يتعرض المشروع الإسلامي لحرب تشويه تهدف إلى التخويف منه، حتى ينفض الناس من حوله، ولكن حرب التشويه لا تعتمد أساسا على كشف حقيقة المشروع الإسلامي، بل إلى تشويه تلك الحقيقة وإنتاج صورة غير حقيقية عن المشروع الإسلامي، أو بعض تياراته. والناظر إلى الصورة التي ترسم إعلاميا عن المشروع الإسلامي في داخل البلاد العربية والإسلامية، وفي الغرب، يجد صورة المتطرف والإرهابي هي العنوان الأهم لتلك الصور المنتجة إعلاميا عن الإسلاميين عموما. ومن الملاحظ أيضا أن صورة المتطرف أو المتشدد، هي التي يعاد إنتاجها دائما، وكأن وسائل الإعلام العلمانية والليبرالية في الداخل والخارج تفضل وضع كل الحركات الإسلامية في جانب الحركات المتشددة أو المتطرفة. والحاصل في كل مشروع أنه يقوم على العديد من التيارات بداخله، فكل مشروع له تنوعاته الداخلية، ومن تلك التنوعات تيارات أكثر تشددا، وتيارات أخرى أكثر مرونة، وبينهما التيار الذي يحاول أن يمثل موقف وموضع الاعتدال. وفي داخل التيار الإسلامي العريض، توجد التيارات أو الاتجاهات الأكثر محافظة، وتلك التيارات تستخدم كنموذج يتم تشويهه أولا، خاصة وأنه نموذج جماهيري، ثم يتم اعتبار كل التيارات الإسلامية تمثل هذا النموذج، وتشن الحرب على الجميع. وكل تيار له جماهيره، والتيار الإسلامي بداخله تيارات فرعية وكل منها له جماهيره، وعندما يصور التيار الإسلامي وكأنه اتجاه واحد، تفقد تياراته الفرعية الجماهير المؤيدة لكل منها. تشويه الجميع الحرب التي تستهدف تشويه صورة الجميع، ووضعهم في قالب واحد، تهدف إلى تقليص حجم التأييد الذي يتمتع به التيار الإسلامي، وإظهاره بصورة متشددة، حتى ينفض من حوله جزء كبير من جمهوره. وبهذا يفقد التيار الإسلامي جزءا من جمهوره المستهدف والمؤهل لقبول فكرته، من خلال عمليات التشويه. وتركز تلك الحرب على الفصائل التي تعمل في المجال العام والمجال السياسي، حيث أنها تعتبر الأهداف العاجلة، والتي تمثل خطرا على المشاريع غير الإسلامية. ولكن كلما تزايدت موجات الالتزام والمحافظة، نجد الحرب تتوجه إلى التيارات التي لا تعمل في المجال السياسي، لوقف قدرتها على تنمية القاعدة الجماهيرية المساندة لها. ويفهم من ذلك، أن الحرب تشن في النهاية على كل التيارات الإسلامية، وأن الرفض العلماني يوجه لكل المشروع الإسلامي، وأن النخب العلمانية والنخب الحاكمة ترفض التعايش مع المشروع الإسلامي، بل وترفض أن يكون له حق العمل السياسي الحر. وبسبب الخلل الحادث في الأوزان النسبية للتيارات السياسية، والمتمثل في انخفاض شعبية التيار العلماني، يلجأ التيار العلماني ليس إلى توسيع قاعدة شعبيته، بل إلى ضرب شعبية التيار الإسلامي، لأنه لا يستطيع نشر فكرته بين الناس، لأنها ليست فكرة لها شعبية واسعة، كما أنها تصطدم بتقاليد وعادات ومرجعية المجتمع الحضارية والدينية. لذا يعمد التيار العلماني إلى نقد التيار الإسلامي، أكثر من تقديم فكرته هو إلى الناس، وكل تيار لا يركز على تقديم فكرته بقدر ما يركز على نقد فكرة أخرى لها شعبية، يكشف عن أن فكرته ليس لها الشعبية الكافية، وأنه يحاول الحصول على قدر من الشعبية من خلال تخويف الناس من المشاريع الأخرى، وليس من خلال إقناع الناس بمشروعه. وهنا تظهر أهمية علمية التشويه، فلا يمكن نقد الفكرة التي تحوز على الشعبية من خلال عرضها عرضا موضوعيا ثم نقدها، فمجرد عرضها يعني الدعاية لها والمساعدة في نشرها. ولأن الفكرة لها شعبية إذن فهي فكرة مقبولة جماهيريا، ولا يمكن إقناع الناس بترك الأفكار التي تعبر عن مرجعيتهم الحضارية والدينية بسهولة، لذا يتم رسم صورة مشوهة عن التيار الإسلامي لا تمثل حقيقته، ولكن تمثل صورة سلبية يتم إنتاجها عنه، ثم يتم الترويج لها، حتى يمكن تخويف الناس من حاملي المشروع الإسلامي. تحييد المشروع ويلاحظ أن بعض مهاجمي المشروع الإسلامي يحاول الفصل بين من يحمل المشروع من تيارات وحركات، وبين المشروع نفسه، وكأنه يريد تجنب الخوض في المشروع أو نقده بصورة مباشرة، وكأنه يريد القول إن المشكلة ليست في المشروع ولكن في من يحمله. ولكن من يهاجم حملة المشروع الإسلامي، ولا يهاجم المشروع الإسلامي، لا يقدم للناس المشروع بصورته الصحيحة، بل يحاول إقناع الناس بأن كل من يحمل المشروع الإسلامي لن يستطيع تحقيقه بالصورة المثلى، لذا يصبح من الضروري التخلي عن المشروع الإسلامي، والحفاظ على قدسية الفكرة الإسلامية، وتطبيق أفكار أخرى غير دينية، حتى لا يشوه التطبيق الفكرة الإسلامية. ولكن هذه الفكرة سرعان ما تفشل، لأن معناها أن على كل مؤمن أيضا التخلي عن تطبيق الفكرة الدينية في حياته حتى لا يشوها، ويصبح تقديس الدين هو تنحيته وتحييده. وحرب تشويه المشروع الإسلامي وحامليه، تهدف أيضا إلى الدخول في معركة تستنزف التيار الإسلامي، وتحاول حصاره داخل مرحلة الدفاع عن النفس، حتى يزيل أثر التشويه الإعلامي الذي يتعرض له، ومن ثم يستنزف الإسلامي في عملية الدفاع عن النفس، ومحاولة إعادة تأكيد صورته الحقيقية، وتستمر موجات التشويه، حتى يستمر الإسلامي في الدفاع عن نفسه وفكرته والرد على حملات التشويه. وتلك العملية تعوض فشل النخب العلمانية في تأسيس قاعدة شعبية لطرحهم، فيتم استنزاف الخصم، وهو الإسلامي، في حرب إعلامية وسياسية مستمرة، تجعل تمدد التيار الإسلامي يتأخر، حتى وإن لم يتوقف. تفريق الصف الناظر إلى واقع التيار الإسلامي، يجد أن كل الفصائل الإسلامية لها حضور مؤثر، وبالتالي لها قاعدة جماهيرية تستند لها، مما يجعل مجمل التواجد الجماهيري للتيار الإسلامي يمثل الأغلبية في أغلب المجتمعات العربية والإسلامية. لذا فإذا تم التنسيق بين التيارات الإسلامية، يمكنها أن تشكل تحالفا قادرا على تغيير الأوضاع السياسية. ولكن حرب تشويه الصورة الإعلامية والسياسية عن التيار الإسلامي، تساعد على توسيع الفجوة بين التيارات الإسلامية. فهذه الحرب تضغط على طرف حتى يتبرأ من الأكثر منه محافظة، وتدفع طرف إلى اتهام غيره بالمهادنة لأنه مرن سياسيا بأكثر مما ينبغي، وتدفع طرف آخر إلى القبول بشروط تلغي نسبيا أو مرحليا المشروع الإسلامي، ويضطر هذا الطرف إلى الدفاع عن موقفه بالهجوم على التيارات الإسلامية الأخرى. وبهذا تصبح لعبة الصور المشوهة، وسيلة لمنع أي فرص للتنسيق بين التيارات الإسلامية، كما أنها تزيد من المعارك التي تدور في الداخل الإسلامي. تلك هي معركة أو حرب الشعارات التي يتعرض لها التيار الإسلامي، وهي تسبب له الكثير من المشكلات، وتعرقل تطوره، وتمنع وصوله لحالة التوازن بين التشدد في موضعه والمرونة في موضعها، من كثرة ما يتعرض له من تشويه وحصار. كما أن عملية التشويه المنظم تدفع كل تيار لتحمل تبعات مواقفه فقط، فتدفعه للتأكيد على انفصاله عن التيارات الأخرى، وعدم مسئوليته عن تصرفاتها، وربما رفضه لتلك التصرفات. ومصير هذه الحرب يتعلق أساسا بالحقيقة، ففي المعارك يمكن أن يتحقق النصر من خلال بث الصور المشوهة ولكن مرحليا فقط، فالصورة الحقيقية تنتصر في النهاية إذا كانت تحظى بالشعبية. وكما أن تزييف الصورة الحقيقية لا يستمر بلا نهاية، كذلك فإن تجميل الصور وتغطية المشاريع المرفوضة جماهيريا لا يستمر إلى ما لا نهاية. ولكن معركة تشويه الصور، ومعركة التضليل تحرم المجتمع من تطوره الطبيعي، الذي يمكن أن يحقق له الخروج من حالة التراجع الحضاري.