الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ. والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله ، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين .
وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين . "إبتغوا الرفعة عن الله ... { الحِلْمُ }.
يرى بعض الإخوة الأفاضل أن الأخلاق الحميدة منها ما هو إيجابي : كالهمة العالية – الجرأة – الإقدام – الجهر بقول الحق...ومنها ما هو "سلبي" ككظم الغيظ – الحلم – الصبر...وأنا بصراحة لست مع هذا الرأي ، بل أقول كل ما اتصف بخصلة حميدة شجعناه وعاوناه وباركنا خطاه ، والصحابة الكرام ومن تبعهم خير مثال على ذلك ، كل عندهم الحد الحسن من كل خير.
فبالصدق عرف الصدق وأبو ذرة ، وبالشجاعة امتاز علي والزبير وخالد وسعد ، وبالإنفاق جبل عثمان وابن عوف وسعدابن عبادة وعبد الله بن جعفر، وبالحلم اشتهر معاوية والأحنف بن قيس ، وحاز هذه الفضائل كلها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وها انا أورد بل انقل بعض الأحاديث والقصص عن الحلم فأقول وبالله التوفيق: *عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ابتغوا الرفعة عندالله ؛ قالوا وماهي يارسول الله ؟ قال: تصل من قطعك؛ وتعطي من حرمك وتحلم عن من جهل عليك" رواه الحاكم والبيهقي. * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب الحليم الحيي الغني المتعفف أبا العيال التقي ، ويبغض الفاحش البذئ السائل الملحف الغبي" مسلم وأحمد والطبراني. * قيل لقيس بن الأحنف ممن تعلمت الحلم ! قال : كنا جلوسا عند أحد كرماء عظماء حلماء العرب وبجانبه رضيع له ، فأتت الجارية بالسفود فارتعشت فسقط السفود على الرضيع فقعره ، فشدهت الجارية ولم تستطع الكلام ،فالتفت إلينا هذا السيد العظيم وقال : لقد أفزعنا الجارية ولا يذهب فزعها إلاّ عتقها ! اذهبي فأنت حرة لوجه الله. * وجاء غلام ابي ذر وقد كسر رجل شاة له فقال : من كسر رجل هذه ؟ قال أنا فعلته عمدا لأغيظك فتضربني فتأثم ، فقال : لأغيظن من حرظك على غيظي فأعتقه. * وقد قيل : "إذا أراد الله ان يتحف عبدا قيض له من يظلمه" * وقال بعضهم "ليس الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر إنتقم ، لكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر عفا" * ورأى عمر رضي الله عنه سكرانا فأراد ان يأخذه ويعزره ، فشتمه السكران ، فرجع عمر ، فقيل له : يا امير المؤمنين لمّا شتمك تركته ؟ قال : "لأنه أغضبني ولو عزرته لكان ذلك لغضبي لنفسي ، ولم أحب ان أضرب مسلما حمية لنفسي ".
والكلام في هذا الباب يطول والأمثلة كثيرة والحلماء كثر، وحتى لا أطيل أختم بهذا الحديث العظيم الذي رواه البيهقي : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد : أين أهل الفضل فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم: إنا نراكم سراعا إلى الجنة فمن انتم ؟ فيقولون : نحن اهل الفضل ، فيقولون لهم : ما كان فضلكم ؟ فيقولون : كنا إذا ظُلمنا صبرنا وإذا أسئ إلينا عفونا ، وإذا جهل علينا حلمنا !!! فيقال لهم : ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين" .
أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الستار بن المختار ونيس أصيل شنني قابس قاطن ببون ألمانيا. يوم الخميس الأحد 5 ذو الحجة 1430 ه الموافق ل 22 نوفمبر 2009م