يوم 22 نوفمبر 2011 هو يوم تاريخي بالنسبة للشعب التونسي عامة والمرأة التونسية خاصة، كانت هذه المحطة المفصلية في المسار الديمقراطي في تونس ما بعد الثورة لها دلالات وأبعاد كثيرة، ومن أهمها هذا الحضور الملفت للمرأة المتحجبة داخل المجلس في كتلة حركة النهضة ، ويعود الفضل في هذا الحظور (49 امرأة من بين 217 نائب أي بنسبة24 بالمائة) لحركة النهضة التي خوّلت ل 42 امرأة الدخول للمجلس التأسيسي، ورغم أنني أعتبر هذه النسبة ضعيفة مقارنة بعدد النواب فالعيب لم يكن في عدم اهتمام المرأة التونسية بالشأن العام وإنما يسبب القانون الإنتخابي الذي فرض مبدأ التناصف في مجتمع ذكوري كانت أغلب قائمات أحزابه يترأسها رجال ولهذا كان للعناصر الرجالية نصيب الأسد في المجلس. لكن مرة أخرى وبفضل الإرادة السياسية داخل حركة النهضة تكون المرأة ممثلة في أعلى هياكل المجلس فقد وقع انتخاب السيدة محرزية العبيدي وهي نائبة داخل كتلة النهضة مترشحة عن دائرة فرنسا1 كنائبة أولى لرئيس المجلس التأسيسي. ولهذا الحدث معاني عديدة من أهمها أنه في عهد ليس ببعيد ولعقود طويلة كانت المرأة المتحجبة مقصاة ومغيبة من جميع مؤسسات الدولة، بل كانت ممنوعة من ممارسة حقها في المواطنة والتمتع كغيرها من نساء تونس بحقها في العمل والدراسة والإرتقاء في درجة الوظيفة، هذه المرأة كانت تعامل كمواطنة من درجة ثانية لا حقوق لها ولا امتيازات تسند لأمثالها كانت كالمرض المعدي يتجنبها كل من كانت له طموحات سياسية أو وظيفية .وبالطبع يعود الفضل في هذا الوضع المزري للقائمين على الدفاع على حقوق الإنسان الذين قاموا بالإمضاء على معاهدة عدم التمييز بين الجنسين وساهموا من مواقعهم الأكاديمية والعلمية في إصدار التشريعات والقوانين الخاصة بفئة من النساء الذين وقع تصنيفهن خارج المنظومات الإنسانية فكان منشور عدد 108 سيء الذكر الذي منعت المتحجبة بمقتضاه من دخول أي مؤسسة حكومية ومن مواصلة تعليمها ومن التمتع بحقها في جواز سفر وفي العلاج بالمستشفيات العمومية ومن دخول مراكز الأمن من أجل القيام بمعاملة إدارية، هؤلاء التقدميون جدا أقنعوا الساسة وأصحاب القرار في الأنظمة البائدة أنّ الحجاب لباس طائفي يجب منع إرتدائه داخل مؤسسات الدولة حتى يتجنّب المجتمع الفتن والتمييز . لقد لعب اليسار الإستئصالي خلال مرحلة بورقيبة ثم مرحلة بن علي دورا أساسيا في التفكير والتشريع لإقصاء الإسلاميين وذبحهم حتى يستفردوا بامتيازات اغتصبوها خلال غياب كفاءات عديدة خلف قضبان السجون أو خلف بحار المتوسط فعملوا على إخفاء آثار غدرهم وخياناتهم فخنقوا كل نفس إسلامي وأخفوا كل تعبيرة تذكّرهم بحجم المأساة ورداءة الموقف. واليوم وبعد أن قام شباب الثورة وشهدائها بتحرير المساجين وإعادة المغتربين وجب أن تعود الحقوق لأصحابها ويتساوى الجميع أمام القانون وينتهي عهد الإمتيازات الباطلة وتكون الكفاءة هي المعيار والقيمة الوحيدة التي تُعتمد خلال إسناد النواشين. والمرأة المتحجبة بصفتها مواطنة تونسية لها موقف رافض لسياسة التغريب وتعبّر بحجابها عن انتمائها لمشروع حضاري له أبعاده الثقافية والسياسية والإجتماعية بات من حقها أن تعامل كمواطنة لها إهتمام بالشأن العام ولها تصوّر فكري ذو مرجعية إسلامية لدور الإنسان في التغيير والإصلاح وتشارك في صناعة القرارات، فالمرأة المتحجبة إنطلاقا من وعيها بضرورة المشاركة الفاعلة والحقيقية في عملية التنمية الشاملة والمستدامة (بمختلف مضامينها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والبشرية) قررت أن تساهم بشكل مباشر في صياغة الدستور الذي سيمثل الروح المُلهمة لبقية القوانين التي ستنظم مختلف مؤسسات الدولة ومن بينها قوانين الأحوال الشخصية التي تتعلّق بالأسرة بصفة عامة وبالمرأة بصفة خاصة. فسيسجّل التاريخ بحروف ذهبية للمرأة التونسية مساهمتها الفاعلة في أعمال المجلس الوطني التأسيسي، وسيكون دور المرأة المتحجبة له دلالات وأبعاد في قرارات المجلس وستترك المرجعية الفكرية والمضامين الفلسفية" للنسوية الإسلامية" بصماتها على دستور تونس الجديد بما تحتويه من رفض "للحداثة الغربية" وامتداد لفكر زعماء النهضة الإسلامية من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مرورا بأعلام الزيتونة الشيخ سالم بوحاجب والشيخ محمد السنوسي والمصلح محمد النخلي إلى المفكر الإصلاحي الطاهر الحداد وعبد العزيز الثعالبي والشيخ محمد الطاهر بن عاشور وغيرهم من زعماء الإصلاح في العالم العربي والإسلامي...