حكم صلاة الجمعة صلاة الجمعة فرض على كل مسلم خال من الأعذار. وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والاجماع؛ أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر اللّه، وذروا البيع}، وأما السنة فمنها قوله صلى اللّه عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم" رواه مسلم، أما الاجماع فقد انعقد على أنها فرض عين. حكم ترك الجمعة ترك الجمعة ممن تجب عليه من غير عذر حرام شرعا بل هو إحدى الكبائر. وقد غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في تركها، فعن أبي هريرة وابن عمر: (أنهما سمعا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول على أعواد منبره: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن اللّه على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين). رواه مسلم وأحمد والنسائي من حديث ابن عمر وابن عباس. وعن أبي الجعد الضمري : (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع اللّه على قلبه). رواه الخمسة. وفي رواية أخرى بلفظ: (من ترك الجمعة ثلاثاً من غير ضرورة طبع الله على قلبه.) هل المسجد شرط لأداء صلاة الجمعة لا يشترط المسجد لأداء الجمعة عند جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة والأحناف حيث تصح صلاة الجمعة في المسجد وفي غيره، أما المالكية فقد اشترطوا لها المسجد فلا تصح خارجه لغير الضرورة. هل يجوز لإمام أن يؤم قوما وهم له كارهون؟ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إمامة أحد للناس وهم له كارهون روى أبو أمامة أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال : (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ ) منهم ( إِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)، رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ صَلَاةٌ: مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا هُمْ لَهُ كَارِهُونَ... الحديث) (رواه أبو داود). وقال علي رضي الله عنه لرجل أم قومًا وهم له كارهون: إنك لخروط ( والخروط، الدابة تنفلت من عقالها وتعدو تائهة خارطة ). وقد حمل بعض أهل العلم هذه الأحاديث على الكراهة، فيما حملها البعض الآخر على الحرمة، وهو الأظهر لما في هذه الأحاديث من الوعيد الشديد ورفع القبول عن الصلاة. كما يرجح الحرمةَ مكانةُ صلاة الجمعة والجماعة في الإسلام وأبعادها الاجتماعية باعتبارها أحد أبرز مظاهر الاتلاف بين المسلمين حيث تتآلف النفوس وتتوحد القلوب وتتراصّ الصفوف في مظهر مادي ومعنوي بديع، لا يستقيم معه أن يتصدر إمام جماعة هم له كارهون. قال الإمام الشوكاني : (وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً فينتهض للاستدلال بها على تحريم أن يكون الرجل إماماً لقوم يكرهونه، ويدل على التحريم نفي قبول الصلاة وأنها لا تجاوز آذان المصلين ولعن الفاعل لذلك. وقد ذهب إلى التحريم قوم وإلى الكراهة آخرون) انتهى وقد حقق الشيخ الدسوقي مذهب المالكية في هذه المسألة، فإن كان الكارهون أقلية من غير أهل العلم والفضل كانت إمامته مكروهة، وان كانوا أغلبية أو أقلية ذات علم وفضل كانت إمامته محرمة. ولا أثر للحرمة هنا على صحة صلاة المأمومين اذا اقتدوا به مع كراهتهم له، فصلاتهم صحيحة مجزئة. ما حكم رفض المصلين في بعض المساجد عزل أئمتهم الذين يرضونهم وامتناعهم عن الصلاة وراء الأئمة المعينين؟ تبين فيما سبق بيانه أنه لا يجوز لرجل أن يؤم قوما هم له كارهون كما لا تجوز الإعانة على ذلك. أما امتناع المصلين عن أداء الصلاة وراءه فحكمه مرتبط بحال الإمامين والمأمومين، وتقدير المصلحة والمفسدة المترتبة على ذلك. فلا يجوز الامتناع عن الصلاة وتعطيلها في الحالات التالية: 1- إذا كان العزل لسبب معتبر شرعا كنقص علم أو سوء خلق أو فساد منهج. 2- إذا كان الممتنعون قلة، إذ يجب عليهم في هذه الحالة أن يصلوا في مكان آخر. وإذا صلوا وراء من يكرهون إمامته فصلاتهم صحيحة والإثم عليه إذا كانت الكراهة لسبب شرعي. 3- إذا غلب على الظن أن الامتناع سيؤدي إلى فتنة أكبر أو فساد أعظم، حتى لو كان الرافضون هم أكثرية القوم. أما إذا كان العزل لغير سبب شرعي، وكان الكارهون من رواد المسجد الدائمين،وهم أكثر المصلين، وأهل السبق والفضل فيه، وغلب على ظنهم أن امتناعهم سيمنع مفسدة أعظم فإن امتناعهم عن الصلاة ورفضهم للإمام المعين جائز. وهو من باب رفع المنكر والنهي عنه. وهذا ما يظهر من حال بعض أهل المساجد في تونس ممن احتجوا على عزل أئمتهم وتنصيب آخرين عليهم ممن لا يرضونهم. ولكن يجب على الممتنعين أداء صلاة الجمعة في وقتها في مكان آخر إذا اتسع الوقت لذلك، ولا يجزئهم أداء الظهر إلا في حال التعذر والضرورة وتتأكد مشروعية احتجاج المصلين إذا نظرنا إلى حال القائمين على حملة العزل هذه، حيث كانوا من أعوان الرئيس السابق في حملته على المساجد ومنع الحجاب ومعاداة مظاهر التدين في البلاد، وارتباطهم بأطراف مشهورة بعلمانيتها المتطرفة. كما أن أغلب الأئمة المستهدفين هم خيرة الدعاة المعروفين بعلمهم وغيرتهم على الدين وصدعهم بالحق مما يرجح أن عملية العزل الممنهجة هذه تستهدف تعطيل مهمة المساجد في الدعوة إلى الله وتوجيه المسلمين والتصدي لحملات التشويه التي تستهدف هوية الأمة ومرتكزاتها الدينية والأخلاقية. هل يشمل هؤلاء وعيدًًُ النبي صلى الله عليه وسلم لمن ترك الجمعة ثلاثا؟ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعيد شديد لمن ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر، كقوله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ) . لكن هذا الوعيد لا يتعلق بالمحتجين على عزل الأئمة لأنهم يؤدون الجمعة في مساجد أخرى. وحتى لو تعذر عليهم أداؤها لاحقا فلا يشملهم الوعيد الوارد في الأحاديث لأنه مقيد بالتهاون، أو التكاسل أو لغير ضرورة. أما في حالتهم فإنهم لم يتركوها تهاونا بل إنهم سعوا إليها وارتادوا المسجد لأدائها ولكنهم امتنعوا عن أدائها درءا لمفسدة أعظم في تقديرهم. والله أعلم وهو ولي التوفيق كمال عمارة