قرأت مقالا لأحد الشخصيات الوطنية العلمية المحترمة مفاده إن صح منّي الفهم، أن كل ماحدث في الرابع عشر من جانفي 2011 لا يعدو أن يكون نتيجة لصراع على النفوذ والسلطة بين "بن عليّ" وخصومه من المقربين إليه، فكان ما كان مما حدث يوم 14 جانفي من انتفاضة شعبية مطالبها توفير الشغل للعاطلين وتوفير العيش الكريم للمواطنين، استغلها خصوم "بن عليّ" الطامعين في السلطة لطرده من البلاد والتخطيط لتوليهم السلطة بعد حين. امتد هذا الحين إلى ما يقارب الأربع سنوات تداولت فيها الرئاسات وتغيرت فيها الحكومات . كل ذلك لا يعدو عند هؤلاء أن يكون رقعة شطرنج يحركون قطعها بمنتهى البراعة والحنكة والرؤية الاستراتيجية الثاقبة. حتى حان قطاف الثمار يوم الإعلان عن نتيجة الانتخابات التشريعية 26 أكتوبر 2014 وفاز حزب نداء تونس على كل منافسيه. هذا الحزب الذي كان غائبا كحزب في الفترة التي تلت 14 جانفي، لكنه كان حاضرا بأتباعه المرتقبين المبثوثين في عديد الأحزاب والمنظمات والنقابات، وكانوا يعدون العدة لتولي السلطة وإسدال الستار عن مسرحية الثورة والربيع العربي. ونتيجة ذلك وقعت الأحزاب" الثورية" أو الحالمة بالديمقراطية" في مأزق بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات التشريعية، كما وقعت كذلك القواعد العريضة لهذه الأحزاب أو المتعاطفين معها في نفس المأزق، المتمثل في الحيرة لمن يصوتون في الانتخابات الرئاسية القادمة. هل يصوتون لمرشح النداء؟ الشخصية البعيدة كل البعد عن أدنى ما يحلم به أي ناخب تحمس يوما للثورة وحلم بغد أفضل لتونس. رجل شارك من مواقع هامة في نظامين استبداديين لسنين طويلة، فهذا الخيار تستبعده فئة عريضة جدا من التونسيين السائرين مع تيار الثورة" ولسان حالهم يقول إنه كان من الأجدى لتونس توفير الأضرار والدماء التي سالت أيام الثورة مادام الأمر سيؤول لامحالة لدوائر النفوذ في النظام السابق وللمستفيدين من السير في ركابه. هل يصوتون لبعض الشخصيات الأخرى ؟ يوجد من المرشحين للرئاسة شخصيات محترمة معروفة بنزاهتها ونضالها وحماسها للثورة. كما عرفت كذلك بأحلامها الثورية الجميلة ووصولها لضمائر شريحة من الجماهير وعواطفهم، لكن يستبعد أن تفوز لخفة موازينها الانتخابية التي لا يرجى من ورائها فوز أو ما يقاربه.
هل يصوتون للرئيس "المؤقت"؟ هذا رجل يشهد التاريخ بنضاله ضد الاستبداد عبر مسيرته الحقوقية الممتدة لسنوات، ومعارضته الدائمة لنظام "بن عليّ". وهو الشخصية التي يمكن الوثوق بها أكثر من غيرها لإتمام المسار الديمقراطي في تونس. لكن يعاب عليه انفعاله في التعاطي مع خصومه، مما أكثر حوله العداوات في الداخل والخارج. وهو ما من شأنه حسب المقال المذكور أن يمهد لسناريو الانقلاب عليه إن فاز في الانتخابات ويدخل البلاد في دوامة من اللاسقرار التي قد تنحو بنا منحى الجيران والأشقاء في ما يسمى بدول الربيع العربي. التحاليل السياسية آنفة الذكر تغلب عليها القتامة والسوداوية كيفما قلبتها، لأن هذه النظرة إلى صيرورة التاريخ تجعله انجازات للمتنفذين والمتآمرين في كل زمان ومكان، وتسفه إرادة الشعوب التائقة للعدل والحرية. والخلاصة حسب هؤلاء أن التاريخ يصنعه المتآمرون في أقبية مظلمة، أما الشعوب والعوام من الناس فهي على هامش التاريخ حتى وإن ظهرت بغير ذلك المظهر، فهي خاضغة بوعي أو بغير وعي للمحركين من وراء الستار. كوثر زروي 16 نوفمبر 2014