خبير ومحلل عسكري انقضى الى غير رجعة الزمن الذي كانت فيه اسرائيل (الفاعل) اللاعب الرئيسي في صنع الأحداث وفبركتها وبالطريقة التي تخدم مخططاتها وتتلائم مع العقلية الغربية، لدرجة تصديقهم اسرائيل اذا قالت ان الشمس في الشرق الأوسط تطلع من الغرب وتغيب من الشرق، لسبب بسيط وهو أن اسرائيل زرعت في أذهان الغرب أنها الأمتداد الطبيعي لهم ولديموقراطيتهم وحضارتهم، وأنها الخندق الأمامي للدفاع عنهم وعن مصالحهم، من المحيط العربي والاسلامي المتخلف، في لحظة تاريخية وفرصة لن تتكررتلاقحت مع تخوف "كامبل بانرمان" رئيس وزراء بريطانيا ووزراء خارجية الغرب(فرنسا واسبانيا وألمانيا) حينما زاروا المنطقة وكتبوا تقريرا عام 1907 في اجتماعهم بلندن. قالوا فيه:"زرنا منطقة الشرق الأوسط فوجدنا فيها أمتين (عربية واسلامية) إذا ما توحدتا فستغلق علينا المنطقة الى الأبد فلا بد من زرع جسم غريب فيها يفصل بين شرقه وغربه مركزه فلسطين ويكون ولاء هذا الجسم للغرب لا للشرق وظيفته خلق حالة من اللاتوازن في المنطقة وإعاقة قيام أي نهضة عربية وإسلامية " فالتقط الصهاينة هذا التقرير واستغلوه أبشع استغلال حيث دقوا على صدورهم وقالوا : "نحن لها" وبدأت المساعدات العينية والأموال تتدفق عليهم وبدوأ مشوار الأحتلال بعزم واصرار ودعم اوروبي أمريكي بلا حدود، وفي العام 1912 أنشأ معهد التقنية (تخنيون) في فلسطين على شرف العالم الفيزيائي "ألبرت أنشتاين" بحضور "حاييم وايزمان" ليكون نواة تقدم اسرائيل العلمي العدواني، ومع وعد بلفور عام 1917 بدأ القادة الصهاينة بالتفكير الجدي لترجمة شعارات بعض قياداتهم التي برزت على السطح مع احتلال الأراضي العربية عام 1948 وفي مقدمتها أن اسرائيل جيش بنيت له دولة، هذه الأكذوبة الاسرائيلية لم يتمكن العرب طيلة عقود من الزمن تعريتها ودحضها نظرا لعدم اتفاقهم وتوافقهم من جانب، ومن جانب آخر قدرة الماكنة الأعلامية الاسرائيلية على خداع العالم، لكن الممارسات الاسرائيلية وجرائم الحرب الأخيرة التي ارتكبوها جاءت فوق طاقة هذه الماكنة، فكشفها من خدع بها وصدقها طيلة الوقت الفائت، وهنا سبقت الشعوب قياداتها في هذا الإكتشاف وهي من أثر عليهم وضغط ولو بنسب متفاوته لتغيير مواقفهم، وهي بالتأكيد لم تعد كما كانت عليه في الماضي. أخطأ كامبل بانرمان مرتين، في المرة الأولى عند قبوله وربعه الأوروبيين الحل الصهيوني ودعمهم لهم في احتلالهم اراضي العرب وبطشهم لشعوب المنطقة، مما أدى الى ما هو عليه الموقف الآن، والخطأ الثاني في تقييمه للموقف حيث لم يتوافق أو يتضامن(ولا أقول يتوحد ) العرب والمسلمين فقط بل ومعهم تضامن كل أحرار العالم ومن أصقاع الكرة الأرضية الأربعة، في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، ومعه جاء البرهان أن هذا التضامن والتوافق العربي الاسلامي العالمي يفتح الطرق لهم على المنطقة وعلى العالم ولا يغلقها كما كانوا يعتقدون. اكتشف العالم كله بأن من يغلق المنطقة طيلة العقود الماضية هي الحماقات الإسرائيلية والتي بلغت ذروتها مع اقتحامها للإنسانية الدولية في أسطول الحرية، لكنها في الحقيقة أقتحمت من المجتمع الدولي، وها هي الآن تواجه الشعوب والحكومات معا وفي مقدمتها الغربية، وأخذت القيادة الاسرائيلية تتعامل بردات فعل غاضبة اتسمت بالارتجال والتخبط تنتقل من مستنقع الى مستنقع أعمق. واكتشف العالم أيضا أن بطش الجيوش لا قيمة له أمام صمود الشعوب، فالإرادات تتغذى مع التحدي، وهو ما لمسه المتضامنون في اسطول الحرية، ومع مرارة الألم الذي نتج عن اقتحام اسطول الحرية والدماء الزكية التي أريقت، إلا أنها كانت المحطة الأهم التي سلطت الضوء على حجم المعاناة الفلسطينية وعدالة القضية الفلسطينية، وبدأت تعلو معها أصوات دولية واسرائيلية تحذر وتقول إذا ما استمرت اسرائيل بالعدوان وإدارة ظهرها للسلام وتمردها على المجتمع الدولي فإنها تشكل عبئا كبيرا وأكبر مما عليه الآن على نفسها أولا، وعلى الأمن والاستقرارفي العالم ، والخسائر الناجمة عن العلاقة معها والمتاجرة بها أكثر من الربح. وفي مقدمة هؤلاء كبيرة صحافيي البيت الأبيض" هيلين توماس" (90 ) عاما التي ضاقت ذرعا بالصلف الاسرائيلي،حيث قالت:" على الإسرائيليين الخروج من فلسطين والعودة الى ديارهم التي أتوا منها سواء كانت بولندا أو أمريكا أو أي مكان آخر" وعندما سئلت عن الفلسطينيين قالت:" هم شعب محتل وفلسطين أرضهم وليست أرضهم ألمانيا أو بولندا".هذه الصحافية المخضرمة أرادت أن تنهي حياتها بهذا الموقف المبدئي الشجاع وتعففت عن كل اغراءات البيت الأبيض ورفضت مداهنتهم، وستسجل لها موسوعة جينيس: "الخاتمة المثلى ". الموقف العالمي تجاه اسرائيل تغيرسلبا، وبذات المقدار تغير باتجاه القضية الفلسطينية ايجابا، وهنا تبرز الحاجة للحراك العربي والفلسطيني لاستثمار هذا الموقف الدولي التضامني على الصعيد الخارجي، أما على الصعيد الداخلي العربي والفلسطيني فهي اللحظة التاريخية التي تستوجب التقاطها وتجميد كل ما هو ثانوي لصالح ماهو أساسي، والأساسي هنا الإجماع على حل القضية الفلسطينية، ففي حلها فكفكة لكل العقد المستعصية، مهمة صعبة صحيح لكنها ليست مستحيلة.