بعد شروع المجلس الوطني التأسيسي في مباشرة مهامه منذ الثلاثاء الماضي 22 نوفمبر الجاري يتساءل التونسيون عن تشكيل الحكومة الجديدة وعن موعد الإعلان عن تركيبتها وعن موعد مباشرتها لعملها خاصة بعد أن قدمت الحكومة المؤقتة الحالية برئاسة الباجي قائد السبسي استقالتها مؤخرا إلى رئيس الجمهورية المؤقت . وهذا التساؤل مشروع في ضوء ما تشهده البلاد من انفلات وخاصة على المستوى الاجتماعي حيث كثرت الاعتصامات والاحتجاجات والإضرابات العشوائية التي كانت لها تداعيات وتأثيرات كبيرة على اقتصاد البلاد وبعد تعطل نشاط عديد المؤسسات والمنشآت الوطنية الصناعية وتوقفها عن الإنتاج على غرار شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي بقابس والمنطقة الصناعية بهذه الجهة التي تنشط فيها 24 مؤسسة . وتجاوزت خسائر هذه المؤسسات مئات المليارات (200 مليون دينار لشركة فسفاط قفصة لوحدها ) وهي خسائر كفيلة بإحداث آلاف مواطن الشغل لفائدة العاطلين عن العمل وخاصة من حاملي الشهادات العليا الذين تدهورت أوضاعهم الإجتماعية والنفسية مما ولد لديهم شعورا عميقا باليأس ودفع العديد منهم إلى محاولة الإنتحار و حدا بأحدهم إلى عرض أبنائه للبيع . فاليوم لا تخلو أية جهة وأية منطقة وأية قرية في كافة أنحاء البلاد من التذمر ومن معاناة بل من غول إسمه البطالة التي أصبحت مؤشراتها مفزعة حقيقة زادتها حدة الفوارق المجحفة والإختلال الكبير في التوازن التنموي بين الجهات ونكتفي هنا بالإشارة فقط إلى بلوغ معدل البطالة 47 بالمائة في ولاية قفصة (أي ضعف المعدل الوطني المقدر ب 23 بالمائة ) و41 بالمائة في ولاية سيدي بوزيد و 40 بالمائة في ولايتي القصرين و جندوبة و 39 بالمائة في ولايتي قابس وتطاوين في حين تؤكد المؤشرات إلى أن ولايات الوسط الغربي أي القيروانوسيدي بوزيدوالقصرين تعد الجهات الأكثر فقرا بنسبة تفوق 13 بالمائة في حين أن الأرقام لا تزال متضاربة بخصوص النسبة الوطنية للفقر التي تؤكد وزارة الشؤون الاجتماعية انها تتراوح بين 24 و 27 بالمائة أي أن ربع الشعب التونسي يعتبر فقيرا في حين تصر بعض الجهات وتمعن في المغالطة لتؤكد أن المعدل الوطني للفقر هو في حدود 3.75 بالمائة وكل تونسي اليوم يستغرب ذلك فالواقع المعيش في عديد الجهات الداخلية وحتى في الأحياء الشعبية السوداء المحيطة بأكبر المدن التونسية يقوم شاهدا على الفقر و اتساع رقعته و وزره في بلادنا .و هذا الملف بما في ذلك ملف البطالة لا بد ان يكون في مقدمة اولويات السلطة الجديدة باعتبار و انه دون معالجة جريئة و سريعة لهذا الملف لا يمكن الحديث عن الاستقرار و عن الاستثمار و عن انتعاشة اقتصاد بلادنا و تحريك دواليبه المعطلة منذ اشهر . فالوضع السائد اليوم و الخطير و المتأزم في عدد من جهات البلاد و المرشح لان تتسع رقعته لم يعد يتحمل المزيد من الانتظار و لان ذلك من المحتمل و من غير المستبعد ان يؤدي الى ثورة ثانية مضادة بما ان اهداف الثورة لم تتحقق و ان الحرية و الكرامة بقيتا مجرد شعارات ترددها الاسطوانات المشروخة للأحزاب و خاصة منها تلك الفائزة في انتخابات 23 اكتوبر التي انحصر اهتمامها الاكبر في المشاورات التي لا تتوقف و لا تهدا حول توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة التي لن تتشكل و لن يتم الاعلان عنها قبل العاشر من ديسمبر القادم و ذلك لعدة اسباب و عوامل قانونية موضوعية تتطلب بعض الوقت . فلابد اولا من الانتهاء من صياغة مشروع النظام الداخلي لعمل المجلس الوطني التأسيسي الذي سيحدد كيفية التصويت على القرارات و مشاريع القوانين و كذلك الحسم في مسالة العضوية في المجلس من عدمها في حالة تعيين بعض الاعضاء فيه حاليا في مناصب وزارية و عمومية او ديبلوماسية و غيرها . كما يتعين الانتهاء من اعداد مشروع القانون المنظم للسلط العمومية و مناقشة المشروعين في جلسة او جلسات عامة للمجلس و المؤكد ان النقاش سيطول حول مضمونهما . لذلك فان انتخاب رئيس الجمهورية و اعلان تشكيلة الحكومة الجديدة المرتقبة لن يتسنى إلا بعد المصادقة على القانونين المتصلين كما اسلفنا الذكر بالنظام الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي و بالتنظيم المؤقت السلط العمومية و لا ننسى في هذا الاطار الجدل القائم حول نوعية الصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية و طبيعة مهمته و لابد من انتظار نشر هذا القانون المؤقت للسلط العمومية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ليتسنى تعيين رئيس للحكومة الذي يتم على اثره عرض التشكيلة الحكومية على مقر المجلس الوطني التأسيسي لتركيبتها و ليس من المنتظر ان تتم هذه العملية بصورة الية اذ يتوقع ان يكون هناك احتراز تجاه بعض اعضائها و هذا امر غير مستبعد .