بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضة الصحيحة
نشر في الحوار نت يوم 07 - 06 - 2011


النهضة الصحيحة (1/2)
د. ياسر صابر 19.05.2011
حين بحث المفكرون والفلاسفة فى النهضة لم يختلفوا على أن أساس النهضة هو الإرتفاع الفكرى ولايمكن أن تحدث نهضة فى أى مجتمع إلا بوجود فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة تجيب للإنسان عن كل تساؤلاته التى تتعلق بوجوده فى الحياة والغاية منها ، أى وجود عقيدة لديه ، وبوجود نظام شامل ينبثق عن هذه العقيدة ينظم للإنسان حياته فى كل جزئياتها بناءاً على هذه العقيدة ، أو بكلمات أخرى وجود المبدأ هو سبب وجود النهضة. وعلى هذا الأساس وجدت نهضة على أنقاض روسيا القيصرية بعد بلورة الإشتراكية كمبدأ وحملها الإتحاد السوفيتى كدولة ، وفى أوروبا الغربية وجدت نهضة بعد صياغة الرأسمالية أيضاً كمبدأ صار عليها الغرب بعد عصوره المظلمة إلى يومنا هذا ، وفى كلتا الحالتين لاينكر أحد أن الإتحاد السوفيتى وأوروبا الغربية قد إنتقلتا من مرحلة الإنحطاط إلى مرحلة النهضة بعد صياغة مبدئيهما .
إلا أن مفكرى وفلاسفة الغرب قد وقفوا عند التحول الذى حدث فى مجتمعاتهم ونقلهم من شعوب متخلفة إلى شعوب ناهضة ولم يواصلوا فى البحث والتنقيب عن الفرق بين النهضات بل إكتفوا بمطلق نهضة وأعتبروا أن الإنتقال من حالة التخلف والإنحطاط إلى مرحلة النهضة هو الهدف المنشود.
فهل هناك فرق بين النهضات ، وهل هناك نهضة صحيحة وأخرى خاطئة ؟
إذا كان المبدأ هو سبب النهضة ، فإن المبدأ الصحيح يؤدى حتماً إلى النهضة الصحيحة والمبدأ الصحيح هو ذلك المبدأ الذى يستند إلى عقيدة صحيحة تقنع العقل وتتفق مع فطرة الإنسان التى خلق عليها وبالتالى تملأ قلبه طمأنينة وتمنحه السعادة الحقيقية وليست تلك السعادة المتوهمة. أما المبدأ الذى يقوم على عقيدة خاطئة فإنه وإن كان قادراً على إحداث نهضة فى المجتمع الذى نشأ فيه إلا أن هذا المبدأ يكون قابلاً للتطبيق بقدر مافى المجتمع من ظروف مواتية لذلك تمنحه هذه القدرة على التطبيق بوصفه ردة فعل على الواقع. فالشيوعية أتت بعقيدة أنكرت وجود الخالق وهذه الفكرة لاتقنع العقل الإنسانى الذى يقطع بأن وراء الكون والحياة والإنسان خالق خلقها ، وتعارضت أيضاً مع فطرة الإنسان المتدين غريزياً نتيجة إحساسه بالعجز والإحتياج تجاه الخالق. فكان المبدأ الإشتراكى الذى بنى على هذه العقيدة مبدأً خاطئاً وبالرغم من أنه أوجد نهضةً إستمرت لسبعين عاماً إلا أنه لم يستطع البقاء أكثر من ذلك لأنه مبدأ خطأ وحين يكتشف أصحاب المبدأ مخالفته لعقولهم ومناقضته لفطرتهم ينقلبون عليه بعد أن كان السبب فى نهضتهم.
أما المبدأ الليبرالى (الرأسمالى) فإن عقيدته التى بنى عليها هى عقيدة فصل الدين عن الحياة التى لم تعطى جواباً قاطعاً فى مسألة الخلق بل تركتها للإنسان فمن يؤمن بأن هناك خالق فليؤمن ومن يكفر فله ذلك إلا أنها قد فصلت وجود الخالق فى حالة الإقرار بوجوده عن الحياة ، وقالت أنه ليس للخالق دخل بحياتنا ، والإنسان هو الذى ينظم حياته بعيداً عن خالقه ، وصورت الغاية من الحياة بأنها إشباع أكبر قدر ممكن من المتع الحسية وبالتالى تتحقق سعادة الإنسان . وبناءاً على هذه العقيدة إنبثق نظام يظهر فى كل تفاصيله تأثره بعقيدته فنجد فكرة الحريات مقدسة عند الغربيين لأنها من جنس عقيدتهم التى ترفض أساساً تدخل الخالق فى حياة الإنسان، ونجد فكرة الديمقراطية التى هى حكم الشعب للشعب متفقة مع عقيدتهم التى ترفض أن تخضع إرادة الإنسان لخالقه . وبالتالى نجد أن كل أنظمة حياته يظهر فيها تأثرها بعقيدته التى تفصل الدين عن الحياة . وبناءاً على هذا المبدأ إنتقل الغرب من عصوره المظلمة التى سيطرت فيها الكنيسة ورجال الإقطاع إلى عصر النهضة الغربية ومازال إلى يومنا هذا يمارس حياته بناءاً على هذا المبدأ.
وبمحاكمة هذا المبدأ الذى كان سبباً فى نهضة الغرب نجد أن العقيدة التى يقوم عليها عقيدة خاطئة لأنها قد أعطت جواباً خاطئاً عن الكون والإنسان والحياة حين أنكرت دور الخالق فى هذه الحياة ولذلك فهى لاتقنع العقل ولاتتفق مع فطرة الإنسان الذى يشعر بالعجز والإحتياج إلى الخالق الذى خلقه، وبالتالى فإن كل الأنظمة التى إنبثقت عن هذه العقيدة خاطئة أيضاً. ونظرة إلى المجتمعات الغربية ترينا أن هذا المبدأ لم يستطع أن يحقق لهم السعادة الحقيقية والإطمئنان الداخلى فإن المجتمعات الغربية تشهد أكبر نسبة إنتحار فى العالم بالرغم من الرفاهية الإقتصادية التى يعيشون فيها ومن يعيش بينهم يدرك المعنى الحقيقى للتعبير القرآنى فى الآية " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا " طه 124.
والسؤال الذى يمكن أن يطرح: لماذا بقى المبدأ الليبرالى الرأسمالى إلى يومنا هذا يطبق مع أنه قائم على أساس خطأ ولم يحقق لأصحابه السعادة الحقيقية ؟
إن إستمرار هذا المبدأ إلى يومنا هذا مطبقاً ليس إقراراً بصحته بل لأنه لايوجد بديل مطبق خاصة وأن المسلمين أصحاب البديل الحقيقى قد تقاعسوا عن دورهم فى طرح البديل الحضارى للبشرية لإنقاذهم من عفن الرأسمالية ، ومع ذلك فالشعوب الغربية بلغ بها الدجر من هذا المبدأ مبلغه مما أضطر السياسيين أن يقوموا بترقيعه بأشياء ليست منه ، وأكبر إنقلاب بدأ فى عهد المحافظين الجدد حين إضطرت الرأسمالية أن تتحالف مع الكنيسة ليس حباً فيها وإنما محاولة لركوبها علها تستطيع أن تعالج الخواء الروحى الذى دب فى الشعوب الغربية. ومع ذلك فأعداد الغربيين الذين يدخلون الإسلام يومياً فى تزايد وهذا مما أخاف الكنيسة الغربية وجعلها تقبل بهذا التحالف مع الرأسمالية التى أزاحتها من الحياة وكل منهم يظن أنه يحقق مكاسب على حساب الأخر ولكن هذا تحالف المفلسيين الذى لن يخرجهم من أزمتهم.
أما الإسلام فقد أتى بعقيدة أجابت للإنسان عن تساؤلاته بما يخص الكون والإنسان والحياة فقالت أن الكون والإنسان والحياة مخلوقة لخالق وأن الحياة فى الدنيا ليست أزلية وأعطت جواباً بما يتعلق بالغاية منها حين أقرت بأن الله خلق الإنسان من أجل عبادته " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات 56 ، وأن الموت يتبعه حساب يفضى إما إلى الجنة وإما إلى النار وهذه هى حياة الخلود ولذلك فالسعادة الحقيقية التى يبحث المسلم عنها فى الدنيا هى نوال رضوان الله ، وبناءاً على هذه العقيدة إنبثقت أنظمة حياة شاملة تنظم الحكم والإقتصاد والعقوبات والسياسة الخارجية وغيرها ، كانت كلها وحياً من عند الله خالق الإنسان والكون والحياة ويظهر فى كل تفصيلاتها إنبثاقها عن هذه العقيدة . لذلك كان الإسلام أيضاً مبدأً ولكنه يختلف عن غيره من المبادىء بأنه المبدأ الوحيد الذى نزل به الوحى وليس مصدره الإنسان ، لهذا فهو ليس ردة فعل على واقع معين بل هو الجواب والمعالجة التى أرسلها الخالق إلى خلقه لينظموا حياتهم على أساسها . وقد أحدث الإسلام بوصفه مبدأً نهضة فى المجتمع الذى قام على أساسه نقلت العرب من قبائل متناحرة إلى قادة دانت لهم الدنيا ويوضح جعفر بن أبى طالب فى قوله للنجاشى هذا الواقع حيث قال :‏ أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية ؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئًا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه ، وآمنا به ، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئًا ، وحرمنا ما حرم علينا. يتبع
*******************
النهضة الصحيحة (2/2)
د. ياسر صابر 19.05.2011
بما أن الكون والإنسان والحياة حقيقة موجودة لذلك لايتصور أن تكون هناك أجوبة مختلفة عنها سوى جواب واحد الذى يفسرها وهذا الجواب قد أتى به الوحى ، لذلك لايمكن وجود أكثر من نهضة صحيحة سوى التى أوجدها الإسلام بينما النهضات الخاطئة يمكن أن تتعدد كتلك التى أوجدتها الإشتراكية أو التى أتت بها الرأسمالية ، لهذا فالإسلام هو المبدأ الوحيد الذى أوجد نهضة صحيحة إستمرت أربعة عشر قرناً من الزمن وقد إنتشر الإسلام إنتشاراً سريعاً لأنه إمتلك العقول والقلوب بعقيدته التى يقبل عليها أى إنسان ، وأنظمة حياته التى تتفق مع فطرة الإنسان التى فطره الله عليها " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" الروم 30 .
لذلك تميزت الأمة الإسلامية بأنها قد نهضت بالوحى ، وظهر أثر الإلتصاق بما نزل به الوحى على قوة الفرد والمجتمع والدولة ، ففى مراحل الإسلام الأولى منذ عهد الرسول حتى نهاية عهد الخلفاء الراشدين كانت الدولة فى أقوى حالاتها لأن الفهم للإسلام كان واضحاً ، والإلتصاق بما نزل به الوحى كان إلتصاقاً قوياً ولم يبتعد عنه قيد أنملة ، ومنذ بداية الدولة الأموية حيث بدأ هذا الإلتصاق بما نزل به الوحى يضعف وبدأت بعض الإساءات التى تعلقت بالحكم . ثم بلغ هذا البعد عما نزل به الوحى مبلغه فى أواخر الدولة العثمانية حيث ظهرت فى تاريخ المسلمين لأول مرة فتاوى تجيز أخذ القوانين الغربية التى لاتعارض الإسلام بحجة أن مالايعارض الإسلام يجوز أخذه ! وكان هذا بمثابة التقنين للبعد عما نزل به الوحى ولم يستطع علماء المسلمين فى ذلك الوقت التفريق بين الأفكار التى تتعلق بوجهة النظر فى الحياة ، وبين الأفكار المتعلقة بالأشكال المادية لها من صناعات وإختراعات وتقدم علمى أو بكلمات أخرى لم يفرقوا بين الحضارة والمدنية وبالتالى مايجوز أخذه من الغرب ومالايجوز . وقد أوصل هذا العبث الفكرى بمانزل به الوحى إلى القضاء على دولة الإسلام وبالتالى تم الإنفصال التام بين سلوك المسلمين وبين وجهة نظرهم فى الحياة ، وغاب أثر عقيدتهم على سلوكهم وبهذا قد سطروا بأيديهم نهاية نهضتهم وبداية إنحطاطهم . وقد تم تكريس هذا الإنحطاط فى ظل الأنظمة العلمانية التى فرضها الغرب على المسلمين فى الحدود الجغرافية التى رسمها لهم حيث قامت هذه الأنظمة بالعمل ليل نهار من أجل الحيلولة دون إستعادة الأمة لنهضتها مرة أخرى على أساس الإسلام .
إن الإنحطاط الذى وصل إليه المسلمون لم يكن بسبب الإسلام بل بسبب بعدهم عن الإسلام ولايمكن للأمة أن تعود من جديد إلى نهضتها الصحيحة إلا بالعودة إلى الإسلام حتى تعيد الربط الطبيعى بين سلوكها وعقيدتها ، فيكون سلوكها الذى تسلكه حسب أنظمة حياتها التى إنبثقت عن هذه العقيدة وبالتالى يكون الإسلام هو المتحكم فى حياة الفرد والمجتمع والدولة بوصفه مبدأً وبوصفه هو سبب النهضة. فإذا كانت النهضات الخاطئة متصورة عند الأمم الأخرى فإنه لايتصور عند الأمة الإسلامية أن تقوم عندها إلا نهضة صحيحة لأن الأمة لم تتنازل عن عقيدتها فى أى وقت من الأوقات سواء فى عصور عزتها أو عصور تخلفها ، وممارسات الغرب على الأمة من حروب وقمع على أيدى الأنظمة كان كافياً لإبادة أى أمة ولكنه لم يستطع أن يجبر الأمة الإسلامية على ترك عقيدتها ، فهاهم المسلمون فى وسط آسيا قد حوربوا ولوحقوا حتى فى عباداتهم لدرجة أنه لم يكن يسمح لهم بإمتلاك القرآن فى بيوتهم وبعد زوال الإشتراكية وتفكك الإتحاد السوفيتى عادوا من جديد أكثر إلتزاماً بالإسلام من ذى قبل .
إن بحث النهضة من الأبحاث الحيوية للحركات والجماعات التى تعمل من أجل التغيير ، لأن التغيير الحقيقى المنشود هو ذلك الذى يؤدى إلى النهضة الصحيحة وهذا لن يتم إلا أن تتبنى هذه الحركات ومريدى النهضة الإسلام بوصفه مبدأ ، وهذا بدوره لن يحدث إلا أن تقوم هذه الحركات إبتداءً بفهم الإسلام فهماً صحيحاً دون تأثر بالواقع ، ومهما تعالت أصوات العلمانيين وهجومهم أو إبتزاز الغرب فلايجوز أن يكون هذا مدعاة لأن نتنازل عن الفهم الصحيح للإسلام بحجة أننا نحاول أن نتقى هؤلاء وشرورهم ، فلايجوز لمن يعمل للتغيير على أساس الإسلام أن يحاول التوفيق بين أفكار غربية فى الحكم أو الإقتصاد أو غيره من أنظمة وبين الإسلام ثم يذهب ليلوى أعناق النصوص ليؤكد ماذهب إليه لأن من يفعل ذلك يكون من ناحية يعانى من هزيمة فكرية ويعطى الدنية فى دينه ومن ناحية أخرى يكون بفعله هذا من الذين يكرسون الإنحطاط عند الأمة بإستمرار فصل سلوكها عن عقيدتها ووجهة نظرها فى الحياة . فكيف يتأتى للمسلم أن يتعامل بنظام إقتصادى قائم على الربا ووجهة نظره فى الحياة تحرمه ؟ وكيف يتأتى له أن يحتكم إلى نظام حكم يجعل السيادة للشعب وعقيدته قد جعلت السيادة للشرع ؟
فإن كان الأوائل من أصحاب الحركة التوفيقية فى النصف الأخير من القرن التاسع عشر الذين حاولوا التوفيق بين الحضارة الغربية والإسلام قد تأثروا بسطوع نجم الحضارة الغربية فى ذلك الوقت بينما التخلف قد ضرب كل مناحى الحياة عند المسلمين ، فلايوجد عذر لأحد اليوم ليسير على دربهم خاصة بعد أن ظهرت الحضارة الغربية على حقيقتها وظهر ماجلبته من خراب ودمار للبشرية ، وبأن ماتعانيه هذه الحضارة الأن من أزمات فى الحكم والإقتصاد وغيرهما قد حلها الإسلام منذ 1400 عام . إذاً يجب على دعاة التغيير أن يدركوا أن المطلوب هو تغيير الواقع ليتفق مع الإسلام وليس تغيير الإسلام ليتفق مع الواقع ، لأن العبث بالإسلام تحت أى مسمى من المسميات يفقد هذه الحركات ثقة الشارع المتعطش للإسلام بها ، كما يفقدها القوة الطبيعية التى يجب أن تستند إليها فى التغيير ألا وهى قوة الإسلام النقى الذى نزل به الوحى بوصفه مبدأ صحيحاً . وليتذكروا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام " تركتكم على المَحَجَّة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك " مسند الإمام أحمد.
إن الفرق بين النهضة الصحيحة والنهضة الخاطئة هو كالفرق بين الحق والباطل ، والنور والظلمات وكالفرق بين الأحياء والأموات ، فأصحاب النهضة الصحيحة يسيرون فى الدنيا يعمروها على هدى وصراط مستقيم يبتغون بأعمالهم مرضاة رب العالمين لاتقف فى وجوهم أى قوة مهما إمتلكت من أساليب للبطش لأنهم إستقاموا على الطريقة التى رضيها لهم ربهم ويؤمنون بأنه ناصرهم ولو بعد حين . " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" البقرة 257
الخلاصة :
الإسلام هو المبدأ الوحيد القادر على إنهاض الإنسان والمجتمع والدولة نهضة صحيحة لأنه وحى ومصدره الخالق المدبر ، ولذلك لن تنهض الأمة إلا أن تعيد طراز حياتها حسب الإسلام فتعيد الربط بين سلوكها وعقيدتها أما إذا حاولت أن تستورد أنظمة غريبة عن الإسلام بحجة أنها لاتخالف الإسلام فإنها تكرس بذلك إنحطاطها ، وصدق عمر رضى الله عنه حيث قال " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام وإن إبتغينا العزة فى غيره أذلنا الله ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.