بارومتر 2025: 13٪ من التونسيين ملتزمون بالإستهلاك المسؤول    حملة رقابية مشتركة بشاطئ غار الملح: رفع 37 مخالفة اقتصادية وصحية    كأس العالم للأندية 2025: برنامج مباريات السبت 21 جوان    بطولة افريقيا للرقبي السباعي بالموريس: المنتخب التونسي ينهي الدور الاول في المركز الثالث    بن عروس : "كبارنا في اعيننا ..وبر الوالدين في قلوبنا" عنوان تظاهرة متعددة الفقرات لفائدة المسنين    الميناء التجاري بجرجيس مكسب مازال في حاجة للتطوير تجاريا و سياحيا    عاجل: قائمة المتفوقين في بكالوريا 2025... أرقام قياسية وأسماء لامعة!    نسبة النجاح في الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025 تبلغ 37,08 بالمائة    نتائج بكالوريا 2025: نظرة على الدورة الرئيسية ونسبة المؤجلين    صفاقس: 100% نسبة نجاح التلاميذ المكفوفين في باكالوريا 2025    عاجل: وزارة الفلاحة تحذّر التونسيين من سمك ''ميّت''    عاجل/ نفوق أسماك بشواطئ المنستير.. ووزارة الفلاحة تدعو إلى الحذر..    بطولة برلين للتنس: انس جابر تنسحب رفقة باولا بادوسا من مواجهة نصف نهائي الزوجي    كأس العالم للأندية 2025: ريال مدريد يواجه باتشوكا المكسيكي والهلال يلتقي سالزبورغ النمساوي    المهدية : تنفيذ عمليات رقابية بالمؤسسات السياحية للنهوض بجودة خدماتها وتأطير مسؤوليها    Titre    "نيويورك تايمز": المرشد الإيراني يتحسّب من اغتياله ويسمّي خلفاءه    مبعوث بوتين إلى الشرق الأوسط يحذر من المساس بمحطة بوشهر الإيرانية    عاجل: بداية الإعلان عن نتائج الباكالوريا عبر الإرساليات القصيرة    الدورة 56 لمهرجان الساف بالهوارية ستكون دورة اطلاق مشروع ادراج فن البيزرة بالهوارية ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو (مدير المهرجان)    المنستير: انطلاق المسابقة الدولية في التصوير الفوتوغرافي والفيديو تحت الماء بعد تأجيلها بيوم بسبب الأحوال الجوية    النجم التونسي محمد مراد يُتوّج في الدار البيضاء عن دوره المؤثّر في فيلم "جاد"    مدنين: 56 مريضا ينتفعون من عمليات استئصال الماء الابيض من العيون في اليوم الاول لصحة العيون    باجة : إجراء 14 عملية جراحية مجانية على العين لفائدة ضعاف الدخل [صور + فيديو ]    محسن الطرابلسي رئيسا جديدا للنادي الإفريقي    "هآرتس": تحرك قاذفات أمريكية قادرة على تدمير "فوردو" الإيرانية    قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    تعمّيم منصة التسجيل عن بعد في 41 مكتبا للتشغيل بكامل تراب الجمهورية    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    فيديو من ميناء صيادة: نفوق كميات هامة من الأسماك بسبب التلوث    قبلي: حادث مرور يودي بحياة جزائري وإصابة مرافقه    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    أردوغان: متفائلون بأن النصر سيكون إلى جانب إيران    عاجل/ ترامب يمهل ايران أسبوع لتفادي الضربات الامريكية المحتملة..    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    توقيع اتفاقية قرض بقيمة 6,5 مليون أورو لإطلاق مشروع "تونس المهنية"    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الاحتلال يضرب وسط إيران.. قصف مبنى في قم وانفجارات في أصفهان    إغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري الإيراني    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب النفط الصليبية : سلطان أبو علي

إن أحد المقومات الأساسية للثورة الصناعية الحديثة التي بدأت في بريطانيا في الربع الأخير من القرن الثامن عشر هي الطاقة. ومع تزايد استخدام الآلة في مجالات الإنتاج المختلفة من زراعية وصناعية وخدمية تزايد الاعتماد على الطاقة في حياة الإنسان بصورة عامة.
وبدخول الدول الصناعية المتقدمة في المرحلة التي سماها المؤرخ الاقتصادي و. و. روستو (Walt Whitman Rostow) مرحلة الاستهلاك الكبير الواسع، ازدادت الحاجة إلى الطاقة، وارتفع استهلاكها ارتفاعا كبيرا. وحيث إن تواجد الطاقة الرخيصة غير متوزع بالتساوي على مختلف مناطق العالم -شأنها شأن معظم الأشياء والقدرات- تسعى الدول المتقدمة إلى تأمين مصادر حصولها على الطاقة بكافة السبل. وتزداد أهمية ذلك في ضوء الطبيعة الناضبة لأحد أهم مصادر الطاقة النظيفة نسبيا البترول والغاز.
ويتضح ذلك جليا من النظر إلى إحدى الدول من كبريات مستهلكي الطاقة –وهى الولايات المتحدة الأمريكية– التي تستورد كميات كبيرة من البترول، ليس لعدم تواجد احتياطاته فيها، ولكن بغرض إطالة عمره من المصادر الداخلية بدلا من الاستيراد.
السيطرة على الموارد
الغرب والعرب من التاريخ إلى الجغرافيا
البترول والدولار: الاقتصاد النقدي والاقتصاد العيني
إسرائيل والمحافظون الجدد وإشعال الحرب
مستقبل البترول: رهانات وإكراهات
السيطرة على الموارد النفطية
من هنا نرى أهمية كتاب "الحروب الصليبية على البترول" لمؤلفه عبد الله يحيى زلوم، الفلسطيني الأصل الأمريكي الجنسية الذي تعلم الاقتصاد بجامعة هارفارد الشهيرة. ويقع الكتاب في نحو 210 صفحة، ويشتمل على ثمانية فصول. إلى جانب المقدمة والفهرس والهوامش.
وفى المقدمة يعرض الكاتب لخلفيات غاية في الأهمية تكمن وراء تفسير الحروب الصليبية على البترول -ومن بينها ترسيخ فكرة قيام إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي على أساس هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم وجعله متقبلا- إن لم يكن متّبعا لطريقة الحياة الأمريكية. كما أيد المحافظون الجدد، الذين بيدهم مقاليد الحكم حاليا (عند صدور الكتاب) في الولايات المتحدة، شرعية الحروب الاستباقية لحماية المصالح الأمريكية بعد أن كان هذا يعد من "التدخل في الشئون الداخلية للدول، وأنها وسيلة عدوانية لتسوية النزاعات بين الدول"، كما ورد على لسان المدعى العام الأمريكي في محاكمات نورينبرج في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وقد عبّر الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت عن هذا في خطاب شهير له في أكتوبر 1937 بقوله "إن الحروب الاستباقية لألمانيا النازية تخلق تدخلا غير مشروع في الشئون الداخلية للدول، وتعلن عن ولادة عصر من الإرهاب وعدم الشرعية". وفى ضوء الاعتقاد بأن إنتاج البترول قد بلغ نقطة الذروة، وأنه آخذ في التناقص، مع عدم وجود بديل قريب له، يصبح شريان حياة الرأسمالية مهددا إن لم تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم بدأت الحرب من أجل السيطرة على هذا "المورد الناضب" وذلك بعد التستر وراء مفاهيم أخرى، ومنها ما أسموه "الحرب ضد الإرهاب" الذي لم يثبت وجوده في حالات عدة، كما سيرد ذكره فيما بعد... ومما زاد الطين بلّه، المبدأ الذي نادي به جورج بوش الذي يقول بأن "من ليس معنا فهو ضدنا".
ويرى المؤلف أن بداية النهاية تكمن في كلمتين هما "عصر ازدهار" صناعة البترول منذ بدايته إلى الوقت الحالي، والسبب في ذلك هو أن إنتاج البترول كان يسبق الطلب عليه بخطوة واحدة على الأقل. ولكن هذه الحال تتبدل وتتغير الآن، ذلك أن الفجوة بين الإنتاج والطلب آخذة في الضيق، فهي اليوم أضيق منها بالأمس، وبعد غد أضيق منها بغد، وقريبا جدا سوف تردم الفجوة كلية، وفى الوقت نفسه لن تستطيع بدائل البترول سد فائض الطلب. ولهذا يتوقع أن يسيطر البترول على السياسة الدولية بطريقة لم تحدث من قبل.
ويرجع السبب في ذلك إلى نمو كثير من الدول، وخاصة الدول النامية كبيرة الحجم بمعياري المساحة والسكان (الصين، والبرازيل، والهند) ومن ثم يتزايد طلبها على الطاقة في الوقت الذي يتناقص المعروض منه.
ومن ناحية أخرى، فإن الشرق الأوسط يمتلك أكبر احتياطيات البترول وأقلها تكلفة لاستخراجه، وهى منطقة يمكن أن تؤثر في اتجاه سياسات أمريكا ومن ثم يجب السيطرة عليها. وكذلك فإن أهم وأكبر شركات البترول هي أكسون-موبيل، وشل، وبريتش بتروليم، وشتيفرون تكساس، وتوتال فينا ألف- وأكبر الدول التي بها بترول هي دول إسلامية : العراق، وإيران، والكويت، والسعودية، والإمارات، ولذلك ليس بمستغرب أن يختار الرئيس بوش الابن-الذي عمل في مجال البترول في تكساس ونائبه ديك تشيني الذي عمل في شركة انرون وتخصصها في مجال الخدمة البترولية- غزو العراق (ص 17).
الغرب والعرب من التاريخ إلى الجغرافيا
فى الفصل الثاني يعرض المؤلف لمختصر تاريخ البترول تحت عناوين: الجيولوجيا، والجغرافيا والجغرافيا السياسية. ويقرر أن البترول العربي قد خصص من البداية للدول الغربية منذ لحظة منح امتيازات التنقيب عن البترول لأوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من تصوير الغرب للعرب على أنهم شيوخ أثرياء، إلا أن مجموع دخل دول الأوبك في عام 2003 كان حوالي 240 مليار دولار أمريكي، وهو ما يقل عن إيراد شركة وال-مارت الأمريكية، في نفس العام وهى شركة تعمل في تجارة التجزئة. وأن مجموع الأصول التي امتلكتها 480 مؤسسة تمويلية وبنكا عربيا في جميع الدول العربية في عام 2004 كان 780 مليار دولارا أمريكيا، تمثل نحو 62% من مجموع أصول بنك مجموعة سيتي Citigroup.
ويرى المؤلف أيضا أن ميول الغرب تجاه العرب تمتد جذورها إلى الزمن الذي هزم فيه المسلمون الإمبراطورية الرومانية. فقد أدت الجغرافيا دورا في ذلك نظرا لوقوع الإمبراطورية العثمانية في طريق الحرير، ثم غزو نابليون لمصر في القرن الثامن عشر، الذي حفز الانجليز على محاربة فرنسا على أرض مصر، واكتسبت قوة أكبر في الشرق الأوسط. بل من الأصح القول إن هذه المواجهة قد بدأت قبل ذلك بكثير، أي منذ زمن الحروب الصليبية وطرد المسلمين من أسبانيا. واستمر تأثير الغرب على المنطقة من أجل تحقيق فصل العرى الوثيقة بين الدين والدولة في الإسلام خلافا لما يعتقده المسلمون. وقد نجح الغرب في أعقاب الحرب العالمية الأولى في تفتيت الدولة العثمانية والقضاء على فكرة الخلافة الإسلامية، وذلك ما تضمنته اتفاقية سايكس وبيكو. وقُسَّمت المنطقة العربية بين انجلترا وفرنسا.
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى رواية قصة بترول العراق، ويشبّه الاستعمار البريطاني الذي ساد في القرن العشرين ببناء الإمبراطورية الأمريكية الذي بدأ في القرن الماضي ويستمر في هذا القرن. لقد حرّض الرئيس السابق جورج بوش الأب في عام 1991 العراقيين على الثورة ضد صدام حسين، إلا أن واشنطن كانت تخشى الثورة الشعبية لتأييده. ومن ثم ذهب بعض المحللين إلى القول إن الولايات المتحدة الأمريكية قد شجعت صدام حسين على غزو الكويت، وأن الدافع الرئيسي وراء ذلك هو السيطرة على البترول.
ويعدد الكاتب تحركات سياسية تشبه حركات الشطرنج من أجل التوصل إلى السيطرة على البترول، ومن ذلك تشجيع صدام حسين على الحرب ضد إيران التي دامت لمدة ثماني سنوات. ويختتم هذا الفصل بأمرين في السياسة الأمريكية؛ أولهما أخبار الرئيس كلينتون للأمم المتحدة في عام 1993 بأن "الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعمل بطريقة متعددة الأطراف كلما أمكن ذلك، ولكنها سوف تتصرف بصورة منفردة عندما يكون هذا ضروريا" أي لمصلحتكم. والأمر الثاني ما ذكره وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين عام 1999 من أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تستخدم القوة العسكرية بإرادتها المنفردة لحماية مصالحها الحيوية التي تتضمن الولوج الحر إلى الأسواق الرئيسية، وإلى مصادر الطاقة وغيرها من الموارد الإستراتيجية.
البترول والدولار: الاقتصاد النقدي والاقتصاد العيني
يربط التحليل في الفصل الرابع بين قيمة الدولار وسعر البترول. أي الذهب الأسود. وذلك من خلال أحداث قد تبدو للوهلة الأولى غير مترابطة.و أهم هذه الأحداث هي:
1 - التنبؤ بأن كمية إنتاج أمريكا من البترول سوف تصل إلى الذروة في عام 1970، لتنخفض تدريجيا بعد ذلك، وهذا ما حدث فعلا. وأصبحت أمريكا بلدا مستوردا صافيا للبترول في عام 1970، وحدث أول عجز في ميزان التجارة الأمريكي في العام التالي 1971.
2 - بلغت قيمة الدولارات الأمريكية المتداولة خارج الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1971 نحو 300 مليار دولار، في حين أن قيمة احتياطيات الذهب في فورت نوكس لا تتعدى 14 مليار دولار، حيث كان سعر أوقية الذهب 35 دولارا أمريكيا. وهذا الوضع هو الذي دفع الرئيس نيكسون إلى الخروج عن قاعدة الذهب في 15 أغسطس 1971، وتخلت الولايات المتحدة الأمريكية على تحويل الدولار إلى ذهب بهذا السعر.
3 - طبعت أمريكا كميات هائلة من الدولارات لتمويل حرب فيتنام وغيرها، مما دفع الرئيس الفرنسي السابق شارل ديجول إلى المطالبة بعودة الاقتصاد العالمي إلى نظام قاعدة الذهب، لتحجيم مشكلة تضخم الدولارات وارتفاع معدل التضخم في العالم، وتذبذب أسعار صرف العملات. إلا أن هذه الدعوة لم تلق قبولا.
وهذه التطورات من أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة كمية النقود أي الدولارات في العالم، وأصبح الاقتصاد النقدي أكبر حجما من الاقتصاد العيني، كما أصبح البترول سلعة للمضاربة وليست فقط مصدرا للطاقة.
وترتب على ذلك اضطرابات اقتصادية عدة منها: أزمة المكسيك في منتصف عقد التسعينيات من القرن العشرين. ومن ناحية أخرى، اشتملت خطة سيطرة الغرب على البترول على مراحل ثلاث هي: تنمية البنية العسكرية في الدول الخليجية في الفترة من 1974 إلى 1990، وذلك لإمكان استخدامها في تحركات القوات الأمريكية في المنطقة. وامتدت المرحلة الثانية من 1990 إلى عام 2003 التي شهدت حرب الخليج الأولى عام 1991 ثم غزو أفغانستان في عام 2001، وذلك ترسيخا لميلاد نظام عالمي جديد يتميز بأحادية القوة المهيمنة على العالم. وفي عام 2003 بدأت المرحلة الثالثة للخطة وهى الحرب الشاملة على العراق والسيطرة على البترول.
ولكي تكتمل رواية الكاتب لقصته، يعرض في الفصل الخامس للتطورات التي حدثت في داخل الأوبك، وشركات البترول الكبرى، واليد الخفية وراء ما يحدث. ويتلخص هذا الفصل في أن سياسات البترول تحددها أساسا شركات البترول الكبرى الغربية من أجل مصالحها ومصالح الغرب، وأن هذا لم يكن دائما بما يحقق المكاسب للجميع وخاصة دول الأوبك التي لا تُرعى مكاسبها إلا إذا توافقت مع مصالح الغرب.
إسرائيل والمحافظون الجدد وإشعال الحرب
يفصل الكاتب رعاية الغرب لمصالح إسرائيل في الفصل السادس، منذ وعد بلفور في عام 1917، الذي كان بداية المسيرة لإنشاء دولة إسرائيل في فلسطين بدلا من الأماكن الأخرى التي كانت مطروحة مثل البرازيل وأماكن أخرى في أفريقيا. ويبين الدور الذي قامت به أمريكا لإقامة دولة إسرائيل ودعم مشروعها النووي وذلك تحت تأثير اللوبي الصهيوني القوى.
وقد نجح هذا الضغط في مساندة إسرائيل في كثير من الأحداث منذ حرب الأيام الستة عام 1967 إلى تخلى الرئيس بوش الابن عن مشروعه الذي سمى "خارطة الطريق" من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويذكر المؤلف كثيرا من الأحداث الدامية التي كانت تقف وراءها الموساد من أجل دفع السياسة الأمريكية للسير في اتجاه مصالح إسرائيل. وفى ضوء ذلك أدت المعونة الأمريكية إلى نمو القوة العسكرية الإسرائيلية نموا كبيرا بعد أن منيت بهزيمة كبيرة في حرب أكتوبر 1973.
ويطرح الكاتب في نهاية هذا الفصل التساؤل حول ما إذا كان الناس في الولايات المتحدة الأمريكية يخشون قوة اللوبي الصهيوني، أم أن لإسرائيل والولايات المتحدة مصالح إستراتيجية مشتركة؟ ويرى المؤلف -في سياق براهينه- أن السياسة الأمريكية تميل نحو الحفاظ على مصالح إسرائيل حتى لو كانت على حساب المصالح الأمريكية. ووجهة النظر هذه هي التي أيدها كل من ديزموند توتو والكاتبان الأمريكيان جون ميرشماير (الأستاذ في جامعة شيكاغو) والأستاذ ستيفن والت (الأستاذ في جامعة هارفارد).
ويكتمل بناء الوقائع في الفصل السابع ببيان دور المحافظين الجدد في الحرب الصليبية على البترول وذلك تحت عنوان "الله والبترول". وأهداف المحافظين الجدد أوجزت في أمرين هما مبدأ بوش والقرن الجديد الأمريكي. أما مبدأ بوش فيقرر لأمريكا الحق في شن حروب استباقية، والمبدأ الثاني هو التسليم بأن القرن الحادي والعشرين هو قرن الإمبراطورية الأمريكية. ولا يخفى المحافظون الجدد تحيزهم لإسرائيل ورعاية مصالحها. ومن أمثلة هؤلاء المحافظين الجدد:
أ‌- ارفنج كريستول I. Kristol الذي يشار إليه بأنه عراّم المحافظين الجدد، وعضو النخبة الفكرية بنيويورك.
ب‌- نورمان بود هوريتز N. Podhoretz الذي كتب عدة كتب يدافع فيها عن أن صون حياة إسرائيل حيوي لتنفيذ الإستراتيجية العسكرية الأمريكية.
ج‌- بول وولفوويتز P. Wolfowitz والذي شغل منصب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية، وخرج بفضيحة جنسية من رئاسة البنك الدولي التي عين بها مكافأة لجهوده في خدمة مصالح إسرائيل.
د‌- ريتشارد بيرل R. Perle وهو مهندس جدول أعمال "التدمير الأخلاق".
ه‌- دوجلاس فيث D. Feith وهو من كبار مناصري إسرائيل.
وقد لعب هؤلاء جميعا دورا في تنفيذ السياسات التي اتبعها الرئيس السابق بوش الابن، والتي عانى منها العالم وتضرر ضررا كبيرا وما زال.
مستقبل البترول: رهانات وإكراهات
يختتم الكتاب بالفصل الثامن بمحاولة رسم صورة المستقبل تحت عنوان "عدم كمال المستقبل: لماذا يجب أن تتغير أمريكا؟". ويضع المؤلف أهم التوقعات التي سوف تشكل هذا المستقبل ومنها: نضوب البترول بنهاية القرن الحادي والعشرين، وأن إنتاج بديل للبترول عملية باهظة التكاليف من حيث الوقت والمال. وفي الوقت نفسه فإن العمود الأساسي للإمبراطورية الأمريكية هو البترول، الذي يقبع تحت أراضٍ تختلف حضاريا وثقافيا مع ما هو سائد في أمريكا. كما يتوقع الكاتب أن يشهد القرن الحادي والعشرين تعاظم قوة كل من الهند والصين. ولا تمانع الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك -كما سبق القول- طالما كانت تتحكم في عنصرين أساسيين من نموهما وهما البترول وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويضيف الكاتب اتجاها عاما آخر يأخذ مجراه في العالم الغربي القديم وهو نقص معدلات المواليد، مع تزايد نسبة المتقاعدين إلى العاملين. فبعد أن كانت نسبة العاملين إلى المتقاعدين 1 على 5 أصبحت 1 على 2. وهذا مما سيدفع هذه الدول إلى استيراد الأيدي العاملة وتوليد موجات من الحركات السكانية عبر الأقاليم. وتسعى أمريكا إلى سد فجوة الأيدي العاملة هذه من غير الدول الإسلامية. وهذا ما يزيد من احتمالات حدوث تصادم الحضارات الذي أكد عليه كل من برنارد لويس وصموئيل هنتنجتون. ومن أجل ذلك شوّه كثير من الكتاب صورة الإسلام والمسلمين، وأكدوا الزعم بأن الإسلام قد انتشر على أسنّة الرماح، وذلك خلافا لكتاب آخرين، مثل كارين آرمسترونج التي أكدت على أن الإسلام الصحيح لا يدعو إلى الحرب، بل ويتسامح مع الآخر.
ويعقد الكاتب مقارنة مطولة لنقاط الاختلاف بين النظام الرأسمالي والنظام الاقتصادي من منظور إسلامي. وأن هذا الاختلاف هو الذي يؤدى إلى استمرار الصراع بينهما من وجهة نظر الغرب. وفى محاولة تخمين ما ستكون عليه اتجاهات المستقبل يذكر أن مشروع إقامة الإمبراطورية الأمريكية سوف يتمخض عن أربعة أشياء هي:
أولا : استدامة حالة الحرب مما يؤدى إلى مزيد من الكراهية والحرب ضد أمريكا.
ثانيا : مزيد من فقدان الديمقراطية والحقوق الدستورية للمواطنين الأمريكيين نتيجة لتزايد قوة الرئاسة بالمقارنة لقوة الكونجرس. ولكن ما ذهب إليه المؤلف هنا ربما يكون غير صحيح بعد انتخاب الرئيس أوباما.
ثالثا : مزيد من نشر الدعاية، والبيانات المضللة، وتمجيد الحروب والقوة بدلا من نشر الحقائق.
رابعا : سوف تفلس أمريكا نتيجة لتعاظم الإنفاق على الحروب بدلا من الإنفاق على التعليم والصحة وأمن المواطن وأمانه.
ويرى كثير من المحللين أن المغامرات الحربية الأمريكية -في العراق وأفغانستان وغيرها- سوف تهزم نفسها بنفسها على عكس ما يدعو إليه مشروع إقامة الإمبراطورية عن طريق الحرب على الإرهاب والسعي لنشر الديمقراطية، وأن هذه الفترة تفوق في أضرارها عما نتج من الفترة المكارتية، أو حرب خليج الخنازير على كوبا، أو حرب فيتنام.
خاتمة
على الرغم من أن كاتب الكتاب من أصل فلسطيني مما يوحى بأنه متحامل على تحيز السياسات الأمريكية لصالح إسرائيل، إلا أنه كان موضوعيا إلى حد بعيد، ودعم وجهات نظره بأبحاث الخبراء الأمريكيين. أما عن التوقعات واتجاهات المستقبل فهذه اجتهادات شخصية قد تصيب وقد تخيب، والحكم عليها لا يكون إلا بانتظار ما تسفر عنه الإحداث المستقبلية، التي قد يطول زمن انتظارها لأكثر من جيل. ومما لاشك فيه أن محاولات الهيمنة في ظل صراع الحضارات لا ينتج عنه إلا مزيد من البغضاء والحروب، والمأمول أن يدفع ما عانى العالم منه من أضرار خلال العقد الماضي إلى مزيد من التنافس الحميد بدلا من المواجهة المدمرة. وكذلك يبدو أن غياب بوش الابن وحلول الرئيس أوباما محله قد أبرز بعض التغيرات في السياسة الأمريكية، التي نأمل أن تقلل من الحروب والمواجهات من أجل تحقيق عالم أفضل يتمتع بالسلام، والبيئة النظيفة ويستفيد سلميا بثمار العلم والتكنولوجيا.
الكتاب:
Title: Oil Crusades America Through Arab Eyes
Author: Abdulhay Zalloum
Publisher: Pluto Press, May 2007
ISBN: 978-0-7453-2559-0
ISBN10: 0-7453-2559-9
_______________
وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية المصري الأسبق، الأستاذ غير المتفرغ بكلية الاقتصاد جامعة الزقازيق بمصر
المصدر:مركز الجزيرة للدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.