خبران وردا من أوروبا ومن بلدين متجاورين، بديا بعيدَيْن تمامًا، إلا أن فيهما تقاطعًا يستحقُّ التوقف عنده، الخبر الأول من إيطاليا والذي جاء فيه أن مسئولين في مدينة كاستيلا ماري الساحليَّة يدرسون فرض حظْر على ارتداء التنانير القصيرة أو أي ملابس يمكن اعتبارها مستفزَّة، وتحاول المدينة أن تستفيد من الصلاحيَّات الإضافيَّة التي منحتها الحكومة الإيطاليَّة لرؤساء البلديَّات بهدف مكافحة الجريمة والتصدي للسلوك الاجتماعي السيِّئ. وقال عمدة المدينة لويجي بوبيو: إنه يريد استخدام الحظْر لمواجهة ما يصفُه بالسلوكيَّات غير الاجتماعيَّة وإعادة اللياقة، وبمقتضى القانون سيحظر على زوَّار المدينة ارتداء الجينز والتنانير القصيرة، ويرى العمدة أن الهدف من القانون المقترح ملاحقة الأشخاص "الغوغائيين والجامحين أو الذين يتصرَّفون بطريقة سيِّئة". من جانبِه أيَّد القس دون باولو سيسيري القرار واعتبره "القرار الصائب" وأضاف قائلًا: "إن القانون يعدُّ وسيلةً جيِّدة لمكافحة زيادة حالات التحرُّش الجنسي". الخبر الثاني وردَ من فرنسا ساركوزي، والتي كان لها السبق في محاربة الحجاب وحظر النقاب في فرنسا، فلقد أوصى "المجلس الأعلى للتكامل" في فرنسا هيئات التدريس في البلاد برفض ما وصفَه بالمطالب المتزايدة للطلبة المسلمين وأولياء أمورهم في البلاد، وقال المجلس: إن "هناك مشاكل متنامية بسبب مطالبة طلبة من أبناء المهاجرين بتوفير اللحْم الحلال لهم في الوجبات المدرسيَّة، وبسبب الاعتراضات التي يقدمونها لدى تدريس بعض المناهج مثل الأديان والحرب الفرنسيَّة في الجزائر، والأحداث المتعلِّقة بالفلسطينيين والإسرائيليين والأنشطة العسكريَّة الأمريكيَّة في دول مسلمة، وكذلك مواضيع كالهولوكوست والحروب الصليبيَّة والنشوء والارتقاء". وأوصى المجلس برفض هذه المطالب وضرورة أن توضِّح هيئات التدريس لأولئك الطلبة المبادئ العلمانيَّة للبلاد، وطالب بأن "نؤكِّد الآن علمانيتَنا وندرِّب المدرِّسين على كيفيَّة التعامل مع مشاكل محدَّدة تتعلَّق باحترام هذه المبادئ". وأفاد التقرير أن بعض الفتيات يطلبن إعفاءهن من المشاركة في فصول الألعاب الرياضيَّة أو السباحة؛ لأن اختلاطهن بالأولاد حرام، وأضاف أن المدارس الفرنسيَّة يجب أن تصرَّ على مبدأ التعليم المختلط والحقوق المتساوية والاحترام المتبادل، وقال: "أن تكون مواطنًا فرنسيًّا يعني أن يقبل المرء آراء مختلفة عن رأيه... وهذا هو ثمن حريَّة الرأي والتعبير". وقال باتريك جوبرت رئيس المجلس الأعلى: إن مجلسه قرَّر دراسة تكيّف الطلبة من خلفيَّات مهاجرة مع النظام التعليمي في البلاد، لأن ذلك "في قلب التحدِّيات التي يتوجَّب على المجتمع الفرنسي مواجهتها"، وكما قال: "يجد المدرسون بشكلٍ متكرِّر أن أولياء الأمور المسلمين يرفضون تدريس المسيحيَّة لأبنائهم... بل إن بعضهم يرى أن هذا يصل إلى حدّ التنصير"، "وتظهر معاداة الساميَّة على السطح عند تدريس مواد عن الهولوكوست مثل ترديد نكات غير لائقة ورفض مشاهدة أفلام "عن معسكرات التعذيب النازيَّة". في الوقت الذي تحارب فيه فرنسا الحجاب والاحتشام نجد أن مسألة انتشار بعض الجرائم وربطها بالتعرِّي، وبشكلٍ واضح وصريح غربيًّا كما حصل في المدينة الإيطاليَّة يثير الكثير من التساؤلات، فلو أن الاقتراح الإيطالي جاء من مركز إسلامي أو من خطيب مسجد في أوروبا لقامت الدنيا ولم تقعدْ، ولسمعنا تحذيرات من ضياع الهويَّة الأوروبيَّة والتخويف من أَسْلَمة القارة العجوز، من الواضح إيطاليًّا على الأقل، بأن العري من مسبِّبات ودوافع الاستفزاز والجرائم، وبالتالي ومن قبيل البداهة فإن الستر والحجاب سيقدمان دواءً للمشكلة، والتي وصلتْ إلى حدود لا يمكن السكوت عليها، فلماذا تسنُّ القوانين لمكافحة الحجاب ولا تكون في مواجهة العري والإباحيَّة وما يتسبب عنهما من أمراض وخَلَل وأعراض؟ المسألة فرنسيًّا وأوروبيًّا ليست في الحجاب أو في النقاب أو ما إلى ذلك، بل في التضييق على المسلمين ومحاولة تخييرهم بين الذوبان في المحيط الأوروبي أخلاقيًّا وفكريًّا أو العودة إلى ديارهم الأصليَّة، أوليست هذه النقطة هي ما أرادت المستشارة الألمانيَّة أن تصلَ إليه وهي تتحدث عن فشل خيار التعدُّد الثقافي في ألمانيا؟ أجراس الخطر والتي تقرع في فرنسا والتي تحذرُ من تمسُّك ناشئة المسلمين بدينهم وتعتبره أمرًا في غاية الخطورة، أمر يتنافى تمامًا مع شعارات الحريَّة والديمقراطيَّة والتي يتغنَّى فيها الغرب في كل وقت وحين، المدارس الفرنسيَّة مستاءة إذا ما اعتذر تلميذ مسلم عن مشاهدة فيلم عن الهولوكست، ربما لأنه شاهد في بيته في الليلة الماضية وعلى الهواء فيلمًا عن إحراق غزة، والفرنسيُّون متضايقون من فتى مسلم يعترض على غزو العراق على الرغم من أن مواقف القيادة الفرنسيَّة السابقة كانت معارضةً بشدة لجريمة الغزو الأمريكيَّة هناك. الأمر المثير للسخرية السوداء ما جاء في التقرير "أن تكون مواطنًا فرنسيًّا يعني أن يقبل المرء آراء مختلفة عن رأيه... وهذا هو ثمن حرية الرأي والتعبير" بمعنى أوضح أن تكون مسلمًا فحريَّة الرأي والتعبير تعني أن تتبع ما نقوله لك وأن تلغيَ عقلك وتتنكَّر لهويتِك وأن تصفق للاحتلال الإسرائيلي والأمريكي، إنه نفس المنطق الأمريكي والغربي –في بعض أبعادِه- والذي يسمِّي احتلال العراق تحريرًا، وتفتيت البلد طائفيًّا بنشر الديمقراطيَّة، ويعتبر محرقة غزة وقتل أطفالها وشيوخها وتشويههم دفاعًا عن النفس، وجرائم الصهاينة المتواصلة مبرَّرة ويمكن تفهُّمها. إن الغرب في تصرفاتِه وسلوكياتِه غير العادلة مع المسلمين، وفي معاييره المزدوجة وسلوكياته الفاضحة في نفاقها فيما يتعلق بقضاياهم، إنما يهزم نفسه أخلاقيًّا وحضاريًّا، من هنا ليس مستغربًا أن تنهض تركيا كقوَّة إقليميَّة وربما مستقبلًا أوسع من ذلك، بتميزها عن الغرب في ربط سياساتِها بالإضافة لمصالحها وطموحاتها إلى القيم الأخلاقيَّة النبيلة والرفيعة. الاسلام اليوم السبت 22 ذو القعدة 1431 الموافق 30 أكتوبر 2010