كثر اللغو واللغط وكثرت الأحكام عن عودة التجمع بين رافض لتقنين منع مشاركتهم في الانتخابات القادمة وبين مؤيد . ولكن لم يظهر الجدل بالعمق الذي وصل إليه لولا تصريح الشيخ راشد الغنوشي بخصوص هذا الأمر وقبوله بمشاركتهم رفضا للعقاب الجماعي . وهذا ما يجعل الجدل تحركه دفة السياسة لا الحقوق ولا العدالة بكل مفاهيمها .وقبل التنسيب وجدل التسميات يحق لنا أن نسأل:هل انسحب التجمعيون بعد الثورة؟؟وإن اختفوا فمن أعادهم للمشهد؟؟ومن المسؤول عن تغولهم إلى الحد الذي جعل رجوعهم مرعبا؟ عن انسحابهم أقول عكس الجميع ، فالتجمعيون لم ينسحبوا ولم يختفوا بل أحسنوا التموقع منذ اليوم الأول ؛ فمحمد الغنوشي وعبد الله القلال ورئيس المجلس الدستوري ظهروا مشرعين وفصلوا فصول الدستور شفعا ووترا 57 و58. بل إن محمد الغنوشي رفض عودة بعض المعارضين وبالخصوص عودة الشيخ راشد فهل هذا اختفاء للتجمعيين؟؟؟ بعد اعتصام القصبة وتولي الباجي قايد السبسي لم يتمكن الثوريون من طرح سؤال من جاء بالسبسي ولماذا السبسي دون غيره؟؟ فيما أتذكر الوحيد الذي رفض الباجي هو الشيخ راشد الغنوشي الذي تحدث عن استجلاب السبسي من الأرشيف . وتتذكرون نوادر الأغلبية الصامتة و"عراسة " القبة ضد الشيخ الغنوشي ، ومحاولة حشره في الزاوية لهجومه ضد السبسي . وساعد هؤلاء دعوة أحمد إبراهيم في تلك الفترة الجيش للمسك بزمام الأمور. وبتولي هذا "الأرشيفي" لابد من الاعتراف بأنها الفترة الذهبية للتجمعيين . فلقد بيض ملفاتهم وأتلف كل ما يورطهم ،وما شهادة السيدة سهام بن سدرين حول هذا الأمر إلا دليل على ذلك. ولهذا كان السبسي يلعنها ويمقتها بحسب تسريبات مايكروفون قناة نسمة يوم تنصيب حمادي الجبالي .تظاهر السبسي بالحياد ونظافة اليد والعمل كمنقذ وتتذكرون قوله لن تروا وجهي بعد الانتخابات وكلماته عن تزوير الانتخابات فيما مضى تماما تماما.استطاع الكوع أن يلعب لعبته القديمة بإخفاء معالم جريمة قتل اليوسفيين وتصفيتهم ،وكرر نفس الدور بعد الثورة ونجح نجاحا منقطع النظير وساعده في ذلك عياض بن عاشور بهيأة الوطد الخاصة بالثورة. فلقد لفت الأنظار بالمقررات التافهة التي كانت تتداولها هذه الهيأة ليجد الباجي الوقت الكافي لرسكلة التجمع وجعله الضرة بالعرف لأي بديل بعد الانتخابات. تأجلت الانتخابات واستطاع السبسي أن يعين من التجمع ما يخدم أهدافه رغم إيهامه الناس بأنه مع عزلهم عن الحياة السياسية لحقبة معلومة . وحصل بالمقابل على وعد بالرئاسة. ولما كشف الصندوق عن حقائقه اعترض المؤتمر على رئاسة السبسي ، ووقع التجاذب الطويل بين أركان الترويكا ، وخرج السبسي من القصبة ولم يقدر على الوصول لقرطاج . بدأت حكومة الجبالي العمل بعد تسميات غريبة أقرها السبسي في فترة تسييره لأعمال الحكومة بعد استقالتها . وكانت تخص مفاصل الدولة الحيوية ؛ كالبنك المركزي والديوانة ودواوين الوزارات وخصوصا وزارة الداخلية التي ساعده في تدمير ملفاتها لزهر العكرمي وزير الإصلاح الزراعي بها.وكانت هذه الحكومة تجابه التركة الثقيلة التي تركها ؛كالمنح العشوائية التي صرفها السبسي للخرجين العاطلين ، وآليات التشغيل بالحظائر، والديون العارمة التي ورط فيها البلاد . ورفض كل أطياف المعارضة الانخراط مع الترويكا ، ولعل جوقة نجيب الشابي لا تنسى وعنتريات القصاص مازالت عالقة بالأفهام. في مثل هذه الظروف الحالكة استدعت المعارضة التجمعيين لتستعين بهم على خارطة الكنز ، وليستدلّوا بواسطتهم على المقاتل التي سيصيبون بها الترويكا ،وإن كان طرف من الترويكا يعمل مع المعارضة أكثر. وأقصد هنا التكتل ولعل التوهامي العبدولي يمثل شاهدا. صارت بيوت التجمعيين محجا ولعلكم تتذكرون مواسم هجرة المعارضة لمبنى تونس7 أيام اعتصام شباب القصبة أمامها. فالمعارضة هي الطرف الثاني الذي أعاد التجمعيين لمجدهم التالد . فمية الجريبي تتظاهر بحلق الوادي مع سالم المكي كاتب عام لجنة التجمع ببن عروس لتعطل التصدير والتوريد .وعدنان الحاجي ينسق مع رؤساء الشعب لتعطيل الإنتاج بالحوض المنجمي . ومن هذه الفجوة تسلل التجمعيون ليستوطنوا النقابات ، فاتحاد الشغل يشترط بعد اغتيال بلعيد ضرورة الحوار مع نداء الباجي، ويرفض استبعاد فصيل من التونسيين. قد يقول البعض إن علي العريض هو الذي وافق على حزب الباجي وهذا صحيح لكن هل بمقدور وزير رفض منح تأشيرة لحزب استوفى الشروط القانونية؟؟؟ ولو رفض العريض منح هذا الحزب تأشيرة لرأينا سهير بلحسن تقاضي تونس في منظمة الأيباك ومنظمة الإستيتيكا والنحت الرمزي. تواصل تدفق التجمعيين بكل المناشط واشتد ضغط المعارضة لا لاقتراح بدائلها بل جعلت التجمع بديلا لتتقي شر النهضة الظلامية بزعمهم ,ولتوريط الحاكمين بعد الانتخابات أكثر. تجرأ اتحاد الشغل على إعادة العمد التجمعيين وأئمة المساجد الذين كانوا يسبحون بعمة المخلوع وانخرط العديد من فاسدي التجمع بالمنظمة الشغلية وقدمتهم مناضلين أصحاب حق ،وتحلق اليسار والاتحاد حول الباجي الذي قلت سابقا إنه ترك التجمعيين لوقت الحاجة ،وصار مقر حزب الباجي قبلة لحمة الهمامي وكل اليسار البروليتاري ،وتم اغتيال محمد البراهمي وفوضت كل الأطراف الباجي للحديث باسمها .واستقوى السبسي بكل معارفه وتوقفت دواليب الدولة ،وأسفرت وساطة الرياحي عن لقاء باريس وبدأ ماراطون الحوار الوكني المغشوش. اسقر الأمر للسبسي وأصبح الآمر الناهي وعندما توفرت له سبل النجاح انقلب على حلفائه ،وبدأ بكنسهم محتفظا بكل صلاحياته ضمن جبهة الإنقاذ .وفقط هنا استشعر الرفاق خطورة هذا الشيخ السبسي الماكر .وبدأت صيحات الفزع من عودة التجمعيين .والغريب أنهم يستغيثون خوفا من جماعة حامد القروي ،لكأن التجمعيين الذين يزخر بهم حزب الباجي كانوا في السجون أيام قيام الثورة ،وما وجود محمد الغرياني صاحب هراوات13جانفي 2011 إلا دليل يفند حمق دعاة استبعاد التجمعيين ،وقولهم أنهم يرفضون الجلوس إليهم . فهم لم يجلسوا إليهم فقط بل آكلوهم وخالطوهم وتمتعوا ببعضهم أيام اعتصام الرحيل بنافورة باردو.لهذا فإن النفاق الذي يتموقع فيه هؤلاء واضح وغير خفي . فاليسار وشق من اتحاد الشغل بعدما أدخلوا التجمع لخيمة السياسة الجديدة بعد الثورة يريدون توريط النهضة في هذه الخيانة الموصوفة للثورة . فشخص مثل مهدي بن غربية كان يزاحم الدساترة والتجمعيين في منابر الإعلام أصبح اليوم يرفضهم ولا يقبل بوجودهم. هذا هو العهر السياسي وافتقاد المعارضة التونسية للمشاريع وللبدائل والعمل الموسمي الخاضع للنتائج الآنية والعمل بمثل "بيعون القرد و يسخرون من مشتريه". إنه زمن العجائب وتهافت السياسيين المقاولين بالدم الوطني والزمن الوطني كذلك.فرجاؤنا منكم كفى نفاقا وكفى عهرا ورذيلة فأنتم تعلمون بحكم زياراتكم لكل السفارات أن الغرب يرفض عزل التجمعيين لأن السبسي منهم وأنتم من السبسي. مساء15مارس2014م