بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثقافة والحكم والحكمة في رحاب الثورة التونسية
نشر في الحوار نت يوم 14 - 03 - 2011


كتب د. عبد الآله المالكي
إن تسمية المتعلمين أصحاب الشهادات العلمية بالمثقفين أو النخبة المثقفة هي تسمية غير صحيحة عند إطلاقها فالثقافة مقيدة بالمعرفة العامة مع رجاحة العقل وحسن التدبير الناتج عن الحكمة والتي هي وضع الأشياء في موضعها ومجمل كل هذا يولد سلوكا حضاريا وأخلاقا سامية يسمو بها المثقف عن كل ما هو دنيء والثقافة تدعو إلى شعور المثقف بالمسؤولية تجاه الآخرين الأمر الذي يجعله يبذل كل ما في وسعه لتهيئة المناخ والآليات والفضاءات التي تستقطب الإصلاحيين وتوحد جهودهم للنهوض بالمجتمع طبقا للمعايير الحضارية التي تلبي كل الاحتياجات الأساسية لبني البشر .

في تعريف المثقف
والمثقف هو مصلح للفساد مقاوم للمفسدين وليس مشاركا ومعينا لهم فهو يتميز بالوعي والإلمام المعرفي بكل ما يدور حوله من ملابسات في كل قطاعات الحياة المعاشة مما يجعله محصنا من الاختراق الذاتي والتكيف مع الأوضاع الموبوءة التي تشهدها الساحة العالمية في جميع المجالات والتي تتناقض مع مشروعه الإصلاحي وبرنامجه الذي سطره فلا يمكن للمثقف أن يعيش على هامش الأحداث خارج برنامج مخطط في ظل قضية مركزية يحدد فيها موقعه وأهدافه ومراميه الإصلاحية فلا حياة عشوائية للمثقف فالعشوائية موطن دنيء يتناقض مع ماهية وجود الإنسان على الأرض يسمو المثقف بنفسه عن الوقوع فيه كما ينآى بها عن الانطواء والشخصانية لأنهما يتناقضان مع موقع مسؤوليته .أما مواصفاته فهي الأخلاق السامية والوعي والفطنة والحزم والعزم والجدية والصدق والإخلاص والإنصاف والخبرة وكل هذه الصفات من محصلات الالمام المعرفي الذي اوصله الى هذه المرتبة الرفيعة كمثقف .
ولذلك كان المثقفون قديماً يسمون بالحكماء وكانت، ولهم مجالس في سدة الحكم يستعين بها الحاكم في تدبير شئون الدولة أو العشيرة أو ما شابههما، وهذا هو الوضع الطبيعي في الحكم الذي انبثقت معانيه من الحكمة، قال علماء البلاغة(ربطت التاء بالحكم فصارت حكمة) فلا يتولى الحكم إلا من كان حكيماً ومن تولى الحكم فهو حاكم والحاكم هو الذي يفصل بين الحق والباطل مطلقاً وقد أدرك بعض الحكام القدامى عبر التاريخ هذه المسألة فكونوا مجالس الحكماء لإعانتهم على الحكم وأدرك أعداء الأمة والإنسانية هذه الحقيقة فابعدوا الحكماء وزرعوا حول الحكام بطائن السوء والجواسيس المجنَدين والمختَرَقين بسلاح المعلومة للوصول إلى الأهداف المرسومة بدقة ضمن المخططات المكرسة على الشعوب المقهورة لإضعافها وتدمير قيمها وكل مقومات حياتها وسجنها فى سجون موسعة ضمن منظومة الواقع المفروض الذي أسسوا ركائزه والياته ليسيطروا فيه على كل المؤسسات المجتمعية لإخضاعها إلى استيعاب كل مخططاتهم وبرامجهم التدميرية للأخلاق والقيم والأذهان و العقول والأبدان وكل مقومات الحياة مستعينين بجيش جرار من المتعاونين الذين اخترقت ذواتهم وصنعت عقولهم في مصانع المؤسسات والبرامج التى سيطر بها الغرب على فضاءات الثقافة والتعليم والإعلام والحياة المجتمعية وقد أصبح سائداً الآن ندرة الحكماء واختفاؤهم بسبب انعدام الحرية فى ظل أنظمة الحكم الاستبدادي المتميز بالقهر والطغيان, وفى عصرنا الحاضر اصبح سائدا ان المثقف هو صاحب الشهادة العلمية التى يحصل عليها عبر برامج التعليم المستندة على المعلومة التي خطط الغرب للاستيلاء عليها ووجهوا بها طلاب العلم إلى الطريق الذى رسموه وهو من أكبر الأعمال التي قاموا بها على مر التاريخ والتى اعانتهم على السيطرة على شعوب العالم - وفى هذا الموضوع تفاصيل كثيرة ودقيقة لا يسعها المجال – وانبثقت اغلب الاديولجيات الفكرية عن الخط المعلوماتى اليهودى الذى رسم مسبقاً لصناعة العقول والأذهان ضمن أهداف محددة عبر برامج هادفة واصبح كل من له شهادات ، وهو منطلق من هذه الاديوليجيات يسمى مثقفاً. وزج بهؤلاء المثقفين الذين اخترقت أدمغتهم وكياناتهم حسب تخطيط دقيق المعالم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون فى مراكز النخب فى المؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية والإعلامية والسياسية بشقيها الموالي والمعارض والاقتصادية وغيرها من مجالات الحياة العامة التي صبغت بتوجهات الخطط الاستعمارية للغرب المركوب الطبع من طرف الماسونية و مخططاتها وكان المؤشر لهذا التوظيف في مناصب إدارة هذه المنظومة الماكرة في الحياة العامة هوا لانتماء السري العلني إلى الجمعيات المشبوهة و نوادي ومحافل و مؤسسات التدريب والاعداد التي تكونت للسيطرة بها على مراكز النفوذ والمراكز المفاتيح للتسيير بآليات الاستبداد والقهر والطغيان لضمان السيطرة على البلاد والعباد وتمرير المخططات التدميرية في قوالب تبدو حضارية وهى السم الزعاف الذي تجرعته الشعوب والذي أوصلها إلى الحالة الراهنة التي نراها عليها اليوم وهى غنية عن التعريف والتفصيل.

ولسائل أن يسأل كيف استطاع النظام الاستبدادي الوصول إلى تحقيق كل المخططات الواردة في برنامج الهيمنة الغربية على الشعوب لسجنها وإدارة كل مقومات حياتها وتدمير ركائز نهضتها ونموها وتطورها الحضاري بمفهومه الصحيح وبأية وسائل حقق هذا النجاح المؤقت رغم طول أمده إلى عشرات السنين؟

والجواب على هذا السؤال هو انه استعان بفرسان الحركة الثقافية والتعليمية الذين صنعت عقولهم وأذهانهم في ثكنات الثقافة والتعليم الذي كان يشرف على توجهاتهما بالكامل البنك الدولي والمؤسسات التابعة له والذي لا يعرف حقيقتها إلا الذين استعصت عقولهم واذهناهم عن الاختراق ألمعلوماتي فمعالجة هذه المسالة تتطلب حكمة بالغة من أهل الإصلاح والرشاد فجزء من هؤلاء النخب كما يسمونهم لهم من الطاقات والخبرات العالية التي يحتاج إليها المجتمع في كل المجالات غير أنهم محتاجون إلى التخلي عن انتماءاتهم و اديوليجياتهم وقناعتهم الذاتية الخاطئة والتي أثبتت إفلاسها ومحاولة فهم اللعبة الخبيثة التي تدور في العالم ضد الإنسانية جمعاء وأنهم أداة من أدواتها التي تحركها بالاختراق قوى الهيمنة والاستبداد المعروفة والخفية الظاهرة التي تحكم العالم و هي تسير به نحو الهاوية . فما قيمة المكاسب التي تحصلوا عليها بانخراطهم في هذه اللعبة القذرة التي جلبت الدمار والحرمان والشقاء للبشرية وهم راحلون عما قريب عن هذه المكاسب وتاركونها وراء ظهورهم ليواجهوا جزاءا محتوما على ما فعلوه طوعا أو كرها بفهم وبدون فهم لان موقعهم لا يحتمل الغفلة فان كانوا يعلمون فهي مصيبة وان كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم فالعقل السليم للمثقف يجب أن يوجهه إلى نفع البشر لان أحسن الناس هو انفعهم للناس وما ثمة أبشع واقذر وأحقر وأحط وأسفل وافسد وأدنس وافضع وأرذل واخسأ وأذم من الإضرار بالناس واشد بشاعة من ذلك وحقارة وسفالة ونذالة ورذالة وخساسة أن يكون هذا الإضرار من موقع العمالة والخيانة مقابل منافع زائلة وفانية عما قريب وبدلك ينزعون عن أعناقهم الأغلال المكبلين بها في سجن الأيديولوجيات والقماقم السياسية والتنظيمات المشبوهة ويخرجون إلى العالم الواسع أحرارا أسيادا ماسكين بشعار خدمة البشر عارضين خدماتهم من واقع خبراتهم للمشروع الإصلاحي لا من مواقع اديوليجياتهم فيسمون بأنفسهم إلى اعلي درجات الرقي الحضاري بعد أن كانوا في أسفل قعر الهاوية وهم لا يشعرون , وبهذا الرقي يساهمون مع أهل الإصلاح سواء كانوا حكاما او مجموعات او افراد فى التغير الحضاري الاخلاقى لحالة المجتمعات الانسانية العاجله والآجله سواء إن كانوا حكاما أو أفرادا أو مجموعات في التغيير الحضاري الأخلاقي لحالة المجتمعات الإنسانية ومن هؤلاء فئة سوف يضنون أن تزحزحهم عن مواقعهم وقماقمهم سيفقدهم القيمة الاجتماعية الوهمية التي ينظر الناس إليهم بها لأنهم في حقيقة الأمر لا وزن لهم في المجتمع وليست لهم اي قيمة وإنما اعتمدوا في وقوفهم على آلات الحركة في المجتمعات فهم لا يقدرون على الوقوف بدون هذه الآلات والأحزاب والفضاءات الإدارية والسياسية واذا تخلوا عنها سقطوا في مستنقع الذل والهوان والحقارة ويتخلى عنهم الأسياد لان المهمة المناطة بعهدتهم اكتملت ولم يعد لهم بهم حاجة فيتركونهم يواجهون مصيرهم المرعب حسبما شاهدنا من نهايات مؤلمة ومذلة لهؤلاء الجنود الذين كانوا يصولون ويجولون بكل قوة وجبروت في ارض المقهورين منفذين لمخططات الأعداء التدميرية للمجتمع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بفهم أو بغير فهم فالنتيجة واحدة ويفقدون كل شيء وقد لا يفوتهم أن لديهم فرصة من اعظم الفرص بان يرقوا بأنفسهم إلى مجتمع النفع والخير و العزة والكرامة والحرية والرجولة والشهامة والنبل وسمو الهمم والرقي الحضاري ولقد أتاحت لهم قومة الشعوب المقهورة التي بدأت تكسر أغلالها لتفتح لهم أبواب الإصلاح التي كانت مغلقة لبناء المجتمع الحضاري الإنساني وإعادة ترتيب البيت الداخلي لهذه الشعوب على أسس العدل والحرية والنماء والرخاء والتخلص من آليات التدمير المجتمعي لمقومات العباد والتي سببتها سطوة المشروع الافسادي الغربي عليها .

الحاكم الحكيم
ومن هذه المنظومة الثقافية يتخرج الحاكم الحكيم والذي ستكون مهمته صعبة جدا لأنه ورث مجتمعا دمر الاستبداد كل مقوماته ومسخ هويته وعصف بأخلاقه وأربك ساحة بناءه الحضاري وفتح فيه الأبواب على مصراعيها لمخططات الأعداء تدمر كل شيء أتت عليه وقد تمركزت آلياتهم في المفاصل والمقاطع الحساسة للمجتمع وهو الأمر الذي يفرض على الحاكم أن يكون في مستوى المهمة العظيمة التي أسندت إليه فهو ذو شخصية متميزة عالما بعلوم عصره محصنا ضد الاختراق الذاتي بخبرته ووعيه وأخلاقه وصاحب دراية كاملة بما يجري من أحداث في العالم , كذلك هو فطن وذكي وذو طاقة استيعاب كبيرة عارف بأعدائه وبأسلحتهم المادية والمعنوية السلمية منها والحربية عارف بخطط المشروع الافسادي الذي تركزه في الأرض منظومة الاستبداد والاستعباد والهيمنة الغربية عارف بأساليب السياسة وملابساتها وفنون الحكم ومطلع على الجوانب الاقتصادية واليات اللعبة الكبرى التي تدار بها ملم بحلول التنمية الإنسانية الحضارية العامة و حلول المعضلات التي تركها النظام الاستبدادي الفاسد .يعينه على هذه المهمة الصعبة الرشداء الحكماء الملمين بخطط الإصلاح المجتمعي والذين تمكنوا من فهم خفايا المشروع الاستبدادي الافسادي وتعمقوا في فهم خططه الظاهرة والخفية وفهم مصادرها والياتها وتكتيكاتها وملابساتها ومواطنها ومعسكراتها وأسلحتها السلمية الصامتة والناعمة وذات الدمار الشامل في المحيط المجتمعي وفنيات مستعمليها ووسائل الاختراق والتجنيد المباشر والغير مباشر وتقنيات الواقع المفروض وكلها أسلحة سلمية فتاكة استعملت في تدمير المجتمع ركبت بطريقة معقدة لا يمكن للمصلحين أن يحققوا أي نجاح إذا كانوا يجهلون ماهيتها في ارض التدافع التي ملاها الاستبداد بالألغام والأشواك لأنه كان يحارب وحده في ارض المعركة ولمدة طويلة وقد دمر بشراسة كل مقاومة لسطوته حتى جاءت القومة التونسية المباركة لتطيح بمدير السجن العام الذي سجن الغرب فيه الشعب التونسي وتفتح جزءا من أبوابه لحركة الإصلاح التي تتطلب فطنة ودراية وخطة إصلاحية دقيقة المعالم لتبطل آلية نفث السم في راس الأفعى الغربية وتحولها إلى بقرة حلوب الأمر الذي سيجعل هذه الثورة ذات حظ عظيم ولا يتأتى هذا إلا بمجهودات هؤلاء الحكماء الرشداء الذين ستفرزهم آلية الفرز والتدقيق الوطنية بمواصفاتها التنموية والحضارية وتقنياتها الحديثة التي تمكنها من الإلمام المعرفي بأحوال الناس وقدراتهم وأخلاقهم وتوجهاتهم فلا يمكن أن يمر إلى أي مركز من مراكز النفوذ والتسيير في مجال العدالة و السياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة والإعلام والصحة والشؤون الاجتماعية وغيرها من مجالات الحياة المعاشة إلا من وقعت تزكيتهم من طرف هذه الآلية قطعا للطريق على السفهاء والانتهازيين والجهلة والمجندين المخترقين والمغرر بهم .

نحن شرحنا بعضا من الخاصيات التي يجب أن يكون عليها الحاكم ومعاونيه لأننا نريد لثورة تونس أن تكون نموذجا للإصلاح العام في سجل انعتاق الشعوب وتطورها الحضاري ونحن لا نستعجل النتائج لان الأمر يتطلب بناء أسس بمنهجية حديثه واعادة هيكلة قطاعات المجتمع الذي كرست عليه مخططات التدمير لأكثر من قرن وربع القرن من الزمن وهو ما سيستغرق بعض الوقت والمهم ان تعي الشعوب التي أسقطت أصنام الاستبداد إنها لم تسقط إلا راس الهرم , وإزالة رمة الهرم تتطلب وقتا وجهودا وتضحيات كبيرة ومخططات محكمة ودقيقة ينفذها الرشداء ممن تتوفر فيهم الخبرات السالفة الذكر بإعانة الجماهير التي يجب عليها أن تبقى في يقظة تامة واستعداد كامل لحماية مكتسبات الإصلاح الشامل كما يجب عليها أن تنتظم كلها في منظمات المجتمع المدني لتخرج من دائرة التلقائية . توحدها منظومة المشروع الإصلاحي رغم اختلاف مآربها و مشاربها وفئاتها .

ونحن ليس لدينا خوف من هذه الحركات الالتفافية والمؤامرات التي تحاك الآن لثورة تونس فهي إلى زوال , تحركها قوى الهيمنة والاستبداد العالمي عن طريق مجنديها المخترقين للمحافظة على مواقعها التي استغرق بناءها عشرات السنين فهي تحاول الإبقاء على هذه المواقع الظاهرة والباطنة التي حافظت عليها من قبل ونجحت في تغيير لون الاستعمار إلى ماهو أبشع و أوهمت الشعوب بما يسمى بالاستقلال وسجنتها في سجون موسعة أذاقتها فيها الأمرين عشرات من السنين إلى أن جاء اليوم الذي كسر فيه الشعب التونسي أسوارها وبدأ يسترد حريته وكرامته وهويته ويتقدم نحو الانعتاق الكامل .
إن العقلية الاستعمارية المريضة والمعتلة لا تستطيع أن تفهم أن انعتاق الشعوب من ربقتها وتحررها من سجونها لا يعني الانفصال الكامل عن الغرب وضرب مصالحه لان هنالك تشابك معقد للمصالح المشتركة فالاكتفاء الذاتي والتنمية الحقيقية التي تنشدها الدول المقهورة سابقا لا تتم إلا بآليات مشتركة بين الطرفين عبر شراكة حقيقية شراكة الند للند تتلاقى فيها مصالح الأطراف وسينتج عن ذلك متطلبات جديدة تعوض النقص الحاصل في الإنتاج والدخل المتأتي من الهيمنة على الدول الضعيفة عن طريق أنظمة الاستبداد التي وضعت على كاهل الشعوب لقهرها والسيطرة عليها هذا إذا قصر فهمنا وأوعزنا هذه الهيمنة إلى أسباب اقتصادية ......
وبهذه المناسبة فاني من موقعي كمواطن تونسي حيل أكثر من مرة بيني وبين مساهمتي في الانعتاق الاقتصادي لبلدي بتطبيق البرامج العملية لهذا الانعتاق والتي كانت نتاج جهود علمية كبيرة توجت فيما بعد بنيل الميدالية الذهبية لأفضل مشروع تنموي في العالم من طرف الهيئات العلمية العالمية وجوائز اخرى كثيرة.

نداء إلى النظام الاستعماري الغربي
أوجه النداء إلى النظام الاستعماري الغربي بان يسحب آلياته وأسلحته السلمية ويوقف برامجه وجواسيسه و ومجنديه ويكف عن عرقلة الثورة فان أهل البصائر يعرفون جميع تفاصيل مخططاتها وسوف لا ينفعه الالتفاف لأنه سوف يخسر المعركة الثانية كما خسر الأولى التي كسر فيها الشعب باب سجنه فإذا تمادى فان المعركة الثالثة ستكون خسارته فيها أعظم لان خلط الأوراق لم يعد ينفع فالوضع غير الوضع والظرف غير الظرف والوعي غير الجهل فالشعوب عرفت طريقها للخلاص وأصبحت مستعصية على الاختراق في بداية قومتها وستزداد وعيا بمرور الأيام نتيجة لحركة الوعي التي بدأت تدب في شرايين أفكارها وأذهانها التي دنستها المخططات الفكرية الغربية الملوثة التي يجري العمل الآن على إعادة إنتشارها و تغيير ألوانها و مواقعها و فرسانها في محاولة يائسه وهذه الثورة هي فرصة كبيرة للغرب الاستعماري ليصطلح مع الشعوب التي ذاقت الويلات من قهره في استعمارها المباشر السابق والغير مباشر الحالي مصالحة تاريخية يحقق معها شراكة حقيقية تنموية حضارية يعود نفعها على الطرفين ويمكن الثورة في تونس من تحقيق ما تصبو إليه من نمو وازدهار وتقدم حضاري, و تكون نموذجا تقتبس الدول الغربية من مناهجها ما يساعدها على الخروج من مأزقها الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بكيان مجتمعاتها بعد أن كانت تونس حقل تجارب للغرب لما يمكن تمريره إلى الدول الإسلامية من مخططات تدميرية لمجتمعاتها حسب ما نراه مجسما على ارض الواقع وقد شهد به المستشرق جيب في كتابه الذي تحدث فيه عن تونس وموقعها في إستراتيجيات السياسة الغربية وهو من كبار المخططين لهذه السياسة.

د. عبد الآله المالكي
السبت,13 مارس 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.