعلومات التي تأكّد من صحّتها بشكل قطعي خاصّة و أنّ ذلك قد لا يتوفّر له و قد لا يتحمّل مسؤوليّة التثبّت من صحّة المعلومة أو عدم صحّتها بمفرده لذلك ينقل المعلومة التي تتكفّل المصالح المعنيّة و الأجهزة المختصّة بالتثبّت منها خلال وسائلها الخاصّة فتقوم بغربلة كمّ المعلومات التي تصلها و تصنّفها حسب قيمتها و صدقيتها و و تحافظ على الوثائق و لا تعدمها ... و ذكر أنّ أكثر من نصف المعطيات التي كان المخبرون ينقلونها عن السياسيين قبل الثّورة غير دقيقة و مضحكة أحيانا و مضلّلة للمؤسسة الأمنيّة بقصد أو بغير قصد لأنّ من نقلوها يفتقدون للثقافة السياسية أو يصدرون هم أنفسهم عن ميل أيديولوجي لأسباب شخصيّة أو عائليّة أو من تأثيرات المحيط ... و ذكر أنّ غالب الظنّ عنده أنّ مصدر المعلومة في الوثيقة المثيرة للجدل مخبر يفتقد للثقافة السياسيّة و مواكبة الواقع و ربط المعلومات بشكل اعتباطيّ يتناقض مع المعطيات الموضوعيّة و المنطقيّة أو لا تزال بوصلته الأمنيّة معدّلة على الثقافة الأمنيّة القديمة القائمة على حساسيّة مفرطة من الإسلاميين و التّساهل في نقل أيّ معلومة عن تحرّكاتهم ممّا يدلّ على أنّ العمل الاستخباراتي في مستواه الأدنى لا يزال عملا رعوانيا يقوم على تجميع المعلومات دون تحليل أو دراسة ... و في قضيّة الحال و نظرا لخطورة المعلومات وقع تداولها و نقلها في تقرير لمستويات أعلى للتثبّت منها و الأكيد أنّها حفظت لعدم تطابقها مع الواقع ... و ذكر محدّثنا أنّه لو كان يزاول مهمّته الأمنيّة أي قبل التقاعد لاستدعى مصدر المعلومات في التقرير للتّحقيق معه عن تساهله في نقل معلومات بهذه الخطورة لا تمتّ إلى الواقع بصلة حسب المعطيات الواقعيّة الموضوعيّة ... و ذكر لي محدّثي طرائف مذهلة عن معلومات استخباريّة كادت أن تودي بأشخاص للهاوية و أخرى دمّرت أشخاصا و عائلات ثمّ تبيّن عدم دقّتها بعد فوات الأوان ... و في ما يخصّني ذكر لي محدّثي بعد إلحاح شديد أنّ تقريرا وصلهم بشأني يعلمهم بأنّني أخطّط لحرق دار الثقافة جبل جلود و المعهد الثّانوي بها في أوّل أيّام امتحان الباكالوريا ... و أنّهم أخذوا الأمر بكلّ جديّة حيث داهموا منزلنا و طوّقوا كامل الحيّ في الوقت الذي كنت فيه أسلّم أعداد التلاميذ لإدارة المعهد الصّادقي حيث كنت أدرّس ... و أنّ فراري ساهم في إثبات التّهمة عليّ ... و ذكر محدّثي أنّ التقرير الذي وقع تقديمه تحت عنوان سرّي و أكيد لم يذكر أنّ والدي كان مديرا لدار الثقافة جبل جلود و أنّني تربيت منذ نعومة أظفاري في هذا الفضاء الثقافي و أنّ معهد جبل جلود فيه كلّ أبناء الحيّ و الجيران و الأهل و الأقارب ... معطيات لم يهتمّ المخبر بذكرها في تقريره إمّا لضعف في معرفة الحيّ و أهله أو لأسباب كيديّة ... لكنّ تقريره مرّ و بنيت عليه قرارات و إجراءات أمنيّة ... قلت لمحدّثي هذا فصل من فصول العدالة الانتقاليّة ... شكرته و غادرت و قد هاجت ذكريات تلك الأيّام ...