في إطار التفاعل مع الرسائل التي بعث بها بعض المثقفين إلى المجلس التأسيسي المرتقب نقدم هذا المساهمة المتواضعة إيمانا منا بان المرحلة الدقيقة التي تمر بها تونس تقتضي مساهمة جميع الأفراد و مكونات المجتمع المدني ,بعيدا عن منطق التشفي و تجنبا لسياسة تأزيم الأوضاع .أوجه هذه الرسالة إلى من يضعون أنفسهم ضمن قطب الحداثيين" و يتبنون خطاب حقوق الإنسان و الديمقراطية أقول لهم: -على اعتبار أن المشهد السياسي يضم أحزاب متنوعة و متباينة حصلت على نسب متفاوتة من المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي فانه من الخطأ أن تحمل الأحزاب الفائزة لوحدها مسؤولية القيادة و التشريع و نرابط لها في مكان نترصد أخطاءها و نتاجر بهموم الشعب من اجل تحقيق أهداف إيديولوجية ضيقة. -كفوا عن التشكيك في نتائج الانتخابات و نعت الشعب بالجهل و عدم الأهلية السياسية لان في ذلك إهانة له و مصادرة لحرية اختياره التي ناضل من اجل التمتع بها . قد يكون من المهم أن نحلل نتائج الانتخابات و نبحث في النسب و نحدد الأسباب الحقيقية وراء كل الظواهر الانتخابية.ليس من صالحكم أن تتظننوا على كل انتصار تحققه حركة النهضة و تتفننوا في اختلاق أسباب تبرر هزيمتكم الانتخابية.فالذين لم يصوتوا ليسوا من القطب الحداثي لأنهم لو كانوا كذلك لسارعوا يوم الانتخابات للإدلاء بأصواتهم.كما أن تبرير الهزيمة بالحملة في المساجد –و هذا مرفوض-تقابله حملة ضد حركة النهضة في وسائل الإعلام المحلية و العالمية وهي حملة خطيرة لان أصولها وتقنياتها ضاربة في القدم و منغرسة في لاوعي التونسي :من تخويف النساء بتعدد الزوجات ,تشويه صورة الحركة خارجيا ,تقديمها للناخب كحركة إرهابية وهابية تهدد مكاسب الحداثة.............وعندما فوجئتم بالتفاف الشعب حولها التجأتم إلى تهمة "الازدواجية في الخطاب" و بعد الإعلان عن النتائج أرادت سرقة فرحة الحركة بانتصارها و تشويه خيارات الشعب و جندت لذلك بعض الخطابيين الذين تسلحوا بترسانة قديمة و جهاز مفاهيمي ينتمي لبراديغم الحرب الباردة .وعندما أيقنتم بحتمية الانتصار سارع بعض رموزكم إلى إنشاء مجلس وطني بتفويض من المهزومين و تصدرتم وسائل الإعلام لتنفخوا في الهامشي و العرضي و تبثوا اليأس و الكآبة إلى نفوس الشعب,بل إن منكم من يراسل وكالات الأسفار الأجنبية و يحذرها من المجيء لتونس بدعوى أن حركة النهضة إرهابية. -يجب أن تدركوا أن حركة النهضة ليست دخيلة على المجتمع التونسي و إنما هي متأصلة في رحمه و مبثوثة في تفاصيل جسده.و لعلمكم فان انتخابات 89 فازت فيها النهضة 52بالمائة و هو فوز على حزب عمره أكثر من 50 سنة وراءه نظام فتي و قوي على جميع المستويات .إلى درجة أن الرئيس المخلوع بهت و أعلن الحرب على الحركة .إضافة إلى ذلك لا احد يستطيع أن يزايد على تاريخ الحركة النضالي وما عانته من ظلم و قهر و تشريد.و الغريب أيها الحداثيون أنكم تنكرون على الحركة هذا التاريخ و تحملونها مسؤولية الاستبداد و تسعون إلى تشويه نضالات أبناءها:لم اسمع أحدكم يدافع عن حقوق شهداء الحركة أو يطالب باستحقاقات لمن شرد و عذب .لكن بالمقابل "تقيمون الدنيا و تقعدونها" إذا شتم أحدكم أو تعرض إلى مضايقة و كثيرا ما يتحول إلى بطل قومي و ثوري يجب مساندته ضد الظلامية و الرجعية. كفوا عن اعتبار حركة النهضة حركة دعوية لا تفهم ألا في نواقض الوضوء و وآداب الاغتسال.إن للحركة كوادر و كفاءات مشهود لها بالعلم والنزاهة دخلت نفس المدارس و المعاهد و الكليات التي درستم بها .و كثير منهم غرفوا من ادبيات الحداثة و اطلعوا على أمهات الكتب في مجال الفلسفة و العلوم الإنسانية,فلا تزايدوا على الحركة و كفوا عن ادعاء أنكم أوصياء الحداثة. -و أخيرا أذكركم أيها الحداثيون بان منكم من كان معول للنظام السابق من اجل تحقيق مآرب شخصية ضيقة و لم تتوانوا في تقديم البرامج و الخطط لاستئصال الشعب عن هويته و تاريخه و استفردتم بالبرامج التربوية و الثقافية و أقصيتم من تشكون في انتماءه للتيار الإسلامي.لا يمكنكم أن تنكروا تحالفكم مع بن علي و دوركم في تأزم الأوضاع الاجتماعية و السياسية .فالجميع يعلم أن جل مستشاري الرئيس السابق من اليسار و الحداثيين الذين هرولوا لاسترضاءه و استبشروا بفرصة تاريخية تسمح لهم بتصفية حركة النهضة. إن الحداثة الحقيقية تعلمنا كيفية التعايش مع الآخر و احترام خيارات شعب ناضل من اجل لحظة تاريخية شهد الجميع بأهميتها و نزاهتها. أنصحكم بالعودة لقراءة التراث الحداثي بعقلية متفتحة و نقدية و أن تتحلوا عن فكرة أنكم "أوصياء الحداثة" .أقروا بهزيمتكم و ابحثوا في أسبابها الحقيقية المتعلقة بضعف خطابكم و تكلس مفاهيمكم و تشتتكم و تمسكم بمنطق الزعامات. الاستاذ: توفيق الساسي