التزوير آت لا ريب فيه ... بقلم عبد الكريم زغدودي-الجزائر في حواره مع الصحفي أحمد منصور لم ينكر السيد الباجي قايد السبسي مشاركته في تزوير الانتخابات لما كان وزيرا للداخلية... ولكنه وصف تزويره بالخفيف...فهل سيكون خفيفا أيضا هذه المرة وما هي مقاييس الخفة عند الفخار القديم؟ المتابع للمشهد التونسي لا يجد مدخلا للتفاؤل خاصة مع انطلاق الحملة الانتخابية فهناك تركيز لافت لجميع القنوات التلفزيونية التونسية الرسمية والخاصة على عدم اكتراث المواطن التونسي بالأحزاب ومبالغة في إظهار انعدام ثقته بها وعدم معرفته بها أصلا. مع تكرار خبر كون أغلب القوائم لم تدخل بعد غمار الحملة الانتخابية وتعمد القفز على الملصقات الاشهارية لحركة النهضة كلما عرض تقرير عن الحملة في الشارع التونسي... وكأن الكاميرا مبرمجة من المصنع على عدم التقاط كل ما يشير من قريب أو من بعيد للنهضة...وحتى في موقع وكالة تونس إفريقيا للأنباء لا نسمع للنهضة صوتا ولا نرى لها صورة...قد يجادل مجادل أن حصص الدعاية الانتخابية متساوية وقد تمت بالقرعة العادلة وبموافقة الجميع وهذا لا ريب صحيح ولكنها قرعة سوت بين الفيلة والسنافر schtroumpf . لن نجادل كثيرا في مسالة الجمع بين أشرف رجال تونس من أمثال السادة حمادي الجبالي،المنصف بن سالم، منصف المرزوقي، الصادق شورو، الحبيب اللوز، الهاروني...حمه الهمامي وغيرهم كثر ممن طحنتهم سنين الجمر النوفمبرية وبين الذين حفيت أقدامهم في الجري وراء مواكب الرئيس المخلوع وتورمت أياديهم من شدة التصفيق ودمعت عيونهم في السر والعلانية خوف وطمعا من صاحب التحول. لقد أنجزت الهيئات المشرفة على استكمال مسار الثورة من هيأة بن عاشور إلى هيئة الجندوبي بالاشتراك الفني مع البوليس السياسي والحكومة العتيدة للسيد الباجي قايد السبسي ما يعجز عنه صانعوا الأساطير فقد جمعوا في كيس واحد المناضلين الشرفاء مع من لم يكن لا في العير ولا في النفير. الركبة مايلة من أولها فكيف نعتقد أنها استقامت فجأة وبدون سابق إنذار؟ لا يجب أن تكون ذاكرتنا بهذا القصر،مرت شهور طويلة وجميع الهيئات المذكورة أعلاه ومشتقات التجمع ديدنها عرقلة مسار الثورة وإرجاء الانتخابات :مرة بعدم الجاهزية، وأخرى بالدعوة للاستفتاء وما بينهما تردي الوضع الأمني وفتح ملفات لا طائل من ورائها غير إضاعة الوقت لتحقيق أمرين أولهما تيئيس الشعب من الثورة ومن فوائدها وهذا لم يتحقق والثاني دفع حركة النهضة إلى الزاوية عبر توريطها في قضايا لا ناقة لها فيها ولا جمل بإيعاز من سلفية وزارة الداخلية ولما انكشفت كل تلك الأحابيل بالصوت والصورة كان التركيز على القضايا السياسية والتقنية للانتخابات لدفع النهضة إلى الجنوح عن المشهد السياسي ...ولكن النهضة خيبت مسعاهم بقبولها جميع الشروط المجحفة والمحرجة-من المناصفة بين الرجال والنساء في القوائم الانتخابية إلى نظام القوائم وأكبر البقايا إلى ميثاق اللا أدري ماذا؟- حينها يئست تلك الأطراف من مسعاها كما يئس الكفار من أصحاب القبور...وخيم صمت القبور. فهل اقتنع أخيرا المركب الأمني-مالي المرادف في دول أخرى لCOMPLEXE MILITARO-FINANCIER بالمسار الديمقراطي وبقدر الثورة؟ هدوء العاصفة الاستئصالية هدوء ظاهري فحسب لأنه باستثناء حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية وحزب العمال وربما التكتل فكل من يشكل المشهد السياسي التونسي الرسمي والحزبي مستعد للقبض دون أن يرف له جفن. ولكن القبض ممن ومقابل ماذا؟ القبض من أصحاب المال السياسي القادم من العواصم الأوروبية ومن عاصمة الدولة الوهابية - تذكروا كم دفعوا في الانتخابات اللبنانية الأخيرة – علما أنه في لبنان لا يحدث التزوير العلني ولا التزوير السري. القبض مقابل الموافقة على نتائج الانتخابات المزورة وسيتلاشى صوت النهضة والمؤتمر وغيرهم في طوفان من الضجيج الصادر عن عشرات الأحزاب ومئات القوائم الراضية والقابلة بالنتيجة المعلنة وستتحول النهضة إلى خاسر سيء mauvais perdant لا غير. ولكن تزوير الانتخابات لصالح من؟ فليس هناك حزب حاكم يخوضها. التزوير سيكون لفائدة حكومة الظل ، لفائدة كل المنتفعين من العهد السابق من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون نسيان المنظومة الأمنية التي أرساها المخلوع والتي هي بمثابة قائد الأركسترا للأمر كله. يمكنني الجزم أن حظوظ 95% من القوائم المشاركة في الفوز كحظوظ إبليس في الظفر بمكان في الجنة وسوف يسعدها بلا ريب حصولها على بعض المقاعد دون وجه حق. الغرض من التزوير لن يكون تغليب طرف على آخر كما جرت العادة بل سيكون غرضه الأساس منع بروز طرف غالب غير مرغوب فيه، وفي حالتنا المقصود هو حركة النهضة. هدف التزوير القادم لا محالة هو تفتيت المجلس التأسيسي ومنع قيام تحالف يرهن الوضع القائم الذي يوفر لأصحاب السلطة الفعلية أريحية في التعامل مع المتغيرات ويضمن لهم الاستمرار في مواقعهم. تذكروا كلام السيد السبسي للشرق الأوسط فحسبه أن النهضة لن تتجاوز ال20% ولا تنسوا زيارته للولايات المتحدة وبرنامج حكومته 2012-2016 . هيأة بن عاشور ستنتهي مهامها يوم 13 أكتوبر 2011 ولن يكون بعدها رقيب ولا وسيط بين الشعب والحكومة.وهيأة الجندوبي سينتهي دورها عندما ينتهي رصيدها المالي الذي تذروه كما تذروه الرياح. الفراغ بدأ يتشكل تدريجيا في انتظار لحظة الحسم ...لحظة تقسيم المقاعد على كل من هب ودب على الطريقة الجزائرية بعد إيقاف المسار الانتخابي عام 1992 . التجربة الجزائرية في تزوير الانتخابات لا غنى عنها لقراءة عمليات التزوير القادمة في تونس وهي ترتكز على محاور رئيسية تفتح أفاقا واسعة لأصحاب القرار: - نسبة المشاركة في انتخابات تعددية وجب أن تكون منخفضة جدا داخل المدن الكبرى حيث الحضور الإعلامي والأجنبي الكثيف- للإبقاء على خط الرجعة-أي الإلغاء في حالة الضرورة القصوى. - الحرص كل الحرص على حشد الجموع في المناطق النائية لعرض طوابير الناخبين في نشرات الأخبار. – لتضخيم المشاركة إن اقتضى الحال- والتعامل بسلاسة مع الصناديق البعيدة عن مراكز الفرز. - عملية رشوة واسعة للمراقبين قبل سويعات من غلق المكاتب أي بعد مرور المراقبين الأجانب وترهيب من يرفض الرشوة.- يشرف على العملية الانتخابية في البداية ممثلو الأحزاب وتمر الأمور بشكل طيب ويتدخل في المنعرج الأخير جهاز الاستخبارات لحبك النتائج-. - طيلة يوم الاقتراع:افتعال تجاوزات انتخابية هنا وهناك دون تضخيمها بدعوى أن المجلس الدستوري هو الفيصل لفتح باب من الأمل للضحية...ومن بعد عليه الانتظار طويلا ثم نسيان الأمر. - من الضروري أن تكون عملية تقسيم النتائج معلومة للأطراف التي ستزور لصالحها لتشارك هذه الأخيرة في حفل تمريرها و تسويقها داخليا وخارجيا. - ضرورة أن يتم تقسيم الأصوات بالسوية على الأطراف الخاسرة لتشكل تحالف صوري يسر الناظرين ويتوقف دوره هناك .ومن الضروري أن يكون صاحب الحظ متورط حتى النخاع في قضايا قد تزج به في السجن لأحقاب لضمان صمته. الرهان في الانتخابات القادمة لن يكون على الأصوات والمقاعد بل على الشفافية والنزاهة ، تونس التي صنعت الربيع العربي هي من ستصنع مستقبل الأمة...نجاح التجربة التونسية نجاح لجميع الثورات العربية وفشلها فشل للجميع.