احمد دخيسي / المغرب أن تقف في وجه التيار الهادر العارم يبدو ضربا من الجنون، لأنه سيطويك غريقا في موجه المتدفق أو يرميك جريحا على شواطئه. كما أن الجدوى من مقاطعة الانتخابات تبدو عدما صارخا، فالواقف ضد التيار الانتخابي هذه الأيام سيتهم برعاية سوائم الخلاف والشقاق وزراعة بذور الفتنة والنفاق. من ثم سينهش بالأظفار الحادة والمخالب النحاسية ويسلق بالألسنة الحداد والأقلام الفياضة بالمداد الأحمر تنهال عليه نقدا فريا حتى يقول ياليتني مت قبل هذا أو كنت نسيا منسيا. أن تقول لا لهذه الجوقة الانتخابية يبدو طبلا نشازا دخل على تناغم الأغنية الحزبية فأفسد اللحن وأحبط العازفين. أن تقول لا هذه الأيام فكأنما تحشر أنفك في جحر النمل وتغمس قلمك في رماد فكر قد احترق. دخلت علينا الانتخابات ودخل المرشحون إلى الربوع الظليلة لينموا أزهارها الوارفة فبدؤوا يوزعون الوعود الجميلة في كل اتجاه. جاءت الانتخابات واستيقظت الأحزاب المترنحة من غيبوبتها السعيدة، أرادت أن تقتبس من الناس بريقا هاربا تسكبه على أثوابها الداكنة. لكن الناس غارقون في صمت مطبق إلا من لعنة هامسة وغضب مكتوم لا يكاد يبين. ترك المواطن المسكين صريعا تسفوه رياح الواقع المرير وتعفره رمال الوعود المستحيلة من المتزلفين من صبيان الأحزاب. لا تنفعك طهارة ضميرك ولا نقاوة وجدانك وصدق نيتك، أن تقاطع الانتخابات وسط هذا الهياج العاثر معناه أنك تحصد حصادا يملأ البيادر بالموجعات. تقترب الانتخابات فيلبس كل حزب عباءة المصارع، شك رمحه وتقلد سيفه ثم هبط إلى الساحة ينادي هل من مبارز؟ استعر التنافس المحموم من أجل محصول وفير من المنافع المغرية. الأحزاب تتملق الناس لعلها تجد مخرجا وتنهض من كبوتها وتمنع وخز الضمير. أملت الأحزاب أن يأنس الناس بها أنس القطا بالغدير ويرتاح إليها راحة الظمآن لرؤية الماء. لكن حال الأحزاب لا تترك لهذه التطمينات فرصة حياة. لقد هبطوا العوالي وسفحوا القمم، نسروا البعوض، عملقوا الأقزام واستونقوا الجمال. تعمقت جذور الأزمة في مجتمعنا حتى بدت كأنها جذوره الأصلية فتبخرت طموحات الناس في لهيب الانتخابات. تمر المواكب الانتخابية تترنم في لحن جنائزي حزين تصرخ في إيقاع بليد وهتاف غوغائي كأنها تعطر جيفا لا تعطر وتحنط جثثا تتهرأ. لقد عكر الامتزاج العشوائي صفاء الألوان وبيان الأفكار. انتهت المعركة الانتخابية، رفع المنتصر أعلامه وذهب المنهزم ليضمد جراحه. وقع السذج في أحبولة المكائد، خيل إليهم أن اللجوء إلى الجدار المنهار سيحميهم. استقر رأيهم الكاسد على عدالة جائرة وتنمية غرست وردة يتيمة في مزبلة كبيرة. استقبل الحزب الفائز بفيض هائل من الترحيب والتطبيل وأسبغوا عليه بليغ الثناء حتى ظن أن الشرعية ملك يمينه يهبها من يشاء ويحرمها من يريد. لكن وعي المغاربة قد أخصب وأينع ولن يلطم على ذات الخد أكثر من هذا.