يرجح العديد من الباحثين عودة فن الجرافيتي الى الحضارة الفرعونية والاغرقية والرومانية وأكدت بعض الدراسات استعمال هذا الفن في ما عرف بالجرافيتي القديم ، وكان تعريفها الاولي مقاربا لما هو عليه اليوم حيث عرف هذا الفن بالكلمات او الرسومات المستفزة المرسومة على الجدران او أشياء أخرى بدون اذن أصحاب المكان العام او الخاص. وتستعمل عادة أقلام بوية المخصصة أصلا لهذه الرسومات وبعض أقلام الحبر الأخرى ، كما تستعمل بشكل واسع العديد من انواع البخاخات ، وتوجد انواع من الأقلام مزودة باسفنجة في طرفها يتم شحنها بالحبر، هذا الى جانب العديد من الأساليب الأخرى. يعود فن الجرافيتي الحديث الى حقبة الستينات ، وظهر لأول مرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية في ولاية نيويورك ، وقد استلهمه رواده من موسيقى الهيب هوب ، وانتشر في العديد من المدن الأمريكية قبل ان يعبر الى بقية دول العالم ويتشعب ويأخذ مناحي أخرى من حيث الاستعمال والأهداف والرسائل ، وكان لهذا الفن الدور الكبير في الصراع ضد الدكتاتوريات خاصة في اسبانيا والبرتغال . يستخدم الجرافيتي على مستوى واسع لإيصال رسائل سياسية واجتماعية فوق الجدران والواجهات الثابتة والمكشوفة كالأبواب والنوافذ واللوحات المعدنية او تلك المتحركة كالحافلات وعربات القطار .. ، واخذ الجرافيتي منذ سنوات طابعه الاحترافي حين أصبح له العديد من الرواد واشتهر فنانوه وكونوا لهم عروض دورية ومسابقات وجوائز ومهرجانات. صرفت المدن الغربية الملايين من اجل إزالة هذه الرسومات للحفاظ على المظهر العام بدرجة اكبرمن محاربة المعاني والرسائل التي يحملها هذا الفن الاحتجاجي ، بينما أنفقت دول أمريكا اللاتينية الملايين من أجل ازالته لأسباب سياسية واجتماعية وخوفا من الرسائل التي يحملها او عملية التوجيه التي كانت تزعج الأنظمة الديكتاتورية بشكل كبير. ظهر هذا الفن بقوة في الدول العربية بعد انطلاق الثورة التونسية ، وان كانت الثورة المصرية والليبية واليمنية والسورية استعملت هذ الفن بقوة في صراعها مع مبارك والقذافي وبشار وبدرجة اقل مع علي عبد الله صالح خلال ايام الاحتجاج ، فان الثورة التونسية لم تستعمل هذا الفن بشكل واسع طيلة ايام الثورة ، وانتشرفي تونس بعد 14 جانفي في شكل تعبير عن الفرحة الانجاز والتبشير بالغد المشرق والثناء والتغني بالثورة ، ثم دون فن الجرافيتي لحقبة بن علي وابرز التجاوزات والجرائم وفاضت عقب الثورة مباشرة سيول من الأحاسيس الوطنية ترجمها هذا الفن على الجدران والأنفاق ومحطات القطار والعربات بشكل واسع . بعد انتخابات 23 اكتوبر وأمام حالة الاحتقان الواسعة التي خلفتها التجاذبات السياسية بين فرقاء المشهد السياسي ، ثم وبعد ان انطلاق ثورة المطالب بقوة التي لم تحقق مآربها لشطط في الطلبات او لضعف من السلطة الجديدة وعجزها عن تلبية شلال الحاجيات دفعة واحدة وفي زمن قياسي ، بعد ذلك دشن الشباب مرحلة أخرى من الجرافيتي الاحتجاجي وهذه المرة كان باسهم على السلطة التي انتخبوها ، وتعرض الائتلاف الحاكم وخاصة حركة النهضة الى رسومات الشباب المحتجة والمدينة لسياساتها ، لكن رقعة الاحتجاجات ما لبثت ان توسعت وشملت الاحزاب ولاشخصيات المعارضة ومست منظمة الشغيلة بشكل ملفت . استعمل شباب الأحزاب التونسية بشكل متفاوت هذا الفن ، نسبة قليلة استعملته في التعريف بنفسها من خلال التسويق لشعاراتها وطروحاتها ، اما الغالبية استعملته في تشويه بل في طحن الخصم السياسي او الفكري وحتى الإيديولوجي ، واستفحلت العبارات الخادشة في العديد من الرسومات وتراشقت المنضمات الشبابية للأحزاب بهذا الفن ، وتحول الجرافيتي الى راجمات متبادلة بين خصوم الوطن. نصرالدين السويلمي