الإعلام, السلطة الرابعة في الدولة, مرآة للمجتمع التي تعكس وضعة السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الحقوقي ... و هو بذلك يعتبر أكبر منبر لبث الوعي و الدفاع عن الهوية و الخصوصية الثقافية. و القضاء هو السلطة الثالثة في الدولة, بواسطته يأخذ كل ذي حق حقه و يُنصَفُ فيه المظلوم و الظالم. هذا من المسلّمات في القانون الإنساني و المدني, و لكن الخطر حين تعقد الدولة صفقات مع الإعلام و القضاء و تدنّسهما فتجعل الأول لسانها و منبرا لتلميع صورتها أمام المشاهد أو القارئ , ثمّ تدجّن الثاني و تستقوي به على الرّعيّة و تجعله أداة لطمس كل حامل فكر أو رأي مخالف لتوجهاتها. المشهد الإعلامي: توفرّت للإعلام فرصة تاريخية بعد 14 يناير 2011, فرصة كانت سانحة له ليتغير لو كان يحمل الإرادة ليُغيّر توجهه و ينزع عنه عباءة الخنوع و التطبيل و لكنّه تجاهلها و واصل في منهجه القديم. كثُر الحديث فيه عن فساد الرئيس الهارب و عائلته و ذويه, تقارير مسحت فساد أكثر من 23 سنة في شخص الرئيس فقط و كأنه هو فقط المسؤول عن ما آلت إليه الأمور في الدولة ثمّ يُمرر الإعلام فيلما وثائقيا "سقوط دولة الفساد" :عنوان اُختير بدقّة ليتبادر للمشاهد أن دولة الفساد سقطت حقيقة و أصبح الفساد من الماضي و أن المشاهد يعيش حاليا في دولة الشفافية و العدل و الحريات. و لكن التونسيين مجمعون على أن رأس النظام قد سقط أما النظام مازال يحتفظ ببعض الامتيازات في المرحلة المؤقتة التي يعيشونها, كان الأجدر بالإعلام أن يحوّل عدسته نحو الفساد و التجاوزات التي نعيشها الآن و ينقلها بموضوعية دونما انحياز عوض أن ينخرط في الدفاع عن أداء الحكومة و الهاء المواطن عن مطلبه السياسي بصرف نظره إلى وضع أمني غير مستقر محاولا تصوير أنّ الوضع العام يشهد انفلاتا أمنيا و من الغريب في الأمر أن كلما رافقت كاميرا الإعلام الرسمي وحدات الأمن إلاّ وتم القبض على ثلّة من المتجاوزين للقانون و يتوقف الأمر في حدود تصوير المشهد دون أن تتابع الكاميرا مهمتها في تصوير المحاكمة إن وجدت. و يواصل الإعلام في "احتراف و مهنية- حسب زعمه-" حملته لتشويه بعض الأطراف منفذا أجندة شعارها "لنحافظ على الاستثناء في أول انتخابات ديمقراطية " بهدف خلق رأي عام رافض لوجود الإسلاميين في المجلس التأسيسي بعد ما تأكد لهم أن القاعدة الشعبية للتيار الإسلامي تبدو عريضة و هامّة و أن هذا التيار الإسلامي يسير بخطى ثابتة و تلقى أطروحاته قبولا و ثقة و بالتالي تم توظيف الإعلام بمختلف وسائله المرئية, المسموعة و المكتوبة معتمدا على أسلوب التلاعب و التحريف في التأويلات و إثارة جدل حول النوايا للتصدي لهذا المدّ, وتعقيب بعض الذين حاورهم الإعلام اثر تصريحات أجروها معهم خير دليل على اللعبة الحقيرة التي يمارسها هذا الإعلام في التزييف و اللعب بالمصطلحات ثمّ أحيانا يكتفي الإعلام بنقل نصف الخبر و عن قصد فالكثير تحدث عن مضايقات تعرض لها بعض الفتيات غير المحجبات و إهانتهم من طرف وجوه إسلامية الذين نعتوا الفتيات بالمتبرّجات هذا نصف الخبر المنقول و المتداول لديهم و الذي يتشدّقون به صباح مساء و لكن ماذا عن بقية الخبر : حيث أن هذا الذي يسعى في الأرض يسبّ غير المحجبات هو في الأصل يرتدي لحية –قد يبدو فعل يرتدي لا يتماشى مع اللحية- و لكن الحقيقة أن هذا الشخص كان يرتدي لحية مصطنعة. و في سابقة من نوعها تُطل علينا إحدى الصحف بتقرير عن ظروف الاعتقال في وزارة الداخلية فوصفتها بأنها ظروف طيّبة و إنسانية و تحترم حقوق الإنسان, لكن ما تعرّض له المعتقلون بعد 14 يناير و حتّى في الأيام القليلة الفارطة خير دليل على حسن المعاملة المزعومة التي تعرّضوا لها في كهوف و أقبية الوزارة و ذلك العالم السفلي القابع تحت شارع الحبيب بورقيبة. الجهاز القضائي: القضاء كان كبقية الأجهزة مخترقا بل مطوّعا و عصا مسلّطة من النظام على المواطنين حتى أن القضاء نفى صبغة المواطنة في ممارساته على الرعية و عمِل بعكس القاعدة القضائية " المتهم برئ حتى تثبت إدانته" و كرّس بدلها مبدأ " المتهم مُدانٌ حتى تثبت براءته" هذا في العهد السابق و لكن من غير المعقول أن يستمر هذا الوضع حتى بعد 14 يناير. فالقضاء نجده حريصا في محاسبته للذين اعتقلتهم السلطة خلال اعتصام القصبة 3 بينما يُطلق سراح من يثير الفوضى و يعتدي على المنشآت داخل الملاعب و الفضاءات الرياضية, و الأخطر أن يبقى كبار الفاسدين و المسؤولين السابقين الذين أجرموا في حق الشعب و كانوا مدافعين عن بن علي متشدّقين بأفضاله و حزب التجمّع إلى آخر لحظة في عمر النظام يبقى هؤلاء طلقاء في حالة سراح بل و يُسمح لهم بالنشاط و العمل السياسي مكونين أحزاب مستًثنين من كل محاسبة و حتى الذين حُقق معهم فهم يتمتعون بحريتهم و لم يتم إيقاف أكثرهم رغم فضاعة تاريخهم الحافل بالتعذيب و أيديهم الملطخة بالدماء و هتك أعراض الأبرياء. كما أنه و منذ الاعلان عن 192 قضية في حق القناصة لم يُسمع أي جديد ممّا يُثير الشكوك حول مصداقية هذا الخبر و حول ملف محاسبة الذين كانوا المسؤولين عن قمع المظاهرات فالقضاء يتعامل مع هذا الملف بكل تقاعس و تلكؤ حتى أن القاضي الذي حكم في قضية اليُخوت ضد عماد الطرابلسي ببراءته هاهو اليوم يُجدد الموعد و يُثبت وفاءه لنفس المتهم و يُعيًّن هو نفسه للنظر في قضية جديدة لمتهم قديم, و هذا يُعتبر تحديا واضحا لمبدأ العدالة و استقلالية القضاء و فيه رسالة واضحة من السلطة أن القضاء لا يزال تحت يدها و يأتمر بأمرها بل و هي الآن تسعى جاهدة للحفاظ على مكسبها هذا بتحريفها لقرار الهيئة العليا حول الإشراف على الانتخاب فقد سعت الحكومة بأن تكون نقابة القضاة – و التي عُرفت بموالاتها للسلطة - ممثّلة في هذه هيئة الإشراف على الانتخابات لتحمي مصالحها. الإعلام سلاح ذو حدين من حيث توظيفه: فإمّا أن يكون خنجرا في ظهر المجتمع أو مرآة له ينقل هواجسه و مشاكله و يُعبر عن تطلّعاته و آماله و كذلك هو حال القضاء فإما أن يكون السيف المسلّط على عنق المواطن أو صوت الحق الذي يؤصّل و يكفل للفرد مواطنته. حرية الإعلام واستقلال القضاء هما جوهر و روح دولة القانون و الضّامن لإرساء ديمقراطية فعلية