قد يوحي العنوان بالتهويل أو الإثارة و لكن وكما سنبين لاحقا ليس الأمر بذلك التوصيف (على الأقل كما بدا لنا). بداية وجب التذكير أن الشريط الوثائقي الإلحادي موضوع هذا المقال هو"لا الله لا سيدي" (و في رواية اخري "لا الله لا شيء") لصاحبته نادية الفاني (التي أخرجت فيلم "أولاد لينين" من قبل). الشريط من إنتاج فرنسي. لم تتح لي فرصة مشاهدة الشريط كاملا و لكن شاهدت لقطات منه على اليوتوب و تابعت تغطيته على قناة حنبعل و كذلك عدة حوارات صحفية أجريت مع صاحبت الشريط. فالعنوان في حد ذاته مستفز و قد ذكرت الآنسة الفاني حرفيا في معرض حديثها عن الشريط: "في الحقيقة أنا دائما أحب أن أستفز". كل الدنيا قامت بمجرد أن تظاهر بعض الغيورين على دينهم فتجندت تلفزتنا الوطنية و المتباكون على حرية التعبير لكيل أقذع النعوت لمن تجرأ على رد الفعل على هذا الإستفزاز المجاني لمشاعر شعب بأكمله في دينه و هويته. و قد وصل الصدي إلى البرلمان الأوروبي حتي قبل أن يعلم الناس في تونس حقيقة ما حدث (بالمناسبة لم نسمع بالكثير منهم ينددون أو يستنكرون عندما اعتدى "باندية" من المنستير علي اجتماع النهضة بالبيض و العصي و السلاسل). إن المتأمل بعمق في الحدث و ملابساته يلحظ لمسات الغرب (و بالتحديد الجانب الفرنسي) لنقل معركة "حرية التعبير" و علاقتها بالدين الإسلامي من الغرب إلى عقر دار المسلمين و بأياد تونسية. فخلال فترة الرسوم المسيئة إلى رسولنا الكريم (عليه أزكى الصلاة و السلام) وقعت أوروبا و العالم الغربي عموما و بالأخص الحكومات الغربية في حرج كبير. فمن جهة هناك الضعط السياسي و الإقتصادي الذي فجرته تلك الرسوم حيث قوطعت المنتوجات الدنماركية في العديد من بلاد المسلمين و سارت مسيرات في شتى أنحاء العالم للتنديد بتلك الرسوم. و كان نتاج ذلك أن تعزز موقف الحركات الجهادية الإسلامية التي تتخذ من نظرية العداء الغربي للإسلام قاعدة لعملياتها في افغانستان و العراق سابقا و حتى داخل ديار الغرب نفسه. أما على المستوى الداخلي فلم تكن الصورة أجمل حيث تململ قطاعات واسعة من المثقفين الذين يرون أي نوع من تدخل الحكومة هو اعتداء على حرية التعبير المقدسه و إذعان للتطرف الإسلامي من وجهة نظرهم و هناك من الغربيين الشرفاء من رفض هذا الإعتداء على ديانة ربع سكان العالم تحت أي مسمى. و قد وجدت الحكومات الغربية نفسها في موقع حرج حيث أدت تلك الأحداث إلى قلق شعبي داخلي قد ينعكس و لو بجزء منه على صندوق الإقتراع الذي يعبده الساسة و إلى أزمات ديبلوماسية على المستوى الخارجي. كل ذلك بعد أن فشلت الصور التي تملأ شاشات العالم في زعم أن المتطرفين من القاعدة و أمثالها هم من وراء الأحداث و رأى العالم صور أناس بسطاء يهبون لنصرة نبيهم الذي تعرض للإعتداء. تتنزل كذلك في هذا السياق حادثة حرق القرآن الكريم على يد قس مغمور غبي في أمريكا بعد أن فشلت مناشدة الرئيس أوباما له و مكالمته شخصيا من طرف وزير الدفاع الأمريكي لثنيه عن تنفيذ تهديده. و كان نتيجة ذلك ليس إنقسام الرأي العام الداخلي و الحرج الدبلوماسي الخارجي فحسب بل أدى أيضا إلى خسارة الارواح البشرية حيث قتل ثمانية أشخاص في أفغانستان إثر مصادمات مع بوليس كرزاي المدعوم بدبابات و طائرات الناتو و كذلك ارتفاع الأعمال الإنتقامية ضد جنود الناتو و رفع درجات التأهب لاحتمال وقوع عمليات إرهابية في الداخل و الخارج. في خضم هذا الوضع الصعب للساسة الغربيين جاءت صور الربيع العربي تسحر الأنظار لتصب مزيدا من الملح على جرحهم حيث رأى العالم بأسره صور شباب و نساء و كهول عزل في مواجهة آلة قمعية لحكومات فاسدة متسلطة مدعومة لآخر لحظة من طرف حكومات غربية ذات تاريخ استعماري توسعي. و قد زاد صعود حركات الإسلام السياسي من إرباك الحسابات و بدا خطر نهوض المارد العربي و الإسلامي يقض مضاجع الكثيرين. باختصار كان الغرب يخسر معركة الصور و لذلك فلا بد من قلب المعادلة. و لا شيء خير من نقل معركة حرية التعبير و ارتباطها بالإعتداء على الدين الإسلامي من ديار الغرب إلى ديار المسلمين و صرف بوصلة الثورة عن هدفها. فالأكيد أن صور مسلمين غاضبين يكسرون نوافذ قاعة سينيما في بلد إسلامي للإعتراض على شريط صور و أخرج بأياد عربية هي جولة انتصار في حرب الصور لفائدة الغرب (و هنا يشتم رائحة أياد إسرائيلية وراء ذلك و قد يكون البحث في تمويل هذا الشريط من المواضيع الجديرة بالمتابعه). و لا تعدو هذه السينمائية المغمورة أن تكون أداة تننفيذ في ذلك المخطط سواء بعلم أو بغير علم. و لا يسع المرء إلا أن يدعو المسلمين الغاضبين على دينهم إلى ضبط النفس حت لا يكونوا هم أيضا أداة في هذا المخطط الحاقد على الإسلام و أهله. و ليعي الجميع أن هذه الجولة بداية فقط و القادم أدهي و أمر.