مباراة تونس وفلسطين في كأس العرب 2025....وقتاش ووين تنجم تتفرج ؟    عاجل/ إمرأة تضرم النار في جسدها بمقر هذه المعتمدية..    أزمة جديدة: الصيدليات ما عادش تعطيك الدواء وتستنى تُخلص مالكنام    تونس تحتضن المؤتمر ال49 لقادة الشرطة والأمن العرب لتعزيز التعاون الأمني العربي    عاجل/ تصريح مدرّب فلسطين قبل مواجهة تونس    قانون المالية 2026/ المصادقة على الفصل الإضافي عدد 109المتعلّق بنظام الراحة البيولوجية في قطاع الصيد البحري    عاجل: تخفيضات تصل إلى 30٪ على وجهات مختارة من الخطوط التونسية ليوم واحد فقط    سامي الطرابلسي: جاهزون لمباراة فلسطين وقادرون على الذهاب بعيدا في كأس العرب    إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تعتزم التقليل من التجارب على القردة    توقعات بانخفاض الحرارة ونزول أمطار    عاجل: مناظرة لانتداب 250 عريف في الديوانة وهذا اخر أجل    عاجل/ قانون المالية: نحو إعادة عرض هذه الفصول المرفوضة على الجلسة العامة بالبرلمان    أطباء بلا حدود تطلق صيحة فزع: عشرات الآلاف في غزة بحاجة عاجلة للإجلاء الطبي..    احذروا هذا القاتل الصامت..#خبر_عاجل    بورتريه: فلاديمير بوتين.. الإمبراطور    سامي الطرابلسي: ليس لدي أي ندم.. ونحن مقتنعون بالخيارات التي قمنا بها    تطاوين: تواصل موسم جني الزيتون بإنتاج واعد وارتفاع ملحوظ في الغراسات المروية    البرلمان يصادق على فصل يسهّل على المصدّرين إثبات رجوع المحاصيل    تونس: 3 مؤسسات عمومية تنتفع بالطاقة الشمسية    عاجل/ قرار إسرائيلي جديد بشأن معبر رفح..    الملعب التونسي: التركيبة الكاملة للإطار الفني الجديد    فرجي تشامبرز يحسم مصير تمويلاته للنادي الإفريقي    وجبة خفيفة يوميا/ تؤدي إلى قوة الذاكرة..تعرف عليها..    ليبيا.. وزير الداخلية بحكومة الوحدة يحذر من مشروع توطين صامت    محرز الغنوشي: بداية من الليلة القادمة...وصول التقلّبات الجوية الى تونس    أب يُلقي ابنته من الطابق الثالث والسبب صادم..!    عروض فنية متنوعة وورشات ومعارض ومسابقات في الدورة الثانية للأيام الثقافية بجامعة منوبة    إدارة ترامب تصدر قرارا بشأن الهجرة وتفصل قضاة مكلفين بها    مفاجأة المونديال 2026: فيفا يغيّر قواعد الVAR... الركلات الركنية في خطر!    ابنة نور الدين بن عياد توضّح: "المنجي العوني أوّل من قدّم لي التعازي"    وزير الفلاحة: قانون الاستثمار التونسي يوفّر امتيازات هامة للمشاريع التي تعتمد التكنولوجيا الحديثة تصل إلى 50 بالمائة من قيمة الاستثمار    أرقام صادمة.. مقتل 45 ألف طفل سوداني واغتصاب 45 قاصراً بالفاشر    عاجل/ السجن لأجنبي وزوجته بتهمة ترويج المخدرات..وهذه التفاصيل..    مداهمات أمنية في الزهروني تطيح بعدة شبكات وعصابات إجرامية    جندوبة تستقبل أكثر من 1.4 مليون سائح جزائري... وقطاع السياحة ينتعش بقوّة    سعيّد: الشراكة مع اليابان استراتيجية... و'تيكاد' يعزز مكانة تونس في إفريقيا    كأس إيطاليا : يوفنتوس يتأهل الى الدور ربع النهائي على حساب أودينيزي    رئيس الجمهورية يشدد على ضرورة أن تكون البلاد العربية كلّها في موعد مع التحوّلات الرقمية    الشيخوخة تبدأ من "البنكرياس".. فحاول الابتعاد عن 3 عادات شائعة..    تقدّم أشغال بناء عدد من المستشفيات، أبرز محاور لقاء رئيس الجمهوريّة بوزير الصحة    رئيس الدّولة يسدي تعليماته بتذليل كلّ العقبات لاستكمال إنجاز أشغال عديد المشاريع في أقرب الآجال    إدارة ترامب توقف رسميا إجراءات الهجرة والتجنيس من 19 دولة    تركيا تعلن اعتقال 58 شخصا بتهمة الانتماء لحركة الخدمة    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق    البرلمان... ملخّص فعاليّات الجلسة العامة المشتركة ليوم الثلاثاء 02 ديسمبر 2025    تفتتح بفيلم «فلسطين 36» ..تفاصيل الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية    انتخاب المديرة العامة للخطوط التونسيّة نائبة أولى لرئيس اتحاد شركات الطيران الإفريقي    حدث فلكي أخّاذ في ليل الخميس المقبل..    ديمومة الفساد... استمرار الفساد    عاجل: مدينة العلوم بتونس تكشف موعد ''رمضان'' فلكيّا    نحو ارساء منظومة إسترسال ملائمة لنشاط الزربية والنسيج اليدوي في تونس    بدأ العد التنازلي..هذا موعد شهر رمضان فلكيا..#خبر_عاجل    المنستير تستعد لاحتضان الدورة 29 لمهرجان خليفة السطنبولي للمسرح من 6 إلى 13 ديسمبر الجاري    الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية تكشف عن قائمة المسابقات الرسمية لسنة 2025    وزارة الثقافة تنعى صاحب دار سحر للنشر الأستاذ محمد صالح الرصّاع    أيام قرطاج السنيمائية الدورة 36.. الكشف عن قائمة المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية الطويلة    بنزرت: مكتبة صوتية لفائدة ضعيفي وفاقدي البصر    ابدأ الامتحانات بثقة: دعاء يحفظ المعلومات في عقلك وذاكرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشرية : و"السينيكية" الغربيةالجديدة،أو"الجحيم الدانتي"(2): د.الطيب بيتي العلوي


أنثروبولوجي مغربي مقيم بباريس
"أنا حرمن الأغراض..،فأستمع الى شهادة الأحرار..،وان شهادة العبيدلا تساوي عندي حبتين من الشعير" من كتاب "مثنوي مولانا جلال الدين الرومي"
مقدمة توضيحية لا بد منها :
"السينيكة" أو"الكلبية"، ظاهرة اجتماعية لاأخلاقية ،تفرزها الأزمات عند المنعرجات الأخيرة للحضارات الآيبة والآهلة للسقوط،وهي ظاهرة فوقية تأتي دائما من الأعلى،عندما يتعفن رأس الهرم في السلطة ومنظريها،وأعيانهاوأعوانها المستفيدين و نخبها ومثقفيها،وهي تختلف شدة وقوة وضغطا من مجتمع حضاري وثقافي الى آخر،ومن بيئة الى أخري، بحسب الاستعدادات النفسية الجماعية أولا، ثم الميل الى الامعية والتقليد الممسوخ وتعطيل العقل، مع موات الوازع الديني،أوالأخلاقي،أوالقومي والوطني في النفوس لدي المجتمعات التقليدية،التي تغدوفي حالة تحولها الى"السينيكية"أشد شرا،وأكثرعوجا وأصلبها فتكا،وأمعن مقتاورفضا للخيرالأسمى–كما سأتعرض لذلك في مبحث "السينيكة العربية الجديدة
ولقد حصرت ظاهرة السينيكة العربية القديمة التي أصابت الحضارة العربية-الاسلامية في المشرق العربي مبكرافي أواسط القرن الثاني الهجري،(في مبحثين سابقين)وان بدت بوادرالأعراض"الاكلينيكية "الغيرالمرئية مع الخليفة الأموي"اليزيد بن معاوية" الذي أعاد صنيعة الجاهلية العربية الأولي في الحكم والطغيان وجزالرقاب والقشرة حضارية اسلامية..،ثم عندما أكبت على الرفاهية والسرف في دولة بني العباس،طبقة موسرة تصنع في الاسلام كهيئة الفرس والأكاسرة ومفسدي أثينا وأباطرة الرومان،عندما أصبح الغلمان زينة،والقيان فتنة،والحيطان موشاة بالديباج والعاج، والأراضي بالمرر،والقصورأعاجيب الدنيا في البناء،والقادرون الموسرون"الفارغون"دائما في كل الأزمنة يقلدون...،كما يتبارى اليوم أعراب المنطقة يصنعون صنيع الأمريكان في التسوق والاستهلاك وتبذير الخيرات، والعلوفي البنيان والعمران- وكأن الصحاري ضاقت عليهم بما رحبت -بأموال قارونية تكفي لانعاش اقتصاد الأمة والقضاء على المسغبة من الخليج الى المحيط ،
و لقد استشرت السينيكة في الماضي البعيد في سائرالمشرق العربي، بعد أن تجمعت على عاتق الدولة العربية لبني العباس في أواخرعهدها،مواريث الفساد الديني والاجتماعي والسياسي،كما تتراكم الأقساط المؤجلة لتحل يوم الحساب،والتي لم تكن صدفة،ولكن كان منطق التاريخ أن تنتهي،وتبدأ قرون الدماربالتتار والمغول والصليبيين الذي لاراد له...،وذلك بفعل أيدي الناس لا رب الناس..،وفي هذه الأجواء المفعمة بالأزمات والخيبات والهزات والتقلبات العربية والثرف والملق،تنامت ظاهرة الزهد والتصوف، واشتد نفوذ رجاله على العامة والخاصة من جهة،كما رفع الفسق والفجوروالتزندق أعلامه الى حد الساعة
(ولم أتطرق لمثيلها في المغرب العربي لأنها جاءت متأخرة بقرون،بسبب نشوء الأمبراطوريات المغربية الفتية،التي عزلت نفسها عن قلال وصراعات الدولتين الأموية والعباسية، منذ المرابطين في القرن الخامس الهجري الى دولة الأشراف السعديين قبل أن يدب الانحلال في الأسر المالكة بعد أن انفكت الامبراطورية الاسلامية في المغرب الاسلامي من حدود مصرالى أرباض نيجيريا والنيجير
التعريف :
ماهي السينيكية؟ : Cynisme
السينيكية باللغة الفرنسية والانجليزيةهي :كلمة جامعة تدل على التهكم،والتهتك،واللاأخلاق، والاستخفاف،والاستهتار،والوقاحة،والصلافة،والضعة،واللامسئولية،والاصطخاب الكلامي،والتفاوض العبثي التهداري،والتحاورالأبله الزائف،وهي بهذاالمعني،صفة منسوبة الى الكلب،ولكن الى أكثرصفاته خسة وحيوانية وبدائية وسفالة وانحطاطا،وان كان الكلب أعلى قدرا من الكثيرمن"السينيكيين" الجدد المنتشرين شرقا وغربا ،حيث أن من طباع الكلب،مع ذلك،الوفاء لسيده،والخدمة والاخلاص والمثابرة في ما يوكل اليه من مهام ان أحسنت تربيته
و"السينيكية" بالاصطلاح الفلسفي Cynisme :بالفرنسيةأوCynism بالانجليزية،فقداصطلح عليها باللغةالعربية ب"الكلبية"وهي مدرسة فلسفية يونانية cynics،أو،Ecolecyniqueأنشات في(القرن الرابع قبل الميلاد)ويرجح بأن مؤسسها،هوالفيلسوف الأثيني"أنيسثينيس"وكان الفيلسوف اليوناني المشهور"ديوجين السينوبي"من أبرزدعاتهاوفقهائها،
كان الفلاسفة"الكلبيون"في بداياتهم يعبرون عن القطاعات الديموقراطية والأقليات المهمشة في المجتمع العبودي الأثيني في البداية،حيث كانت"اللذة"كمذهب،و"التفسخ"كمنهج"و"الشذوذالجنسي"كشرط من شروط "التعاقدالمديني"للحصول على"الحق المدني"لغيرالأثيني"لقبوله في"المجتمع الأثيني"..حيث كان من أخص خصائص المذهب الكلبي اليوناني القديم،أنه يقوم على نبذ الفضيلة واحتقارالتقاليد الاجتماعية والأعراف الأخلاقية الأثينية القديمة،
وكان هذاالمذهب يعبرعن السمات الخصوصية للشخصيات التي تتميز بالاحتقارالصريح والمعلن للقواعدالأخلاقية الروحية التي كانت منتشرة في اليونان-قبل طاليس-عبر الهكسوس والأشوريين والسومريين والأكاديين والعموريين،وقبل التصورالاغريقي الكوني الخالص"لفلسفة الكائن السقراطية"انطلاقا من عراق حمورابي ومصرأخناتون(1350عام ق.م)وخاصة في مرحلة الملك البابلي السابع(حمورابي)الذي سن أعرق قوانين التاريخ المؤسسة على الروحانية والانسانية–بمعناها الانساني النبيل،لا "الانسانوي"الزائف الغربي المعاصر-والفضائل السامية،ونبذ الخلافات والمذهبية والعرقية،..
ويرى الباحثون،بأن ارتباط النزعة الكلبية"باللاأخلاق"،تعودالى الأنانية والصلافة و"النسبية الهلامية"،ونكران الفضائل،الى غير ذلك من الصفات السلبية التي تطغىعلى المجتمعات في مراحل بدايات انحطاطها
"السينيكية"الغربية : ذلك (الجحيم الدانتي)أو الفوضى الكونية
نجدالسيدة"دوروثي سيرز"،هي من أعمق النقاد والشارحين لأعمال"دانتي علىالاطلاق الى نهاية الستينات،كتبت في عام 1952(قبيل شهرين من الثورة الناصرية)نصا في مقدمة لها في شرح"الكوميديا الالهية"لدانتي مايلي:
"بأن ما يتفق عليه الجميع(وتقصد بذلك أقوال كل فلاسفة ومفكري ومبدعي ما بعد الحرب الثانينة العبثية الكبرى)،أن"الجحيم الدانتي"هوصورة المجتمع الانساني الغربي الحديث في حال الخطيئة والفساد"..ومضيفة :"وبماأننا مقتنعون بأن المجتمعات الغربية تسير في طريق سيئ،ولا تتطوربالضرورة في اتجاه الكمال،فأنه من السهل عليناأن نميزالمراحل التي تعمق وفقهاالفساد..."–حيث لخصت مظاهرهذاالفسادفي مقدمتها لجحيم دانتي في حاشية مطولةألخصها في ما يلي:
-الاحساس بالعبث،وفقدان الايمان،
-الانزلاق نحوالانحلال الأخلاقي المدمر،والاستهلاك البشع لكل أنواع الجشع(المادي والمعنوي والابداعي" لكل"الغرابات" باسم الابداعات الفنية)
-النزق المالي،المزاج السيءالجامح،العناد،والنزعةالفرديةالمتصلبة،
-العنف"المنظم"الدولي من طرف الدول العظمى،ضد الدول الصغرى الحديثة العهد بالتحرر،وعدم احترام الحياة والملكية بما فيها حياة وملكية المرءنفسه،
-استغلال الجنس،وانحطاط اللغة عن طريق الاشهار والدعاية والاعلان،
-الاتجار بالدين،وتوجيه عقول الناس باستخدام الهستيريات الجماعية(صناعات الرياضات واستحداث "الكنائس"و"المعابد" الجديدة لربوبية الرياضات لاستغلالها في التهييج للشوفينيات والاقيلميات والجهويات والعنف البدائي الحيواني"،وتجمعات المهرجانات السينمائية والغنائية الثقافية وعربدات المراقص المشرعة للدعارة والانحلال والعهر"المعقلن"و"المنظم "والانحرافات الجسيمة
-زرع الشقاق باسم القوميات والخصائص الثقافية لأقليات الاثنيات(طبقة ضد طبقة،وأمة ضد أمة،وعرق ضد عرق آخر،وطائفة ضد أخرى)،
-تزييف وسائل التواصل،واستغلال أحط وأغبى العواطف الجماعية،و خيانة أصول القرابة والوطن والصديق الحميم والولاء المقسم عليه ..."
وتختتم السيدة "دوروثي" هذه الحاشية بما يلي :
"وهذه هي المراحل البارزة المنذرة بالانجراف الى الموت البارد للمجتمعات الغربية والى انطفاء جميع العلاقات"الحضارية بين البشر..."انتهت حاشية السيدة "دروروثي".
وقد كتب هذا الكلام منذ أكثر من نصف قرن قبل وجود الثوريين المتمردين على الحضارة الغربية من خارجها من(العالم العربي-الاسلامي) أو أمريكا اللاتينية وافريقياأوآسيا،ماعدا كبري الحركات الاسلامية "الاخوان المسلمين"التي أنشأت في بداية عشرينات القرن العشرين،حيث كانت مثلها مثل القومية الناصرية"اللادينية" رد فعل للسياسات الغربية الرعناء في المنطقة وتآمرالحكام العرب مع أعداء شعوبهم،وسيظل الغرب المسئول الأول في تفريخ واستنباث المزيد من حركات المقاومة في المنطقة، بل وسيستمرهذا الغرب في خلق خلايا مزيفة "وطواطية" يمولهاو يضفي عليها أسماء ومسميات فولكورية، قصد تبرير وتسويغ حروبه الهمجية على الشعوب العربية والاسلامية، حيث كانت بالامس حركات شيوعية "حمراء"واليوم حركات اسلامية ارهابية "خضراء"
ولقد تم التعليق على حاشية السيدة"دوروثي"،زمنها،من طرف بعض الكتاب والمفكرين والنقاد البورجوازيين حتى من بعض الثوريين المزيفين الوصوليين مثل "سارتر"وخليلته"دوبوفوار"و"جان جيني"و"أندري جيد"ونعتواحاشيتها ب"الهراء الشيوعي الأحمر"بعد أن غيرهؤلاء معاطفهم"الثورانية"من"الماركسية الأرثوذوكسية الرومانسية" الى"الوجوديات والعدميات والقلق والغثيان والجدار،والطرق الثالثة"البديلة"الهلامية بدون طريق، وحشرالشباب الضائع المتأزم -زمنها-لما بعدالخمسينات، في أنفاق معتمة "للأحلام الوردية"والسراب،لتصورات لعوالم أقرب الى "لاعقلانيات "الخيال العلمي والأدباتي،والتهدار الرومانسي،لابداعات القرن التاسع عشر،وعشرينات مابعد الحرب العالمية الأولي أو"الأرض الخراب" كما وصفها بصدق"ت.س اليوت"، كردة فعل لصرامة "عقلانيات"القرن السابع عشر،والثامن عشر،الداعية الى"انتصارالعقل وصرامته وجفافه" التي دعت بعض الفلاسفة الكبارالى التحول الى العنصرية المقيتة من فرط اعتزازاهم بخصوصية قدرة الغرب على"التنظيرRationalistion"كما حدث عند
"ماكس فيبر"أحدأنبياء وملهمي"التفكيكية"Réductionisme و"كارل ياسبرز"أحد أعمدة الوجودية Existensialisme،
ويحدث–للغرابة- نفس الشيء اليوم،عندما أطلت بأعناقها اليوم جوقة المعادين للعالم الثالث من"الفوبيين"الغربيين الجدد-ولكل مرحلة فوبيتها وفوبييها- لشيطنة كل مقاومي المشروع الغربي في العالم،ونعت منظريه ومريديه ب"الارهابيين"من(اسلاميين وعلمانيين)في مشارق الأرض من الصين وأفغانستان وباكستان والسودان والصومال وكوريا الى أمريكا اللاتينية وافريقيا- تلبية لمشاريع وتشاريع جديدة من طرف الكونغرس الأمريكي،وتل أبيب وبرلمانات المجموعة الأوربية و"جماعات الخضر المزيفة" و"اليسارالمزيف الأووربي الجديد"وفلاسفة فرنسا الجدد المتحلقين حول مشروع ساركوزي الجديد الذي يتزعمه "الفيلسوف الفرنسي"المتصهين"واليساري المزيف "بيرنارليفي"والمنظر الحالي للايليزي العتيد..
وقد برزمؤخرا-وخاصة بعد محرقة غزة- الكثيرامن المثقفين الغربيين الصادقين من خارج "السياج المحكم "يطالبون الفلاسفة والمنظرين والسياسيين بالحلول،ولكنهم سرعان ينكفئون أويغضبون أويتشنجون عند محاورتنا معهم قائلين لهم :بأن اصلاح الغرب لا بدأن يتم من الداخل الغربي لا من خارجه،وأنه من اللامعقول مطالبة الغرب بأن"يتأسلم"-مثل الطروحات المشبوهة لظاهرة ما يسمى ب"طارق رمضان"أو"يتعرب"أو"يتصين"أو"يتهند"أو "يتأفرق"فذاك من سابع المستحيلات،فقد وأد الغرب أكبر تجربةغربية معاصرة نابعة من صلب التنظيرالغربي الخالص"الكانطي–الهيغلي"المنتقدة للهذيان الغربي من الداخل،وهي "الماركسية،ولن يسمح، بالتالي،على الاطلاق لأية تجربة ثانية مهما كان الثمن،ولوكان على حساب تدميرالبشرية برمتها بحرب عالمية ثالثة أوالطوفان،مادام الغرب في مساره التاريخي الطويل، لم يحل أية معضلة انسانية قط منذ ما قبل مسيحيته الى مسيحيته ثم"تنويره"ثم "حداثته" سوي بالحروب العشواء والتدمير،وهي نفس الصورة القاتمة المرسومة على خريطة اليابسة اليوم وكما يتصورها"التآلف الاسرائلي–الأوروبي-الأمريكي الجديد"
ان الغرب اليوم،مصاب بعقم اكلينيكي مزمن"فكريا"وسياسيا،وعاجزعن اعطاء أي بدائل عن الحروب،تلك البدائل الممكنة التي كان يطرحا في الماضي القريب بعض"الهيغليين الشباب الجدد"من المتحمسين في باكورة السبعينات مثل"ماركيوزوغارودي وفوكو وغيرهم" وهوما أسماه "أوريل"زمنهافي ما بعد ثورة اليسار الكبرىالمزيفة الفرنسية لعام ،1968بخيانة المثقفين"،أوخيانة الثوريين"أوانحراف الكتاب والمبدعين، الذين سقطوا السقوط الأكبرمثل سقوط برج بابل الأعظم في"اللعبة" وأقحموا،بكل عهر،كل سذج المبدعين المحسوبين على اليساروالثوريين والمستنضلين الورقيين الثالثيين من العرب والأفارقة واللاتينيين "المناضلين" في أندية وخمارات أزقة الحي اللاتيني بباريس،وسوهوبلندن،والديم سكواربأمستردام،وفي حانات جنيف،وزوريخ،وفيينا اللازوردية، يحرقون"الامبرياليات"عبرمضاجعة طريات الشقرالأوروبيات،وكرع الدنان من الأنبذة الأمريكية والانجليزية الغالية،وخمور فرنسا المعتقة، وجعات بافاريا وميونيخ وروتردام المميزة،وتدخين فاخرسيكار"هافانا كوبا"وفخيم سجائر"الأمريكان"المحببة الى النفوس العربية والثالثية على امتداد العالم الثالث الأكثر استهلاكا لكادجيهات الغرب
ولا أحد يشك في صدق هؤلاء المساكين المخدوعين"الذين انحشروا كلهم في متاهات"الفكر الجاهز" Pensé prêt-à-porterمثل الألبسة الجاهزة،التي أحدثت فراغا ايديولوجيا رهيباابان اطروحات "نظريات"تقارب الأنظمة"الوهمية ما بين الاشتراكية والرأسمالية التي ستأدي حسب مزاعم دعاتهاالجدد الى ما أسموه ب"المجتمع الصناعي الموحد"الذي أدي-عمليا-الي افرازظاهرة "البغاء السياسي"بعد ما سمي ب "مابعد السياسة"Post-pilitique التي أفرزت ظواهرمتفردة ومتقاربة من حيث الزمن،وبعضها يكمل البعض،ومتشابهة في النتائج :
أولا :ظاهرة "السادات"وخطابه الليبرالي المناهض للخطاب الناصري"الذي تم بموجبه الاقصاء الكلي لأكبر وأخطر دولة عربية بثقلها الشعبي العددي والتاريخي والتراثي والحضاري،بعد حرب أكتبر/رمضان(مشروع كيسينغر-بريزينسكي)على هدي نظرية" الشفافية"و"الاصلاح"و"اللاتاريخ"و"اللااديولوجية"المؤدية الى"كامب دايفيد المشئومة"
ثانيا : ظاهرة "غورباتشوف" واخراج الاتحاد السوفياتي وتشطيبه من الصراع الدولي نهائيا، وبيع الدب الروسي في سوق النخاسة الرأسمالية الغربية التي خطط لها"معهد جوناثان"Jonatthan Insttute الذي أنشأه عام 1979 بينيامين نتانياهو" بتمويل من الجمهوري"جورج بوش الأب" عندما كان مديرا للمخابرات الأمريكية في السبعينات، ايمانا من ان الاتحاد السوفياتي زمنها كانوراء كل"الحركات الارهابية في العالم، كما كان يشكل العائق الاساسي للبرلة العالم ، فكان لا بد من تفكيكه
ثالثا :خلق الأطروحات الجديدة لمرحلة ما بعد تفكيك المعسكر الاشتراكي المسماة ب :أطروحات فهم العالم الجديد وهي :نهاية التاريخ،صدام الحضارات والفوضى العالمية الجديدة
رابعا :تطبيقها عمليا على أرض الواقع في العراق في الهجمتين الأولى والثانية ،انجازا لأنظومتي"النظام العالمي الجديد/ثم النظام الاقتصادي الجديد (كمطلب تلمودي قديم أولا يلبي طموحات اللوبي(البروتستانتي-الانجيليكي الجديد المتصهين) من جهة،وكمطلب (جيو-ستراتيجي)واقتصادي، ومفتاح الاستيلاء على خيرات الشرق برمته من جهة ثانية،عبر السطو على أفغانستان لتطويق كل المعابرالمؤدية الىمحاصرة الصين وروسيا وايران وباكستان، ثم في حرب تدمير لبنان لمحاصرة سوريا ، والخارج عن التطويع والتركيع للاملاءات الغربية لالحاقه بخبركان مثل العراق، كما صرح بوش في حرب تموز"لبنان طرقنا الى سوريا وايران"
خامسا : فسح المجالات لاشاعة هيمنة الفوضى الفكرية،والعهرالثقافي،والزيف بكل أشكاله عبرالمؤتمرات والندوات ومهرجانات الفنون والطبخ،وكل البذاءات المتسربلة برداءات الثقافة والفن و"حوارالحضارات والثقافات "التي أوصلت المثقفين والمبدعين الثالثيين الى"الصفر"
بينما بدأت موجة من المثقفين الغربيين اليساريين المتمردين الذين عاشوا ويلات جحيم"العالم الحديث"أو جحيم دانتي"من أولائك المبعدين عن الاعلام الرسمي والثقافي المشبوه السائد اليوم في أوربا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية(التي كشف زيف مثقفيها المرحوم"ادورد سعيد"في مبحثه القيم"الثقافةوالامبريالية")حيث تقوم هذه النخبة الجديدة المتمردة،عبرالكتابات والمحاضرات في باريس وبروكسل ولندن،وعبرمواقها بمناهضةالزيف"اليساري الجديد"وفضح مقولاته،وكشف أقنعته،ومواقفه اللولبية من أهم قضية انسانية مطروحة على الضميرالانساني،وهي القضية الفلسطينية برمتها، ومحرقةغزة وحصارها وتجويعها وتركيعها،وتهويدالقدس ومشروع تهديمه عن آخره،حيث بدأ الاعلام الرسمي الغربي والعربي وجوقتهما من المفكرين،والاعلاميين المتناسلين بكثرة في هذه الأيام-للغرابة-يهاجمون هؤلاء على أنهم متشائمون وسودايويون،ومرعوبون،ومزاجيون ومهمشون ومعتوهون ومنذروهلاك......للبحث صلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.