هي وجوه لا نعرفها، تختفي في الزّوايا المُظلمة وتندسّ كذلك في الزّحام وتُشاركنا حياتنا دون أن نَعْلم مَن تكون.. وهي أيضا وجوه ينطّ أصحابها أمامنا على شاشات التلفزيون فتشرئبّ أعناقنا نحْوهم ولكنّنا نندم كثيرا لأنّنا أضعنا وقتا ثمينا في الاستماع إليهم.. أولئك اللاّئذون بالاختفاء في بقاع عديدة من الوطن الغالي وأولئك المُتشدّقون في إعلامنا المرئي )ولسنا نُعمّم طبعا( إمّا يُحاولون إصابةَ ثورتنا العظيمة في الصّميم يوما بعد آخَر أو هم يُنظّرون تنظيرا أكل عليه الدّهر وشرب ويأملون من ورائه ضرْبَ الثورة المُبارَكة تحت الحزام، هذا الشقّ وذاك يجتمعان على هدف خسيس واحد ويتسابقان من أجل بلوغه على الرّغم من اختلاف استراتيجيّتيْهما وأسلحتهما و «الجهات» التي تَدعمهما.. والشقّان إذ يلتقيان على السّعي إلى إحباط عزائم التونسيّين التي انقدحت وتُوّجت بنيْل الحرّيّة والكرامة فإمنا ينطلقان في ذلك من «أمانة» يضطلعان بها ألا وهي المحافظة على «موْقعيْهما» كبيادق تأتمر بأوامر «الأسياد» الذين غادروا البلاد فرارا و «رفضوا» أن تشهد من بعْدهم استقرارا، و «الأمانة» تلك خابا في «صوْنها» خيبة مكشوفة مُدوّية لأنّهما لم يضعا في «حساباتهما » أنّ شعبنا فطِن وذكِيّ ولم يكن يومًا، ما، أبله حتّى يستغفله بن علي و «المُطبِّلون» لبن علي في نظام بن علي ثمّ العصابات، بشقّيْها، التي خلّفها بن علي لزمن ما بعْد بن علي.. قُبالة تلك العصابات المأجورة يقف الشعب التونسي يقظا مُنتبها مُتحفّزا للإنقضاض على مَن يريد سوءا بثورته التي ضحّى من أجلها بدماء المئات من أبنائه وبجهد آخرين كثيرين يُعدّون بالملايين، ضحّى الشعب وأعطى مثالا رائعا في تضحياته حتّى يرى راية ثورته تُرفرف في عنان السّماء لذا فهو غيْر مُستعدّ للتنازل عن نزر ولو قليل من مكاسب الأشهُر الثلاثة الفارطة وذلك على الرغم من انشغاله في المقام الأوّل بما سيتمخّض عن نشاط الحكومة المُؤقّتة من تَصَدٍّ للمصاعب المُتزايدة التي يمرّ بها اقتصادنا الوطني وخصوصا في ظلّ الأزمة املحملحتدّة في القُطر اللّيبي وقبْلها ما يعيشه الكثير من مؤسّساتنا الاقتصاديّة من اضطراب في دورة الانتاج وفي نسق التصدير.. وفي نقاط مطلبيّة أخرى فالشعب مُنشغل أيضا بعمليّة الانتقال الدّيمقراطي التي يأمل أن تتمّ بثبات ونجاح، كما لن يهنأ بالُه إلاّ متى انكبّت الحكومة المُؤقّتة على وضع الأسس الأولى لمُعالجة جدّيّة وجذريّة لملفّ البطالة، وإلاّ متى انخرط السيّد الباجي قائد السبسي في تنفيذ فوريّ ململاَ سبَق أن وعَد به من تأمين للحرّيات خصوصا بعد أن أخلّ بذلك كذا مسؤول في كذا جهة، وإلاّ متى انبرت الحكومة المُؤقّتة تهتمّ بموضوع الإدارة - بشموليّتها - إثر الرّكود والجمود اللّذيْن ظلاّ مُلازِمينين لها، وإلاّ متى.. وإلاّ متى..ْْ صحيح أنّ اهتمام الشعب التونسي مُتّجه إلى حكومته المُؤقّتة وإلى تفاعُلها مع انتظاراته رغم أنّه على دراية بالعقبات الشائكة التي تعترضها مِن أثر زمن مضى، وصحيح أيضا أنّ التونسيّين المُتشبّعين بحبّ الوطن على استعداد لكسر شوكة كلّ عدوّ لثورتهم، ولكنّ الواجب يدعونا جميعا - وبالتوازي مع ذلك - إلى الانكباب، كُلّ من موْقعه، على البذل والعطاء وعلى تدارك ما فعَله بنا المُخرِّبون والنّاهِبون الذين لم يستوعبوا معاني الثورة.. فتحي التليلي المدير العام لجريدة فسيفساء التونسية