سقط ما يقرب من 57 شهيدا وألف جريح يمني من المطالبين بالحرية وإسقاط حكم الرئيس علي عبد الله صالح خلال محاولة قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي ومجموعات من البلطجية الموالين لصالح إخلاء ساحة الحرية التي يعتصم فيها المحتجون في تعز. جاء ذلك في وقت سمع فيه دوي انفجارات وإطلاق نار في محيط وزارة الداخلية ومنزل الشيخ صادق الأحمر، شيخ قبيلة حاشد المعارض لصالح خلال الليلة الماضية الإثنين 30-5-2011.
ووفقا لمصادر طبية في تعز -التي تعد مطلقة شرارة الثورة اليمنية ضد حكم صالح- فإن ما لا يقل عن 57 قتلوا برصاص الأمن المركزي والحرس الجمهوري ومجاميع «البلطجية» بالاضافة الى أكثر من ألف جريح، وقال أحد أطباء المستشفى الميداني في تعز: إن "عدد القتلى مرشح للزيادة نظرا لخطورة حالات الإصابة" بحسب ما نقلته عنه مواقع عربية ويمنية.
وحاولت القوات الحكومية اقتحام «ساحة الحرية» التي يعتصم فيها عشرات الآلاف من المطالبين بإسقاط نظام الرئيس صالح، ففي وقت متأخر من مساء أمس، هاجمت القوات الحكومية الساحة معززة بالمصفحات وقامت بإطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، وتعرضت الكثير من خيام المعتصمين للحرق.
وبحسب روايات متظاهرين وشهود عيان فقد عثر على جثث محتجين متفحمة داخل خيامهم، وقال المتظاهرون إن من احترقوا داخل الخيام هم من المعاقين حركيا، وأظهرت مقاطع فيديو بثت على شبكة الإنترنت صور قناصة يعتلون أسطح البنايات المرتفعة وهم يطلقون النار على المتظاهرين، ومسلحين آخرين وهم يحتلون بعض المحال التجارية التي يلجئون إليها بعد إطلاقهم النار.
وكانت الدبابات والمدرعات هاجمت «ساحة الحرية» تحت غطاء نيران كثيفة وتم تعقب واستهداف مئات المتظاهرين الذين حاولوا الهروب من الساحة عبر الشوارع المجاورة، كما تم اعتقال عدد منهم بحسب الشهود.
وقال "عابد" أحد الناشطين في تعز: إن القوات الحكومية اقتحمت الاعتصام المناهض للحكومة في ساحة «الحرية» وأشعلت النار في خيام المعتصمين، مضيفا أن دوي الأعيرة النارية لا يزال يسمع، وإن المتظاهرين يحاولون استعادة السيطرة على الساحة بعد أن أخلتها قوات الحرس الجمهوري. وأضاف عابد «لا يمكنكم تصور كيف دمرت قوات الأمن كل شيء في الساحة، لقد استخدموا الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والجرافات لتدمير الخيام».
حصار الأطباء
وذكرت قناة «العربية» الفضائية ذكرت في وقت سابق أن الشرطة اليمنية استخدمت الجرافات لاقتحام خيام المعتصمين، وقال طبيب في تعز إن قوات الأمن حاصرت أكثر من 100 طبيب في المستشفى الميداني لساعات في الصباح بينما كانوا مطلوبين على وجه السرعة لمساعدة عشرات المصابين بشكل خطير.
وأشارت مصادر طبية إلى أن قوات الأمن والجيش اقتحمت مستشفى الصفوة الكائن إلى جوار ساحة الاعتصام، الذي يقدم خدماته الطبية للمصابين، واستولت على أجهزة طبية حديثة من المستشفى وعبثت بأخرى، وقدرت المصادر الخسائر التي تعرض لها المستشفى بقرابة نصف مليار ريال يمني، إضافة إلى القيام باعتقال بعض الجرحى والمصابين.
وأثارت «الاعتداءات» الأمنية على المعتصمين في تعز، ردود فعل شعبية وسياسية غاضبة ومنددة، حيث خرجت مظاهرات حاشدة في العاصمة صنعاء ومحافظات: الحديدة، عدن، إب، حضرموت، شبوة، صعدة والبيضاء، وغيرها من المحافظات والمدن الرئيسية والثانوية، وطالب المتظاهرون بمحاكمة الرئيس علي عبد الله صالح وأركان نظامه وبعض القادة الأمنيين على «الجرائم» التي ارتكبت بحق المعتصمين.
كما أصدر برلمانيون بيانا شديد اللهجة، نددوا فيه بما تقدم عليه قوات الرئيس صالح، واعتبروا ما حدث في تعز بأنه جاء بعد الهزائم التي تعرضت لها قوات الأمن والجيش الموالية لصالح على يد رجال القبائل في صنعاء ونهم والحيمة الخارجية.
ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي يسقط فيها قتلى من المطالبين بالحرية في تعز، حيث تعد المدينة التي تقع جنوب صنعاء هي الأوفر حظا من الشهداء الذين قدمتهم اليمن أثناء الاحتجاجات، إذ انطلقت شرارة الثورة في ساحاتها، وبدأت أول اعتصاماتها، الأمر الذي دفع عددا من النشطاء إلى تلقيبها ب«سيدي بوزيد اليمنية»، نسبة إلى محافظة سيدي بوزيد التي أطلقت شرارة ثورة تونسية أطاحت برئيسها الهارب "بن علي".
الرواية الرسمية
غير أن السلطات اليمنية، وفي تعليقها على أحداث تعز، اتهمت عناصر تابعة لأحزاب «اللقاء المشترك» وعناصر خارجة على النظام والقانون بمهاجمة مقر الإدارة المحلية لمديرية القاهرة، التي تقع «ساحة الحرية» بالقرب منها، وقالت إن شخصين من المهاجمين قتلا في تصدي قوات الأمن للهجوم.
وقال مصدر رسمي إن المهاجمين «حاولوا اقتحام بعض المباني العامة المجاورة، واعتدوا على عدد من جنود الأمن، وقاموا باختطاف اثنين منهم واقتادهما إلى ساحة الاعتصام بصافر واعتبروهما (أسيرين) لديهم، وكبلوهما بالحبال، وحققوا معهما وعذبوهما، ثم قاموا بشفط دمائهما بطريقة تنم عن عدائية مقيتة ووحشية لم يسبق أن شهد اليمن مثلها من قبل».
وأضاف المصدر الرسمي أن «تلك العناصر المسلحة التابعة لأحزاب المشترك، وفي سياق الأعمال والممارسات الخارجة عن القانون التي اعتادت القيام بها من خلال إثارة أعمال الشغب والفوضى والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، قامت بإحراق عدد من سيارات المواطنين بالقرب من مبنى السلطة المحلية بمديرية القاهرة، الذي سبق لتلك العناصر أن حاولت اقتحامه أكثر من مرة».
"جبهة الأحمر"
وفي جبهة أخرى من "الحرب" الدائرة بين نظام صالح والمطالبين بإسقاط نظامه، أفادت تقارير إخبارية بأن اشتباكات تجددت في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء بين المسلحين المناصرين للشيخ صادق الاحمر زعيم قبائل حاشد النافذة في اليمن، والقوات الحكومية الموالية للرئيس اليمني علي عبدالله صالح في العاصمة صنعاء، لتنتهي بذلك هدنة بين الجانبين لم تدم طويلا.
وذكر موقع "مأرب برس" الإخباري على شبكة الإنترنت أن منطقة الحصبة بصنعاء والمناطق المحيطة بها تحولت إلى ساحة لمعارك عنيفة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة.
وأوضح الموقع أن عشرات الانفجارات العنيفة هزت العاصمة صنعاء منتصف الليل. ونقل الموقع عن مكتب الشيخ الأحمر قوله إن قوات صالح أنهت الهدنة وباشرت الهجوم على منزل الشيخ الأحمر بمختلف أنواع الأسلحة، حيث يتعرض منزل الشيخ الأحمر لقصف مدفعي مكثف فيما تجري الاشتباكات بين مقاتلي حاشد وقوات صالح في محيط المنزل من جميع الجهات.
وأعلن أتباع الشيخ الأحمر عن استعادتهم لبعض المقرات المحلية ومصادرة بعض الأسلحة والذخائر واستسلام بعض مقاتلي صالح خلال هذه الاشتباكات.
وحذر علي عبد الله صالح عقب رفضه التوقيع على المبادرة الخليجية من أن المعارضين له يجرون البلاد لحرب أهلية محملا إياهم المسئولية، وهي التصريحات التي رآها معارضوه بمثابة إعلان صالح الحرب على شعبه.