سيسعد عنوان هذه المقالة جمعا منّا و سيغضب ربّما أنفارا، و لكنّ قراءتها ستدعو الجميع إلى الاستفادة من الدرس التركي في مجال الديمقراطيّة التي مازلنا في تونس نتحسّس الطريق إليها و نمهّد السبيل لبلوغها، و عليه فنحن في حاجة إلى نماذج نستفيد منها لأنّ التجارب تنقصنا عموما و لكنّ العزائم على كلّ حال وافرة و على قدر أهل العزم تأتي العزائم. انتصر إذا في تركيا حزب العدالة و التنمية للمرّة الثالثة على التوالي، و هو حزب ذو توجّه إسلاميّ سمحت له تركيا العلمانيّة بالنشاط السياسيّ و سمحت له صناديق الاقتراع النزيهة بالوصول إلى السلطة منذ عقد من الزمان. و طيلة العشر سنوات التي تسلّم فيها الحزب مقاليد الحكم، استطاع الخروج بتركيا من منزلة دنيا إلى منزلة رفيعة في المجال الاقتصاديّ: كانت تركيا تعاني من التضخّم و الفساد و تراكم الديون فأصبحت في ظلّ السياسة التي انتهجها حزب العدالة و التنمية قوّة اقتصاديّة تحتلّ مراتب مشرّفة على المستوى الدوليّ، و بلغ مستوى النموّ السنويّ في آخر الاحصاءات لسنة 2010 تسعة بالمائة. و على المستوى السياسيّ، تمكّنت تركيا في السنوات الأخيرة من التأثير في الساحة الدوليّة بمواقف مبدئيّة مشرّفة فناصرت دون تردّد القضيّة الفلسطينيّة رغم علاقتها الاستراتيجيّة مع دولة إسرائيل التي فقدت بتعنّتها حليفا مهمّا من الدول الإسلامية، و لم تتردّد في وقوفها إلى جانب الشعوب العربيّة في ثورتها على الطغاة الفاسدين من حكامها فحيّت الانجاز التونسيّ الذي أنار الطريق للأشقّاء ثمّ طالبت جهارا مبارك بالتنحّي عن الحكم في نداءات حكيمة بأنّ السلطة إلى زوال مهما طال بقاؤها، و مازالت تخاطب القذافي و الأسد بنفس النبرة... فوز حزب أردوغان اليوم يثبت مرّة أخرى للعالم أنّ للإسلاميّين المعتدلين قدرة على الوصول للسلطة لا عن طريق العنف بل عن طريق الديمقراطيّة في إطار من التنافس النزيه، و يثبت قدرتها على النجاح في السياسات الاقتصاديّة التي رسموها و خطّطوا لها في برامج مستلهمة من قيم الإسلام الذي يدعو إلى العمل و العدل و الأمانة في تصريف شؤون الناس و الصدق و الثبات على المبدأ، و هي القيم التي لا يمكن نعتها بالرجعيّة و التخلّف ما دامت تثبت بنجاح من اعتمدها أنّها مناسبة لهذا العصر الذي يتصارع فيه من يدّعي أنّه تقدّميّ مستنير مع من يتهمه بأنّه رجعيّ ظلاميّ. و بقدر ما يعلو هذا النموذج و يتألّق، ستخبو شيئا فشيئا جميع الأصوات التي تشكّك في أهليّة الإسلاميين للحكم و في مدى التزامهم بالقواعد الديمقراطيّة و المكاسب الاجتماعيّة. و لنا في تونس منذ نجاح الثورة ضجيج لا يتوقّف بمثل هذه المخاوف، تقابله من النهضة تطمينات و التزامات بأن تكون في مستوى خطابها الذي أرادته معتدلا و محاورا للجميع و مستعدّا للتعاون مع كلّ القوى الأخرى في سبيل الخروج بتونس من عهود الانفراد بالسلطة و القمع و الفساد إلى سبق ديمقراطيّ فريد في العالم العربيّ يكون في مستوى السبق الذي حصل عليه الشعب التونسيّ في إطاحته بالدكتاتور الفاسد.
و من بين تلك التطمينات التزام النهضة في دفاعها عن نفسها بأن تكون سياستها إن هي وصلت إلى الحكم مستلهمة من المثال التركيّ المعتدل الذي عبّر على لسان رئيسه رجب طيّب أردوغان عن استغرابه الشديد من خوف بعض التونسيّين من الغنوشي قائلا " أستغرب بشدة عدم ترحيب السياسيين براشد الغنوشي، أنا أحسد تونس على رجل مثله فهو أستاذي وقد تتلمذت على كتبه فهو من القلائل الذين اكتشفوا أسرار التنمية والعدالة والتقدم من الإسلام ..." و انضمّ أحمد المستيري الوجه السياسيّ المعروف إلى نفس المقام ليقول في تصريح سابق لجريدة القدس العربي:" إنّ زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي إسلامي عصري على غرار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان." و قد رحّب في معرض تحليله لمستقبل تونس بعد الثورة بالإسلاميين وانتقد الحكومات الغربية لتشجيع تهميشهم على مرّ السنين. إنّ ما تقدّم من تحليل يثبت لنا بقرائن عدّة ما يمكن توصيفه بالتناغم و التشابه بين المشروع الإسلامي في تركيا و المشروع النهضويّ في تونس. و لئن حقّق المثال التركيّ النجاح تلو الآخر منذ دخوله في معترك الديمقراطيّة فإنّ المثال التونسيّ مازال يتلمّس طريقه نحو نفس الهدف و لكنّه ربّما حقّق بعض الانتصار من خلال تأثيره في التجربة التركيّة كما فهمنا من نصرة أردوغان للسيّد راشد الغنوشي و إشادته برؤيته السياسيّة ذات المنابع الإسلامية.
و عليه يحقّ لنا أن نوجّه التهاني بفوز حزب العدالة في تركيا إلى حركة النهضة في تونس. عبد الرزاق قيراط- تونس