اعتقدت لوقت طويل اني لست بحاجة لكتابة هذه الاسطر كي اشرح فيها منهجي الشخصي في بناء النص الادبي وبالتحديد القصصي والروائي منه . ولكن اجدني الان مضطرا لذلك ويعود الامر لعدة اسباب ... اولها ان هذا الشكل الذي اعتمده ليس تيارا ، منتشرا في العالم العربي وان كنت الى جانب بعض الادباء الشبان في اوائل التسعينات قد خطونا فيه الخطوات الاولى ، وظهرت بعض الاعمال على صفحات كل من جريدة الراي العام حينها وفي الملحق الثقافي لجريدة الصحافة التونسية وكان يسمى حينها "ورقات ثقافية " وكذلك على صفجات جريدة فتية حينها تدعى اخبار الشباب . ثم فجاة وجدنا ان مجهودنا لم يعد يلقى الترحيب باي شكل من الاشكال دون ان نعلم السبب بالتحديد ... فانكفانا على انفسنا . ومضينا في الانتاج والتخزين . لحس لدينا انه قد ياتي يوم ربما يمكن ان يجد هذا المجهود من يطلع عليه على اقل تقدير ... اما السبب الثاني فهو يتلخص في ان السادة المسؤولين على تحرير المواقع الالكترونية وحتى الجرائد الورقيةعندما تصلهم منا الان بعض هذه الاعمال يلاحظوا مباشرة وقبل الانتهاء من قراءة النص المعروض عليهم انه غريب ، او ان شئنا لا يوازي في كيانه النص الادبي المتداول سواء في شكله او في فكرته ، ولان نصنا لا تحيطه نصوص اخرى لديهم تشد ازر وجوده وفهمه ، يلقى التخلي عنه ، او بالاحرى القائه في المهملات ... مما يحز في انفسنا ، ويجعلنا نحجم عن مواصلة ارسال اعمالنا الى تلك الجهات وغيرها حتى لا تلقى المصير نفسه ... السبب الثالث يتلخص في شكل النص في حد ذاته حتى يضن الرائي قبل التمعن ان الكاتب لا يعرف الفرق بين النقطة والفاصل ، او بين علامة الاستفهام وعلامة التعجب ، او لا يحسن على اقل تقدير توزيعها ، ولكنه وبمجرد ان يعيد القراءة مرة ثانية فقط يشعر ويتاكد بنسبة تسعين في المائة ان كل اشارة هي موجودة في موقعها الصحيح ، وبالشكل التي هي عليه ، وبهذا المعنى يجدها اكثر من ان تكون مجرد علامات للوقوف مثلا ، وانما هي تعبير ايضا عن معنى لا تستطيع الكلمة او الحرف العادي ان يعبر عنه ، وان فعل فدرجة التشويه فيه عالية ... هذه العلامات في النص اذا اشبه ما تكون بالملامح التي تبدو على وجه شخص ما لا يتكلم ليقول ما في باطنه ولكن المشاهد يستوعبها تماما بخبرته ، ومعرفته ومدى احتكاكه بالشخص الذي امامه . ان بناء النص لدينا لا يشابه في كثير من حلقاته شكل الحكاية التقليدية ، كما حللها فلدمير بروب ، ولا حتى في السرديات المتاخرة سواء منها الرمزية ، او الواقعية ، بل هو باختصارشديد ياخد شكل مزقة عشوائية من الحدث التاريخي العام دون النظر الى مايسبق حد التمزيق او يليه شكليا بحيث لا نبحث ونحن بصدد انجاز النص عن قاعدة سببية تبرر او تقدم لما نقوم بعرضه ولا نسائل انفسنا ان كان ما سيحدث بعد نقطة النهاية يمكن ان يكون بحال من الاحوال منسجما سببيا مع ما وقع طرحه في النص ... اذا النص لدينا هو اشبه ما يكون بقطعة ممزقة من صحيفة تبدا في قراءته وانت لا تعلم من البداية ما ورد من كلام سابق ولا تعلم ايضا ما ذكر بعد الكلمة الاخيرة مما هو متوفر بين يديك ... ولكنك قد تخمن فيه ، وقد تتوصل لحد ما ، الى جمع بعض الخطوط التي تقارب تلك التي ذكرت في النص الكامل ، وربما توفق في فهم الاطار العام وما حوله ... ان البنية الشكلية للنص لا نقول عنها انها خالية من المقدمة والخاتمة ، ولا نعتقد باي حال من الاحوال ان اي نص نقوم بانتاجه يمكن ان يخلو من هذين الجناحين ولكن قد نلخص الخاتمة مثلا في كلمة واحدة ، واحيانا لا نوردها مكتوبة وانما نوفر لها الشرط اللازم كي تستنتج من طرف القارىء وفي النهاية لا نزج بالنص كي يكون حلقة مكتملة في سلسلة الحدث التاريخي . من المهم ايضا ان نذكر هنا اننا لا نميل في السرد الى استقامة الخط الزماني والمكاني للفاعل التاريخي بل نعرض الى التداخل بينها ، والى التقطُع ، وكذا نمارس الانطلاق اكثر من مرة من مكان اوزمان اخر لم يكن منتظرا لدى القارئ ... وفي النهاية نحن نحوُل زاوية النظر من مكان الى اخر اثناء عرض المشهد نفسه الذي يواصل التقدم بنفس القوة او بنفس الوتيرة اي دون تكرار ، هذا على المستوي الشكل الخارجي تقريبا للنص . اما في مستوى الموضوع او ان شئنا في مستوى فلسفة الافكار التي نطرحها فهي تنطلق بالاساس من : فكرة ان كل نفر من البشرية يعتبرفي حد ذاته بالنسبة لكل ما حوله مركز الوجود . فهو يفهم الاشياء ويقدر الافكار ، ويتقبل العالم لا وفقا لما يملى عليه وعلى اقل تقدير يعرض عليه ، وانما وفقا لاحساسه الشخصي ، ومشاعره ، ومصلحته ،وفهمه هو ، ثم لمدى قرب الموضوع الذي يتفاعل معه منه . اذا الانسان ليس بالنسبة لذاته في مقابل العالم طرفا انما هو مركز . وتباعا لتلك الفكرة المحورية نفهم ان الافكار ، وشكل الفهم يتعدد ويختلف في العالم بقدر تعدد البشر ، فان كان على وجه البسيطة خمسة مليار شخص فمعناه ان هناك خمسة مليار عقل ، وخمسة مليار اختلاف ولا يمكن بحال من الاحوال ان يوجد عقل مطابق لعقل آخر ، او شعور مطابق لشعور آخر ، لانه باختصار لايمكن لشخص واحد ان توجد اكثر من نسخة ولكن هذا التعدد المهول وبتجدد يومي يضعنا امام تحد هو تحد التعايش . فمن جهة هناك تفرد بالذات للشخص في رؤيته وموقعه في العالم ، ومن جهة اخرى هناك اندماج الى حدود التفاعل من اجل الاستمرار . هذا الاندماج يقننه قانون التعايش ،وهو ايضا في تغير وتبدل مستمر هو اذا محفوف الى حد كبير بما نسميه بالضيم ، او الحيف . انطلاقا طبعا من زاوية نظر كل شخص ولكنه على كل حال يشكل قوة دينامية لخلق السيرورة او التطور او التبدل ، وهي الميزة التي لا نكتشفها في كل كائنات الارض الاخرى . قد تساءل البعض ممن قرأ عن علاقة رؤيتنا الفكرية بالتيار الوجودي والشق العبثي منه بالخصوص لما لاحظوا من بعض صور التشابه في ضياع الشخصيات الرئيسية ، او تازم لها . الواقع اننا لا ننفي التاثر فنيا به كما لا نؤكده ، ولكنا نقر ان الشخصيات الفاعلة هي شخصيات على خلاف مستمر مع ما كنا نذكر من قانون التعايش ولذلك هي تنتبه بالاساس الى تفاصيل التفاصيل في الاشياء ، وتفكر فيها انطلاقا مما تحس به اي انطلاقا من مشاعرها الخاصة ، هي اذا تسرد احساسها من خلال تفاعلها مع الاشياء ، هي اذا تنبه الى كرامتها من خلال الصورة التي تقدمها للشيء الذي تهتم به ، هي تطرح موضوع حريتها من خلال الانحسار المستمر لاطار حركتها ، لاطار فعلها ، لانقلاب الممارسة من الواقع الفعلي الى الذهن . بحيث تندمج في الوهم او الحلم او المرض العقلي ... ولكنا نحاول ان نؤكد باستمرار الى ان وجود الكائن البشري ليس وجودا عبثيا والا ما كان ليكون على تلك الغاية من الاختلاف الذي ذكرنا . في اخر هذا التوضيح نحن نرجوا من الاخوة المحررين في الاعلام الافتراضي بالخصوص ان يساهموا معنا في تدعيم هذا النهج الفني . كما ندعو اخواننا من الادباء والقراء ان يساعدوا في نشره والاستفادة منه .