عبر الباحث التونسي نجيب بن لزرق عن سعادته بتفاخر التونسيين باصولهم التاريخية، مع ان الغالبية العظمى منهم اليوم من المسلمين. وقال بن لزرق الاثاري والاستاذ في المعهد الوطني للتراث في تونس في محاضرة عن الهوية التونسية أقيمت في المتحف البريطاني الخميس "ان جذور عوائل التونسيين تمتد الى بلدان مختلفة مع ان 99 في المائة منهم من المسلمين". وضرب مثل بعائلة "بوشناق" المعروفة في تونس مؤكدا انها من أصول بوسنية. وأثارت المحاضرة التي نظمتها السفارة التونسية وحضرها السفير الجديد في المملكة المتحدة حاتم عطا الله الذي قدم مداخلة حول الخلاف التاريخي لما حدت أثناء الحقبة الفينيقية، جدلا حيويا كونها تناولت أسئلة الهوية الثقافية والطابع الوطني والانتماء الى مجتمع متجانس. وأكد ان الاختلاف والاتفاق ظاهرة حضارية في تونس لانه غالبا ما ينتهي بطريقة سلمية. وارجع ذلك الى التبادل المغني بين حضارات متنوعة صنعت التاريخ التونسي عبر حكم البلاد أو المرور بها. وعاد بن لزرق في محاضرته التي قدمها باللغة الانكليزية الى الاثار الايجابية التي تركتها الحضارة الفينيقية في تونس عندما رسخت الاستقرار في البلاد. مؤكدا أن قرطاج كانت مكاناً عالمياً عندما رحبت باليونانيين والمصريين والاسبان الذين تعايشوا معا في سلام. الا ان غزو الروم لقرطاج دمر التراث الغني وبنى معالم جديدة بمواصفات رومانية، وبدا فيما بعد انه تأثر بالحضارة البربرية، وهو أمر مثير للاهتمام حسب وصف بن لزرق، كون اصول البربر من شمال افريقياً أصلا. وتناول المحاضر العصر الاسلامي في تونس مؤكدا ان التونسيين آنذاك أقاموا علاقات قوية مع غير المسلمين من مختلف الأعراق والخلفيات، الامر الذي ولد نكهة جديدة بمواصفات متنوعة استمرت الى يومنا هذا. وصنع التونسيون ملامح حضارتهم الاسلامية الخاصة، وظهر ذلك عبر معمارية المآذن الاسلامية المستوحاة من افكار بن خلدون "اب علم الاجتماع" العربي. الا ان الحقبة الاسلامية انقطعت بالغزو الاسباني لتونس بمساعدة ايطاليا، حيث تعرض العديد من التونسيين للاضطهاد الشديد، وارغم بعضهم الى التحول إلى الكاثوليكية، حتى تم انقاذهم من قبل العثمانيين، الذين كانوا موضع ترحيب في تونس. خصاص قبول الاخر في التاريخ التونسي تبدو واضحة كما هو الحال في اختيار النساء، حيث اشار المحاضر الى دور الملكة "عليسا" في الحضارة التونسية ثم النفوذ الواسع لفاطمة الفهري وشقيقتها مريم اللتين اسهمتا في بناء عدد من المساجد والجامعات والمصحات. وشدد المحاضر على المكانة اللائقة لليهود في التاريخ التونسي، على الرغم من المحاولات الكثيرة من جانب القوة الاستعمارية الفرنسية لاثارة الانقسامات والكراهية بين المسلمين وغير المسلمين في تونس. وقال ان اضطهاد اليهود في فرنسا ارتفع الى مستويات لا يمكن تصورها في عصور معينة، الا انهم في تونس أشبه بعلامة فارقة عبر التواصل بتقاليدهم الاجتماعية والدينية سواء أثناء الزواج وارتداء الملابس الخاصة، ويبدو واضحا الارث الفني اليهودي الموجود الان في تونس. وأعاد بن لزرق التأكيد على فخر التونسيين بحضارتهم حيث عززته الحكومة بعد الاستقلال، وظهر واضحا في اسماء الاماكن والشوارع والمناهج الدراسية. ونبه الى ان في تونس اليوم تجد الاثار أينما أدرت وجهك "العلم التونسي شبيهاً بالتركي، واثار عمارة اندلسية واخرى كما هو في فاس المغربية، والآثار الرومانية والمباني الزرقاء والبيضاء التي كانت شائعة في الأندلس واليونان، ودلالات الرموز البربرية كالاسماك والنخيل التي كانت تهدف إلى حماية الناس من (العين الشريرة)". ومهما يكن من أمر، فإن النقاش حول الهوية لا يزال مستمرا في تونس. ولكن باتفاق واضح على خصوصية الطابع الوطني.