بعد فشل التفاوض.. جامعة النقل تعلن تمسّكها بالإضراب العام    تونس: اختبارات الكحول والمخدّرات ستقتصر على السائقين فقط'    قابس: كلاب ''بيتبول'' تهاجم مواطناً وتتسبب له في إصابات خطيرة    إنتقالات: نجم المتلوي يكشف عن 9 تعاقداته الصيفية    مونديال الكرة الطائرة: المنتخب الوطني ينقاد الى خسارته الخامسة على التوالي    عاجل - مفاجأة في مطار القاهرة: إيقاف نجم منتخب مصر بسبب قضية تزوير    رئيس الجمهورية: الانقطاعات المتكرّرة للماء والكهرباء تقف خلفها أطراف تسعى لخدمة اللوبيات    السياحة التقليدية تتلاشى.. نحو بدائل جديدة بتسويق عصري.    بعثة تجارية تونسية إلى ليبيا لتعزيز الشراكة في قطاع مواد البناء والأشغال العامة    بطولة العالم للرياضات المائية بسنغفورة - احمد الجوادي يتاهل الى نهائي 800م سباحة حرة بافضل توقيت في التصفيات    مونديال الكرة الطائرة تحت 19 عاما - المنتخب التونسي ينقاد الى خسارته الخامسة على التوالي بهزيمته امام نظيره الاسباني صفر-3    مهرجان قرطاج الدولي 2025: عرض "سهرة تونسية" فسيفساء أصوات تحيي الذاكرة وتثمن الموروث الموسيقي "    احذر الحزن القاتل... العلماء يدقّون ناقوس الخطر    إخماد 129 حريقا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    إجراءات جديدة: الملف الكامل للحصول على رخصة السياقة    30 قتيلا في بكين وإجلاء أكثر من 80 ألف شخص بسبب الفيضانات    معجونة بشظايا زجاج.. حلوى تحيل زفافاً إلى كارثة في المغرب    عاجل/ بعد الإفراج عنه..مراسل "الجزيرة" محمد البقالي يكشف تفاصيل ما حدث مع سفينة "حنظلة"..    الالعاب الافريقية المدرسية: 25 ميدالية حصيلة المشاركة التونسية في اعقاب منافسات اليوم الثاني    الثلاثاء: رياح قوية مع دواوير رملية بهذه المناطق    سجنان: إنقاذ مجموعة حراقة بالقرب من شاطئ كاف عباد    عاجل/ إنقاذ 11 جزائريا وتونسي من الغرق في رحلة غير نظامية باتجاه إيطاليا..!    عاجل/ مذكرة ايقاف جديدة في حق بشار الأسد..    كركوان تستعيد صوتها من تحت الركام في عرض مسرحي متكامل على ركح مهرجان الحمامات الدولي    عاجل/ الحوثيون يحتجزون طاقم سفينة بعد اغراقها..    تحذير: الحزن الشديد قد يؤدي إلى الوفاة المبكرة..    اطلاق نار في حي مانهاتن بنيويورك    تاريخ الخيانات السياسية (29) خيانة القائد أفشين للمعتصم    استراحة صيفية    أخبار الحكومة    «رابورات»... تجار مخدرات... الصندوق الأسود لتجارة الكوكايين أمام القضاء    عاجل: بنزرت: إنقاذ 12 شخصا من الغرق أغلبهم من الجزائر في رحلة 'حرقة' نحو السواحل الإيطالية    عاجل: مصارعة نسائية: 3 ذهبيات و3 ميداليات أخرى لتونس في الجزائر 2025    فيديو: في وداع الرحباني.. ماجدة الرومي تبكي عند أقدام فيروز    وزارة الصحّة : الاتفاق على إحداث لجنة وطنية للصحة الدماغية    مهرجان الحمامات الدولي: فرقة "ناس الغيوان" تنشد الحرية وتستحضر قضايا الإنسان وصمود فلسطين    بن عروس : زياد غرسة يفتتح الدورة الثالثة والأربعين لمهرجان بوقرنين الدولي    تشري ماء الي يتباع في الكميون؟ راجع روحك!    صفقة القرن: تسلا تتحالف مع سامسونغ في مشروع بالمليارات !    تونس: لحوم مورّدة بأسعار مدروسة: 38,900 د للضأن و37,800 د للأبقار في الأسواق التونسية    عاجل/ بطاقة إيداع بالسجن في حق مغني الراب "علاء"..وهذه التفاصيل..    تفاصيل مهمة بشأن الزيادة في أسعار بعض الأدوية والتخفيض في أدوية أخرى    بطولة العالم للكرة الطائرة تحت 19 عاما - المنتخب التونسي يتكبد الهزيمة الرابعة    عاجل/ بشرى سارة لمتساكني الضاحية الجنوبية للعاصمة..    "فقد لا يُعوّض إنسانياً وفنياً".. هكذا تنعي ميادة الحناوي زياد الرحباني    أمنية تونسي: نحب نفرح من غير ''لايك'' ونحزن من غير ''ستوريات'' ونبعث جواب فيه ''نحبّك''    ''جواز سفر في نصف ساعة'': وزارة الداخلية تعزز خدماتها للجالية بالخارج    تحذير من وزارة الصحّة: التهاب الكبد يهدّد التوانسة في صمت!    الطقس اليوم ودرجات الحرارة..    عاجل/ بلاغ هام للتونسيين من "الصوناد"..    رابطة حقوق الإنسان تدعو السلطات التونسية إلى التدخل للإفراج عن حاتم العويني المشارك في سفينة "حنظلة"    مفزع/ 30 بالمائة من الشباب يقودون السيارات تحت تأثير الكحول..!    تنبيه هام لمستعملي هذه الطريق..#خبر_عاجل    محمد عساف في مهرجان قرطاج: "هنا نغني كي لا نصمت، نغني كي لا تنسى غزة"    تحذيرات من البحر: حالتا وفاة وشاب مفقود رغم تدخلات الإنقاذ    صيف المبدعين ..الكاتب سامي النّيفر .. حقول اللّوز الشّاسعة وبيت جدّي العامر بالخيرات    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في السجال الإسلامي العلماني بتونس..قضايا ونصوص (ح2)
نشر في الحوار نت يوم 07 - 07 - 2011


د. محمد بن عمار درين
إن من المكاسب المهمة التي هيأتها الثورة في تونس، وفي غيرها من البلدان، تلك الحركة الفكرية النشطة، وذلك السجال الذي لا يكاد يخفت حتى يزداد شدة. ومع التسليم بإيجابية هذه الحركة، التي حال دون استمرارها في عهود سابقة هيمنة الفكر الواحد، وتغييب الرأي الآخر قسراً، بالاعتماد على قوة القهر والغلبة، فإن ذلك لا يمنع من تسجيل الملحوظات الآتية:
أولاً: قد يتبادر إلى ذهن المتأمل في هذه السجالات، أنها جديدة كل الجدة في قضاياها وفي أساليبها، والحقيقة خلاف ذلك، حيث عاشت تونس كلما أتيحت لها فسحة من الحرية صغيرة كانت أو كبيرة، أجواء شبيهة بما تمر به الآن. بل إن مَنْ يستعرض القضايا التي طرحت في نهاية 1987 والعام التالي له، ليدرك أن الأمر لا يعدو كونه إعادة تناول لأغلب القضايا التي طرحت حينها وفي أوقات أخرى متباعدة، مما لم يتح لتونس – مع الأسف الشديد- إرساء تقاليد حوارية حضارية بين المختلفين فكريا إلا في حدودها الدنيا.
ثانياً: إن المتأمل في أساليب هذه السجالات، يستوقفه ما يكتفنها من غلبة الأسلوب الاستفزازي الهادف إلى مغالبة الخصم مهما كانت الوسيلة، والذي لا يبالي أحيانا بالاستدلال بالحجة ونقيضها، للانتصار لفكرته، مما يوحي بأن همّ المتحاورين في كثير من الأحيان هو تقرير ما لديهم من آراء مسبقة، سواء نهض الدليل لإثباتها أم لا. كما يستوقفه كثرة المجازفات الفكرية التي لا يكاد يسندها دليل علمي، إضافة إلى الاعتقاد –المستبطن حينا والمصرح به أحيانا أخرى- بأن تونس تتفرد بمثل القضايا، في حين إنها قضايا تشترك فيها مع أغلب – إن لم يكن كل- البلدان العربية الأخرى. هذا فضلا على غلبة التناول التسطيحي لقضايا تهم حاضر المجتمع ومستقبله، خاصة في الحوارات التلفزية، التي يغلب عليها الاستفزاز ويضَحَّى فيها بالفكر والمضمون، والتناول الموضوعي للقضايا، مع الحرص على التشهير بالخصم بشتى السبل.
لهذه الأسباب ولغيرها، ولتذكير الأجيال الجديدة بكسب السابقين، الذين كانت لهم قدم سبق في تناول كثير مما يطرح الآن من القضايا، فقد عزمنا على نشر سلسة علمية تقوم على اختيار نصوص لكتاب تونسيين وغيرهم، تناولت قضايا ليست بعيدة في توصيفها ومعالجاتها عما يطرح الآن. وسنركز في كل حلقة من حلقات هذه السلسة على قضية من هذه القضايا المهمة، مثل: هوية البلاد، والعلمانية واللائكية، وعلاقة الدين بالدولة، والحريات، ووضع المرأة، وعلاقة الدين بالفن... وغير ذلك من القضايا المهمة التي يدور حولها السجال، وسندع هذه النصوص المختارة تتحدث بنفسها، ولن نتدخل بالتعليق إلا عندما يتراءى لنا أن التدخل ضروري.
والتزاما بالأمانة العلمية، فسنوثق كل نص توثيقا كاملا. على أننا قد نلجأ أحيانا لاختصار النص إذا كان ذلك ضروريا، على أن لا يكون ذلك على حساب الفكرة التي يراد إبرازها.
والنص الثاني الذي نقترحه على القارئ الكريم في هذه السلسلة، له صلة بموضوع الهوية اللغوية، والنموذج الحضاري المنشود لتونس، خطه الأكاديمي التونسي الدكتور محمد هشام بوقمرة، في كتابه: (القضية اللغوية بتونس، الجزء الأول، ص46-51، سلسلة الدراسات الأدبية رقم6، تونس1985)، يشير فيه إلى الحراك الفكري الذي ساد بتونس في مستهل القرن العشرين، والسجال الفكري الذي ساد في البلاد بين بعض الفئات الاجتماعية في ذلك التاريخ، وخلفيات ذلك الصراع:
(لمحة عن الفئات الفكرية بتونس في بداية القرن العشرين والسجال بينها)
... وهذا الشباب الزيتوني الخلدوني هو الذي سيحمل فكرة إصلاح وطني مبني على الدين واللغة العربية، ناظرا نحو المشرق على أنه مرجعه ومثاله. وسوف لا يكون جيل مطالبة سلمية سلبية، بل إن مبادئ التحرك الفعلي قد ظهرت بين كثير من أفراده كما هو الشأن بالنسبة لعبدالعزيز الثعالبي منذ سنة 1901. ولذلك كان جيلا مزعجا بالنسبية لكل الأطراف تقريبا.
... وأزعج أيضا طبقة "المدرسيين" التي كانت تعتبر اللغة الفرنسية أساس التقدم ووسيلته الوحيدة، والغرب –فرنسا خاصة- المثال المحتذى. ولم تكن هذه الطبقة متضايقة من مبادئ منافسيها في الإصلاح بقدر ما كانت متضايقة من الحركية غير المنتظرة التي برزت بينهم، ومن نزولهم إلى الساحة السياسية عن طريق المحاضرة والكتابة، فأصبحوا يمثلون خطرا حقيقيا عليها قد يكشف مصالحها وارتباطاتها.
ولذلك فإنه ما إن بدأ القرن العشرون حتى كان "التفرق والتقطع" يسودان علاقات الفئتين من الشباب التونسي، عوضا عن "الائتلاف والاتحاد على دعائم تبادل المنافع ودرء المفاسد".
وإذا كنا لا نملك الوثائق المكتوبة المؤرخة لهذا التقطع في مطلع القرن العشرين، لأنه كان لا يزال حديث المنتديات والمجالس العامة، فإننا نجد بعض صيحات الفزع التي تتدل على مدى عمقه وقسوته. تقول (الصواب) في عدد 18/11/1904:
"تفاقم الخلاف بين شبان النشأة التونسية الحديثة الذين تغذوا بالمعارف الأوروباوية والذين امتصوا ثدي العلوم الإسلامية بالجامع الأعظم عمره الله، وتمكن بينهما حادث الخلاف إلى أن صار كل من الحزبين أحدوثة في فم الآخر، وضربوا ببعضهم الأمثال في منتدياتهم، وتواصفوا بأقبح الصفات، ذاك يرمي صاحبه بالزيغ والإلحاد، والآخر يرميه بالتوحش والتعصب".
فما هو السبب؟ "إنه سوء التفاهم والإصغاء لوشاية الواشين والانصياع لأراجيف النمامين". ومن هم هؤلاء الواشون والنمامون؟ إنهم "أعداء الإسلام" من الرهبان المبشرين ورجال الإدارة الفرنسية الذين ركزوا جهودهم على طائفة "من المنتسبين للتمدن والرقي في سلم المعارف، يسعون وراء انقلاب الهيئة الإسلامية، وتشتيت عرى الجامعة الدينية، وحل قواها بتزلفهم لجمعيات أوروباوية لا علاقة بينهم وبينها، وبمشاركتهم لها في آرائها وإحساساتها التي لا يعقلون كنهها وعلتها الأساسية. ومن العجب العجاب أن الأوروباويين يغترون بأقوال أولئك المتطفلين، ويظنونهم نقاوة الطائفة التونسية ومترجمي أفكارها".
نحن إذن أمام فئتين متقابلتين من النشأة التونسية، لكل واحدة منهما تصورها الخاص وهدفها المتميز، الأولى فئة الزيتونيين المتخرجين من الزيتونة والخلدونية، وهي ذات ثقافة عربية أساسا، ولها مطامع في المستقبل مرتبطة بالجامعة الإسلامية أو بالمشرق العربي. والثانية فئة "المدرسيين" الذين سيعمم عليهم فيما بعد اسم "الشباب التونسي" أو "الشبان التونسيين"، وهي ذات ثقافة فرنسية أساسا، ولها مطامح مرتبطة بالحضارة الغربية، وبقاء الحماية الفرنسية على تونس.
... وأما فئة المدرسيين، فكانت تتألف في الأكثر من شبان ينتمون إلى عائلات بورجوازية حضرية أكثرها دخيل، وهم بحكم تخرجهم من الصادقية أو المدارس الفرنسية كانوا يشتغلون في المهن الحرة؛ كالمحاماة والتجارة، أو في الإدارة والوظائف العمومية. وهم أيضا بحكم ثقافتهم وتخرج الكثير منهم من فرنسا ذاتها، كانوا يتحركون اجتماعيا داخل عالم آخر، عالم الجمعيات التبشيرية والهيئات الاجتماعية الفرنسية، واستقبالات السفارات الأجنبية.
وبين الفئتين هنالك اختلاف جذري آخر، فالزيتونيون كانوا يتغذون من المجلات الشرقية والكتب المصرية خاصة، والمدرسيون كانوا يستمدون ثقافتهم من المجلات الأجنبية والفرنسية خاصة، بل إن معلوماتهم عن اللغة العربية كانوا يستقونها من كتب المستشرقين وأفواه المستعربين.
(يتبع: في الحلقة القادمة نص آخر في موضوع مهم)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.