بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغنوشي مشرقي دخيل أما البكوش فزيتوني أصيل
نشر في الحوار نت يوم 17 - 03 - 2015

أحاول في هذه الكلمة الحرة الحوار.نت معالجة مسألة تداولها الإعلام في إثر تصريحات وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش في زيارته الأخيرة إلى جنيف وهي مسألة ربما دار حولها الذي دار هنا أو هناك. إذ صرح البكوش بأن حركة النهضة ذات فكر مشرقي وافد دخيل في محاولة لإقصاء هذا الخصم الفكري والسياسي من المشهد ولو بأقدار محددة. السؤال هو هل أن النهضة تونسية لحما ودما ومولدا ونشأة أم هي بالفعل وافد مشرقي أو زرع خليجي. مرت الحياة السياسية و الإعلامية في البلاد بحروب طاحنة في العهدين الأخيرين البورقيبي وعهد المخلوع بن علي وكان التيار الإسلامي هو الغائب الحاضر دوما تقريبا فهو الظلامية والرجعية بالتعبير الماركسي وهو التيار الديني المتطرف بالتعبير الإعلامي بل كان هذا التيار إيرانيا خالصا في السنوات القليلات التي أعقبت ثورة الخميني وأحيانا يكون إخوانيا قحا ثم تطورت الأساليب الحربية ليتهم الإسلاميون بالإرهاب وليس بمجرد التطرف الفكري فلم يعد هذا التيار بأقلام خصومه وأبواق المنافسين مهددا لمكتسبات مجلة الأحوال الشخصية فحسب بل هو يعمل على الإنقلاب على النمط المجتمعي السائد وفي أحيان أخرى قليلة نسبيا كان هذا التيار خليجيا سعوديا ثم قطريا وخاصة من جانب التمويل المادي. ربما تكون تلك هي أبرز لوائح التهم التي وجهت إلى النهضة : إما ولاء فكري أو سياسي أو مالي للخارج. اليوم نعود إلى المربع الأول على لسان الطيب البكوش لنكتشف أن النهضة مشرقية النشأة بل وافدة دخيلة فهي صنيعة البنا والإخوان في مصر إذ ربما سقطت تهم الإرهاب. المهم أنه لا بد من إلصاق تهمة بالنهضة تعوق مشاركتها في الحكم أو تحجم من ثقلها الشعبي أو ربما تمهد لمحاكمات فكرية وسياسية جديدة.
فما هي هوية النهضة : مشرقية دخيلة أم تونسية قحة؟
الأمر الخطير هنا هو أن التمهيد لتخوين حركة ما أو حتى شخص ما يمر حتما عبر إثبات أصولها غير التونسية بمثل ما يهجم غلاة السلفية بالتكفير بالجملة وبالتفصيل ضد تيار ما أو شخص ما. هناك حقيقة إجتماعية قطعية مؤداها أن الغلو في أي إتجاه كان وبالكلي المطلق لا بد أن يلتقي مع غلو آخر في إتجاه آخر معاكس بالتمام والكمال. غلاة السلفية ينعون على هذا أو ذاك بالتكفير وغلاة الماركسية ينعون عليه بالتخوين. وعندما تثبت التهمة في حقه أنه كافر دينا وخائن وطنا إلتقمته بطون السجون والمنافي.
لا بد لنا هنا كذلك من التمييز بين الكيان المادي للحركة وبين كيانها المعنوي أي جهازها الفكري. لا أظن أن عاقلا يرتاب في الكيان المادي للغنوشي وللبكوش معا أنه تونسي قح ولما يمثلانه من تيارين فكريين ظلا ومازالا يقفان على طرفي نقيض في مسألة الهوية الفكرية دعك من تعلمن هذا فرارا من الإرث الشيوعي الماركسي البايد ومن تحدث ذاك بحثا عن مربع آمن لحركة إجتماعية تنشد الجمع بين محكمات الدين وبين مقتضيات التجدد.
الحديث إذن لا حقل له سوى في الكيان المعنوي لحركة النهضة أي جهازها الفكري عقيدة ومنهاجا في التفكير وفي التغيير. في هذا المستوى من المعالجة لا بد لنا أن نتسلح بأقصى ما يمكن من درجات البصيرة والأمانة معا. تونس ليست جزيرة معزولة بل هي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية التي هي بدروها جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية. ذلك هو شأن الوطن العربي والإسلامي اليوم كله عدا شبه الجزيرة العربية التي إتخذ الإسلام حرمها المكي موطنا أساسيا رئيسا له كما ورد ذلك في أول آيات آخر السور نزولا أي التوبة. تونس التي كانت تسمى إفريقية حررها الإسلام بالقوة من السلطان الروماني وليس البربري كما يريد أن يزيف المزيفون. تونس إذن بالتاريخ وبالواقع عربية إسلامية بل ظلت بزيتونتها قبلة العلم ناهيك أن مشيخة الأزهر مثلا لم يستو على عرشها غير مصري أبدا سوى العلامة التونسي الشيخ محمد الخضر حسين. تلك واحدة.
الثانية هي أن الإسلام صاغ أمة واحدة يمكن لها أن تتوزع على الأمصار بل حتى على القوميات والألوان والأعراق والألسنة بله المذاهب الأصولية والفقهية والمدارس العقدية والكلامية ولكنها تظل أمة واحدة ذات قيادة واحدة فيما يشبه في حضارتنا المعاصرة الكنفدرالية الموسعة. وفعلا ظل الأمر كذلك حتى مع أمراض
الإنقسام الخبيثة إلى يوم إنهارت التجربة العثمانية أي قبل زهاء قرن واحد فحسب.
الثالثة هي أنه لا مشروعية لأي محاولة إصلاحية تنسب نفسها إلى الإسلام دون أن تجعل من برنامجها الإستراتيجي الطويل قائما على أمرين لا فكاك منهما : المقاومة دون الحرية دوحة الإسلام التي لا حياة له إلا في ظلالها الوارفة فإن هي إختنقت أوشك هو على الغياب وإن هي إنتعشت إنتعش هو معها و المقاومة دون واقع التجزئة العربية والإسلامية إذ هو المسؤول الأول والأكبر عن آلامنا الكبيرة والكثيرة بل هو المسؤول عن الإحتلال وعن الضعف وعن المهانة. لا مشروعية لأي حركة إسلامية أي حزب إسلامي معاصر دون ذلك.
الحديث هنا هو عن الثوابت والمحكمات دينا وواقعا وبرنامجا إصلاحيا وليس هو عن مستحبات ومكملات ونوافل عمل. لا يمكن لأي حزب إسلامي معاصر أن يساهم في تعديل موازين القوى لصالح الأمة دينا وفكرة ونهضة دون ذلك ولأجل ذلك فحسب تقوم المعارك اليوم ضد حماس الفلسطينية وضد الإخوان إذ عندما يشتد عليك الهجوم من لدن خصمك فأنت صاحب ثقل ووزن وأثر. الألمان يقولون : الناس لا ترفس الكلب الميت.
تلك هي هوية النهضة عند نشأتها حزبا سياسيا في 1981. والأدبيات منثورة موثقة شاهدة. إذا كان في ذلك ما يعيب فلكم أسعد بسماعه ونقاشه.
رصد لبعض التطورات وبعض العيوب.
أبدأ بالعيب الذي وثقته الحركة في تقويماتها الموثقة المنشورة في كتب معروفة والمقصود هنا هو أن الحركة في سنيها الأولى لم تنتبه إلى حيوية الإرث الزيتوني وخصوبة التراث التونسي فكريا وعلميا وفقهيا وأصوليا وسياسيا. لم تنتبه إلى ذلك ليكون حمالا من حمالات نظريتها الفكرية والإصلاحية بل غدا ذلك أدبا منثورا ربما يبث معاني الإعتزاز ولا يزيد على ذلك كثيرا. ذلك عيب قطعا ولكنه عيب غفلة أولا ثم إن هناك ما يبرره إن كان يمكن تبريره إذ أن الثلة الأولى المؤسسة في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات ظلوا يطوفون بين جامع الزيتونة وبين جمعية المحافظة على القرآن الكريم ويعرضون أنفسهم ومشروعهم على مشايخ الزيتونة من مثل المرحوم المستاوي والمرحوم التارزي وغيرهما فما إستجاب سوى علمان كبيران هما المرحوم محمد صالح النيفر والمرحوم عبد القادر سلامة. ولم يكن الفرق بين أولئك جميعا سوى في مستوى الجرأة الأدبية والشجاعة السياسية وآثار الترويع للآلة البورقيبية مازالت بادية على المحيا وليس من رأى كمن سمع كما قالت العرب بحق. وفضلا عن ذلك كله فإن الزيتونة في ذلك الوقت أضحت أثرا بعد عين إذ بلغ البجح التغريبي حدا وصفه عالم الإجتماع التونسي الكبير الدكتور الهرماسي عام 1969 بقوله أن عودة الإسلام أمر مستبعد جدا من بعد نجاح التغريب.
قامت الحركة على أمور جديدة في الفكر الإسلامي والإصلاح فباءت بها مباوئ كبيرة منها أنها تبنت الديمقراطية منهجا إصلاحيا ولو كان في الدنيا اليوم ميزان عادل لنالت الحركة بحق شهادة براءة في الإختراع إذ هي أول حركة إسلامية سياسية تفعل ذلك في الأرض. ولم يكن ذلك التطور يسيرا بل هي قفزة نوعية يمكن أن تعد مغامرة في الهواء ثمرة لغربة عجيبة ألمت بجزء غير يسير من تراثنا العربي الإسلامي. كما قامت تلك المراجعات بالجملة دون تفصيل لا يقتضيه المقام ولا يتحمله على توفير أرشد معادلة فكرية وسياسية تنكح الإسلام المقصود الفكر المنسوب إليه بالعصر والمشكلة هنا هي أن العصر من صنع غير المسلمين وبذا تكون المشكلة حقا عويصة ومكلفة وتكون ضريبتها غالية وفعلا دفعت الحركة ثمن ذلك وزيادة ومازالت تدفع. قضية الدولة المدنية لا الدينية مثلا وقضية المرأة والتراث والغرب والعالمانية والإرث الغربي والمسألة الإجتماعية بعد الخميس الأسود والملكية الزراعية وما يطلق عليه اليوم تطبيق الشريعة وهو مصطلح لا وجود له لا في الإسلام ولا حتى في التاريخ إلا التاريخ المعاصر أي قبل زهاء قرنين تقريبا في خضم تحولات معروفة. قلت سابقا ولن أزال أقول أن من أكبر نقاط القوة في الحركة قيامها على ثقافة المراجعات وفقه الإصلاحات الداخلية وتقليد التقويمات والمحاسبات حتى لو كانت للخيارات فحسب دون الرجال وكسبهم.
الحركة إسلامية التفكير تونسية المنهاج.
تلك هي الخلاصة التي أريد الوصول إليها من خلال هذه الكلمة الحرة. المجال هنا ضيق والقضية مطروحة في أكثر من مستوى وحق لها أن تطرح : من جانب الخصم الطيب البكوش وما يرمز إليه ومن جانب المراجعات. الكيان المادي للحركة تونسي قح شأنه الكيان المادي للتيارات الشيوعية الغربية المادية والعالمانية الماركسية واللبرالية وغيرها. أما الكيان المعنوي فهو إسلامي وسطي معتدل ومتوازن لأن الإسلام أجمع من تونس وتونس جزء من الأمة وليس العكس. إسلامي الولاء والفكر في محكماته العظمى فإن تغير ذلك منه آل إلى ما آل إليه سروال عبد الرحمان. أما المنهاج الإصلاحي فهو تونسي قح بمعنى أنه يعتمد التغيير وفق ما تتحمله البيئة التونسية من مثل رعاية الإنسجام الديني والمذهبي ومن مثل التسلح بالجهاز الزيتوني مؤسسات ورجالا ومن مثل تقديم الإجتهادات ذات المنزع المالكي في الأعم الأغلب ومن مثل بناء برنامج إقتصادي وإجتماعي وسياسي يراعي الخصوصية التونسية فهل شنت الحركة مثلا حربا شعواء ضد التبني المنصوص عليه في مجلة الأحوال الشخصية ولا يحتاج إلى أي دليل لمنافاته للشريعة الإسلامية؟ لم؟ لأن التبني قانون مثل غيره من قوانين كثيرة لئن ظل ساري المفعول فإن أغلب التونسيين لا يعملون به. حتى المدرسة البورقيبية على غلوائها الشديد غير المسبوق عربيا فهي إرث تونسي لها ما لها وعليها ما عليها ومثلها المدرسة الغربية التي أثمرت في تونس ما أثمرت لم يسع الحركة إلا أن تفيد من حسناتها فلا عدمية في الحركة من حيث إستيراد ما هو مفيد. الذين يعرفون قصة اليسار الإسلامي أو التيار التقدمي في تونس يعرفون حقا معالجة الحركة لمسألة التوريد والتصدير في الحقل الفكري ولكن لا يتسع المجال هنا لذلك ولا لغيره لضيقه.
الإنتماء الإخواني.
أولا لم لا يثار إستيراد الحركة لتفكير رجل جزائري كبير هو المرحوم مالك بن نبي إذ هو أول من شد الرحال إليه في تاريخ الحركة. طبعا لأن الخصم السياسي والفكري مجسدا في الطيب البكوش لا يريد الإنصاف بل يريد التشويه. ثانيا : في مسألة المرأة مثلا كان التأثر واضحا وكبير بالمدرسة السودانية وليس بالمدرسة الإخوانية. لم لا يثار مثلا إتخاذ الحركة من أوائل أيامها القضية الفلسطينية قضية مركزية بحسبانها قضية مقاومة وعلى ذلك الأساس فحسب كان ذلك كذلك. مثلها مثل مقاومة حركة منديلا ضد التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا الآبارتايد . ما يشيننا يفشى ويبرز وما يفخرنا يهال عليه التراب. الإنتماء الإخواني له مستويان مستوى الإنتماء الفكري ومستوى الإنتماء التنظيمي. أما الإنتماء الفكري فهو أدنى إلى الإشتراك والتكافل منه إلى الولاء وذلك بسبب أن الفكر الإسلامي المعتدل هو المعين الذي ينضب منه كل وسطي في التاريخ سوى أن المدرسة الإخوانية أعرق وأوسع وأكثر تأثيرا فهل يعاب الرجل عندما يقتدي بمن سبقه من أهل العدل والفضل؟ حتى لو رمينا بالولاء الفكري للمدرسة الإخوانية فما في ذلك أي عيب بل هو فخر في زمن مازال يشهد ظهور العنف والإرهاب من الجماعة الإسلامية بمصر حتى داعش مرورا بالقاعدة. أما الإنتماء التنظيمي نسبة إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين فإن الأمر أدنى إلى الزوبعة الإعلامية التي يتخذها خصوم الفكر الإسلامي المعاصر محرقة ضد المنافس الإسلامي. هذا التنظيم وهو في الحقيقة ليس تنظيما بالمعنى الحزبي المعروف بل هو أدنى إلى تكتل إسلامي لحركات إسلامية وسطية تتبادل التجارب فكريا وسياسيا يقصد منه أمران حيويان : مقاومة الفكر العنيف المتطرف وقد ظهرت في تلك الأيام له بوادر في الأردن مثلا والآن يشهد كلنا ما يثمره من فواجع تضع الأمة بأسرها على كف عفريت وتهيؤها لقمة سائغة للمحاور الدولية المتنفذة. ومقاومة الفكر
المقابل له في الضفة الغربية أي المد الشيوعي الماركسي الذي يؤمن ضمن ركن ركين من ركائزه العقدية بالصراع الطبقي ودكتاتورية البروليتاريا. إذا كان ذلك كذلك فإن هذا التنظيم هو إضافة فكرية وسياسية نوعية ومهمة لحراك الأمة والعاملين فيها لأجل النهضة والتحرر والعدالة. كان التنظيم رمز الوحدة الإسلامية المفقودة والمنشودة أبدا لا يفرط في العمل لها بالتدرج والحكمة عاقل. هل يمكن إذن إدانة المحاولة التركية الأخيرة للم شمل الأمة من بعد سقوط بغداد والأندلس وذهاب ريح المماليك ودويلات أخرى مشرقية ومغربية؟ الشيوعيون التونسيون يسمونها إحتلالا تركيا أو إستعمارا عثمانيا. أي قيمة لهذه الأمة بل لكل أمة لا تنسج عرى سقفها الحامي أول ما تفعل وقبل كل شيء. ليس هناك أي أثر لأي إنتماء تنظيمي من لدن الحركة لأي هيكل آخر لا إخواني ولا غير إخواني لا مشرقي ولا مغربي.
نقطة قوة أخرى في الحركة.
بهذه المناسبة فإن من أكبر نقاط القوة في الحركة إستقلال قرارها السيادي وهو الأمر الذي لم يكن لها أن تحافظ عليه بسبب ما مرت به من تقلبات كثيرة وكبيرة لو كان إنتماؤها مرتهنا لأي جهة كانت. لو كانت منتمية إنتماء تنظيميا للإخوان مثلا هل تراها تقلب أمرها في السراء وفي الضراء بحسب ما يعالج في مجالسها فحسب. إستقلالان لا تستحق الحركة عليهما إلا التحية اللائقة : إستقلال القرار السياسي وإستقلال الزاد المالي وكلاهما وربما يكون المالي أخطر ما كان ينبغي له أن يظل حيويا لو كان لها أي إنتماء خارجي لأي طرف شعبي أو حكومي ولو بمقدار حبة خردل. ألا يفكر العقلاء بمثل ذلك أم أن الناس سلبوا ألبابهم بأثر من الإعلام الفاسد.
فما هي الحصيلة.
للحركة سلبيات أخرى بعضها معروف وبعضها غير معروف سوى لأبنائها أو ربما لقياداتها فحسب. بل سلبيات كثيرة وكبيرة. ولكن عندما يجهل الجاهلون ذلك أو يعمدون غض الطرف عن ذلك بمثل ما يفعل الطيب البكوش نيابة عمن يرمز إليه فإنهم يثيرون ما يثير السخرية. وأي سخرية أشد عليك من أن يكون رجل مثل الطيب البكوش تونسيا قحا وهو الذي تقلب ومازال يتقلب في منقلبات الفكر الغربي اليساري بل الشيوعي الماركسي المتطرف جدا وكأن الماركسية ثقافة سكان باب سويقة أو أن الشيوعية فقه أهل نكريف في أقصى الجنوب التونسي .. بينما يظل الغنوشي مشرقيا خالصا أو مصريا أو خليجيا. لم لا يقال عنه أنه إنجليزي مثلا. طبعا لأن ذلك يحيله إلى الديمقراطية الإنجليزية العريقة.
الحركة تونسية قحة لحما ودما لا بناء هيكليا وماديا فحسب بل بناء فكريا ومنهاجا إصلاحيا وذلك على معنى أن حبس الفكر في حيز جغرافي لعنة تلاحق الحمقى ولا يتبناها العاقلون. وإذا كان لا بد من إتهام أحد بالولاء الفكري للخارج فالطيب البكوش ومن يرمز إليه أولى بذلك لأنه يأتي بما لا صلة له بتونس العربية المسلمة.
لا يعني ذلك طبعا سوى مزيدا من تعميق المراجعات داخل الحركة لمزيد من إحكام الصلة بالأرض التونسية والمغاربية والعربية والإسلامية بصفة عامة بل بالمنطقة الدولية التي تنشد التحرر إذ رأسمال الحركة هي قيمة الحرية ولا شيء غير الحربة إطلاقا إلا أن يعترض أحمق ليقول : الإسلام. ذلك جاهل يجهل أن رسالة الإسلام الأولى هي الحرية وليس نداء لا إله الا الله سوى نداء التحرر من كل ضروب الإستعباد والإسترقاق ليتحرر الإنسان منعتقا إلى ربه الحق سبحانه.
هذه مراجعاتنا ولا ندعي لها كمالا ولا تماما فما هي مراجعات الطيب البكوش وما يرمز إليه؟ أي علاقة بين الماركسية الشيوعية والديمقراطية مثلا. علاقة الحرب بالسلم؟ أم علاقة السماء بالأرض. وقديما قال المثل العربي : إذا كان بيتك من زجاج فلا ترم جارك بالحجارة. هل يتهم الطيب البكوش ثلث التونسيين الذين رشحوا النهضة للحكم في مناسبتين متتاليتين بالحماقة أنهم لم يدركوا هوية هذه الحركة أو منبتها. هلا تريث فعاد إلى تونس أولا ثم رمانا بما يروم؟ أليس شنارا عليه وهو حامل حقيبتنا الدبلوماسية أن يصرح بذلك وهو في جنيف. هل ترى سعد الغربيون والأربيون بكلامه.
الهادي بريك تونس 28420944


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.