نحن بصدد مشروع أوروأمريكي خطير تشارك فيه أنظمة رسمية عربية صديقة للولايات المتحدةالأمريكية، لحل القضية الفلسطينية حلاً يسقط الحقوق الفلسطينية ويفضي إلى إقامة دولة يهودية؛ تحظى بعلاقات طبيعية مع الدول العربية والإسلامية، وذلك على قاعدة "تجميد الاستيطان مقابل السلام". مهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لهذا المشروع بخطابه الشهير الذي وجهه من جامعة القاهرة للعرب والمسلمين، لخداعهم بحسن نوايا بلاده تجاههم، ولإيهامهم بأنها تسعى لإقامة دولة فلسطينية؛ كونها مصلحة أمريكية اكتشفها الأمريكيون مؤخراً!!، وبأنها صديقة حميمة لهم يهمها أمنهم القومي. ولهذا فهي تدعوهم للانضمام إلى محور مناهض لإيران يضم الكيان الصهيوني؛ بذريعة مواجهة خطر المشروع النووي الإيراني!!، ولتقديم التنازلات العربية للحكومة الصهيونية؛ بحجة الضغط عليها وإجبارها على قبول ما يسمى "حل الدولتين". وبمعنى آخر، نحن أمام مشروع أو مؤامرة أمريكية جديدة تشارك فيها أنظمة رسمية عربية إلى جانب الاتحاد الأوروبي، بهدف دمج الكيان الصهيوني في منطقتنا، دمجاً طبيعياً يؤدي إلى حماية المصالح الغربيةوالأمريكية، وحماية الأنظمة الرسمية العربية الصديقة للولايات المتحدة، وذلك عبر تسوية سياسية تتضمن إلزام حكومة بنيامين نتنياهو تجميد جزئي ومؤقت ومحدود للاستيطان في الضفة والقدس، دون مساس حقيقي بالبرنامج الاستيطاني الصهيوني، في مقابل اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة المزعومة، يسقط حق العودة، ويهدد الوجود الفلسطيني في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ العام 1984. وفي الحقيقة، هناك توافق بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي حول ضرورة تجميد الاستيطان اليهودي والصهيوني في الضفة والقدس المحتلتين، تجميداً جزئياً ومؤقتاً على الأقل، ومشروطاً بتقديم تنازلات عربية: كالتطبيع مع الكيان الصهيوني بصفته دولة يهودية، وأخرى فلسطينية؛ كشطب حق العودة ومقاومة الاحتلال، والتخلي عن القدسالمحتلة. ويواكب ذلك قيام سلطة رام الله بمهامها الأمنية ضمن خطة خريطة الطريق الأمريكية، التي تهدف إلى تصفية المقاومة الفلسطينية؛ كون تصفيتها الخطوة الأولى في عملية التسوية السياسية التي تتحدث عنها الخطة، ما يبرر للطرف الصهيوني الاستمرار في عمليات التهويد والاستيطان والعدوان، واستكمال مراحل بناء الدولة اليهودية؛ بذريعة عدم إنجاز الطرف الفلسطيني لمهام الشق الأمني من الخطة الأمريكية. ويدرك الصهاينة تماماً أن القضاء على المقاومة الفلسطينية أمراً مستحيلاً، ولذلك فقد جعلوا من القضاء عليها شرطاً لمنح الفلسطينيين "حكماً ذاتياً محدوداً؛ في كيان ممزق معدوم السيادة اسمه "دولة فلسطينية"، فتحولت المقاومة إلى عائق كبير يعترض قيام هذه الدولة، وأصبحت وظيفة سلطة الحكم الذاتي في رام الله مقتصرة على محاربة المقاومة، بينما استمرت عمليات الاستيطان والتهويد وتمزيق الضفة المحتلة، وهي عمليات خطيرة تهدد وجود الشعب الفلسطيني. وبذلك نكون قد وصلنا إلى مساومة خطيرة، تتضمن الاعتراف بيهودية الدولة المزعومة مقابل تجميد الاستيطان!!، وذلك بسبب العجز الشعبي والرسمي العربي، وتساوق فريق فلسطيني مع الأمريكيين والأوروبيين والصهاينة في مشاريع التسوية السياسية. إن هذا التوافق بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي يعبر عن بدء مرحلة جديدة في التعامل مع القضية الفلسطينية، ربما تكون الأشد خطورة منذ احتلال فلسطين في العام 1948، تستغل فيها الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني الوضع الفلسطيني المتأزم ووجود شريك فلسطيني في عملية التسوية الاستسلامية، لحل القضية الفلسطينية حلاً يفضي إلى إقامة دولة يهودية ذات علاقات طبيعية مع جيرانها العرب. والأمر الأشد خطورة في تلك المؤامرة، أنها صيغت بطريقة تمنح العدو الصهيوني الحق في استمرار العدوان والتهويد والاستيطان؛ بحجة استمرار المقاومة الفلسطينية وعدم استسلامها، وتمنحه فرصة للتطبيع مع أنظمة رسمية عربية، دون أن يحقق الفلسطينيون أي إنجازات حقيقية، ودون ضمان لوقف الاستيطان، ودون إزالة للمستوطنات التي طمست الهوية الإسلامية للقدس المحتلة، ومزقت الضفة المحتلة، وعزلتها عن محيطها العربي، وحاصرت مدنها وبلداتها. ويسعى الأمريكيون عبر هذه المؤامرة إلى خداع العرب بأن عدوهم هو إيران وليس الكيان الصهيوني، لإقامة محور عربي ضد إيران، على الرغم من أن الولاياتالمتحدة ليست بحاجة إلى هذا المحور من أجل "ما تزعمه" من حرصها على وقف البرنامج النووي الإيراني، فهي تستطيع العمل ضد إيران عبر حلف شمال الأطلسي، ولكنها ترفض ذلك، وتعمل على توظيف العرب، ليس لمواجهة الخطر النووي الإيراني، وإنما لتمرير الحلول الاستسلامية للقضية الفلسطينية، وتمكين الصهاينة من إقامة دولة يهودية. 14/6/2009