تناقلت بعض المواقع الإلكترونيّة التّونسيّة خبرا يتعلّق باعتزام بعض المحامين التّونسيين رفع دعوى قضائيّة ضدّ حركة النّهضة تتعلّق بموارد تمويل الحركة وارتكابها للعنف خلال سنة 1990 ومخالفتها لقانون الأحزاب الذي يمنع قيام حزب سياسي على أساس ديني . وقد كان من المفترض إن صحّت هذه الأخبار أن يتّجه هؤلاء المحامون إلى القضاء الدّولي لملاحقة الرئيس المخلوع وإعادة أموال الدّولة المسروقة عوضا عن البحث في قضايا تتعلّق في الأساس بأجهزة الحكومة المؤقّة التي تسهر على متابعة نشاط الأحزاب ومواردها وفقا لمقتضيات القانون ، لكن يبدو أنّ إلتفاف جماهير شعبنا حول حركة النّهضة التي قدّمت تضحيات جسام خلال العشريّة السّوداء من حكم الرئيس المخلوع بن علي دون أن تحيد عن مبادئها المتعلّقة بالحريّة والكرامة الوطنيّة لكلّ أبناء الوطن ، لم يرق لعدد من بقايا فلول النظام البائد فسارعوا باتهام النّهضة تارة باستغلال الدّين لأغراض سياسيّة وحصولها على تمويلات مشبوهة من بعض دول الخليج وتارة أخرى بانتهاجها أسلوب العنف وخاصّة خلال سنة 1990 على إثر حملة الإعتقالات التي طالت جميع أبنائها ، وقد نسي هؤلاء أو ربّما تناسوا أنّ تلك التقارير التي كانت تبثّ على قناة تونس 7 ضمن برنامج " المنضار " كانت تعدّ سلفا من قبل وزارة الدّاخليّة ، وهي في الحقيقة اسطوانة قديمة جديدة صنعتها أجهزة الحكم البائد لتنطلق بعدواها لبعض النفوس المريضة المعاديّة للحداثة والهويّة ومتطلبات التنمية والديمقراطيّة . لقد كان حريّا بهؤلاء أن يخجلوا ويعلموا أنّه لم يعد لهم مكان اليوم في الواقع السياسي التّونسي ، فحركة النّهضة عندما كانت تقاوم إستبداد السّلطة كان هؤلاء يسبّحون بحمد الطّغمة الحاكمة ، وقد قدّمت النهضة من أجل ذلك أروع مواقف البطولة والفداء ، لذلك ليس من شيمها الإستجداء والإستعطاف ، ناهيك أنّ التزامات أبنائها الذين يعدّون بالآلاف تكفي لفتح مقرّ هنا أو هناك . أمّا العنف الذي يتحدّثون عنه فهو في الواقع ردّة فعل طبيعيّة على تغوّل السّلطة وسياسة الإستئصال إن لم نقل هوّ حالة دفاع شرعي فرضتها ظروف سياسيّة معيّنة ، وأخشى ما أخشاه أن تتّهم الثورة التّونسيّة اليوم بتحميلها ما جرى من عمليات حرق وتكسير لبعض المنشآت العموميّة والخاصّة . لذلك فإنّنا اليوم أمام حالة فرز حقيقي يستدعي اليقضة وتوحيد الجهود للتصدّي لكلّ محاولات الردّة بعد أن ظلّت تونس لعقود كثيرة بلباس واحد ، وحزب واحد ، ونمط تفكير واحد ، هيمنت فيها السّلطة على القرار السياسي باسم عقلانية مشروعها ، لتصنع بذلك لنفسها وجها جديدا هو في حقيقة الأمر مخالف لكلّ القيم والأخلاق . نورالدين الخميري