قفل العام 2009، وقبله ببضعة أيام 1430ه، أبوابهما، وهما يحتفيان بالذكرى الأولى لانتصار قطاع غزة شعباً ومقاومة على العدوان الصهيوني الإجرامي، والذي مُني بفشل ذريع عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، كما تركا مشروع أوباما-ميتشل للتسوية في غرفة العناية الفائقة بعد أن سقط أرضاً، وأسقط معه سياسات كل من راهنوا على أوباما وإدارته لتحقيق الحل النهائي المسمّى "حل الدولتين". وكان في مقدّمة هؤلاء الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته محمود عباس. يمكن القول، بعبارة أخرى، إن العامين 2009م و1430ه أقفلا أبوابهما بانتصار استراتيجية المقاومة والممانعة والصمود الشعبي. وبفشل استراتيجية المفاوضات، والمفاوضات فقط. هذه النتيجة، أو المحصلة، لا يمكن أن تقبل بها أميركا وأوروبا وروسيا كما الدول العربية التي جعلت من سياسات المفاوضات والتسوية استراتيجية وحيدة يجب أن تبقى قائمة، ومتحركة حتى لو لم تصل إلى نتيجة، لأن القبول بالفشل هنا يعني بقاء الحق الفلسطيني حياً، ويعني انتصار سياسات المقاومة ورفض التسوية استراتيجية وحيدة تمنع تصفية القضية الفلسطينية، وتضع الوضع العربي-الفلسطيني على سكة القوة والمنعة تمهيداً لتغيير موازين القوى. منذ بدأت عملية تنفيذ الاستراتيجية البريطانية، في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين من أجل إقامة كيان صهيوني فيها وتحويله إلى دولة مُعسكرة عدوانية تتفوق بالقوة والدعم الدولي على كل العرب والمسلمين، كان من الضروري أن ينفذ هذا المشروع خطوة بعد خطوة من جهة وأن يُضلل الفلسطينيون والعرب والمسلمون بقبول ما تمّ تحقيقه منها. وذلك بإحياء "أمل" في مشروع تسوية يُحد من توسعه واستفحاله ويجعل مما تمّ، أو بعض مما تمّ آخر المطاف، من جهة أخرى. الهدف من إبقاء مشروع للتسوية قائماً والدفع باتجاه تعليق الآمال عليه شرطاً للحيلولة دون مواجهة المشروع الصهيوني بكل أبعاده، كما كان شرطاً لإنامة المقاومة وكل إعداد لامتلاك أسباب القوة والمواجهة. ولهذا لم تعرف القضية الفلسطينية فترة واحدة، ولو قصيرة، لم يكن هنالك مشروع للحل أو لم يصدر قرار دولي تُعلَّق عليه "الآمال"، فيما كان المشروع الصهيوني يمضي في التنفيذ خطوة بعد خطوة. ومن ثم ليُطوى ما كان مطروحاً من أمل في الحل ضمن إطار الخطوة السابقة ليصار إلى إحياء مشروع أمل جديد يغطي الانتقال إلى الخطوة الثانية. هذا ما حدث عندما ابتُلعت مراحل الهجرة الأولى الواحدة بعد الأخرى إلى أن جاء "الحل" على أساس قرار التقسيم 181 لعام 1947. ولكن بعد إقامة دولة الكيان الصهيوني في 1948 وما قام عليه من تهجير لثلثي الشعب الفلسطيني واغتصاب بيوتهم وأراضيهم-قراهم ومدنهم، صدر القرار 194 الذي يقضي بعودة اللاجئين وقبله وبعده قرارات بالعودة إلى قرار التقسيم. وبهذا تعلقت الآمال الخُلّب من 1949 إلى 1967 على هذه القرارات، وما يجري من مساعٍ وتحركات، ويقدم من مشاريع حل وسيطة فيما مضى الكيان الصهيوني يُثبِّت دولته، وما حققه من تهجير فلسطيني ليحلّ مكانه هجرات يهودية جديدة. وعندما خطا الكيان الصهيوني خطوته الثانية الكبيرة في حرب العدوان التي شنها في يونيو 1967، سارع مجلس الأمن بإصدار القرار 242 القاضي بالعودة إلى خطوط الهدنة قبل الخامس من يونيو المذكور مع إبقاء التباسات في القرار حول الأراضي التي سيصار إلى الانسحاب منها وكذلك العلاقات الطبيعية، وإيجاد الحل العادل لقضية "اللاجئين". المهم أن المطلوب يتلخص بطمس الحقيقة من خلال تعليق الآمال على تسوية سياسية ما، وذلك ابتداءً من القرار نفسه، أو من مشاريع حلول لتطبيقه. ومن ثم كان المطلوب التخلي عن مشروع المقاومة الفلسطينية التي تصاعدت بعد عدوان 1967 من جهة وعن مشروع جمال عبدالناصر القائم على دعم المقاومة الفلسطينية وحرب الاستنزاف والإعداد لحرب إزالة آثار العدوان، تحت شعار "ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلاّ بالقوة" من جهة أخرى. وبالفعل دخلت عملية التخلي التام عن هاتين الاستراتيجيتين بعد توقيع المعاهدة المصرية-الإسرائيلية لحساب مشاريع جديدة للتسوية بلغت الأوج في مؤتمر مدريد، وما أطلقه من مفاوضات، ثم اتفاق أوسلو الذي كان ثالثة الأثافي بعد المعاهدة المصرية-الإسرائيلية ومؤتمر مدريد. ولكن راح النشاط التهويدي يتصاعد في القدس وفي المدن العربية التي احتلت في 1948 وفي تغيير خريطة الطرق التي كانت قائمة حتى 1979 وفي الضفة حتى 1993. وأصبح "الأمل" في التسوية معلقاً بمشروع أوباما المسمّى "حل الدولتين" الذي ستقرره المفاوضات الثنائية برعاية أميركا المصهينة. وقد وصل هذا الحل التصفوي إلى حد أسقط من حسابه %78 من أرض فلسطين، كما أسقط حق العودة، راح يفاوض لابتلاع القدس والأغوار وأكثر من نصف الضفة الغربية إلى جانب الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية. ومع ذلك انتهى بسقوط مشروع أوباما-ميتشل لبدء المفاوضات لتحقيقه مما أدخل الوضع في مأزق كان عنوانه إعلان محمود عباس عن خيبة أمله من إدارة أوباما وعدم ترشحه لانتخابات الرئاسة القادمة. ومع ذلك لا يعني هذا الانغلاق أن من الممكن لأميركا وأوروبا وروسيا وبعض الدول العربية وحتى حكومة نتنياهو نفسها أن يسمحوا بعدم استعادة "أمل" للمفاوضات والتسوية. فهذا ما سيعملون له بأي ثمن لئلا تكرّس استراتيجية المقاومة والممانعة ومواجهة الحقيقة. العرب القطرية 2010-01-05