حول إعلان المكتب التنفيذي لحركة النهضة، في بيان رسمي ، عن دعم مرشح حركة نداء تونس في الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا. إنه لمن نافلة القول أن لكل حزب الحق في عقد تحالفاته و علاقاته كما يشاء بما تقتضيه مصلحة البلاد و الحزب كما يراها. كذلك فإن لكل مواطن حق النقد و التصويب بعيدا عن لغة الشتم و التخوين من جهة و بعيدا عن التحقير و الإستخفاف من طرف أتباع ذلك الحزب الذين قد يضيقون ذرعا بالرأي المخالف من جهة اخرى. كذلك فإن بعض المعطيات قد لا تكون متاحة للجميع و عادة ما تكون هذه من التبريرات الشائعة للمواقف و البيابات "الصادمة" للأحزاب كمثل بيان المكتب التنفيذي الأخير موضوع الحديث. بداية دعونا نذكر الجميع أن هذا التعليق ليس من باب المزايدة أو ركوب العنتريات بل نفهم و نتفهّم إكراهات السياسة و دروس التاريخ و مكر الواقع المتحرك في تونس و المنطقة كلها. كذلك فمن المعلوم أن السياسة ليست علما صحيحا فكل موقف سياسي مهما كان له سلبيات و إيجابيات و السياسي المحنك هو من يتخذ مواقف إيجابياتها أكثر من سلبياتها و يجبر خصومه على اتخاذ مواقف سلبياتها أكثر من إيجابياتها. أما المواقف السياسية الخاطئة فهي مثل الخمر فيها اثم و منافع للناس و لكن اثمها أكبر من نفعها! أرى أن موقف حركة النهضة الأخير يندرج ضمن أحكام شرب الخمر المسموح به فقط عند الضرورة تحت القاعدة الفقهية المعروفة "الضرورات تبيح المحضورات". و لكن الظاهر أن اخوتنا في النهضة أستأنسوا شرب الخمر السياسي و نسوا أو تناسوا الشطر الثاني من القاعدة الفقهية القائل "بأن ما أبيح للضرورة يقدر بمقدارها"! لن أناقش الناحية الأخلاقية للموقف الأخير فالسياسة مصالح قبل كل شئ. كذلك لن أتعرض للمساوئ الصغرى من مثل الدخول في لعبة شقوق النداء و الإنحياز لشق (شق حافظ) دون آخر كما أني لن أدخل في تفاصيل المبررات بعنوانينها المختلفة من مثل مخططات اليسار الإستئصالي و عرابي الثورة المضادة فقد يكون وراء الأكمة ما وراءها و لكني أرى أن هذا البيان و المسار الذي سيترتب عنه سواء كان ذلك اختيارا أو اضطرارا سوف تكون له تداعيات تضر بمستقبل الحركة على المدى البعيد. و الخطر الأكبر حسب رأيي هو أن تفقد الحركة طابعها و هويتها لتصبح في أحسن الحالات شريكا من الدرجة الثانية و حزبا كبقية الأحزاب الزبونية الأخرى غير قادرة على الريادة َمن جديد. مناضلو الجيل القديم الذين عاشوا فترة التأسيس و التنكيل تبقى الحركة دائما بصورتها النقية في وجدانهم يلتمسون لها الأعذار و يتحملون من أجلها مر الكلام و علقمه ولكن ما الذي يغري شابا لم يطلع على عورات النضال زمن الرحي الممنهج ليلتحق بحزب لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء?! فالذي يبحث عن عنصر التديّن تكون الجماعات الدينية مقصده و الذي يبحث عن عنصر الحداثة تكون الجماعات اليسارية مقصده أما الذي يبحث عنهما الإثنين معا فلن تكون النهضة مقصده فهي قد فصلت الدين عن السايسة و تريد الإبتعاد أميالا عن "شبهة" الحزب الديني كما أن تاريخها و ممارساتها لا تجعلها أقرب حزب للحداثة. بعض المستسهلين لمسار التنازل لحزب أكثر رواده من الذين تلطخت أيديهم بالتعذيب و التعدي على حرمات الناس و أموالهم و أعراضهم في عهد المخلوع و عهد من قبله دون عقاب و دون أن يقدموا حتى مجرد الإعتذار إنما يدفعون لإعادة التجارب المريرة من جديد. الوضع الإقتصادي الرث للبلاد و أجواء القلاقل الإجتماعية في الأفق تُحتِّم على الندائين التوافق قبل أن يستتبّ لهم الأمر و لم لا إعادة سيناريو المخلوع الذي تمسكن بعد الإنقلاب حتى تمكّن من البلاد و نال ثقة النهضة ثم كشر عن أنيابه بعد ذلك و كلنا نعرف بقية سيناريو المأساة. الفرق هذه المرة أن النهضة لن تكون لها تلك الطهورية النضالية و لن يكون ظهرها محميا بعمقها الشعبي بل أن قائمة الشامتين ستتكاثر لتعرض خدماتها الإستئصالية بلا مقابل. بعض المريدين لسياسة "التكتيك" يحتجون بمسار حزب العدالة و التنمية التركي (المثل الأعلى سياسيا للنهضة) الذي بدأ بالتصالح مع مؤس سات الدولة العلمانية ثم تدرّج في تطبيق أجندته لكن غاب عنهم أن حزب أردوغان لم يصل إلى أعلى المراتب و إعلاء تركيا معه بشراكة منقوصة مع الحزب الحاكم هناك بل صوت له الناس كحزب قوي يطرح نفسه بديلا للمنظومة القائمة و يبشر بمستقبل أفضل لتركيا. لذلك كانت له جاذبية سياسية و بريق انتخابي لامع عند الشباب و المتعطشين لدور ديني أكبر في البلاد. هل هذا يعني القطيعة مع النداء و إدخال البلاد في دوامة تفتح على المجهاول و ترك الساحة للإستئصاليين? طبعا لا. و لكن ما "ابيح للضرورة السياسية يقدر بمقدارها" و الشعب ذكي و يفهم فلا تنازلات مجانية و لا "شراكة استراتيجية" مع شق من الشقوق قبل أن يميز الخبيث من الطيب و يعاقب القتلة و المجرمين لا أن نشرع القوانين لحمايية السراق و نقطع شعرة معاوية مع "الثورة" و ما بشرت به. قديما قيل من خالط الفحام نال سواده و كذلك من خالط النداء نال شقوقه! فالخوف أن تتحول ثقافة الشقوق الندائية إلى النهضة التي لم يعد حزبا عقائديا صلبا يصعب اختراقه بل حزبا عاديا كبقية الأحزاب عرضة للإنشقاقات و التشققات.