يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معوقات الإصلاح السياسي في ليبيا:السنوسي بسيكري
نشر في الفجر نيوز يوم 20 - 08 - 2010

معوقات الإصلاح السياسي متعددة، بعضها يضرب في جذور الثقافة السائدة وله ارتباط بتاريخ الرقعة الجغرافية محل النقاش، وبعضها الآخر يعود للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي ساهمت جملة من العوامل المحلية والخارجية في تكريسها. وفي هذه السانحة أتطرق إلى حديث يتركز معظمه حول العوامل السياسية، بمعنى التوجهات السياسية كعائق أمام التحول الديمقراطي. وقد تم تركيز الحديث، الذي يغلب عليه الطابع الوصفي، حول نقاط أو بنود محددة طلبت 'الجزيرة نت' الكتابة حولها تحت عنوان 'معوقات الإصلاح السايسي في ليبيا' مع بعض الإضافة في التفاصيل وليس البنود. وكنت أرغب أن أضم إليها حديثا عن بعض المعوقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومظاهرها، إلا إن قصور الهمة حال دون ذلك. وها أنا ذا أنشرها وفق المحاور التي وجهت بها الجزيرة نت في صحيفة 'ليبيا اليوم' لعله يكون فيها ما يعود بالفائدة على القارئ والمتبع للشأن الليبي.
الحياة الحزبية
الأحزاب محظورة في ليبيا، ويعتبر الكتاب الأخضر التحزب خيانة والحزبية إجهاض للديمقراطية الحقيقة وأن الأحزاب أدوات للتصارع على السلطة ووسائل لتطويع الشعوب لخدمة مصالح فئات قليلة. وأظهر النظام الليبي رفضه للأحزاب منذ الأيام الأولى لوصول العقيد القذافي للحكم عام 1969، ويعود هذا الموقف إلى تأثر الأخير بثورة 23 يونيو وبتوجهات عبدالناصر حيال التجربة الحزبية في مصر. ويحكم قانون تجريم الحزبية(1) الصادر عام 1972 في مادته الثالثة بالإعدام على من دعا إلى إقامة تجمع أو تنظيم سياسي، أو من قام بإدارته أو تمويله أو من أعد مكانا لاجتماعاته أو من انضم إليه أو حرَّض على ذلك بأي وسيلة كانت أو قدم أي مساعدة له. كما يحكم بالسجن مدة لا تقل عن 10 سنوات على من تستر على التنظيمات والتكوينات السياسية السرية كما جاء في المادة الرابعة. والبديل وفق الفلسفة الجماهيرية هو الانخراط في العملية السياسية من خلال المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية. وذهب الكثيرون من المتابعين للشأن الليبي أن النظام قَبِل بالحزبية واقعا ووظفها لخدمة فلسفته السياسية معتبرين أن الاتحاد الاشتراكي العربي الذي أسسه مجلس قيادة الثورة مطلع السبعينات آلية حزبية أنشأ لتحقيق أغراض هي ذاتها أغراض تأسيس الأحزاب. كما اعتبروا حركة اللجان الثورية، التي تأسست في النصف الثاني من السبعينات، بمثابة الحزب الحاكم الذي هيمن على القرار السياسي وأفرز القيادات في مختلف المواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأناط مصمم فلسفة الحكم الجماهيري بالحركة مهمة نشر 'النظرية العالمية الثالثة' والتبشير بأطروحات الكتاب الأخضر وحماية الثورة. وتحول دور اللجان الثورية من مجرد 'تحريض الجماهير على ممارسة السلطة' لتتفرد بالسلطة وتمارس مهام الأجهزة الأمنية وتورطت في القمع والتنكيل بالخصوم السياسيين. وأصبح رؤوساء أجهزة الأمن الداخلي والخارجي من عناصر الحركة، وتولى منتسبوها المحاكم الثورية التي حلت محل المحاكم العادية لمحاكمة من وصفوا ب'القوى الرجعية'.
التركيبة التنظيمية للجان الثورية تبدأ من قمة الهرم حيث المنسق العام لحركة اللجان الثورية، تناوب عليها عدة منسقين كان أخرهم الدكتور عبدالقادر البغدادي، وقد خلف البغدادي عمر اشكال، الذي بدوره حل محل العقيد محمد المجذوب والذي ترأس الحركة قرابة العقدين. ودشن البغدادي توليه المنصب بإصدار قرار يقضي بإعادة هيكلة الحركة(2) لتصبح جهاز هيراركيا مُنهياً الشكل الذي أخذته الحركة منذ تأسيسها والذي اعتمد على اللامركزية والاستقلالية الجزئية لفرق العمل الثوري في كافة المرافق والوحدات الحكومية. وتتوزع مكاتب اللجان الثورية في مختلف الروابط والاتحادات والنقابات، بل وفي فترة سابقة، في مختلف الوحدات الإنتاجية والخدمية، إلا أن دورها وتأثيرها على الساحة السياسية تراجع وانحصر. وتتجه تفسيرات أُفول نجم الحركة إلى شعور العقيد بالاحباط تجاه تخاذل العديد من عناصرها بعد المواجهات بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية منتصف الثمانينات، وإلى الأزمة السياسية والاقتصادية، وكذلك إلى تراجع المد الثوري والاشتراكي على الصعيدين الإقليمي والدولي بعد انهيار المعسكر الشرقي وهيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي ومحاسبتها من ناصبها العداء ممن تقاربوا مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، أو كانوا مصدر قلق بمصادتهم سياساتها.
وبالرغم من تراجع تأييد العقيد القذافي للحركة الا أن الاستقراءات تشير إلى عدم عزمه إقصاءها كلية من الساحة باعتبار أنها تمثل جزء من العقيدة الثورية والنظام الجماهيري، ولإمكانية مساهمتها في حماية النظام ولعب بعض الأدوار التكميلية، والمشهد السياسي ينفث دخان صراع أو شد وجذب داخل منظومة الحكم متعلق بمستقبل اللجان الثورية إلا أن الدلائل تشير إلى عدم إمكان عودتها كلاعب أساسي وفق النظرية القديمة وهناك اتجاه نحو تجييرها لصالح مرحلة جديدة تأخذ شكلا مدنيا أكثر منه أمني، وتتحول إلى تيار فكري محافظ يناهض التيار الانفتاحي الليبرالي بالطرق السلمية، وقد يصب قرار إعادة هيكلتها في اتجاه الفصل بينها وبين إرثها السابق وتحويلها إلى مؤسسة أهلية اجتماعية تحظى برعاية السلطة لتكون جاهزة لتنفيذ مهام سياسية محددة ومحدودة.
طرح سيف الإسلام فكرة تأسيس منابر سياسية تكون بمثابة مطابخ لإنضاج القضايا المطروحة للنقاش في المؤتمرات، ووسيلة لكسر الجمود الذي تعاني منه الديمقراطية الشعبية، حسب ما أعلن، وحسب ما صرح به من ناصر الفكرة من المقربين له. وتشكلت لجنة تشرف عليها مؤسسة القذافي للتنمية وتضم نخبة من الأكاديميين لوضع تصور لفكرة المنابر السياسية والدور المنوط بها وآلية عملها. وتشكلت بالفعل منابر سياسية تتبع صحيفتي أويا وقورينا(3) وقد أُجهِضت المبادرة في مهدها، وهناك ما يشير إلى عدم رضى العقيد عن الفكرة وربما يكون الفريق المحافظ قد نجح في الربط بينها وبين الأحزاب، وإقناعه بأنها تندرج ضمن الأدوات التقليدية في الأنظمة التي تدعي الديمقراطية، وأنها قد تصبح في المستقبل مطية للالتفاف على النموذج الجماهيري وتقويضه.
الانتخابات
مصطلح الانتخابات غير مقبول في الأدبيات السياسية الليبية، ورفض الانتخابات يأتي تبعا لرفض التعددية السياسية والتداول على السلطة وفق المتعارف عليه في الغرب واقتباساتها في مناطق العالم المختلفة. ولأن التعددية مرفوضة فإن وسيلة الانتخابات بأنواعها مرفوضة أيضا.
النموذج الليبي يفضل ما يصطلح على تسميته 'التصعيد' لاختيار القيادة السياسية على مستوى السلطة التنفيذية العليا وفي المناطق والأفرع البلدية المختلفة. وهو الاختيار المباشر من قبل كل مؤتمر شعبي للعناصر التي ستنقل توصياته لمؤتمر الشعب العام (البرلمان). وتطرحه النظرية العالمية الثالثة كرديف ملائم لنظام الحكم الجماهيري الذي يقوم على فلسفة 'سلطة الشعب' عبر مشاركة كل المواطنين في العملية السياسة من خلال المؤتمرات الشعبية المنتشرة في كل أحياء البلاد. ما يؤكده المراقبون أن واقع التجربة لا يقترب بحال من النظرية، فالممارسات الاستفراداية من قبل أعداد قليلة تنتسب إلى حركة اللجان الثورية وعلى كل المستويات التنظيمية في الهيكل السياسي أفقدت المواطن الثقة في الشعارات وانعكس ذلك من خلال تدني حضور جلسات المؤتمرات حيث تؤكد المراقبة المباشرة لدورة انعقاد المؤتمرات الشعبية أن النسبة لا تتعدى 20%، في أحسن الأحوال، وأصبح عزوف المواطنين عن المؤتمرات قضية تشغل أنصار التجربة(4). وتشترط اللوائح المنظمة للعملية السياسية انتساب المرشحين للتصعيد لأمانة المؤتمر وأمانة اللجنة الشعبية للمؤتمر لحركة اللجان الثورية والإيمان الكامل بالثورة وبفكر الكتاب الأخضر. وطال تجربة التصعيد ما طال تجارب الانتخابات بسبب محاولات فرض السلطة أشخاصا بعينهم وطغيان أصحاب المصالح الخاصة وتأثير الوازع القبلي عند اختيار المرشحين.
على مستوى السلطة التنفيذية العليا فإن المتعارف عليه أن يقوم مؤتمر الشعب العام بتسمية المرشحين لأمانة اللجنة الشعبية العامة (مجلس الوزراء) لتقر من قبل المؤتمر العام، ولم تفصح أمانة مؤتمر الشعب العام عن كيفية طرح المرشحين للمناصب، ويعتقد أن الأسماء تأتي بتوجيه من العقيد القذافي حيث يعطي القانون توجيهاته صفة الإلزام. والحالة الفردية التي خالف فيها المؤتمر من تم ترشيحه لأمانة اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) وقعت عام 1992 ولم تتكرر. وحدث أن مارس العقيد القذافي نفوذه لدعم اختيار (المحامي العام) من خلال تدخل مباشر في جلسات مؤتمر شعب العام بعد أن رفض المؤتمرون اقتراح تعيينه من قبل أمانة المؤتمر.
العلاقات بين السلطات
لم يتناول الكتاب الأخضر مسألة الفصل بين السلطات كركن من أركان النظام السياسي. فلسفة النظام الذي يقوم على 'الشعبية' و 'الجمهرة' في منظومة واحدة تفضي إلى عدم الاهتمام بمسائل الفصل وينظر إليها كعامل تجزئة للنظام وتصادم أجهزته، ويشدد الكتاب الأخضر على دور الشعب في الرقابة لتحقيق الشفافية والعدل. ودور اللجان الشعبية (الأجهزة التنفيذية) وفق أفكار العقيد القذافي ينحصر في تنفيذ توصيات المؤتمرات الشعبية (الجهاز التشريعي). النتيجة العملية لهذه التوجهات هو انعدام الفصل بين السلطات. وتخضع اللجنة الشعبية العامة (هرم السلطة التنفيذية) لأمانة مؤتمر الشعب العام التي عمل في قيادتها رموز اللجان الثورية والذي كان من أبرزهم أحمد إبراهيم، إبن عم العقيد القذافي ومن أكبر المناصرين ل'سلطة الشعب' وأحد أهم القيادات السياسية خلال العقدين الماضيين. ومثلت فترة تولي د.شكري غانم لأمانة اللجنة الشعبية العامة 2003-2006، خروجا عن المألوف في العلاقة بين اللجنة الشعبية العامة وأمانة مؤتمر الشعب العام (التنفيذية والتشريعية)، واعتمد غانم - الذي لم يكن من التكنوقراط الذي عاصروا وناصروا سلطة الشعب - في مقاومته لنفوذ أمانة مؤتمر الشعب العام على التزكية التي منحها له العقيد القذافي إبان تعيينه والدعم من قبل نجله سيف الإسلام. ويُرجح أن يكون دعم العقيد القذافي له راجع إلى الحاجة لإقناع الغرب بجدية التحول الليبي والتغيير في السياسات على المستويين الداخلي والخارجي بعد تسوية أبرز القضايا العلقة بين طرابلس والعواصم الغربية. ويعزو العديد من المراقبين تنحية غانم عن منصبه قبل أن انجاز المهمة التي من أجلها أُختير إلى تراجع التهديد الخارجي، وإلى تأثير قيادات ثورية على موقف العقيد تجاهه وتعبير عن عدم رضى الأخير عن التغيير الجذري الذي تبناه غانم ، الذي أظهر تمردا غير مسبوق على أمانة المؤتمر، على أن يستلم ملف النفط الذي يمثل العنصر الأهم في علاقة الغرب بليبيا. وبالمقابل ففي تنحية أحمد إبراهيم إشارة إلى الرغبة في التخفيف من غلواء الايديولوجية التي هيمنت على إدارة النشاط الاقتصادي. والصورة اليوم أكثر تجانسا، فالنشاط الاقتصادي يتقدم بحذر في اتجاه الانفتاح إذ لا اهتمام فلسفي وفكري لدى خليفة غانم، وهو أقل استقلالية وجرأة في اختياراته ومواقفه، وبالمثل هو وضع أمانة المؤتمر بعد تولي مفتاح كعيبة ثم محمد الزوي لها.
فيما يتعلق بجهاز القضاء، فقد تم تهميشه جزئيا منذ السبعينيات ثم سحب الكثير من صلاحياته من خلال تشكيل المحاكم الاستثنائية مطلع الثمانينات كمحكمة الشعب والمحاكم الثورية التي أنيط بها النظر في قضايا من اعتبرتهم السلطة خصوما لها. وبعد أن تم إلغاء المحاكم الشعبية والثورية الأعوام الماضية، لجأت السلطة التنفيذية 'الفعلية'(5) إلى إنشاء ما يسمى بالمحاكم التخصصية. وتعطى صلاحية الإحالة إلى المحاكم التخصصية من قبل النائب العام وحده، الأمر الذي اعتبره مختصون في سلك القضاء والمحاماة وجه آخر من أوجه فرض إرادة السلطة على القضاء. من جهة ثانية فإن جهاز القضاء لا يزال يخضع للسلطة التنفيذية من الناحية الإدارية. فتعيين القضاة في المحكمة العليا والمحاكم العادية، وإعفائهم من وظائفهم وترقيتهم وندبهم وكذلك إلغاء أحكام المحكمة العليا وإنشاء المحاكم والنيابات بمختلف درجاتها، كل ذلك من صلاحيات مجلس القضاء الأعلى. ومن المعلوم أن أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل (وزير العدل) هو الذي يترأس مجلس القضاء وتضم تشكيلته أعضاء يسند إليهم رئيس المجلس الوظائف التي يتولونها.
الحريات العامة
يصر أنصار تجربة سلطة الشعب على كفالة النظام للحريات العامة بدرجة لا يكفلها أي نظام آخر. ويؤكد هؤلاء أن المواطنين يعبرون عن مواقفهم وأرائهم في المؤتمرات الشعبية بكامل الحرية، وأن الصحافة الجماهيرية هي المثال النموذجي للإعلام الحر، وأن الصحافة الخاصة أو المستقلة تصادم سلطة الجماهير. وعلى مستوى التشريعات والقوانين، فإن تقارير الحكومة الليبية المقدمة لمنظمات دولية تذهب إلى التأكيد على أن الوثيقة الخضراء، و قانون تعزيز الحرية يحفظان الحقوق الأساسية للمواطن الليبي ومنها حق التعبير والمشاركة السياسية. غير أن منظمات حقوقية ليبية ودولية أكدت على وجود قوانين وإجراءات تقيد الحريات العامة، ومن هذه القوانين قانون حماية الثورة الصادر في ديسمبر 1969 والذي يقضي بإعدام كل من اشترك في عمل مناوئ لأهداف الثورة، وقانون 45 للعام 1972 الذي يجرم التجمع ووسائل التعبير الأخرى كالإضراب والاعتصام والتظاهر، وقانون 71 لعام 1972 والذي ينص على تجريم الحزبية كما أشرنا سالفا، ووثيقة الشرعية الثورية المعتمدة في مارس 1990 والتي اعتبرت توجيهات العقيد القذافي ملزمة التنفيذ، وقانون رقم 20 لسنة 1991 بشأن تعزيز الحرية والذي يقضي بالحكم بالإعدام على كل من تشكل حياته خطراً على المجتمع، وميثاق الشرف في مارس 1997 والذي يفرض عقوبات جماعية على من لهم علاقة بمن يهدد أمن النظام.
الحريات العامة شهدت بعض التحسن خلال الأعوام الماضية واستفاد قطاع واسع من النخبة من الهامش المتاح في ممارسة حق التعبير عن المواقف الفكرية والسياسة، والمتحفظون على هذا الانفتاح النسبي يعتقدون أن السقف لم يتعد ما سمح العقيد القذافي به، وتتركز الكتابة حول الفساد ولا تقترب من النظام السياسي أو رموزه ولا يسمح بمناقشة الأسباب الرئيسية والمباشرة لما حل بالبلاد من أزمات. علاوة على ذلك فإن ذلك التحسن ارتبط بدعم شخص هو نجل العقيد، ولم تتوفر له ضمانات قانونية ومؤسساتية، كما أنه لم يغير من حقيقة استمرار احتكار المؤسسات الإعلامية والصحف ودور النشر والمؤسسات الحقوقية من قبل السلطة، فحالة الحذف والتعقيب على بعض ما تحقق من تطور في ملف الحريات مستمر دون رادع. وتستمر السلطة في قمع من لهم أفكار مختلفة ويرغبون في التعبير عن مواقفهم بشكل سلمي، حتى بعد هذا الانفتاح. في فبراير 2007م أعتقلت السلطات الأمنية نحو أثني عشر مواطناً قبل يوم من التظاهر في ميدان الشهداء بمدينة طرابلس يوم 17 فبراير2007. وتم الشروع في محاكمة كل من : الدكتور إدريس بوفايد وجمال أحمد الحاجي وآخرين. و بالرغم من أن المعتقلين أكدوا على نيتهم التظاهر سلميا وشددوا على ذلك من خلال بيانات وأكدوا احترامهم الأمن العام ودعوا من يرغب في مشاركتهم بالانضباط، إلا أنهم مثلوا أمام محكمة بتهم 'التخطيط لقلب نظام الحكم، وحيازة أسلحة، ومقابلة مسؤول من حكومة أجنبية'. وتكرر اعتقال الحاجي على خلفية رفع دعوى ضد الأجهزة الأمنية الذي قال أنها أساءت معاملته أثناء اعتقاله الأول، وتم الإفراج عنه لاحقا.
وقد مثل السجين السياسي فتحي الجهمي نموذجا متفردا في تخطي ما تعارف عليه اليوم بالخطوط الحمراء في السياسة الليبية. وكان فتحي الجهمي قد اعتقل وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة أعوام في 2002، وذلك إثر انتقاده للأوضاع السياسية في أحد المؤتمرات الشعبية الأساسية بالعاصمة طرابلس. وتم اعتقاله مرة أخرى بعد لقاء مع قناة الحرة الإخبارية انتقد خلاله النظام الليبي. وقالت السلطات الليبية يومها أنه احتجز لحمايته من قبل مواطنين نقموا عليه بسبب تصريحاته وأنه يعاني من مرض عقلي واضطربات نفسية، وقد توفي الجهمي لاحقا بعد أن ساءت حالته الصحية في المعتقل. أما الكاتب عبدالناصر يونس الرباصي، فقد رأى فيه المنتقدون للانفتاح نموذج آخر لعدم جدية وعود الإصلاح السياسي وإطلاق الحريات. فقد اعتقل الرباصي في صيف 2002 بعد أن قام بمراسلة موقع 'عرب تايمز' لنشر كتاب عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعنوان 'الفوضى الفوضى.. الفساد الفساد.. انتحار العقل في ليبيا مع قيم أخرى'، وصدر بحقه حكم بالسجن 15 عاما عن محكمة الشعب الملغاة، وذلك عام 2003م. وتعرض مثقفون بارزون للملاحقة بسبب كتاباتهم كما حدث للدكتور فتحي البعجة والصحفي محمد طرنيش، فتراجع حضور الأول والتحق الثاني بجمعية حقوقية تشرف عليها مؤسسة القذافي للتنمية. كما أن هناك العشرات من المعتقلين السياسيين الذي برأتهم المحاكم ولا تزال الأجهزة الأمنية تحتجزهم، ومن بين المعتقلين عناصر الجماعة الإسلامية المقاتلة الذين ظل مصيرهم معلقا حتى بعد المراجعات التي قامت بها قيادتهم.
وقد شهدت الأشهر الماضية حملة تضييق على بعض الحراك الإعلامي والنخبوي، فتم إيقاف فريق برنامج مساء الخير بنغازي عن البرنامج، وتعرض منسق لجنة أهالي ضحايا حادثة بوسليم للاعتداء الجسدي من قبل عضو جمعية كي لا ننسى، ويعتقد الأهالي أن التحريض عليهم إنما يتم من قبل الأجهزة الأمنية، كما تم مؤخرا استدعاء صحفيين للتحقيق على خلفية تقارير عن الفساد نشروها في مواقع إعلامية ليبية وعربية.
المجتمع المدني
نموذج الدولة الشمولية كان هو المفضل لدى القيادة السياسية بعد سبتمبر 69، ولذا تركزت الخيارات باتجاه تعبئة الجبهة الداخلية في منظومة واحدة وتوجه واحد. وجاء خطاب زوارة ونقاطه الخمس وما عرف بالثورة الثقافية عام 1973 إذانا بغلق المنافذ أمام التكوينات والتجمعات غير الرسمية. وكان من نتاج تبني مشروع 'سلطة الشعب' آواخر السبعينات الماضية بسط الهيمنة الكاملة للدولة على مختلف الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فلم يعد هناك مؤسسات وأجهزة وهيئات ومنظمات وجمعيات تعمل خارج سلطة أجهزة الدولة. وأصبحت حركة اللجان الثورية المشرف على إدارة الاتحادات والنقابات والروابط المهنية، وتحتكر إدارة المؤسسات الإعلامية وتقود الأندية الرياضية والملتقيات الثقافية، وتقلص عدد الجمعيات إلى عدد محدود جدا تحكمها قيود مشددة. واقتصرت النشاطات الفكرية والثقافية خلال الثمانينات والتسعينات الماضية على أنصار النظام الحاكم وبالتحديد منتسبوا اللجان الثورية، بحيث أضحى كل نشاط منظم لا يرتبط بتوجهات النظام ومواقفه على المستويين المحلي والخارجي مستهجن ومرفوض. وانعكست تجربة السيطرة على التكوينات السياسية والثقافية سلبا على دور المجتمع المدني بحيث تقلص وجوده وضعف نشاطه إلى درجة كبيرة جدا خلال العقود الثلاث الماضية الأمر الذي ضاعف من الأزمة التي مرت بها البلاد وساهم في فشل التجربة السياسية.
الحراك السياسي الذي قاده سيف الإسلام وساهمت في تقويته الظروف المحلية والإقليمية والدولية انتج انفتاحا نسبيا فيما يتعلق بالتكوينات المجتمعية والأهلية. وسمح بتأسيس الجمعيات الأهلية ولكن بشروط صعبة وقيود مجحفة، كما شهد الوسط الثقافي نوعا من التجاذب بين تيار اللجان الثورية والنخب المستقلة فيما يتعلق بإدارة النقابات والاتحادات والروابط الثقافية والصحفية، وخلافا حول دور هذه التكوينات ورؤيتها ورسالتها. فقدت شهدت السنوات القليلة الماضية خلافاً حول رابطة الكتاب بعد صدور قرار ينظم الانتساب إليها كانت نتيجته الطبيعية إقصاء كتاب معروفين بسبب شرط الحصول على شهادة خلو من السوابق، والكثير من هؤلاء حُكم عليهم في قضايا سياسية. كما شب نزاع حول إدارة نقابة المحامين وضوابط عملها وتبعيتها واختيار أمانتها تدخلت فيه، بشكل مباشر وتعسفي، أمانة مؤتمر الشعب العام بحسب العديد من أعضاء النقابة. وبالرغم من هذا الزخم في النشاط إلا إنه لم يسفر عن تغيير يسمح بتعزيز دور المجتمع المدني ويمنحه الاستقلالية عن الدولة. وإن سمحت التشريعات بتكوين الجمعيات الأهلية فقد وضعت الجهات التنفيذية عراقيل تتعلق بإجراءات التأسيس مؤداها خضوع الجمعيات إلى رقابة الجهات التنفيذية الرسمية.
(1)
قانون 71 لسنة 1972 بشأن تجريم الحزبية
http://www.aladel.gov.ly/main/modules/sections/item.php?itemid=55
(2)
المنارة للإعلام بتاريخ 4/3/2010 نقلا عن صحيفة قورينا
(3)
من حوارات المنابر السياسية: منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية
http://www.libyaforum.org/index.php?option=com_content&task=category§ionid=11&id=158&Itemid=260
(4 )
http://www.almanaralink.com/new/index.php?scid=1&nid=18151
http://www.aljazeera.net/news/archive/archive?ArchiveId=1087606
http://www.alwatan-libya.com/default.asp?mode=more&NewsID=9103&catID=23
(5)
يفرض النظام المعمول به في ليبيا القول بوجود سلطة تنفيذية شكلية وأخرى فعلية، الأولى هي اللجنة الشعبية العامة والثانية هي سلطة العقيد القذافي الذي تخضع له كل السلطات.
المنارة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.