سقطت اوراق توت الجندوبي وبن عاشور, اللذان آثرا خدمة الايديولوجي على خدمة الثورة والمجتمع. كل يوم تطلع فيه الشمس, تنكشف ظلمات المؤامرة الرخيصة والدنيئة, التي تحول مفخرة تونس التاريخية في ريادة الثورة, الى مهزلة سمجة, تنقطع معها أو تفتر لذة الاحتفاء بالثورة, لسبب بسيط, هو انه لم يبق من الثورة الا الاسم, اما المحتوى فهو يفرغ تدريجيا, وعبر وسائل جهنمية, هدفها احباط التونسيين, وايقاف عجلة التفاؤل مفتوحة على سينايروهات المجهول. ان اخوف ما يخيف المواطن التونسي, هو الارتداد عن المطامح التي كانت قاب قوسين او اقرب من التحصيل والانجاز, الى خيبة أمل, او الدخول في الحرب الباردة التي يختفي وراءها احد مجهولين: اما البركان الانفجاري,الذي يدمر ما تبقى من أخضر فيحيلها الى يابسة, او التابيد الاستهزائي للمهازل والتنكر لارادة الشعب للحياة الكريمة, عبر الضحك على العقول اما بالتخدير السبسي, اوالتنويم الاعلامي لقناة تبشر بما تستحي القناة الاولى ان تمرره... ما الذي ساعد على هذا الوضع؟ دوليا يقع الالتفاف مرات ومرات على مصالحة فلسطينة فلسطصهيونية أعني بين حماس الصابرة المصابرة على ثغور غزة, وعباس المخادع بائع الاوهام. كما تواصل الاممالمتحدة والدول العظمى, فسح المجال واسعا امام الدكتاتوريات العربية لاستعادة زمام الامور, خوفا من أن يستشري مفعول الثورة فيأكل أخضرهم ويحيي يابسنا. المثال حي في اليمن الجريح حيث يسعى عرافوا السياسة الخليجية بايحاء ومباركة امريكية, الى اعادة الحياة ولو شكليا في جسد صالح الملفق بالعمليات التجميلية,أما سوريا فيقع السكوت والانشغال عن الاسد الابن حتى وان احدث مجازر تلو المجازر والسبب معروف سلفا, انهم لن يجدوا اوفى ولا انسب منه لخدمة الحدود الصهيونية. اما على الساحة الليبية وهي الاكثر فعلا في محيطها العربي واكثر تاثيرا في جارتها تونس, فان القذافي يستعد لحرب طويلة المدى باستراتيجيتين: الاولى الاستنزاف على الجبهة لمجاميع من الثوار لا يملكون اكثر مما غنموه من الكتائب اضافة الى ايمانهم بقضيتهم العادلة, استنزافا يدعو المجلس الانتقالي الى ان يقبل بالحوار مع القذافي من أجل التسوية السياسية, تسوية طالما حلم بها العقيد, لانهاء حياته السياسية واقفا لا منكسرا ولا هاربا من جهة, ولانقاذ ما امكن بمنطق الخروج باقل الاضرار... الثانية:الرهان على القوة المالية التي يملكها العقيد وعلى علاقاته الافريقية التي ظلت تمده بالسلاح والمليشيات صانعا بذلك جيشا من المرتزقة التائهة في مجاهيل افريقيا, لا تلوي على اعقابها, اما الدولار واما الموت الذي تتجرعه من الجوع بداهة حتى بدون الحرب. اما اروكستر السياسة في تونس فهي ترى نفسها في وضع افضل, اذ ليس لها ما تخسره البتة, ثورة جاءتها على طبق من ذهب, شعب يفضل الخروج السلمي على الحاكم وليس له في الثورة المسلحة لا باع ولا ذراع- و قد كفانا الله شرها أصلا- ثم ان الطاقم المؤقت للحكومة واللجان المستحدثة, يتفننان في الاستفادة من المنظومة الدولية للثورات ليكونوا رائدين في افشالها, كما كان الشعب التونسي رائدا في اشعالها. ما هي الآفاق والسينارويهات المحتملة؟ الحالة الاولى ولها مراحل: اولا- تمزيق التوافق الذي حصل قبل, ابان وبعد الثورة ودفعه الى الاحتراق ان لم يكن الاحتراب الذي يبدأ كلاميا ثم ينتهي بالقطيعة والتدابر واللاعودة الى الطاولة أصلا. ثانيا- السعي الى الفوضى الخلاقة واعداد وسائل لتبادل الاتهامات وادخالنا لا قدر الله, في مناوشات عروشية مثل ما كان الحال في المتلوي او جهوية محلية بين مختلف الجهات... ثالثا- مزيد من اهراق البنزين على الحالة المهترئة أصلا بمزيد التاجيل والتعطيل للاستحقاقات الانتخابية وتابيد الوضع الراهن اللادستوري اصلا... رابعا: البدء بحملة التشويه والتخريب على طرف سياسي بعينه وتحميله مسؤولية ما يحدث وبالتالي محاولة الالتفاف على وجوده القانوني والشعبي الذي فاق التوقعات... خامسا: احداث التغيير الذي يناسب تلك المرحلة حسب التطورات الاقليمية, اما بالانقلاب السياسي وتزوير ارادة الشعب, واما بالعسكري اذا استقوى الجيران على الثورة فذلك ما سوف يغري الساسة عندنا بالالتجاء الى قوة الجيش واحداث الفارق بالصور المتاحة... الحالة الثانية: اولا: المماطلة الاعلامية والاطالة في عمر التشرذم السياسي ثانيا: فرض مواعيد تخرج عن سقف المطالب والطموحات وتشكك بالنتائج وتؤدي الى الانسحابات من العملية السياسية فتاتي الانتخابات بنتائج مشوهة لا تعكس الواقع الحقيقي على الارض. ثالثا: خروج طبقة سياسية منبتة عن الواقع لا تخدم الثورة ولا تلبي حاجة التونسيين الى التغيير. رابعاّ: فرض هذا الواقع بسياسة التهميش والتشكيك والتخوين والابعاد لشرائح غير قليلة في المجتمع, وتعميق الاحتقان السياسي والاجتماعي المفضي الى ثورات واضطربات لا حصر لها... خامسا: فتح الباب على المجهول والارتهان للآخر في تقرير المصير... صحيح ان المشهد قاتم ولكن هذه القتامة لا تعفينا ابدا من أطفاء لهيبها وهذا يتطلب درجة عالية من اليقظة والحكمة والمسؤولية المفضية الى عمل ما يلزم: - تنظيم الشارع التونسي وعصمته من الانقسام على نفسه والعودة به الى التوافق على أهداف الثورة الاولى. - احداث لجان اليقظة بالاحياء والمدن الممثلة لكافة شرائح وحساسيات المجتمع. - احداث لجان مشابهة للجان حماية الثورة لادارة الاعداد اللوجستي و الميداني لحماية الثورة واستمرارها... - الكف عن اظهار القوة وتطمين الشارع بان المصير واحد وان الفشل ياتي على الجميع فلا بد من التآزر لحماية نفس المبادئ والغايات... - الرهان على وعي التونسي وجعله جزءا من الحل بتشريكه في صناعة الثورة 2 - عدم التردد والمضي الى الشارع بحكمة ووعي ولكن بتصميم قوي في انفاذ الاهداف والاستحقاقات ... د, نورالدين بوفلغة النمسا