مرطّبات ولحوم وأسماك فاسدة قبل ساعات من رأس السنة.. هيئة السلامة الصحية تكشف حصيلة رقابية مقلقة    رئيس الجمهوريّة: ما يحصل في مجال النّقل الجوّي غير مقبول على الإطلاق، ولا مجال للتّفريط في مؤسّساتنا ومنشآتنا العموميّة    رئيس الجمهوريّة :الفلاحة جزء من الأمن القومي التّونسي، والواجب الوطنّي المقدّس يقتضي تذليل كلّ الصّعوبات خصوصا أمام صغار الفلاّحين    وفاة خالدة ضياء زعيمة المعارضة وأول رئيسة وزراء في بنغلاديش    ترامب: "حزب الله" يتعامل بشكل سيئ وسنرى ما ستسفر عنه جهود نزع سلاحه    سامي الطرابلسي: سنواجه تنزانيا من أجل الفوز وليس التعادل    «صاحبك راجل» في القاعات المغربية    قطاعا الزيت والاعلاف محور لقاء سعيد ببالشيخ وبن عمر والعياري    حفل زفاف تيك توكر شهير يتحول لمعركة في مصر    جلسة عامة في البرلمان يوم الاربعاء 31 ديسمبر 2025 للنظر في عدد من مشاريع القوانين..    QNB ينظم ورشة مالية لتلاميذ مدرسة الشاذلي خزندار الابتدائية بالزهراء    مهازل متواصلة في جامعة كرة القدم انتخابات الرابطة «المحترفة» في خبر كان    مهرجان القنطاوي بحمام سوسة .. شكاوى واتهامات وإيقاف جلسات؟    المرصد الوطني للسلامة المرورية يطلق خطة خاصة لتأمين احتفالات رأس السنة الإدارية    لغز «التسفير» يتواصل أمام الاستئناف    الضحية طبيب نفسي تونسي مشهور في فرنسا .. يقتل والده ويدفنه في حديقة المنزل    انطلاق أشغال ملتقى الأعمال السعودي التونسي بالرياض    مع الشروق :«أرض الصومال»... خنجر جديد في الجسد العربي    سوسة: حجز أكثر من طن من المنتوجات البحرية غير صالحة للاستهلاك    طقس الليلة    في أول ظهور له.. الناطق الجديد باسم "القسام" يوجه رسالة لأهالي غزة وينعى ثلة من قيادات الكتائب    "كان" المغرب 2025.. مصر تكتفي بالتعادل أمام أنغولا وتتصدر مجموعتها    البنك الوطني للجينات: تركيز ثلاث مدارس حقلية بكل من ولايات سوسة وصفاقس وبنزرت    وزير الاقتصاد: تونس تكرّس حرية الاستثمار وتضمن حماية حقوق المستثمرين    الدورة 40 لمعرض تونس الدولي للكتاب: تواصل قبول الأعمال المرشحة لجوائز الإبداع الأدبي والفكري وجائزتي النشر إلى يوم 30 جانفي 2026    بقرار قضائي.. هيفاء وهبي تعود إلى الغناء في مصر    اتصالات تونس تنظم أول يوم الأسرة بالمؤسسة :الاسرة شريك أساسي في دعم الاستقرار المهني والأداء المؤسسي    كيفاش تقرى fiche de paie متاعك؟    دواء معروف طلع ينقص الرغبة في التدخين والكحول... نتائج مفاجئة من دراسة جديدة    مدرب تنزانيا: مستعدون لخوض "حوار كروي قوي" ضد المنتخب التونسي    حوالي 40 بالمائة من المساحة المحترثة مخصصة للزياتين وتونس تساهم عالميا ب30 بالمائة من التمور    وزير التربية يعلن 2026 سنة مطالعة    دبي تستضيف حفل جوائز الفيفا للأفضل العام المقبل    رياض دغفوس : المتحوّر "K" المتفرّع عن فيروس H3N1 لا يشكّل خطورة أكبر من غيره ويجب الالتزام بالإجراءات الوقائية    مدرب تنزانيا :'' أنا فرحان برشا بالتجربة وبالأيامات اللي عديتها في تونس''    عاجل/ الاشتباكات مع "داعش": وزير الداخلية التركي يكشف حصيلة الضحايا في صفوف الشرطة..    الأونروا: انهيار 17 مبنى وتضرّر أكثر من 42 ألف خيمة في غزة جراء المنخفض الجوي    تتزعمها ستينية: تفاصيل تفكيك شبكة دعارة..#خبر_عاجل    إدمان قطرات الأنف؟...سرّ خطير علر صحتك لازم تعرفه    عاجل: هذا هو حكم لقاء تونس وتنزانيا    التسجيل مازال مفتوح: دورة فيفري 2026 للتكوين المهني تنتظركم    عاجل: تركيا.. اعتقال ملكة جمال ومغني راب في قضية مخدرات    عاجل: شحنات لحوم مبرّدة ملوثة كانت ستباع للتوانسة ...تفاصيل تكشفها غرفة القصابين    التوانسة في فرنسا يتصدّروا قائمة الحصول على الجنسية الفرنسية    ديوان البحرية التجارية والموانىء ينتدب تونسيين    هام/ 6 مؤشرات أساسية لتطمئن على صحة قلبك..    مصنفان بالخطيران جدا ... "مونتيتي" و"الزبراط" في قبضة عدلية سيدي حسين    برشا ماتشوات اليوم: اليك شكون ضدّ شكون الوقت والقنوات الناقلة مباشرة    عاجل/ وفاة طفلة دهستها حافلة قرب شلالات بني مطير..التفاصيل الكاملة للحادث..    عاجل/ بعد جريمة الأسبوع الماضي: "براكاج" جديد يستهدف سائق تاكسي..وهذه التفاصيل..    عاجل: هذا اللاعب سيحرم من المشاركة في ماتش تونس ضدّ تنزانيا    جدل واسع بعد حفل رادس : تذاكر مرتفعة وشكاوى من سوء التنظيم    شوف شنوا تاكل باش تقوي مناعتك في الشتاء    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد فاتح القلعه بقلم : عبد الرحمن الهذلي
نشر في الحوار نت يوم 03 - 06 - 2011


الأستاذ: عبد الرحمن الهذلي
تمهيد:
هذه خواطر صغتها، بعد زيارة أديتها، إلى موقع كان للأحرار قبرا، أو إلى قبور أخرى معبرا، أستنكف من ذكر اسمه لسوء ما ترك في النفوس من ذكرى، ولكن ذكاء القارئ، بالتأكيد، لن يخطئ له ذكرا.
***
حكى التاريخ يوما في الشرق عن قلعه، عن المسلمين تمنعت قرونا سبعه، بأسوارها العالية السبعه، يدعونها القسطنطينيه. قيض الله لها فاتحا، يدعونه محمدا، فلم يتوقف المسلمون بعدها، إلا على أبواب فيانا، عاصمة النمسا.
ويحكي الناس في تونس عن قلعه، من أهل البلاد نالت لعقود تقرب السبعه، ومنهم لثلاث وعشرين قد احتمت بالسبعه، داخلها مفقود، والخارج منها مولود. زارها الآبق قبلا خائفا معزوما، ودفعته الحاجة لزيارتها لاحقا بثورة مدعوما. مشى إليها والأسئلة في ذهنه تزدحم: ترى ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ أهي كما هي حين زارها؟ أم حط الزمن بعد من أوزارها؟
يَمَّمها مقتحما، ولراية الثورة الليبية تاجا على رأسه ممتشقا. فبالأمس ما كان يستطيع عن ميول تعبيرا، ولا لصورة رمز تعليقا. يذكر أنه حين كانت تشتد الخطوب شرقا، ويصطلي أهل لبنان وفلسطين بنار العدو صليا، ويخرج الأحرار ليعبروا عما يختلج بصدورهم غضبا، كانوا يقادون شارعا، ومنهم تسحب الرايات إلا ما نجا، وفي الخامس يحشرون، وبه يصرخون، ولا من سمع، فالتصوير إلا على أصحاب القلعة قد منع، وكم تمنى لسيد النصر صُورة أن يرفع، أو على بلور سيارَة أن يعلقها دون أن تقطع. وكم تمنى حين رزق المولود يوم سجل العرب نصرا، لو سمى ابنه حسنا نصرا، لكن خشيته عليه، حرمته هكذا شرفا.
اقترب من حرم القلعة سيرا، فتدافعت في ذهنه الذكرى. هذا النهج زاره قبل مرارا. الوجوه الكالحة التي كانت النهج تملأ، هي هي، على الجدران تتكئ، وعلى الرصيف تتلكأ، وفي المقاهي والمطاعم تتكأكأ[1]، قد فقدت الحيوية، بعد أن شاعت الحرية.
اقترب من باب جناح على أطراف القلعه، تذكر حين ولجه يوما من أيام السبعه، ليُوَقِّع فيبادره أحد سكان القلعه: "من أين تنفق؟" أجاب: "من راتب". فأردف: "كم تقبض؟" قال: "تسعون". "وكم الكراء؟" قال: "خمسون". فاستنتج وهو القوي في الحساب: "إذن يبقى أربعون!" وقد يكون جال في ذهنه أنه على كنز وقع. فبادر: "وماذا تقتات؟" قال: "خبزا وحليبا". فاستمر يسأل: "وما أيضا"؟ أجاب: " إن سمحت الظروف بيضا". لم تنطل عليه الحقيقه فهاج وماج، وانتفخت منه الأوداج: "ماذا؟ خبزا وحليبا وبيضا؟ من هنا فصاعدا ستأتي كل يوم للإمضا!". ها معاناة جديده! نزل عليه الحكم صاعقا، ألم يكن يكفيه أن يجول على ثلاثة فروع للقلعه حتى يزيدوه رابعا؟ فأكثر ما كانت تنقبض منه نفسه، هو حين كان يقف على الأبواب، ينتظر الدور ليوقع وهو يخشى السباب، ويجود عليه أحد الساكنين ببعض كريم الكلمات، وإن كان أكثر اجتهادا، ببعض رقيق اللمسات!
أفاق من الذكرى، فسأل عن مكان قضاء حاجته أحدا، أشار عليه بأعماق القلعة موجها، فراح خلال الديار جائسا، ينظر حيث شاء مليا، من خوفه منتقما، كل باب مقتحما. تقاذفته المكاتب حتى استقر بأحدها ساحبا رقما. وقف آخر قاعة الانتظار في الطابور، يلقي السمع إلى ما كان يدور: أول يدعو للصلاة حازما! وثان يشكو صعوبة بفرائض الإسلام التزاما، وثالث ورابع في الطرف الآخر من أجل هذه اللحظة التاريخية قد هرما، بين حديث وآخر يذكران إسلاما...
كان يسمع ما يدور ويستغرب، وهو في كل ذلك من أمر الله يعجب.
أهنا؟ حيث كان اسم الله وحده يثير اشمئزازا؟
أهنا؟ حيث كان اسمه تهتز به الأرض والجدران والأسقف اهتزازا؟
أهنا؟ حيث كان يقرن اسمه بالفحشاء للمؤمنين استفزازا؟
لم يلبث إلا القليل، حتى اجتمع بالقاعة له مثيل، عَرَّفَتْه بهم المنافي داخل الوطن، حين كان السابع في قطع الأرحام يتفنن، بالتشريد والإبعاد، بين أصقاع البلاد. تبادلوا العناق والذكرى، والأنفس والقلوب بين الأمس واليوم حيرى: بالأمس صحبة كل كان ينكرها، لأنها قد تعني رحلة بعدها، واليوم في قلب القلعة إمعان في إظهارها، وتلك الأيام بين الناس نداولها.
ترك القلعة بعد قضاء حاجته مغادرا، وفي نفسه صوت يعلو هادرا: سيحكي التاريخ يوما كما حكى، أن بتونس كما بالشرق قلعه، فُتِحَت يوم جُمُعه، يوم زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت البلاد أثقالها، وقال الناس في العالم كله: "كيف لها؟" يومئذ حدثت أخبارها، بأن ربك أوحى لها، يومئذ علم الناس أن للقلعة، كما كان للقسطنطينية، فاتِحَها، محمدَها، وأن لتونس كما كان للقسطنطينية ما بعدها.
رحم الله البوعزيزي، محمدا فاتح القلعه.
عبد الرحمن الهذلي / أستاذ مبرز في التاريخ (100 520 22)


[1] - تَكَأكَأ القوم على الشيء، إذا ازدحموا عليه.(ابن دريد، جمهرة اللغة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.