الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    حركة النهضة تصدر بيان هام..    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلسلة جديدة بعنوان : إقتراف الحسنة في اليسر أشد عليك منه في العسر فكن على حذر من نفسك (1)
نشر في الحوار نت يوم 16 - 03 - 2011


موعظة الحوار.


سلسلة جديدة بعنوان :


إقتراف الحسنة في اليسر أشد عليك منه في العسر فكن على حذر من نفسك.


((( 1 ))).


لا تبددوا جبالا من الحسنات جلبتها إليكم سنوات جمر حامية طويلة.

قال تعالى : „ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك وإستغفره إنه كان توابا”.

وأخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وإنتكس وإذا شيك فلا إنتقش طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه وإن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة وإن إستأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع”.


الواعظ مذكر نفسه.


مما حفظ الناس من سنن الدنيا قانون النسبية. ولعمري لهو أجل قانون لمن حفظه. ينتابني شعور بمثل ما ينتاب كل إنسان أن عظ نفسك فإن وعظتها فانتهت فأنت كيس فطن وما عليك ألا يتعظ من الناس ممن لم يعظه الموت وهو خير واعظ. كلام في ظاهره عين العقل والحكمة بل إنك لاف له شواهد ولكنها شواهد تنقصها شواهد. كمن يتصل بكتاب فيقصر قراءته على بعضه دون بعضه الآخر. بل قل كمن توقف عند قوله ( ويل للمصلين ). شواهد القصر على عظة النفس شواهد صحيحة ولكن ينقصها الإكتمال. ذلك جانب من جوانب النسبية في هذا الأمر. جانب آخر منها يشغب به الشيطان عدو الإنسان الأول والأوحد وهو أن الوعظ ينزل على بعضنا منزلة الوصاية أو إساءة الطوية في الناس. لا نجاة للمرء في هذا الأمر وغيره إلا بوضع قانون النسبية نصب عينيه أن ينجرف إلى إتجاه صحيح في ذاته ولكن لا تكتمل صحته ويؤتي ثمره إلا بإقترانه بشطره الثاني.

أمر آخر يجنيه الواعظ وهو أنه يمنح نفسه فرصة جديدة لوعظ نفسه إلا أن تشغب عليه شاغبات عاديات فينفع غيره ويهلك نفسه بمثل شمعة تظل تضيء للناس ما حولهم حتى تفنى.


زهاء مائة موعظة مكتوبة على الحوار.نت


عنّ لي في فاتحة هذه السلسلة الجديدة : إقتراف الحسنة في اليسر أشد عليك منها في العسر فكن على حذر من نفسك أن أحصي ما كتبت من مواعظ منذ أبريل نيسان 2008 حتى آذار مارس 2011 فألفيت عددا من المواعظ ناهز المائة. والحمد لله الذي بنعمته وحده سبحانه تتم الصالحات.


ما هي رسالة السلسلة الجديدة.

عنوان السلسلة الجديدة : إقتراف الحسنة في اليسر أشد عليك منه في العسر فكن على حذر من نفسك. يعسر على المرء أن يلتزم في كل موعظة أسبوعية برسالة السلسلة كما كان ذلك ظاهرا في السلسلة المنصرمة ( مشاهد من خلق الصادق الأمين ). يعسر ذلك لعوامل كثيرة منها ضرورة مواكبة الموعظة لبعض الأحداث الكبيرة من مثل مواكبة الثورة العربية الراهنة ولكن المعول عليه هو الإتجاه العام فالحكم دوما في الإسلام وفي الحياة سواء بسواء للأغلب الأعم.

السلسة الجديدة رسالتها المساهمة من لدن الموعظة الأسبوعية في حسن إستثمار طيبات الثورة العربية الراهنة بحسبانها في نظري المتواضع سيما إذا حالفها الحظ فلم تغتصب أكبر حدث عربي وإسلامي تدشن به الأمة ألفيتها الميلادية الثانية أو قرنها الخامس عشر للهجرة أي دورة حضارية جديدة تكون بمثابة ميلاد جديد للأمة الإسلامية العظمى. لا أعرف حدثا يسبقها في هذا المضمار سيما أني أعتبر أن الثورة الإسلامية الراهنة لم تبدأ من تونس ولكن بدأت من تركيا قبل سنوات قليلات منصرمات على يد حزب العدالة والتنمية ثم من غزة الصامدة منذ صعود الصحوة الإسلامية المعاصرة قبل زهاء قرن.

رسالة السلسلة الجديدة لموعظة الحوار.نت الأسبوعية هي المساهمة في إعادة بناء الشخصية الإسلامية المعاصرة وتجديدها بروح ثورية إسلامية لعلها تتوفق في إستعادة البعد الجماعي المتكامل والمتوازن لتلك الشخصية فرديا وجماعيا على إعتبار أن إستثمار الثورة العربية الراهنة وقيادتها إلى مآلاتها المرقوبة ( منها تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية بالتدريج) مشروع كبير مرتهن بالكامل لخلوص تلك الشخصية روحيا وعقليا وعاطفيا من أكثر ما يمكن من أدران مرانة.

رسالة هذه السلسلة الجديدة هي بكلمة واحدة : الشخصية التي واجهت الظلم والقهر بعمل وصبر وأمل ثم نجحت هي الشخصية ذاتها المطالبة اليوم بمواجهة نفسها ونخل ذاتها لمواصلة المشروع الحضاري الكبير وعماد تلك الرسالة هي : „ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم “ و “ قل هو من عند أنفسكم “.

رسالة هذه السلسلة الجديدة هي صيحة الفاروق لجنده الفاتحين : أخشى عليكم ذنوبكم خشيتي عليكم عدوكم بل أشد. لئن تساووتم فيها فإنما تتركون لأنفسكم وإليها توكلون. بتعبيرنا المعاصر : موازين القوى حتى بعد الثورة منخرمة لصالح أعداء الثورة فلا يحسمن الموقف سوى عنصر واحد هو : تعديل موازين القوى الروحية والنفسية والفكرية والعاطفية لتلافي الإنخرام المادي.


كلمة أخيرة في الثورة الراهنة.

بل كلمة بها نبدأ هذه السلسلة. الثورة الراهنة فيما يتراءى لي هي غيث من غيوث النبوة المحمدية بل هو الوعد الإسلامي الصادق . غيث وعدنا فيه عليه الصلاة والسلام بتجدد الأمة من خلال تجدد دينها أي الإسلام مرة على رأس كل مائة سنة. بمثل ذلك الوعي الحضاري الكبير نبدأ إستثمار طيبات الثورة تحقيقا لوعودها. الثورة هي تجديد للدين. بل هي من أعلى مراتب التجديد الإسلامي بسبب أن المجدد في هذه المرة واحد ولكنه واحد جامع. المجدد هذه المرة هي الأمة نفسها. تلك الأمة التي لم يخاطب الإسلام غيرها. فإذا تولت الأمة بنفسها تجديد نفسها ودينها من تركيا وغزة حتى ليبيا واليمن مرورا بتونس ومصر فإن قطار التجديد أمسك به ربانه وهو يقوده ببوصلة ثابتة صحيحة.

ليس معنى ذلك تراجع الأمواج والأعاصير حياء ولكن معنى ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حنين : لن نغلب اليوم من قلة. وفعلا غلبوا يومها من ثغرة أخرى غير ثغرة القلة ولكنها ثغرة لا تعرف كثرة ولا قلة وهي ثغرة : التكاثر في الدنيا إلى حد الإلهاء. وللدنيا في أيامنا مظاهر كثيرة لم يعد المال سوى عنصرا من عناصرها فهي اليوم أسماء وألقاب وأضواء وشارات ومنازل ومواقع وأصداء يرفل بها الأثير الإلكتروني ليضاعف سيئاتها.



رسالة هذه الموعظة الأولى في هذه السلسلة الجديدة.

1 إحمل نفسك على لزوم التقوى حتى بعد الفتح والنصر بل في ضرام نشوتهما. أوردت لنا كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحا في العام العاشر للهجرة أطرق رأسه على ذروة سنام ناقته ليتطابق منه القلب الشاكر الحنيف مع رأس خر ساجدا لربه. ذلك هو معنى سورة النصر التي تقدمت هذه الموعظة. دعني أقول لك : هو نصر على العدو ولكنه نصر على النفس في الآن ذاته. هلا سألت نفسك يوما : ما العلاقة بين النصر والفتح من جهة وبين الأمر بالتسبيح بحمد الله سبحانه والإستغفار من جهة أخرى؟ أليست مناخات النصر والفتح محطات فرح وإنتشاء وزهر وطرب؟ بل لم دخل مكة فاتحا وهو على ذلك الوضع عليه الصلاة والسلام؟ أليس ليعلمنا أدب الإحتفال بالنصر والفرحة بالفتح؟ فتح مكة هو الآخر لم يكن بشيء مباشر بينه وبينهم من مثل معركة ولكنه كان خلاصة لمراكمات عقدين كاملين من المجاهدات والمغالبات قتل فيها الذي قتل وجرح فيها من جرح وأفقر فيها من أفقر. تلك هي حلقات التاريخ لا تنفك حلقة عن التي تليها إلا عند من إنفك عنه رشده لينسب إليه أو إلى يومه الراهن نصرا أو فتحا. ليس معنى ذلك ألا نفرح. كلا. أبدا. ( إن الله لا يحب الفرحين ) ليس هذا موضعها. إن الله لا يحب الفرحين موضعها موضع الفرح القاروني الباطر. أجل. فرح عليه الصلاة والسلام بأمور كثيرة منها ما عبر عنها بلسانه ( بأيي اليوم أفرح : بفتح خيبر أم بقدوم جعفر). إنما يختلف الإسلام عن غيره في الفلسفة والمنهاج من جهة وفي الثوب من جهة أخرى. منهاجه في الفرحة يرد الأمر إلى ولي النعمة العظمى سبحانه ولذلك نسب النصر إليه سبحانه ( إذا جاء نصر الله). أما ثوب الفرحة الإسلامية فهو ثوب التسبيح والإستغفار. من أطرف ما أورد المؤرخ الإسلامي الشهير الدكتور راغب السرجاني أن أكثر المجاهدين في الإسلام لم يعمروا طويلا بعد الفتح. كلما قاوم مجاهد ثم نصره سبحانه دنت منيته ثم إستخلص المؤرخ الكبير خلاصة كبيرة مفادها أن الدنيا في العموم للكدح والمقاومة ولكن الآخرة هي المخصصة للفرحة والإحتفال. ( وإن الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).

2 لو لم يكن من النصر والفتح بد لإختار المرء العسر على اليسر. هناك حقيقة أكدها الإسلام والفطرة والتجربة معا وهي أن الإنسان سيما المؤمن يكون أرفق بنفسه وأقرب إلى ربه وإلى الناس كلما كان في عسر وضيق فإذا إنقلب الضيق يسرا حل فيه قول ربه سبحانه : „ ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور”. أكد ذلك العلامة إبن القيم في تحقيق علمي رائع جدا. أكد أن الإنسان أقدر على التعامل مع العسر منه مع اليسر. كما إنتهى أكثر العلماء إلى أن الإبتلاء بالعسر أنفع للإنسان من الإبتلاء باليسر. ولكن نعود إلى النسبية مرة أخرى لنؤكد أن النفع هنا نسبي من جهة ويختلف من إمرئ إلى آخر من جهة أخرى وأن الله سبحانه لا يدع عبده سيما المؤمن حتى يختبره بالعسر مرة وباليسر مرة ثم يقلبه عليهما من بعد ذلك مرات ومرات فإذا فاز في الإختبارين فقد فاز. دعنا من كل تلك التأكيدات. ألسنا نجد ذلك في أنفسنا نحن؟ ألا يشعر كل واحد منكم أنه أقرب إلى ربه وأرفق بنفسه وبالناس في ساعات العسر منه في ساعات اليسر؟

أذكر أن أغلى سجدات في حياتي كانت في السجن عامي 1987 و1988. قلما شعرت بحلاوة الإيمان يغمرني بمثل ما غمرني آنذاك إلا بسجدات أخرى في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

على أن ذلك لا يدفعن طائش أن يتمنى العسر على اليسر أو يعمل له. لا. ذلك ممقوت في الإسلام لقوله عليه الصلاة والسلام : „ لا يتمنى أحدكم لقاء العدو”. كما ورد الأمر نفسه في تمني الموت. على المرء أن يسأل ربه السلامة دوما ولكن الإمتحان بالعسر لا بد طائله سواء دعا به أو دعا فرارا منه.

3 كيف نعالج سكرات النشوة بالفتح والنصر؟ الجواب تلفاه في تكملة الآية السابقة مباشرة. أي قوله السابق سبحانه في سورة هود : „ إنه لفرح فخور. إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير”. وهو الموضع الوحيد الذي إحتل فيه الصبر مكان الإيمان. على أن الصبر هنا ليس على المكره سجنا وتعذيبا وتشريدا ومرضا وموتا ولكنه صبر على سكرات الفرح وأمراض النشوة وثمالات الفتح. لم يكن مناسبا أن يقول هنا : „ إلا الذين آمنوا “. لأن المطلوب هنا هو الصبر على الإيمان أو قل بالأحرى : الصبر على سكرات الفتح. وللفتح سكرات يجدر بك أن تقول بإطمئنان : قليل من الناس من يصبر على سكرات النصر ونشوات الفتح. لو راجعت نظرية إبن القيم عن الصبر لأدركت أن الصبر المقصود هنا هو الصبر على الطاعة وهو أعسر من الصبر على المعصية.


ولكن ما هي المشكلة بالتحديد.

هناك بوادر مشكلة فيما أرى. مشكلة نفاد الصبر عند بعض ممن كانوا بالأمس القريب صابرين على المحنة صبرا جميلا. هي إرهاصات قد تتطور إلى عاهات نفسية خطيرة. وأي عاهة أشد عليك من أن تلقى ربك يوم موتك غير خالص له. ليس هناك في الناس إلا قليلا من ليس فيه حبة خردل من إخلاص ولا من حاز قصبة الإخلاص بتلابيبها. إنما العبرة بمعدل الميزان النهائي. أرى بعضنا لا يصبر على التصدر وأرى بعضنا لا يصبر على إظهار الشماتة بغيره ممن خالفة في أيام سالفات وأرى بعضنا لا يصبر على نسبة كسوب لنفسه أو لمن ينتسب إليهم. تعرف ذلك في لحن القول بل في القول نفسه دون حاجة إلى تتبع لحن في أحيان كثيرة. أرى بعضنا يستعرض ماضيه يريد تكبيره وتقديمه. كل ذلك إرهاصات عاهات نفسية وروحية مكلفة إن لم يهرع أصحابها إلى تتبع عوراتها وحصد آثارها وتجفيف منابعها. هي اليوم والثورة في مهدها مهددة بألف ألف عدو رضع تحتسي الحليب فإن أرسلت غاربها شبت على الرضاع وإن فطمتها تنفطم كما قال بحق البوصيري عليه رحمة الله سبحانه.


فتنة الدنيا إمتحان لا يعفين منه آدمي واحد فوق الأرض.

ذاك إمتحان غر أرقى الناس روحا ممن رضع من الحلمة المحمدية لبنا صافيا سائغا للشاربين. ذلك إمتحان سقط فيه من الصحابة من يعرفون بالرماة من فوق جبل أحد في هجوم أحد ضد المدينة. ذلك إمتحان لم ينجح فيه بدري سابق كما يجب أن يكون النجاح أي حاطب إبن إبي بلتعة. ذلك إمتحان سقط فيه ثعلبة رغم أن بعض الروايات تشكك في المسألة أصلا.

يظن خطأ بعضنا أن المقاومين والمجاهدين والمكافحين للإستبداد ممن قضوا عقودا مسجونين في الأقبية أو في أوطانهم أو منفيين مشردين غير معرضين لإمتحان الدنيا. ذلك وهم واهم. وهم يشغب به الشيطان عليك.

بل إن أكثر الناس تعرضا لإمتحان الدنيا هم أولئك دون غيرهم. لم؟ لأنهم لو مكن لهم لأمتحنوا ليعلم من يفوز في إمتحان التمكين ممن يسقط. ألم يقل سبحانه عن فتنة التمكين : „ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر”.


تدبر معي هذا التحذير النبوي الشديد.

أخرج الشيخان البخاري ومسلم عليهما الرضوان عن عمرو إبن عوف الأنصاري أن عليه الصلاة والسلام قال : „ ..فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم”. كان ذلك بمناسبة إشرئباب بعض الأنصار لحظهم من الدنيا لما قدم أبو عبيدة بمال وفير من البحرين. ذلك هو حال الأصحاب مع الدنيا أنصارا وبدريين ومهاجرين ومجاهدين وهم في الحجر النبوي الظليل. أنى أنا وأنى أنت يا صاحبي!!!


الدنيا اليوم تغيرت مظاهرها.


لم تكن الدنيا كما كانت من قبل مجرد متاع. الدنيا اليوم متاع ومتاع آخر. متاع آخر يغري بالتهافت على الصدارة و الحرص على الذكر وعلوه إسما وصورة ومجلسا وموقعا. الدنيا قد تصيب هذا في حب المتاع وتصيب ذاك في التردي تحت مطارق العجب والكبر وتصيب آخر في النساء. هي عقرب إن لم تلدغك عضتك فإن لم تلدغك ولم تعضك أوجستك.


كلمة لتعديل الميزان.

لا يعني ذلك بحال نبذ السمعة والذكر بتطرف وتحكم إلى درجة الخروج من الصورة السياسية أو الإعلامية بالكلية خوفا من الرياء وحبط العمل. لا. ذلك هو الآخر شغب شيطان. قد يكون المرء مرائيا حبط عمله ولم يسمع به أحد في هذه الدنيا ولم يره أحد بسبب أنه مغمور مجهول. وبالمقابل قد يكون المرء لا يفارق الصورة والمشهد إسما وصورة وهو من أولياء الله الذين يسمعون بسمعه ويبصرون ببصره ويبطشون بيده. مسألة الرياء كمسألة الكبر. كلاهما له قلب وله قالب. قد يغرك القالب فتتهم غيرك. أعظم عبرة هنا هي : كن على حذر من نفسك أنت. أما غيرك فاحمل نفسك على إتهام نفسك فيه واحملها على تزكيته في صدرك أن تقع تحت طائلة قوله : „ إن بعض الظن إثم”. على أن النصيحة سرا وعلنا وبحسب الحاجة إلى ذلك هي الدين. ( الدين النصيحة ). سيما على الطريقة النبوية الكريمة : „ ما بال أقوام..“.


نصيحتي إليك بعد النصر.

1 أكثر من التسبيح والإستغفار “ فسبح بحمد ربك وإستغفره”.
2 لا تنس أيام عجافا قضيتها في السجن أو المنفى أو السجن الكبير. يحملك ذلك على تفكر نعمة ربك عليك وفضله وهو من باب النظر إلى من هو دونك. بالأمس القريب كنت دونك اليوم فلا تنس صورتك بالأمس القريب.
3 أكثر من الشكر لأن القانون الرباني صارم مطرد ( لئن شكرتم لأزيدنكم).
4 إختر لنفسك الموقع المناسب في حركة الدعوة الإسلامية المعاصرة الفسيحة. الشيطان يمكن أن يلاحقك حيثما كنت. وقد يجرجر إمام المسجد في نار جهنم ويكون إمام السياسة في الفراديس العليا. ليست السياسة في ترك السياسة ولكن السياسة في ملازمة الذكر والشكر والعبادة في كل موقع.


لا تنس هذا أبدا.

بالأمس كانت تطفح موازينك بالحسنات طفحا لصبرك سجينا أو منفيا ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ). كل ذلك يمكن أن تعرضه أنت بنفسك إلى أكوام من الرمال وذلك هو حبط العمل. لا شيء يحبط العمل مثل الرياء. المقصود الرياء المغلظ المكثف الذي فصل فيه صاحب الإحياء فقال إنه : عقد النية الفاسدة في بدء العمل. أما ما خالجك في العمل أو ما جاءك من ذكر حسن من بعد العمل فليس ذلك بالرياء لأنه لو عد ذلك رياء لما نجا من الرياء غير الأنبياء. لا تحملنك تقوى مغشوشة عل ترك موقعك السياسي أو الإعلامي تجنبا لحبط العمل والرياء. إن فعلت فقد وقعت فيما حذرت. إلزم موقعك الذي إخترته لنفسك والأفضل أن يكون إخوانك قد إختاروا لك ذلك لأن النفس أمارة بالسوء ولكن لا تنس أنك مبتلى باليسر بعدما كنت مبتلى بالعسر.

إبتليت بالعسر فنجحت بإذنه وحده وتوفيقه.
اليوم أنت مبتلى باليسر فاطمح إلى أن تكون فيه كذلك من الفائزين.

لا تنس أن رفقاء دربك ممن قضوا في سنوات الجمر الحامية الطويلة تحت آلة التعذيب الجهنمية ينادونك وهم أحياء عنده سبحانه يرزقون : „ يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون “. لكم يسعدهم أن تلتحق بقافلة الشهداء مثلهم.

ليس هناك سيئة تحرم صاحبها من أحسن ختام أي الشهادة في سبيل الله مثل سيئة الرياء عجبا وكبرا.

لا تنس أبدا أنك لم تفارق قاعة الإمتحان الكبرى. كل ما وقع لك هو أن نقلت من مادة نجحت فيها إلى مادة أخرى تختبر فيها.

أتمنى لك النجاح والتوفيق في المادة الجديدة.

والله أعلم.

الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.