ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية الولاء والبراء: الدكتورعبد العزيز بن أحمد الحميدي
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 08 - 2010


الدكتور عبد العزيز بن أحمد الحميدي
عاد أكاديمي سعودي، يعمل أستاذا مساعدا بقسم العقيدة الإسلامية بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، وأخذ على عاتقه إيضاح بعض من التفاصيل الدقيقة، التي تدخل في مفاهيم التطرف والغلو، والأساليب التي سلكتها تنظيمات متطرفة لتفسير النصوص وخلط السياقات الفكرية للوصول إلى التضليل والهوى الذي تسعى لبلوغه.
وبين الدكتور عبد العزيز بن أحمد الحميدي، الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، بعض أوجه تعاون المسلمين على البر والتقوى، وأن يتناصروا فيما بينهم، فالمسلم أخ للمسلم، مستدلا بقول الله عز وجل «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان».
وأكد الدكتور الحميدي في تفصيلات عدة تتعلق بالمعاهدين في الإسلام، على ضرورة العمل بقوانين المعاهدة بما تقتضيه المصالح العامة، ووضع الحميدي مثالا مفصلا يبين التعامل الصحيح مع المعاهدين، وقال إنه «لو حصل أن طائفة من المسلمين، أو بلدا من بلدان المسلمين، اقتضت مصلحتهم وراء وليهم والقائم عليهم أن يعاهدوا أمة كافرة، سواء كانت مشركة أو نصرانية أو يهودية، عهدا تضع الحرب بينهم أوزارها بموجبه، ولا يعتدي هؤلاء على هؤلاء، ولا هؤلاء على هؤلاء، وألا يقع بينهم اعتداء ونحو ذلك من أمور، فوقع وحصل أن هذه الأمة الكافرة أو الدولة الكافرة حاربت طائفة أخرى من المسلمين أو دولة أخرى ليس بينها وبينها عهد، فطلب أولئك المسلمون من هؤلاء المسلمين المعاهدين لتلك الدولة الكافرة نصرتهم والقيام معهم، فهنا يعني بحث المسألة بشكل أكثر تفصيلا».
وأضاف الدكتور الحميدي «يظن الكثير من الناس ذلك، وأنا قديما كانت لدي مشكلة في هذه المسألة، في تصادمها وتعارضها مع الولاء والبراء وحقوق النصرة بين المسلمين والله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال، وكذلك وقع في سنة نبينا - محمد صلى الله عليه وسلم - دليل صريح يفسر الآية، ويعطي حكما وحقا، وجوازا للأمة المسلمة المعاهدة أن تحفظ عهدها، وتقدمه على واجب النصرة لتلك الأمة المسلمة المعتدى عليها من قبل الدولة التي هي عاهدتها، وسورة الأنفال كما نعرف نزلت في أعقاب غزوة بدر، أي في أعقاب النصر المؤزر الظافر. واستثنى الله مراعاة ذات العهد وقدمه على واجب النصرة، التي تعتبر من المتعلقات بمسألة الولاء والبراء، ومن مقتضياتها قال الله تعالى في خاتمة سورة الأنفال (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض)، وهنا أسس الله الولاية بين المؤمنين المهاجرين والأنصار ثم قال (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق..)».
وأسهب أستاذ العقيدة الإسلامية بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة في الشرح، وقال «إن استنصركم في الدين مسلمون، لاعتداء حصل عليهم في دينهم من قبل أمة ودولة كافرة، فعليكم النصر، أي عليكم واجب أن تنصروهم، واستثنى من هذا (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق)، فإذا كان بين هؤلاء المسلمين وهؤلاء الكافرين المعتدين على إخوانهم المسلمين في بلد آخر عهد وميثاق بعدم الاعتداء، فأمر الله واستثنى هذا الحالة، ويقدم العهد والميثاق ومراعاته وحفظه على واجب النصرة، فلما نص الله عليها، دل على أنها مسألة أولا مستثناة من الحكم في واجب النصرة، وبالتالي هي لا تقدح في ولاء هؤلاء المسلمين المعاهدين لأولئك الأمة الكافرة لله ولا لرسوله ولا لدينه ولا لإخوانهم المسلمين في شيء بناء على حكم الله في تقديم العهد والميثاق على واجب النصرة».
وأضاف «هذا هو وضع الشاهد في مسألتنا.. وحتى لا يدخل أي تأويل للآية ولا تدخل عليها أي شبهة نسوق هذا النص من السنة النبوية الذي أعتبره عندي أنا أصلا حلا للإشكال في هذه المسألة، وهو التفسير العملي والواقعي من النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه الآية الكريمة ولنظيراتها، لأن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته - عليه الصلاة والسلام - هي التفسير والتطبيق العملي للقرآن، لأن القرآن الكريم كما يقول العلماء حمال وجوه، ربما يطرقه التأويل، ربما يطرقه سوء الفهم من القارئين، وربما تأتيه أمور كثيرة، فتأتي السنة تفصل وتبين وتشرح وربما تخصص مطلق القرآن وربما تعمم ما خصصه ونحو ذلك، فالسنة أو السيرة النبوية قيمتها العلمية أنها هي التفسير والتطبيق العملي للنص القرآني، وبالتالي تكون حجتها قوية وصريحة ولا يجادل فيها إلا مكابر وهو منازع.
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه، وصحيح مسلم معتبر عند أهل السنة كما نعلم وهو ثاني كتب الحديث المعتمدة عند أهل السنة، حديث حذيفة بن اليمان بن حسن العبسي، واليمان بن حسن العبسي صحابي وابن حذيفة صحابي مشهور، وقد كانوا محالفين للأنصار، وهم ليسوا من بني عبس، لكن كانوا من حلفاء الأنصار فأصبحوا منهم بحكم هذا الحلف ودخلوا، وكانوا من الصحابة.. خرج حذيفة ووالده لبعض شأنهما، فوقعا أسيرين لدى قريش بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.. وقالوا: قالت قريش لحذيفة ولليمان ولابنه آويتم الصباء عندكم - الصباء يقصدون النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه - فنحن نأخذكم، يعني عوضا عنهم أو رهنا عنهم، ففاوض اليمان وحذيفة قريشا على أن يطلقوهما مقابل أن يعاهدا قريشا ألا يحاربا مع النبي - صلى الله عليه وسلم ضدهم إذا خرج إليهم، فوافقت قريش وعاهدتهما على ذلك، فرجعا إلى المدينة، فصارا الآن حذيفة بن اليمان وأبوه اليمان، وهما صحابيان فاضلان من الأنصار، والأنصار ممن بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بيعة العقبة على النصرة ونصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدخلها أي ريبة أو تردد أو شك، ومن متعلقات وضرورات الإيمان الأساسية صار لهما عهد مع قريش على عدم الحرب حتى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كانت الحرب إذا خرج النبي، فحصل بعد أشهر أن خرج النبي وأصحابه يرصدون عيرا لقريش، فجمعهم الله مع قريش في أرض بدر في اليوم العظيم المشهور، وهو يوم بدر، وقبل أن نذكر الموقف الذي حصل، أنبه إلى قيمة بدر في الإسلام، فهو يوم الفرقان، كما سماه الله جل وعلا، وأهل بدر من الصحابة هم خيار المسلمين، وأصبحت كلمة البدر وأهل بدر علامة فارقة، وفي حديث في البخاري، أن جبريل نزل على النبي، وقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال هم خيار المسلمين، قال كذلك ما شهد بدر من الملائكة، فلما اقتربت المعركة أخبر اليمان وابنه حذيفة رسول الله بعهدهما مع قريش، قالا نحن حصل منا كذا وكذا عهدا، فأفتاهم النبي بالفتوى التالية.. قال بالنص والحرف كما في الصحيح المسلم (نفي لكما بعهدكما ونستعين بالله عليهم فارجعا)، مع أن قريش كانت في ذلك الوقت، يعني قبل إسلامهم، من أعظم القبائل حربا، وكانت أذيتهم للنبي وأصحابه خلال ثلاثة عشر عاما من الحرب أذية عظيمة وشديدة، فالمسلمون كان عددهم قليلا جدا، وفي حاجة إلى الرجل والرجلين، ومع ذلك أفتاهما النبي بأن يبقيا على عهدهما وألا ينقضا عهدهما مطلقا، فرجعا ووقعت المعركة، ونصر الله النبي وأصحابه كما هو معلوم ومعروف، لكنهما في أحد شاركا، لأنهما لم يكن عهدهما إلا إذا خرج النبي، أما إذا هم غزوهم في المدينة فينصرانه في ذلك، فالشاهد من هذا الكلام أن الآية فيها استثناء صريح، وحديث حذيفة واضح الدلالة، وذكر ذلك ابن القيم رحمه الله وهو يعدد الدروس والمسائل الفقهية المستنبطة من غزوة بدر، فقال: (إذا عاهد بعض المسلمين وإمامهم قوما من الكفار ثم اعتدى أولئك الكفار على مسلمين آخرين مستضعفين فاستنصروا هؤلاء فلا ينصروهم وفاء بعهدهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم)، هذا قول ابن القيم في الزاد (زاد المعاد)، كما قال النبي لحذيفة ووالده (ارجعا نفي لكما بعهدكما ونستعين الله عليهم)، فبالتالي تبقى القرارات والمعاهدات، ولا ينقض مسلم عهده.
ويُذكر أنه قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أوفدته قريش برسالة للنبي، فلما وصل المدينة وقع الإسلام في قلبه وأسلم، وقال للنبي - عليه الصلاة السلام: لا أريد أن أرجع للمشركين، أريد أن أبقى معك. فقال: لا.. نحن قوم لا نخيس بالعهد، ارجع فإن كان في قلبك الذي فيه الآن، بعد ذلك فسيجعل الله لك فرجا ومخرجا. ورجع إليهم مع كراهيته لذلك وإعلانه الإسلام واحتياجه لهم، وعاد إلى قومه على الرغم من خوفه ربما يؤذونه إذا علموا بإسلامه في مكة».
وتحدث الحميدي عما تشهده بعض من الدول الإسلامية، فمن باب الاستشهاد، تتناقل وسائل الإعلام مثلا ما يقع من عدوان على المسلمين في بلد من البلدان من خلال بعض الدول، والمآسي، فربما توظف هذه المآسي من بعض التنظيمات وبعض الجماعات لحشد الأنصار من طوائف المسلمين لجمع الأموال والمساعدات، وكذا بداعي النصرة، فيقع لهذا تأثيره في النفوس، فلا يراعي ربما كثير من الشباب الذين يستجيبون لهذه الدعوة وكثير ممن يخرجون إلى بعض هذه التجمعات هنا وهنا، لا يراعون ولا ينتبهون إلى أنه ربما إمامهم في بلدهم أو حاكمهم في إقليمهم له عهد مع تلك الدولة بعدم الاعتداء والحكم الشرعي، والحكم الشرعي يؤكد ضرورة النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، فإذا تدارسنا هذا الدليل واستوعبناه، صار عندنا فقه في المسألة، بحيث لا تغلب العاطفة فيخيس المسلمون بعهودهم، أو يخفروا ذمم وعهود ولاة أمرهم بداعي أنهم خذلوا المسلمين ولم ينصروهم».
وخرج الدكتور الحميدي في الجزء الثاني من برنامج عرضه التلفزيون السعودي للمرة الثانية، وشهد القسم الأول من حلقات برنامج «همومنا» الذي صادف الجمعة الثانية في شهر رمضان المبارك، عرض عدة تفاصيل مرتبطة بالولاء والبراء والتعامل مع المعاهدين في الشريعة الإسلامية.
وعما إذا اضطهد من المسلمين مَن اعتدي عليه، وأكل ماله، واعتدي على عرضه، واعتدي عليه من قبل كفار كان بينهم وبين إمام المسلمين ميثاق، وهذا الإمام لديه من الأمور ما يجعله يخرق الولاء والبراء بأي تصرف من التصرفات، مما يؤكد أنه قد كفر في نظرهم، لذلك يقول إن هذا الميثاق الذي عقده الإمام مع هذه الأمة الأخرى ساقط، لأن الإمام قد خرق الولاء والبراء الذي هو أصل من أصول الشريعة، فكيف يرد على هذه المسألة.. قال الحميدي «إن القضية في هذا الأمر لها جوانب عدة، فالآن فتحت موضوع التكفير ومتعلقاته ولوازمه، والتكفير ليس كلمة عابرة تقال، وليس حكما من حقي ومن حقك ومن حق أي شخص أن يطلقه على أي مسلم عرفه إسلامه بيقين، ولو ظهر من أفعاله ما ربما يقع في ذهنك أنه مناقض لبعض أصول الدين، فهناك بعض الأحكام التي لا تحتمل النقض في الشريعة وفي الإسلام، لأن التكفير هو في الحقيقة قبل أن يكون حكما على فعل الإنسان وعمله هو حكم على باطنه، فعندما يكفر شخصُ شخصا، فهو في الحقيقة حكم على باطنه وعلى داخله، إنه في داخله وفي قلبه كره الإسلام، وكفر بالله، وخرج من الملة، وأصبح من أهل النار، وهذا حكم غيبي، حكم غيبي ليس لأحد حق فيه، فهو حق الله - سبحانه وتعالى - والنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوحي إليه بوحي معين يبلغه».
وزاد «بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) سرية إلى حركات من جهينة، وكان فيها أسامة بن زيد شابا في حدود السابعة عشرة من عمره أو قريبا منها، يعني يغلب عليه ككثير من شبابنا اليوم الحماس والقوة والجهاد وقتال الكفار أكثر، وربما بعض من الروية والحكمة وتنزيل الأحكام الشرعية منازلها، ولو خالفت غيظا في نفسه.. فالتقوا مع الكفار الذين بعثهم نبينا من جهة الحرقات من جهينة واقتتلوا، يقول أسامة إنه كان في المشركين رجل أبلغ في المسلمين الجراح، وقتل فلانا وفلانا، وعدّد، وأبلغ فيهم، حتى أغاظ أسامة غيظا شديدا، فقتل جماعة من الصحابة هذا المشرك وتركوه ينزف في دمه، قال أسامة: (فقصدته أنا ورجل من الأنصار - وفي رواية: فقصدته أنا ورجل وشيخ من الأنصار - فلما غشيناه قال لا إله إلا الله، فكف الأنصاري فطعنته برمحي، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أقتلته يا أسامة بعدما قال لا إله إلا الله؟!).. ثم قال (فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل اليوم).. إذ فرق الآن بين الشاب والشيخ في التصرف، وكلاهما في المعركة، بما يعني أنه ربما يتم اتخاذ قرار فيها يكون غير منضبط نظرا لاحتدام القتال».
وطالب أستاذ العقيدة بضبط العاطفة والحماس لدى الشباب بالحكم الشرعي، وألا تقع مشكلة «لذلك نعود لمسألة التكفير لدى كثير ممن يدعون إلى مثل الجهاد والخروج لأماكن هنا وهناك ونحو ذلك، فباب التكفير ربما يكون مدخلا، لأن الشريعة علقت على ولي الأمر أو الحاكم المسلم أحكاما شرعية كثيرة، يعني أمور السلم والحرب والمعاهدات والمواثيق ومن يعادى ومن لا يعادى ومن يدخل بلد المسلمين ومن لا يدخل، كلها متعلقة بحقوق ولي الأمر ومعاهداته، فإذا أسقط باسم التكفير أو نقض الولاء والبراء، مع أنه ربما يمارس حكما شرعيا صحيحا لا ينقض أصل الولاء والبراء، كالأحكام التي نتكلم عنها سابقا، ونتكلم عليها الآن، فإذا أسقط بموجب هذا التكفير، ألغيت كل هذه الأحكام تبعا لذلك، فسهل إقناع هذا الشاب والمتحمس المغتاظ من الكفار، بأن يهجر بلد إمامه وجماعة المسلمين في بلده، يعني إلى التنظيمات هنا وهناك، وربما لا يجد عنهم ما تصوره من نصرة أو من حق أو من دفع باطل أو حتى من دفع الكفار».
وأضاف «يحاولون أن يقطعوا الصلة بين الولاة والعلماء، والشباب، يريدون ألا يرتبط هذا الشاب بهؤلاء والولاة وهؤلاء العلماء، لأن الجهاد مربوط بولي الأمر، فأرادوا أن يقطعوا الصلة بين ولي الأمر والشاب، ليقنعوا الشاب بأنه لا يوجد أحد يستأذن منه أو يأخذ رأيه في الخروج للجهاد، فيقال اذهب أنت لتجاهد وتنصر المسلمين، في اعتقاد أن العاطفة المنفردة والحماس والجهد المنفرد، وأن الجهاد يمكن أن يقام بشخص منفرد بعيدا عن الأمة وبعيدا عن وحدة الصف وبعيدا عن ولي الأمر وعن رأي ولي الأمر، ثم إذا خرج يتفاجأ بأمور كثيرة جدا كما أخبرنا كثير من الشباب غير ما كان يتصوره ويضنه ويتوقعه. أنا أريد أن أشير إلى قضية مهمة جدا تتعلق بكثير ممن يدعون إلى أمور الجهاد بصرف النظر عن نياتهم، فالله أعلم بنيات الخلائق والعباد ومن يستخدمون، فهناك تيار فكري قديم، لكنه تجدد، يسمونه في علم الدراسات وعلم البحوث الغنوصية، ويمكن أن نترك كلمة الغنوصية، وهو نوع من إخفاء الأهداف الحقيقية إلى أمد وإلى حين، واستخدام مساحة مشتركة كعاطفة دينية، التي تكلمت عنها قبل قليل، كتبني قضايا من قضايا المسلمين في جهة من الجهات، كرفع راية دفع الكفار ومجاهدتهم، ونصرة المسلمين، هذه أمور جذابة، دعنا نكن صريحين في ذلك، ويستخدمون معها نوعا إما من التكفير لحكام المسلمين في هذا البلد أو ذاك، أو إضعاف ولائهم للدين، أو انشغالهم بدنياهم أو ملاذهم وشهواتهم لإقناع هذا الشاب وذاك والثاني والثالث بالتحلل من البيعة لإمامه وهجر أرضه وبلده والالتحاق بهم، ثم إذا صار في تلك التجمعات ربما تظهر له الأهداف الحقيقية التي ربما ليس لنصرة من وظفت قضيتهم كمغناطيس للجذب نصيب منها في شيء، ربما حتى تجر عليهم كوارث أكثر من ذلك، فيقع هنا في متاهة عظيمة وكارثة كبيرة، لأن قضية الجهاد ربما نتكلم عنها في هذا الجهاد، يعني الافتئات على المسلمين في إعلانه، فلا يعلن الجهاد ولا يقوم به إلا إمام متمكن مجتمعة عليه الكلمة، عنده المكنة وعنده القوة على أن يكسر من يعاديه من الكفار ويظهر عليهم، وإلا سالمهم ودعا للسلم، وسأذكر لعل من يسمعني يريد أن يعرف الحقيقة، أذكر آية من القران يصدقها حديث نبوي من النبي صلى الله عليه وسلم هي عظيمة وكبيرة، قال الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله). وقال أهل التفسير (مهما جنح أعداؤكم من الكفار إلى المسالمة والموادعة، فاجنحوا لها سواء كنتم متمكنين وأقوياء وعندكم القدرة على دفعهم وقتالهم، أو كنتم في حال خوف وقلة وضعف مهما جنحوا للسلم، فاجنح لها وتوكل على الله)، فهذه الآية جاءت في سورة الأنفال أيضا في الترتيب القرآني، بعد آية القوة ورباط الخيل المشهورة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم)..
ومن ثم حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح وأخرجه الطبراني وأبو يعلى في المسند بأسانيد كثيرة جميل جدا، وقاعدة وأسلوب الخطاب من النبي عليه الصلاة والسلام أسلوب للمستقبل، يخاطب الأمة للقادم، يعلم أنه سيستجد على المسلمين ظروف وأحوال يضعفون في بلد من البلدان، أو يضعفون في جهة من الجهات، ويكثر عليهم أعداؤهم ويحتاجون إلى المسالمة، والحديث العجيب الذي يرويه علي بن أبي طالب، ويعني أنه حصلت له في خلافته أمور ومشكلات وقتال، فيقول علي بن أبي طالب (قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي إنها ستكون فتن - يعني القادم تتغير الأمور وتأتي فتن في الشبهات، وفتن في الشهوات، وفتن في القلة، وفتن في الضعف، وفتن في الفقر، وفتن في الجهل كثيرة جدا - وأمور تنكرونها. قلت فما تأمرني؟ قال: مهما كانت السلم فافعل)، أي متى وجدت المجال للمسالمة والموادعة ودفع الكفار بأي وسيلة غير القتال متى أمكن، لذلك لا تجعل القتال إلا كما يقال: آخر الدواء الكي».
وأضاف «متى كان السلم فافعل، هذا توجيه عظيم، والحديث هذا ساقه ابن كثير عند تفسير هذه الآية، وإن جنحوا للسلم فاجنح لتكون قاعدة، فإذا رأى إمام المسلمين في بلد من البلدان أو إقليم أو المسلمين، أن من مصلحتهم أن يسالموا هؤلاء ويعاهدوا هؤلاء ويكتفوا شرهم هؤلاء حتى لا يدخلوا في حروب طاحنة، ربما تضعفهم زيادة، ولربما تبيد آلافا مؤلفة منهم دون أن تحقق مصلحة لهم بل تتعين فيها المفسدة والمفسدة الكبرى أيضا، فليفعل».
وقال «الولاء والبراء مسألة دائما ما يدندن عليها البعض بأنها مسألة عقد الذمة والأمان، وبذلك تجد أنهم يتحدثون عن هذه المسألة بعمق أكبر، من أجل تحويل فكر الشباب، ويجعلون عقد الذمة والأمان من أناس ربما عملوا ضد الإسلام، فهو مخالفة للولاء والبراء.
فهناك قاعدة مهمة جدا، وهي أن الإسلام هو الدين الختامي للأديان، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو النبي الخاتم، فالشريعة الإسلامية جاءت لتكون صالحة للعمل والتطبيق لكل زمان ولكل مكان، وتراعي ظروف المسلمين وأحوالهم على كل الأحوال وكل التغيرات، فليس المسلمون في كل وقت أقوياء، وليس المسلمون في كل وقت ظاهرين، وليس المسلمون في كل وقت منتصرين، تأتي عليهم ظروف وأحوال؛ إما في مجموعهم وإما في بعض بلدانهم يكونون في موضع ضعف، وفي موضع قلة، وفي موضع فقر، والكفر والكفار من حولهم بدولهم ظاهرون عليهم، فيحتاجون حاجة ملحة وضرورية لوجودهم ودفع الشر عنهم، إلى شيء من المعاهدات والمعاقدات والتصالح مع الكفار، سواء كان صلحا مؤقتا، وهو النوع الأول، كما يقسمه العلماء، بسنوات محددة؛ مثلا عشر سنوات كصلح الحديبية، صلح النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قريش وهم من ألد أعدائه كما نعرف، وحاربوه قبل صلح الحديبية في عدة حروب كبرى كبدر وأحد والأحزاب، وعقد معهم المعاهدة على عشر سنوات يأمن فيها الجانبان بعضهما بعضا، ويختلط المسلمون بالكفار والكفار بالمسلمين، وتضع الحرب أوزارها (وأن بيننا عيبة مكفوفة)، أي أن الصدور سليمة، والنيات حسنة على الوفاء وعدم الغدر وعدم نقض المعاهدة، ولولا أن قريشا نقضتها بإعانتها حلفاءها على حلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستمر عليها النبي - عليه الصلاة والسلام - وهناك صلح مفتوح لا يؤقت بوقت».
وتطرقت حلقة الجمعة الأولى من رمضان إلى قضية مهمة لها علاقة بأصل من أصول الشريعة الإسلامية، تلك المسألة قد ضل فيها أقوام عندما حادوا عن فهم هذه المسألة فهما صحيحا، وفق ما أراده الله - عز وجل - ووفق ما بلغ به النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لذلك قام بعض من الناس باستغلال هذا، والولوج إلى فكر الشباب، شباب الأمة، عندما فهموا هذه المسألة وهذا الأصل فهما يغاير فهم المصطلح الشرعي، وحاول البعض من الناس واستطاعوا أن يغيروا في فكر كثير من الشباب إلى ما يكون فيه تشتيت للمجتمع وزعزعة للأمن وتفرقة للصف.
وسعت الحلقة وراء تمحيص مفهوم الولاء والبراء، الذي يعد أحد أهم أصول الشريعة الإسلامية، واعتُبر الولاء والبراء المحبة التي تنبني عليها طاعة الله وطاعة رسوله، ونصرة الله ونصرة رسوله ودينه وكتابه، والانضمام إلى جماعة المسلمين وموالاتهم ومحبتهم ونصرتهم ضد من يناصر عدوهم، فقاعدتهم الأساسية هي المحبة التي هي قاعدة الدين الأساسية والأصلية، فلا يتصور دين بلا محبة، كما لا يتصور دين بلا موالاة تامة لله - سبحانه وتعالى - ولرسوله - عليه الصلاة والسلام - وأهل السنة يربطون موضوع الولاء والبراء بالمحبة التامة وبالنصرة وبالطاعة التامة لله بحسب الاستطاعة، ولذلك الولاء والبراء ارتباطهما بمفهوم الدين، وهو محبة الله ورسوله، ارتباط وثيق، بل هو علامة المحبة الخالصة لله ورسوله عليه الصلاة والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.