ألقى سلام فياض رئيس الحكومة غير الشرعية في رام الله خطاباً في جامعة القدس في قرية أبوديس من قضاء القدس، بتاريخ 21/6/2009. ويبدو من اللحظة الأولى أن اختيار قرية أبوديس يكشفه قوله: «نلتقي في مدينة القدس»، وهي القرية المرشحة لأن تكون مركز «الدولة الفلسطينية» باعتبارها القدس بعد مصادرة القدسالغربية والشرقية. فهذا التشاطر من جانب سلام فياض يفضح نفسه بنفسه، فأبوديس ليست القدس، الالتقاء فيها ليس التقاءً في القدس. وكان أولمرت قد لام ضم أبوديس إلى القدس الكبرى، لأن ذلك يصّعب عملية التسوية حين يتقرّر أن أبوديس هي القدس عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة. على أن الخطاب وضع هدفاً للشعب الفلسطيني والوحدة الوطنية الفلسطينية يتلخص على حد قول سلام فياض في «إقامة مؤسسات الدولة المستقلة خلال عامين» ويريدها أن تقوم على أساس «الحكم الرشيد»! ماذا يعني ذلك؟ باختصار وبلا مقدّمات: إعادة تنظيم الوزارات والمؤسسات من خلال إحالات واسعة للتقاعد والإتيان بكادر مدرَّب جديد على يد كينيث دايتون، أو تحت إشرافه من خلال خبراء أوروبيين. فالمهمة التي بدأت بإحالة سبعة آلاف ضابط من فتح على التقاعد من أجل إعادة بناء القوات بعيداً عن فتح ولإخضاعها عندما يلزم الأمر، وهو ما أسماه دايتون «ولادة الفلسطيني الجديد» الذي يعتبر هدفه بناء الدولة وليس قتال الإسرائيليين أو مقاومة الاحتلال. وقال دايتون إن القادة العسكريين الإسرائيليين راحوا يسألونه بعد أن ذُهِلوا بأداء قوات الأمن الجديدة: «كم من هؤلاء الفلسطينيين الجدد تستطيع أن تُنتج، وبأسرع وقت، لأنهم يمثلون طريق مغادرتنا الضفة». والمقصود أنهم سيحافظون على أمن الاحتلال بلا حاجة إلى كل ذلك العدد الضخم من قوات «جيش الدفاع الإسرائيلي». هذا النص وما سيليه من نصوص من كينيث دايتون مقتبس من كلمته في معهد واشنطن: «ندوة سويت 2009» في 7/5/2009. وهو لا يزال في عهد باراك أوباما يقوم بمهمته باعتباره «المنسّق الأمني الأميركي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية». ويتابع دايتون بعد أن يستفيض في كيفية بناء تلك القوات وسهره عليها، قائلاً: «خلال العام والنصف الماضيين شن الفلسطينيون سلسلة حملات أمنية في الضفة الغربية وبشكل منسّق جيداً مع الجيش الإسرائيلي». ويواصل دايتون وصف إنجازات قوات الأمن التي بناها بالتعاون مع سلام فياض: «بل في الحقيقة إن نسبة كبيرة من الجنود الإسرائيليين الذين توجهوا إلى غزة انتقلوا من مواقعهم في الضفة الغربية وقد كان القائد الإسرائيلي للضفة غائباً عن عمله لثمانية أسابيع متواصلة». طبعاً ما كان للجيش الذي ذهب لاحتلال قطاع غزة أن يسحب معظم قواته من الضفة لولا وثوقه بحكومة سلام فياض وأجهزتها الأمنية، وهنا يريد دايتون أن يوحي بأن «لا حاجة إلى قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية». وتعليقاً على ما سمحت به حكومة سلام فياض من تحركات للتضامن مع «الضحايا» في قطاع غزة يقول دايتون: «كان القائد الفلسطيني يتصل بنظيره الإسرائيلي: لدينا مظاهرة ستتحرك من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) وستكون قريبة جداً من حاجز بيت إيل. وسنكون ممتنين إذا ما تخليتم عن الحاجز لمدة ساعتين حتى تمر المظاهرة وتعود. ومن ثم يمكنكم العودة». ويعلق دايتون: «لقد كان ذلك بالفعل ما فعلوه.. مذهل». ذلكم من بعض إنجازات دايتون- فياض في بناء الأجهزة الأمنية للدولة العتيدة، وهو ما يسّميه دايتون وبفخر «ولادة الفلسطيني الجديد»، أو ما يُسَّمون «الفلسطينيون الجدد». استهدفت هذه الإنجازات تصفية خلايا المقاومة من كل الفصائل الفلسطينية مع تركيز خاص على حماس والجهاد وصولاً إلى الجمعيات الخيرية والتعليمية والصحية، ولكنها استهدفت أيضاً تصفية وجود فتح في الأجهزة الأمنية، ففتح الآن في الضفة الغربية بلا مخالب ولا أنياب، بل تحت التهديد كذلك. والآن عندما حدّد سلام فياض في خطابه آنف الذكر أن الهدف الرئيس يتلخص في إقامة مؤسسات الدولة المستقلة خلال عامين يجب أن يُفهم ذلك على ضوء ما حدث بالنسبة إلى القوات الأمنية بأنه «ولادة الفلسطيني الجديد» في الوزارات المختلفة والإدارات جميعاً وتعريفه وفقاً لدايتون: «الفلسطيني الذي يعتبر بناء الدولة هدفه وليس قتال الإسرائيليين». هذا يعني أن عملية «حلاقة» على الصفر تنتظر كوادر فتح الذين فيهم بعض بقايا من فتح، تماماً، كما حدث مع زملائهم من ضباط فتح بحيث لا يبقى إلا بعض من كانوا في الصف الرابع، في التراتب، ليساوموا على إحداث قفزة كبيرة في وضعهم مكان الذين أحيلوا للتقاعد إذا ما حوّلوا ولاءهم إلى سلام فياض وقبلوا بدايتون وميتشل الموجهين السياسيين والأيديولوجيين لهم، وهذا يفسّر قفزات بعضهم فوق المراحل. وهكذا تكون إدارة أوباما قد عززت ما أنجزته إدارة بوش أمنياً وأخذت «الراية» لتعيد بناء مؤسسات «الدويلة» سياسياً، ومن خلال ولادة «الفلسطيني الجديد» فيها كذلك. العرب 2009-06-30