سخرية من قوات الاحتلال بعد ظهور "أبو شجاع" حيا في طولكرم    أراوخو يكشف عن آخر تطورات أزمته مع غوندوغان    الجزائر.. القضاء على إره.ابي واسترجاع سلاح من نوع "كلاشنكوف"    البطولة الأفريقية للأندية الحائزة على الكأس في كرة اليد.. الترجي يفوز على شبيبة الأبيار الجزائري    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    جربة.. الإطاحة بمنظم عمليات "حرقة"    هذه أبرز مخرجات الاجتماع التشاوري الأول بين رؤساء تونس والجزائر وليبيا    بيان أشغال الاجتماع التشاوري الأوّل بين تونس والجزائر وليبيا    تغييرات مرتقبة في التركيبة العمرية    هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اعتقل 8425 فلسطينيًا في الضفة الغربية    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    المنستير.. الاحتفاظ بمدير مدرسة إعدادية وفتح بحث ضده بشبهة التحرش الجنسي    بوعرقوب.. عصابة سرقة الاسلاك النحاسية في قبضة الحرس الوطني    بنزرت: غلق حركة المرور بالجسر المتحرك في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء    الحشاني يشرف على جلسة عمل وزارية بخصوص مشروع بطاقة التعريف وجواز السفر البيومتريين    بداية من يوم غد: أمطار غزيرة وانخفاض في درجات الحرارة    الإعلان عن تأسيس المجمع المهني للصناعة السينمائية لمنظمة الأعراف "كونكت"    مدنين: العثور على 4700 حبّة مخدّرة وسط الكثبان الرملية بالصحراء    استلام مشروع تركيز شبكة السوائل الطبية لوحدة العناية المركزة بقسم الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    عطلة طارئة في ليبيا تحسّبا لمنخفض جوي مرتقب    قفصة: الإطاحة بشخص محل 10 مناشير تفتيش    تونس: وفاة 4 أطفال بسبب عدم توفّر الحليب الخاص بهم    بن عروس : 6 تنابيه لمخابز بسبب إخلالات تتعلق بشروط حفظ الصحة    وزير الشؤون الاجتماعية يُعلن عن بعث إقليم طبي بالقصرين ..التفاصيل    اختتام عيد الرعاة في معهد اللغات بالمكنين: الإسبانية فارڨا تقدم "غناية سمامة"    وصول محمد الكوكي الى تونس فهل يكون المدرب الجديد للسي اس اس    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 %    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    تحذير هام/ بيض مهرّب من الجزائر يحمل هذا المرض!!    أيام 25 و26 أفريل: إضراب متوقّع في قطاع المحروقات    بعد ترشّحها لانتخابات جامعة كرة القدم: انهاء مهام رئيسة الرابطة النسائية لكرة اليد    دورة مدريد للتنس : انس جابر تفتتح مشاركتها بملاقاة الامريكية كينين او السلوفاكية سمليدوفا في الدور الثاني    غوارديولا : لاعبو سيتي يعدون أنفسهم للمهام المقبلة    تقرير: شروط المؤسسات المالية الدولية تقوض أنظمة الأمان الاجتماعي    حليب أطفال متّهم بتدمير صحة الأطفال في الدول الفقيرة    تكريم هند صبري في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة    جهود لمجابهته.. كلفة التغير المناخي تصل سنويا الى 5.6 مليارات دينار    عاجل/ سيشمل هذه المناطق: تقلبات منتظرة ومنخفض جوي بداية هذا التاريخ..    بسبب عاصفة مُنتظرة: عطلة بيومين في ليبيا    عرض فرجوي بإعدادية القلعة الخصبة دعما للقضية الفلسطينية    ائتلاف صمود يدعو الى إطلاق سراح السياسيين المترشحين للرئاسية..    الرابطة الأولى: تعيينات منافسات الجولة الخامسة لمرحلة التتويج    رئيس غرفة القصّابين عن أسعار علّوش العيد: ''600 دينار تجيب دندونة مش علّوش''    طبرقة: حجز كمية من مادة المرجان لدى إمرأة    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الدفاع الوطني تشارك في الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة التربية: ظاهرة العنف مُتفشية أكثر في المدن الكبرى على غرار تونس الكبرى وصفاقس وسوسة والمنستير    حريق بمحل لبيع البنزين المهرب بقفصة..وهذه التفاصيل..    هاليب تنسحب من بطولة مدريد المفتوحة للتنس    هي الأولى منذ 12 عاما: أردوغان يبدأ زيارة رسمية للعراق    لأقصى استفادة.. أفضل وقت لتناول الفيتامينات خلال اليوم    في سابقة غريبة: رصد حالة إصابة بكورونا استمرت 613 يوماً..!    الكشف عن مستودع عشوائي معد لصنع وتعليب مواد التنظيف بهذه الجهة..    أولا وأخيرا..الكل ضد الكل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    هند صبري: سعيدة بتكريمي وتكريم المرأة التونسية في مهرجان أسوان الدولي    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كسر الحصار.. بين سفينة آرتغرل لليابان وسفينة مرمرة إلى غزة
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 06 - 2010

إنّ تاريخ آخر دولة خلافة إسلامية وهي الدولة العثمانية التي كانت القوة الكبرى الوحيدة في العصر الوسيط و الحديث، وكان لها أدوار عظيمة في تاريخ العالم في خدمة الأمة الإسلامية والإنسانية بعامة، وكانت أساطيلها تجوب البحار، وفد نشطت البحرية في قضايا عدة، وتحتاج إلى بحث لأهميتها التاريخة.
ولتصاعد الأحداث في قضية حصار غزة من قبل إسرائيل وخروج مظاهرة بحْرية تقودها السفينة مرمرة التركية، وكان ذلك بتخطيط من أحفاد الدولة العثمانية، وبعد مائة سنة من إسقاط الخلافة..!!
وعلى ضوء ذلك تناول هذا البحث حادثة مشابهة في الشكل مغايرة في الهدف لكسر حصار سياسي آخر واجهته الدولة العثمانية من قبل القوى الغربية وروسيا، فخرجت السفينة آرتغرل لتعبئة المسلمين لحركة الجامعة الإسلامية لنصرة الدولة العثمانية أولاً: فتحركت من إستانبول، ومرت بموانئ عدة، واختتمت رحلتها بالرُسُوّ في ميناء يوكوهاما الياباني، واستقبلت استقبالاً حافلاً من المسلمين في كل الموانئ التي مرت بها.
والهدف الثاني للسفينة آرتغرل هو إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية بالتعاون مع اليابان والصين أكبر قوتين شرقيتين، وهذا من دهاء السلطان عبد الحميد في المناورة السياسية لإيجاد قوة جديدة شرقية لمواجهة تهديدات روسيا والغرب، واستغلال العداء بين روسيا والصين واليابان لتأمين مصالح دولة الخلافة العثمانية.
سفينتان ومُهمّتان
نبدأ بسفينة مرمرة التركية التي قادت أسطول الحرية إلذي يضم ثماني سفن يقوده ائتلاف مكون من الحملة الأوروبية، وحركة غزة الحرة، والإغاثة الإنسانية في تركيا، إضافة إلى حملتين: يونانية وسويدية.
يقلّ الأسطول نحو (650) متضامناً من أكثر من أربعين دولة بينهم (44) شخصية رسمية، و برلمانية، و سياسية أوروبية و عربية، و على متن السفينه نحو عشرة آلاف طن من المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سكان غزة.
انطلقت ثلاث من سفن الأسطول صباح الجمعة ال28 مايو/أيار [2010م] من ميناء أنطاليا التركي على أمل أن تلحق بها سفن أخرى قادمة من اليونان وإيرلندا والجزائر، غير أن سفينتين من الأسطول تعطلتا لأسباب فنية. وكان متوقعاً أن تصل القافلة إلى قطاع غزة في حدود الساعة العاشرة من صباح الاثنين [31/5/2010م – 17 جمادى الآخرة 1431ه]". وفي المياه الدولية هاجم مئات من جنود البحرية اليهود - المدعومين من الجو - سفن الأسطول في وقت واحد، واستخدموا الرصاص والغازات، وقتلوا أكثر من (15) شخصاً من العُزّل ممن كان على متن السفينة جلهم من الأتراك، واقتادوا البقية إلى داخل فلسطين المحتلة - إلى ميناء أسدود - تمهيداً لطردهم إلى بلادهم بصفتهم مهاجرين غير شرعيين، واعتقال من يرفض التعريف بنفسه، والتوقيع على تعهد بعدم العودة[1].
إن إبحار أسطول الحرية بالقيادة التركية و توجهه لكسر الحصار الظالم على غزة و أهلها، ذكّرنا بأساطيل و سفن أخرى عديدة قادتها الدولة العثمانية في فترات مختلفة من تاريخنا الإسلامي. فلقد قادت الدولة العثمانية الكثير من الأساطيل و السفن لأهداف و دوافع مختلفة و عديدة، كلها تصب في النهاية إلى رفع راية الإسلام و الحرية و السلام، فمن ذلك الأسطول العثماني الذي أُرسِل لمساندة أهل الجزائر و تونس إبّان الإحتلال الإسباني في القرن السادس عشر الميلادي، و كذلك الباخرة العظيمة (فرقاطة آرتغرل) التي جالت الموانئ العديدة في دول الشرق وصولاً لليابان عام 1890م، و السُفُن العثمانية التي أرسلت لمساندة أهل الأندلس (المورسيكيين) في أواخر القرن الخامس عشر بعد سقوط غرناطة عام 1492م، و قدِّر عدد الحملات العثمانية المساندة على الشواطئ الإسبانية ما بين سنة 1528-1584م، بحوالي 33 حملة بحرية[2].
أسطول الحرية و باخرة آرتغرل:

كان لأسطول الحرية دوافع و أهداف عديدة منها:
1- إن الحصار الظالم على غزة أثار التعاطف الإنساني على الصعيد العالمي، شعبياً قبل أن يكون حكومياً.
2- بيان مدى ظلم و جبروت هذا الحصار الصهيوني على أهل غزة، و إظهار صورته الحقيقة البشعة للعالم أجمع.
3- إيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة، و هذا واجب إنساني قبل أن يكون واجباً إسلامياً.
4- أصبحت قضية فلسطين قضية عالمية إنسانية، فأسطول الحرية ضمَّ عدداً لا بأس به من الشخصيات الأوروبية من غير المسلمين.
5- ظهور قوة إسلامية سنية لا يستهان بها موازية لإيران، لتعمل على موازنة القوى في المنطقة.
تذكرنا هذه الانطلاقة لأسطول الحرية و الحملة الإعلامية و الشعبية العالمية المؤيدة له، بموقف آخر للدولة العثمانية قبل (120) عاماً، أي سنة 1889م في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، حينما أرسل السلطان عبد الحميد الثاني باخرة آرتغرل، التى رست في أهم موانئ بلاد المشرق وصولاً إلى ميناء يوكوهاما الياباني.
الباخرة آرتغرل:
تذكر مصادر يابانية و تركية وجود اتصالات و علاقات و زيارات و بعثات بين البلدين على المستوى الرسمي، و اقترح فيها الجانب الياباني تطوير العلاقة الثقافية و التجارية بين البلدين، و قد رحب العثمانيون بهذا الاقتراح مع بعض التحفظات لعدم إثارة روسيا، العدو التقليدي اللدود للدولة العثمانية و اليابان. يقول السلطان عبد الحميد: "إن روسيا العدو المشترك لنا ولهم، لذا فإن الفوائد التي سنجنيها من هذه الاتفاقيات تحمل طابعاً جدياً، وإن لم تكن بيننا علاقات ديبلوماسية، فيجب أن نؤسس هذه الاتفاقيات على قواعد صحيحة مدروسة كيلا يؤدي الأمر إلى وقوع حوادث مزعجة بيننا وبين روسيا".[3]
وقد ذكر الشيخ عبد الرشيد إبراهيم في محاضرة له عام (1936م) في جمعية الشبان المسلمين في القاهرة قال: إن إمبراطور اليابان (ميكادو) كتب رسالة إلى السلطان عبد الحميد قال فيها: "إني وإياك تحت ضغوط الدول الكبرى؛ فلنجعل شعوبنا تعرف بعضها البعض، ونرجو فيك أن تبعث لنا أناساً يشرحون لشعبنا من أنتم وما هو دينكم".[4]
وكان السلطان يرى في اليابان المثل الشرقي العالي أنها دولة متوحدة ولها شعب واحد وحقق الإمبراطور موتسوهيتو Mi Kado) Mutsuhito ) و الذي حكم (1868-1912)م الوحدة الوطنية والتقدم لبلاده بعيداً عن هيمنة الدول الأوروبية. وكان السلطان يرى الاتفاقيات التجارية بين العثمانيين واليابان ستكون لها منافع مشتركة للدولتين، وكذلك أومأ ممثل اليابان (الكونت ابيوكي) عند توقيع الاتفاقية بين البلدين.[5]
كان السلطان له علاقة طيبة مع إمبراطور اليابان (الميكادو) (Mi (Kado وأرسل الإمبراطور هدية إلى السلطان، وهي أنواع من الطيور الثمينة، ويحتمل أن يقصد ملك بلاد الشمس في المشرق (اليابان) بتلك الهدية أهدافاً معينة".[6]
وتوجت الاتصالات العثمانية-اليابانية بباخرة آرتغرل الحربية العظيمة، بقيادة عثمان باشا، و بطاقم تم اختياره بعناية فائقة، يضم حوالي (680) شخصاً، منهم (44) ضابطاً، (41) منهدساً، (591) بحاراً، (5) خبراء مدنيين، و شاعر، غادرت ميناء أستانبول في 14 يوليو1889م و استغرقت الرحلة (11) شهراً، و هي تمثل أول اتصال ديبلوماسي بين الدولتين[7].
وقد مرت الباخرة بقناة السويس، ثم جدة، و مروراً بعدن، و من ثم بومباي في الهند، ثم كولومبو السيلانية، ثم سنغافورة، ثم هونج كونج و غير ذلك وصولاً إلى يوكوهاما اليابانية، فكانت تظاهرة إعلامية دعائية للدولة العثمانية و الإسلام و أحد أساليب الدعوة، و زيادة الروابط بين المسلمين بعضهم البعض، و بين المسلمين و غيرهم من أهل الشرق. و كان لمنظر الباخرة و هي تقف في موانئ البلدان التي مرت بها أثر كبير على مسلمي تلك البلاد، مما أثار عواطف المسلمين وهم يرون العلم العثماني الإسلامي يرفرف على السفينة في هذه الديار البعيدة، فكانت مظاهر الحب تحيط بالوفد في كل مدينة يحلُّون فيها، فقد كان يتجمع أكثر من ستة آلاف مسلم يومياً لتحية بعثة خليفة المسلمين و على رأسهم قادة المسلمين مثل: سليمان عبد الواضح، و الحاج زكريا أحمد، و الحاج آدم صادق الذين أقاموا احتفلات كبيرة للبعثة العثمانية، التي بدورها قامت بتوزيع نسخ من القرآن الكريم المطبوعة في إستانبول على مسلمي بومباي.
و حين رُسوّها في ميناء يوكوهاما في 13 يونيو 1890م، وجدت البعثة العثمانية ترحيباً و استقبالاً كبيراً من الإمبراطور و الشعب الياباني، و بناءً على طلب من الإمبراطور قرأ قائد البعثة رسالة السلطان عبد الحميد الثاني مترجمة إلى الفرنسية.
مكثت البعثة في طوكيو حتى شهر سبتمبر 1890م وقدمت الهدايا والنياشين، وفي أثناء عودتهم إلى بلدهم ما أن أقلعوا من الميناء الياباني حتى داهمتهم عاصفة و أمواج عاتية في البحر الياباني المشهور بعواصفه بين يوكوهاما و كوبا فاصطدمت السفينة آرتغرل بالصخور بالقرب من كيشو Kyushu) ) وبعد كفاح مستمر مع العاصفة لم ينج من الوفد سوى (69) فرداً وكان رئيس الوفد عثمان باشا من بين الغرقى[8] فدُفن من تُوفي منهم في نفس الموقع، وعملت اليابان لهم نصباً تذكارياً ومتحفاً لا يزال قائماً.[9]
هزت الحادثة المفجعة كلاًّ من البلدين، ولكن هذا الحدث اعتبر نقطة مهمة في تاريخ العلاقات بين الدولتين، وقد حُمل الناجون بباخرة يابانية اسمها كونجو Kongo) ) التي أمر الإمبراطور بتجهيزها إلى استنبول في 10 أكتوبر 1890م، حيث وصلت ميناء استانبول في 2 يناير 1891م واستقبل الضيوف اليابانيين وأقاموا (40) يوماً ضيوفاً على الدولة العثمانية.
وتطوع اثنان من الشباب اليابانيين الأول اسمه (توراجيرو يامادا – Torajiro Yamada ) و كان رئيس لجنة تجارة الشرق الأدنى، والثاني صحفي مشهور اسمه (شوتارا نودا- Sotara Noda ) بجمع مساعدات من الشعب الياباني لعوائل المفقودين، وأخذها إلى استنابول عام 1892م وأنعم عليهما السلطان عبد الحميد بالنياشين، وطلب منهما البقاء في استنبول وتدريس اللغة اليابانية لمجموعة من الضباط العثمانيين وقد اعتنق هذان الشخصان الإسلام[10] و صار اسم يامادا (عبد الخليل)، و سُمّي نودا (بعبد الحكيم)، ويمكن اعتبارهما أول مُسلِمَين في تاريخ اليابان.
وبقي السلطان يحاول تطوير علاقته مع اليابان البلد البعيد كي لا يقع في مشاكل سياسية مع بلد قريب مثل روسيا – العدو التقليدي للعثمانيين، لاسيما بعدما تأزمت العلاقة بين اليابان وروسيا والتي انتهت إلى قيام حرب بينهما عام 1904م هزت العالم الإسلامي وكان لانتصار اليابان سنة 1905م على الشعب العثماني صدى طيباً، وتغنى بهذا النصر شعراء العرب والأتراك ببطولة شعب اليابان، و عمّ الفرح في جميع أنحاء الدولة العثمانية، وأرسل السلطان عسكرياً تركياً اسمه (برتو باشا) لمراقبة الحرب اليابانية وألف كتاباً في جزأين عن رحلته وملاحظاته.[11]
وتوالت الزيارات بين الطرفين وذكرت التقارير عن زيارة لمبعوث عثماني خاص من السلطان عبد الحميد اسمه (محمد علي) عام (1902م) زار طوكيو ويوكوهوما وتفاوض من أجل بناء مسجد يوكوهوما.[12] ومع أن السلطان اهتم باليابان بخاصة وحاول أن يبشر بالإسلام فيها (إذ أرسل إليها أفضل ما حوته مكتبته من الكتب الإسلامية) إلاّ أنَّ عراقيل كثيرة حالت دون ما كان يأمل.
مما سبق نلاحظ أن لباخرة آرتغرل دوافع و أهدافاً و نتائج عديدة منها:
1- تبين قوة علاقة الدولة العثمانية بدول المشرق كاليابان والصين في أواخر القرن التاسع عشر.وعمق الرؤية السياسية الحكيمة للسلطان عبد الحميد الثاني في سياسة التحالفات مع الصين واليابان لتكوين تكتل سياسي شرقي أسيوي في مواجهة التكتل الغربي الأورو آسيوي، وهي خطوة متقدمة في التفكير السياسي الإسلامي.
2- الوضع السياسي المتأزم في أوروبا، و موقف دول أوروبا من دولة آل عثمان، وتآمرهم على تقسيم الدولة العثمانية فيما يُعرف بالمسألة الشرقية واختلافهم في كيفية التقسيم، و تكوين أحلاف سياسية أوروبية، فلقد رأى السلطان عبد الحميد الوضع السياسي في أوروبا يتأزم يوماً بعد يوم، غير أن انحيازنا لطرف من الأطراف كان من الممكن أن يزيد النار لهيباً؛ إذ يقول: "والواقع أننا كنا مضطرين لعدّ خطوات أقدامنا والتحرك بحساب" [13] من هنا بعد أن رأى أن ألمانيا تقترب من دول أوروبا وتبعد عن الأتراك" وبعد أن رفض السلطان حق التنقيب عن البترول للشركات الأوروبية تقدم بطلب إلى اليابان وحضر وفد متخصصاً في التنقيب عن البترول ووافقت اليابان على طلب السلطان عبد الحميد. ولكن السلطان أبعد عن الحكم ولم تكمل الاتفاقية من الطرفين".( محمد حرب، مذاكرات السلطان عبد الحميد، ص 158).
3- إرسال عدد من الشباب المتخرجين حديثاً من الأكاديمية البحرية العثمانية للاطلاع على التطور التعليمي و الحربي في اليابان.
4- وصول فكرة حركة الجامعة الإسلامية إلى المناطق التي تصل إليها الباخرة.
5- ويقول المستشرق باول شمتز: "إن اليابان بوساطة مسلمي اليابان تستطيع كسب عاطفة المسلمين في العالم، وتغزو أسواقهم وتؤثر على زعمائهم المفكرين فتجذبهم إلى جانب اليابان، وإن كلا من الجانب الإسلامي والياباني يحارب في جبهة واحدة ضد الاستعمار الغربي، وبات واضحاً في ذهن المسلم أن الإنسان ذا البشرة الصفراء هو أخ له في ساحة الكفاح ضد الإنسان الأبيض (الأوروبي)، وغزت البضائع اليابانية الأسواق الإسلامية وهذا يدل على تقهقر الأوروبيين".[14]
6- إسلام يامادا و نودا أول مُسلِمَيْن يابانيين لتأثرهم بتعامل المسلمين ذوي الأخلاق الراقية.
7- الاهتمام بنشر الإسلام في اليابان؛ فقد اختار السلطان عبد الحميد الشيخ عبد الرشيد إبراهيم بناءً على نصيحة الأمناء المسؤولين في القصر؛ لأنه أفضل شخصية عندها خلفية ومعرفة للتعامل مع منطقة الشرق الأقصى، وأرسل الشيخ عبد الرشيد إلى اليابان لمعرفته بهذا البلد وسكانه، وكتب كثيرا عن رحلاته هناك[15]. و قد خدم عبد الرشيد فكرة الجامعة الإسلامية بتجواله الكثير في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية. ومن الأمور التي اهتم بها عبد الرشيد إبراهيم كيفية تبليغ الدعوة لليابانيين، وكان هذا الأمر يؤرقه، ويسلب النوم منه؛ فهؤلاء اليابانيون-برأي عبد الرشيد- كانوا قريبين جداً من الإسلام في عاداتهم وأخلاقهم، وأسلوب حياتهم وبنيانهم العائلي متماسك، ولاحظ أن البعثات التنصيرية تقوم بتخريب النية الأخلاقية لليابانيين، لذلك أخذ عبد الرشيد يدعو علماء المسلمين إلى المسارعة إلى اليابان لنشر الإسلام وربط اليابانيين باستنبول عاصمة الخلافة ومقر حركة الجامعة الإسلامية.
[1] انظر موقع الجزيرة.نت "بتصرف".
[2] علي المنتصر الكتاني، إنبعاث الإسلام في الأندلس،ص179.
[3] السلطان عبد الحميد، مذكراتي السياسية، ص 122-135.
[4] انظر د. صالح مهدي السامراني، العلاقات اليابانية الشرق أوسطية، ص 3.
[5] محمد حرب، مذكرات السلطان عبد الحميد، ص 195.
[6] انظر د. صالح مهدي السامراني، المصدر السابق، وانظر د.سمير عبد الحميد إبراهيم،الإسلام والأديان في اليابان،مكتبة الملك عبد العزيز العامة،الرياض،1421ه - 2001م ص330-331.
[7] Dr. Hee Soo Lee , The Advent Of Islam In Korea , PP.155-160
[8] انظر بالتفصيل: Ziya Sakir. Sultan Abdulhamid Ve Mikado . PP . 38 - 39.؛ وانظر أورخان محمد علي، السلطان عبد الحميد، ص 246–247.
[9] د. صالح مهدي السامرائي، مصدر سابق، ص 5.
[10] د. صالح مهدي السامرائي، المصدر السابق، ص 2؛ وانظر بالتفصيل إلى مجيء المتطوعين اليابانيين في:Ziya Sakir. Sultan Abdulhamid Ve Mikado . PP . 71 – 73.
[11] انظر أورخان محمد علي، مصدر سابق، ص249 نقلاً عن: Uluhakan Abdulhamid Han Necip Fazil Kisakurak . PP . 264.
[12] د. صالح مهدي السامرائي، مصدر سابق، ص 4.
[13] الأميرة عائشة، والدي السلطان عبد الحميد، ص 118.
[14] باول شمتز، الإسلام قوة الغد العالمية، ص339 – 344.
[15] Dr. Cezmi Erslan, II Abduhamid Ve Islami birligi . PP . 358


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.