لم أفاجئ باستقالة السيد حمادي الجبالي لأنه في حكم المستقيل منذ مدة. ولئن تعددت القراءات حول أسباب هذه الإستقالة فهناك من حمله المسؤولية كاملة عن مرحلة ما بعد انتخابات سنة 2011 وهناك من يبرئه ويحمل المسؤولية لحركة النهضة وللشيخ راشد الغنوشي شخصيا. إلا أني اعتقد ان هذا المنهج الذي سقط فيه بعض الإعلاميين الكبار وعلى رأسهم السيد نور الدين العويديدي، الذي حمل السيد الجبالي كامل المسؤولية، لا يجيب إلا عن جزء من الحقيقة. فتونس بعد الثورة كان من المنتظر أن تدخل مرحلة جديدة تقطع مع الماضي، ولكن نتائج إنتخابات 2011 فرضت على الاحزاب الفائزة ضرورة التشاور وتشكيل حكومة توافقية بين الاحزاب الثلاث الأولى، وكان من قدر السيد الجبالي أن يقود هذه الحكومة. من المعروف أن هذه الحكومة ضمت وزراء من نوع خاص، فأغلبهم يتسلم لاول مرة مهمة وزارية كبرى في وضع صعب دون سابق إعداد إضافة إلى أن ارتباط هؤلاء الوزراء كان مع أحزابهم أكثر منه مع رئيس الحكومة السيد الجبالي ويضاف إلى هتين المشكلتين ان عددا من هؤلاء الوزراء كان يعتبر نفسه من الزعامات الكبيرة والشخصيات الخارقة التي لا يمكن أن تخضع لأحد فشوشت على الحكومة وعلى احزابها ايضا وأضعفت الترويكا بانسحاباتها وتشكيلها لأحزاب جديدة، عرفنا قيمتها الحقيقية في التشريعية والرئاسية. من ناحية ثانية اعتمدت الحركة سياسة مرنة وتصالحية في مجملها، متأثرة بتجارب الإنتقال الديمقراطي السلمي لعدد من البلدان مثل جنوب إفريقيا وغيرها دون مراعات للفارق في الظروف الداخلية والإقليمية والدولية غير المواتية وغير المشجعة للإنتقال والتحول الديمقراطي للدول العربية والإسلامية، وهو ما جعل موقف الحركة ضعيفا في كل الحوارات التي دخلتها. وأما عن مسؤولية السيد حمادي الجبالي نفسه وهي النقطة التي ركز عليها السيد العويديدي، فهي تصبح في هذا السياق مفهومة، فقد كان عليه أن يقود حكومة غير عادية في ظرف غير عادي، ورغم أنه رجل حوار وتوافق إلا ان الوضع العام وغياب الحزم الكافي في اتخاذ قرارات جريئة كان عائقا كبيرا أمام نجاح التجربة في عمومها. ومن الإشكاليات المقلقة في العمل السياسي الإسلامي أن استقالة أحد الشخصيات المعروفة من حزبه عادة ما تجلب له كل العداوات وقد تصل أحيانا إلى مسح تاريخه أو تزييفه وهي معضلة أشار إليها منذ مدة الشيخ القرضاوي في مذكراته وغيره من العلماء، ولم يختلف الأمر مع السيد الجبالي، فبمجرد استقالته من الحكومة وجد نفسه في حكم المعزول ايضا من الحركة، فكان أمينا عاما بدون أمانة عامة وقياديا بدون قيادة، مما دفعه إلى تقديم استقالته من الأمانة العامة، والتي كانت هي الإعلان الحقيقي عن نهاية دوره داخل حركة النهضة. السيد الجبالي سياسي فريد في تاريخ تونس ويمكنه أن يلعب أدوار أساسية في تونس المستقبل وأتمنى أن تتوفر له الحكمة التي نحسب أنه يتوفر على نصيب كبير منها ليشع على بلاده وعلى وطنه ويظيف لبنة جديدة للعمل الإسلامي المدني في تونس والعالم. حسن الطرابلسي، ألمانيا 2014