وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    انطلاق جلسة عامة للنظر في مشروع تنقيح القانون عدد 69 لسنة 2003 المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    الرياحي: أسعار لحم الضأن لدى القصابين خياليّة وأرباحهم في الكلغ تصل إلى 20 دينار..    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة..وهذه التفاصيل..    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    أخبار المال والأعمال    معهد الإحصاء ..تواصل ارتفاع الأسعار.. وتراجع طفيف لنسبة التضخّم    أستاذ إقتصاد :'' وضعيتنا مع صندوق النقد غير مرضية ..''    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    مشروع مصنع ثلاثي الفسفاط الرفيع المظيلة على طاولة الحكومة    النادي الإفريقي: هيكل دخيل رئيسا جديدا للفريق خلفا ليوسف العلمي    في الصّميم ..«البقلاوة» تُعيد الترجي إلى الأرض    كرة اليد ..بن ثاير والزهاني يقودان الريان للتتويج بالبطولة    ماذا يحدث بين محرز بوصيان ووزير الشباب و الرياضة ؟    وزير الداخلية الليبي لقيس سعيد : ''الاستعدادات جارية لإعادة فتح المعبر الحدودي''    عاجل/ أمطار أحيانا غزيرة تصل الى 60 مم بهذه الولايات بعد الظهر..    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    يدرّب أفارقة في العامرة .. إيقاف مدرّب «كونغ فو» سوداني    هطول كميات من الأمطار عشية اليوم ..التفاصيل    المتلوي: مروج مخدّرات خطير يقع في قبضة الأمن    أريانة: منحرف يهدّد رجلا وإمرأة ويفتكّ سيارتهما    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الفنان بلقاسم بوقنّة في ذمة الله .. وداعا صوت الصحراء الصادق    عدد من المناطق التابعة لولاية بنزرت تشهد اضطرابا في امدادات المياه بداية من العاشرة من ليل الثلاثاء    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    بعد إطلاق منصة مشتركة مع ليبيا وتونس.. وزير الداخلية الإيطالي يعلن تحرك عالمي لوقف تدفقات الهجرة غير النظامية    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور"    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    ورقة ضغط أم استكمال لحرب الإبادة؟ .. الاحتلال يدفع ب3 فرق لاجتياح رفح    أميركا تتغيب عن الحضور: روسيا تشهد اليوم تنصيب بوتين رئيسا    أولا وأخيرا .. دود الأرض    تحقيق فلسطيني بسرقة 70 مليون دولار من البنوك في غزة    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    سعيد.. سيحال على العدالة كل من تم تعيينه لمحاربة الفساد فانخرط في شبكاته (فيديو)    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة 'سينما تدور'    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    بطولة الرابطة المحترفة الثانية : برنامج مباريات الجولة الثانية و العشرين    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. غازي: الدولة شغلت الإسلاميين عن التأصيل وإنتاج الأفكار
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 05 - 2009

غازي صلاح الدينهل وقع الإسلاميون في أخطاء تتعلق بركوبهم صهوة الأنظمة السياسية الغربية وما بها من تضاد للأخلاق الإسلامية كتزكية النفوس وحب السلطة، سواء كان ذلك انتخابيا أو من خلال حركات صراع سياسي مسلح؟ أو هل غابت حركة التأصيل الفقهي لمنهج الإسلاميين في الدولة؟
حركة التأصيل الفكري كان السودان فيها رائدا، إلا أنها ضعفت بفعل ضرورات الدولة التي أصبحت غلابة، والذين يقومون بعملية التأصيل قيدوا وشغلوا بالواجبات اليومية للدولة، ولكن الوعي بضرورة التأصيل ما يزال غالبا، والجمهرة الغالبة تعتقد أن هذا من تحديات المستقبل بالنسبة للحركة الإسلامية، فالمناهج الأخرى تعرض نفسها بجراءة، وأعتقد أن الحركة الإسلامية إذا تخلفت عن تقديم نفسها بصورة مقنعة فإن هذا سيكون سببا في ضمورها، واتفق أن تجربة التأصيل قد تراجعت، وأن هناك ضرورة لاستئنافها.
* ما هي الجوانب التي تحتاج مراجعة في ظنكم؟
** الدولة والعلاقات الخارجية والنظرية السياسية الداخلية (الديمقراطية، الحريات) بالإضافة للاقتصاد، وهناك قضايا أخرى كدور المرأة في المجتمع الحديث، والذي يبدو أنه لا مناص من تأصيل دورها ومراجعته.. وفي اعتقادي أن التأصيل يحتاج إلى قراءة جذرية جديدة، تهتم بعلم الأصول، ومراجعات في هذه الحقول (السياسة والاقتصاد.. إلخ) تحدث تغييرات جذرية وكلية في المفاهيم كانت راسخة وحاكمة للعقل الإسلامي لقرون طويلة، مثل دار الحرب ودار الأمان ودار الإسلام، وكيف نوصفها الآن؟
وإذا نظرنا لواقعنا المعاصر وجدنا مفارقات، فهناك دولة تؤوي الإسلاميين وتسمح لهم بإظهار شعائره والدعوة، وهي دول تصنف تقليديا ضمن دار الحرب، وهناك دولة محسوبة على دار الإسلام أو دار الأمان وهي تحارب المسلمين وترفض الشرائع وتمنعك من الصلاة، فهناك مفاهيم جديدة في السياسة الدولية تحتاج منا إلى معالجة في السياق الإسلامي واستيعاب لها، وتجد لهذه المفاهيم جميعا إشارات في الأصول الإسلامية، كما في قوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ...)، فما مكان هذا الميثاق في العهود والعقود الدولية؟ وكيف نحدد المفاهيم الأخرى كالولاء والبراء والنصرة على ضوء مفهوم الميثاق والعهد؟
وهناك قضايا تداول السلطة والتعددية السياسية والبيعة، وكلها قضايا مهمة، والمشجع على مراجعتها أن هناك أصولا لها، فالدولة الإسلامية في المدينة المنورة ووثيقتها الأساسية أسست لأصول ومفاهيم مهمة، يلجأ إليها في استنباط دلالاتها الكبرى، فالتجربة الإسلامية في المدينة كانت تجربة متكاملة، ولكنها في مجتمع محدود، ولا يمكن أن تقارن المدينة بالقاهرة مثلا في الاتساع والامتداد وعدد السكان، فهنا نتحدث عن 14 مليونا في مجتمع حضري مشتجر، وبه ضرورات وحاجات.. بعض الإسلاميين يتعاملون بسذاجة مع نموذج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكيف كان يحمل جرابه بالليل باحثا عن جائع، فكيف يكون ذلك في القاهرة مثلا؟! طبعا من الضروري أن يقيم الحاكم هذه المعاني ويقوم بها، ولكن من المؤكد أنها ستكون بطريقة أخرى.. ويصبح تطوير النموذج والمثال في هذه الناحية واجبا إسلاميا.
في نموذجنا السوداني أعتقد أن تطوير النماذج كان إحدى إضافات حكومة الإنقاذ التجديدية، والتي لم يحسبها لها الناس، خذ مثلا نظام الزكاة ونظام التكافل الاجتماعي وتطوير نظام الوقف، وكلها قد حدثت فيها ثورات حقيقية في التنظير والتطبيق، والناس لا يحكمون بها لأنهم لا يرونها، أو ينظرون فقط لبعض الهنات، وهي مما لا تخلو منه تجربة، فاليهود ظلوا يرابون على هامش المجتمع الإسلامي في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتجربة الزكاة في السودان أصبحت محط اهتمام الدول ومحل دراسة للدول التي تريد أن تقتبس من هذه التجارب، ومنها دول مهمة.. مشكلة الإسلاميين أنهم لا ينظرون إلى التجارب السياسية على أنها إسلامية لأنهم لا يجدون نصا مسعفا لهم في هذه الحالة.. أضرب لكم مثالا، دعيت مرة من قبل مجموعة من الأوروبيين لتناول غداء، وفي الحديث قلت لهم أنتم تنظرون إلى عملية اتفاق السلام والبحث عنه على أنها عملية علمانية، في حين أننا ننظر إليها على أنها عملية إسلامية، فالوصول إلى معاهدة مع طائفة لنا معها عهد –يمكن أن نسميه دستوريا- هو عمل إسلامي، فالرسول صلى الله عليه وسلم لضرورات وقع معاهدة ووثيقة مع اليهود في المدينة، وهو عمل إسلامي، وكذلك الي
وم توصلنا إلى وثيقة وعهد يوقف الحرب ويحقن الدم ويتيح حرية للدعوة، وهو عمل إسلامي أيضا.
أريد أن أقول إن تقييم التجارب السياسية الإسلامية أحيانا يكون من خلال نماذج ضيقة ومحدودة وبتبسيط مخل وجزئي ولا يستبين المقصد الشرعي من سياسات الدولة العامة، وأفعالها العملية والنظرية، فكيف نتغاضى في تقييمنا عن كل ما ذكرت من اجتهادات ومشاريع كالزكاة والوقف والتكافل الاجتماعي -هذه كلها إضافات- والتجربة السياسية نفسها، وخذ تجربتنا الجهادية الأخيرة في السودان.. واستصحاب هذا كله وغيره في التقييم يصل بنا إلى نتيجة أن التجربة بنواياها ومقاصدها العامة تتجه إلى الإسلام لكنها تخطئ في مجملها أو في بعض الذين يعملون في إطارها أو بعض قادتها، فالبشر خطئون.
* هل كان للحركة الإسلامية السودانية برنامج للحكم وللمشروع الحضاري الذي نادت به قبل الوصول للسلطة أم هي الجمل العامة والعواطف الحارة؟
** بصورة عامة: نعم، فالاتجاهات الكلية لمشروع نهضة حضارية وتغيير كانت موجودة لدى الحركة الإسلامية، ولكن الحديث عن برنامج مفصل ومشروح فهذا غير موجود، ولا نرى أن هناك ضرورة لذلك، فمن خلال التجربة التي مبدؤها الارتجال، يأتي التحسين والتطوير على أساس من بينات الواقع وليس الخيال.
* باعتبار الاستبداد الذي رأيناه أول عهد الحركة بالحكم.. ما هي المنطلقات النظرية التي تفسر مواقف الإسلاميين السالبة من حقوق الإنسان وكرامته؟
** لا أستطيع أن أبرر أي نوع من الامتهان لحقوق الإنسان، وأي شيء حدث في هذه الناحية ينبغي أن يعترف به وأن يصحح، ولكن يجب أن نتذكر أن التجربة الإسلامية في السودان تعرضت إلى جرعة مبالغ فيها من التجريح وتشويه الصورة، وليس هناك نسبة بين الحقيقة وما يثار حتى الآن، فالحريات التي عندنا في الصحافة والمجتمع لا تقارن، ومع ذلك يصور السودان وكأنه أرض استبداد.. هذا غير صحيح، نعم حدثت ممارسات سالبة، ولكن هذه يجب أن يعترف بها وتصحح ويعتذر عنها، وكما أن على المسلمين ألا يقعوا فريسة سهلة للإعلام الغربي.. وللأسف الإعلام العربي ينقل من العالم الغربي وينتحل ذات الأولويات والأساليب والأدوات.
* أليس الضعف الفكري في الإحاطة بالمنهج الإسلامي الشامل هو السبب في تذبذب مواقف وأفكار القيادة في السودان؟
** ليس هناك ضعف فكري، فالحركة الإسلامية على وجه الخصوص، على ما يمكن أن تتنتقد به كانت من أكثر الحركات التي ساهمت إسهامات فكرية جادة، ورغم أنها ضعفت في الفترة الأخيرة، فإنها قدمت نماذج أصبحت معتمدة عالميا، خذ تجربة الاقتصاد الإسلامي مثلا، فالسودان يعتبر من أكثر الدول تطويرا لأفكار الاقتصاد الإسلامي، وبنك فيصل الإسلامي كان من أوائل البنوك الإسلامية، وكذلك بنك التضامن الإسلامي، وهناك تجربة العمل الجبهوي، مع القوى غير الإسلامية، وكانت محل نقد وتساؤل: كيف نتحالف مع المنافقين والعلمانيين، ولكنها الآن أصبحت شائعة بين الإسلاميين ويعمل بها كل الإسلاميين في كل العالم ومقبولة، وكانت الحركة الإسلامية بالسودان قدمت محاولات جادة جدا في التجديد، ولكن العمل الحكومي أضعفها أخيرا، ولكن تبقى لها هذه المساهمات في حقها.
* الحركة ثم الحكومة تبنتا كثيرا من المفاهيم السياسية التي دخلت للفكر السياسي من خلال التنظير العلماني، كالديمقراطية والمواطنة والتعددية السياسية، فما هو السبب في ذلك، وهل سعيتم لتبيئة هذه المفاهيم وأسلمتها أم مضيتم بها كما هي؟
** إن انشغال المسلمين بأجهزة الدولة وآلياتها ومحاولة التوفيق بين تجربة سياسية قائمة وبين ما هو إسلامي كان هو هم تجربة المسلمين منذ عصور، بل منذ العهد النبوي، فالرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما حينما قيل له إن ملك الروم لا يقبل من الرسائل إلا ما كان مختوما، هو قبل بأدبيات النظام الدولي، وعندما اتخذ عبد الملك بن مروان "الدينار الإسلامي" كما هو معروف أنه بيزنظي في الأصل، وبذلك الدينار دخلت الدولة الإسلامية معمعان الاقتصاد الدولي، والإسلام رسالة للبشرية وهناك قوانين تنطبق على جميع الناس، وإذا كانت قوانين الاجتماع الإنساني تقتضي وجود دولة حائزة على مشروعية، إن كانت هذه المشروعية تأتي من خلال البيعة أو الانتخابات أو أي نظام آخر، فليس بالضرورة أن يكون هذا غير إسلامي.
* هناك اعتراض حول المواطنة، حيث يعتبرها البعض أنها تتيح ولاية الكافر على المسلم، وهذا مخالف للدين وتعاليمه، فهل يشمل رأيكم السابق المواطنة نفسها؟
** هذا تخوف في غير محله، وقد سئلت عن ذلك كثيرا، أقول: لو سألت سياسيا أقول: الملة الغالبة هي التي تحكم، وقد سألني مقدم برنامج بقناة الجزيرة: المسلم في فرنسا لا يحكم؟ أجبت عليه: لا يحكم، وبذات المقدار المسلم هو الذي يحكم في مصر أو في السودان أو أي بلد المسلمون في أغلبية، وفي ظني الخوف من المواطنة هو تخوف نظري وليس حقيقيا، كما أننا ملزمون بالعقود والعهود السياسية التي نوقعها، والدولة الحديثة هي دولة تقوم على التعاقد، إذن لا يمكن قيام الدولة أو استقرارها أو استمرارها بسوى هذا المبدأ "المواطنة"، فمن المهم عندئذ أن تقوم الدولة، وبعد قيامها فليحرص المسلمون على دينهم، وإذا اختاروا غير مسلم حاكما لهم، فعندئذ المشكلة ليست في الحاكم، ولكن المشكلة في المجتمع الذي اختاره، وعندها لابد من العودة للبدايات من جديد.
واستقرار النظام السياسي على مبادئ عرفية لصالح الأغلبية في مثل هذه المناصب موجودة في العالم كما في حالة الولايات المتحدة التي تعارف مواطنوها على صفات محددة في الرئيس، حتى اختيار أوباما لم يخرج عن ذلك، فأوباما لو لم يكن قبطيا ما فاز، ولو كان سيخيا ما كان ليفوز، لكن أوباما كان مستوفيا للشروط فهو "أنجلو بروتستنات" إنجليزي الثقافة بروتستانتي المذهب، رغم أن دستور أمريكا لا ينص على هذه الشرطين.
فالمواطنة مرتبطة بمبدأ التواثق، والتزام الميثاق مقدم على النصرة، وهناك أولويات، فالبعض يقول لك أين الشريعة في الجنوب؟ والسؤال الحقيقي أين هي الأرض المستقرة التي تقام فيها هذه الشريعة نفسها؟ والمواطنة مخرجة على مبدأ التعاقد، وما الذي يمنع إذا كان هذا التعاقد يحقن الدم ويجعل غير المسلم يسالم ويعايشك في بلد واحد وفق هذه الشروط؟
غير المسلمين في التنظيمات الإسلامية
* غير المسلمين في التنظيمات الإسلامية عامل قوة أم ضعف؟
** تكملة لما أسلفت فإن من واقع التجربة التي خضناها أرى أنه وفي مجتمع متعدد لا يمكن أن تقيم تنظيمات تتجاهل الأقليات غير المسلمة، دعك من أن تعاديها وتحاربها، فمن الصعب جدا أن تنهض أمة في ظل انقسام داخلي؛ ولذلك كنت دائما ما أقول إن الدين الإسلامي هو دين لغير المسلمين، فالحضارة الإسلامية كانت لغير المسلمين طبعا وللمسلمين بالضرورة، ونحن الآن في عالم متغير ويصعب جدا أن تجد دولة إسلامية مائة بالمائة، وكذلك لن تجد دولة مسيحية مائة بالمائة، بسبب انتقال البشر الذي غير كل كيمياء الدول، وأنت تتعامل مع عالم يتقدم باستمرار نحو التعددية، وأفضل ما تفعله أن تستخرج من الإسلام كل الآيات التي تستوعب التعددية هذه (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا)، وكلما انفتحت عليهم واستوعبتهم في المجتمع كنت أقرب لمقاصد الدين، وهذه هي تجربة المجتمع الإسلامي طوال تاريخه، والمسلمون هم الذين حموا اليهود من الاضطهاد في أوروبا "الأندلس"، وهو الذي جعل اليهود يهاجرون مع المسلمين
إلى المغرب بعد سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس.
* من واقع التجربة السودانية نجد أنكم قد أشركتم غير المسلمين في الحزب الذي أسس على خلفية الحركة الإسلامية وامتدادا لها فما هو تقييمكم لهذه المشاركة؟
والله.. كانت تجربة متميزة جدا، ويتبين للمعايش لها معنى الآية الكريمة (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (آل عمران : 113 – 115)، ومن تجربتنا عرفنا مسيحيين ليس لهم موقف رافض لتطبيق الشريعة وملتزمون أخلاقيا على المستوى الشخصي.. وعلى الإسلاميين أن ينتبهون لذلك جيدا، فالإسلام يريد أن يصل إلى كلمة سواء مع أهل الكتاب رغم عدم إسلامهم، وأرى أن الخطاب الإسلامي يحتاج لبعض المراجعة لأنه يستعدي شخصا ليس لك معه عداء في الأصل، وقد سمعت بعض الإسلاميين في أحزابنا يهتفون بأن ترق كل الدماء، ويقصدون دماء غير المسلمين، في وجود بعض المنتسبين من هؤلاء.. أرى أن هناك حاجة ملحة لاجتهادات تصحح بعض الأحكام التي نجمت من أفكار فقهية خاطئة ولتأصيل بعض الرؤى السياسية والاجتماعية.
* ضيق الصدر عند القائمين على قيادة التنظيمات الإسلامية من الأفكار الداخلية الجريئة المصححة أو الخارجية الناقدة؟
** أعتقد أنه ليس هناك ثمة مبرر لضيق الصدر، فكلما وجدنا رأيا يوافق الدين فيجب التمسك به، نحن نحتاج لمنهج يركز على مناهج الأصول للتعرف على الأفكار الجريئة التي تعالج مشاكل المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي.
* ما القيمة الإضافية التي قدمتها الحركة الإسلامية في السودان، فلا إصلاح سياسي، ولا تداول سلمي للسلطة، ونسبة عالية من الفساد في الجهاز الحكومي، ولا تربية مجتمعية، فالحركة شغلت عن الشعب بإدارة الحكومة ومواجهة المشاكل المتجددة، نعم هناك منجزات لكن هل تشجع تجربة السودان تكرارها في بلد آخر؟ هل هناك قيمة إضافية من وصول الإسلاميين إلى السلطة في مثل هذه الأجواء؟
** هذا حكم قاس، ولكم أن ترجعوا لما ذكرته فيما سبق، هناك اجتهاد كبير في العمل السياسي ومحاولة إيجاد صيغة سلام لإيقاف حالة حرب امتدت 50 سنة، وهي أول مرة نحاول فيها استيعاب كل مكونات المجتمع، وهناك تجربة مميزة قدمناها في تأسيس اقتصاد لاربوي، واستطاع السودان في هذا العهد أن يحقق واحدا من أسرع 10 معدلات نمو في العالم.. فكيف يمكن أن يكون ذلك في ظل فساد حكومي شامل؟
هذا الاتهام ليس له دلائل ولا بينات، وكلام معمم لا يستقيم مع حيثيات الواقع التي ذكرت، ومع ذلك أقول: عندما يغتني الناس فبالضرورة توجد حالات فساد، ولكن هذا لا يحجب التجارب الناجحة التي حققتها الحركة الإسلامية السودانية في الحكم.
للأسف الشديد، أن الحركة الإسلامية رغم تميزها في المجال الثقافي والإعلامي قبل الدولة لم تقدم –وهي في الدولة- كتبا أو بحوثا أو إعلاما، توضح وتعرف مدى التزام تجربتها بالصفة الإسلامية، ولكن الباحث يجد دلائل بينة على ذلك.
24-05-2009
إسلام أون لاين
---------------
صحفي سوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.