عدنا للثنائية القطبية: أمريكا + الصّين ! د.أحمد القديدي* تسقط الثنائية أمريكا + الإتحاد السوفييتي تحيا الثنائية أمريكا + الصين. هذا ما رددته عديد وسائل الإعلام الغربية حينما عقبت على فشل قمة كوبنهاغن الأخيرة حول الإحتباس الحراري وقد أجمعت على أن الصين تزعمت مجموعة السبعة و السبعين أي دول العالم الثالث لتصد السياسات الأمريكية و الغربية التي أعدت خصيصا لتوظيف المناخ لأغراض إستراتيجية معلومة منها كسر الرباط بين الصين و الهند و البرازيل و القارة الإفريقية بتعلة الخطر المزعوم الذي يمثله النمو الصناعي على مصير البيئة! و كان ذلك المؤتمر تكريسا أخر للثنائية القطبية الجديدة الطارئة علينا لتقاسم النفوذ في العالم لكن هذه المرة ما بين الولاياتالمتحدة و الصين الشعبية. نعم إنقلبت موازين العالم الحديث بسرعة حين إنهار جدار برلين و انتصرت الليبرالية الغربية بزعامة أمريكا على الإقتصاد الإشتراكي و سقط المعسكر الشيوعي دون حرب مستسلما لنهاية تاريخ محتومة بإعلان واشنطن نفسها عاصمة القوة العالمية الوحيدة إقتصاديا و عسكريا و ثقافيا. ثم استفاق المارد الصيني و إنطلق من القمقم ليفاجأ الدنيا بواقع غير متوقع، وهذا الواقع الجديد يوجز في بضعة أرقام و حقائق دامغة لا تقبل الشك وهي: 8,5% نسبة النمو الأقتصادي سنة 2009 مقابل حوالي 2% معدل نمو لكل من الولاياتالمتحدة و دول الإتحاد الأوروبي. 2273 مليار دولار مجموع إحتياطي الخزينة في الصين تستعملها بيكين ورقة ضغط و إبتزاز عالمية لمنافسة المد التجاري و الصناعي الأمريكي في العالم. 43 مليار دولار ميزانية الدفاع الصينية لسنة 2008 وهي تبلغ نصف ميزانية كل الدول الأعضاء في حلف الناتو. 100 ميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية الأخيرة ببيكين مقابل 110 للولايات المتحدة أي أن الفارق تقلص بين الدولتين منذ دورة لوس أنجلس سنة 1984 باستمرار حيث يتناقص عدد الميداليات الأمريكية و يتزايد عدد الميداليات الصينية. على صعيد الدخل الوطني الخام بمليارات الدولارات تفوقت الصين على فرنسا سنة 2005 و على بريطانيا سنة 2006 و على ألمانيا سنة 2007 و ستتفوق على اليابان سنة 2010. ثم إن الصين حصلت على الريادة العالمية في مجالات مختلفة تفوقت بواسطتها على كل الدول و بسرعة عجيبة مثل إنتاج الأجهزة الكهربائية و طواحين الريح و منصات الطاقة الشمسية التي تشكل إحدى روافد الطاقة البديلة و إنتاج أجهزة التلفزيون ذات الشاشة المسطحة و بطاريات السيارات الكهربائية و الهواتف النقالة و تجهيزات المنازل والمنسوجات بكل أصنافها و الشفرات للحواسيب و الفولاذ الصناعي و المصورات الرقمية و الخرسانة و الحبوب و التبغ و الأحذية و....القائمة تطول لو عرضنا كل البطولات الصناعية الصينية. أما الأهم و الأخطر في المنظور الغربي فهو الطموح الصيني في مجالات حساسة تعتبر حصرية أمريكية إلى اليوم وهي مجالات غزو الفضاء، فمنذ 25 سبتمبر 2008 حين إنطلقت المركبة الفضائية شنزو 7 و على متنها الرائد زاي زي غانغ و الذي خرج من المركبة ليقوم بجولة حرة، ينتظر أن ينزل أول رائد صيني على سطح القمر سنة 2020. والمجال الحساس الثاني هو تصنيع أسطول الطائرات التجارية بعد أن نجحت الصين في تصنيع طائرة إس 919 التي يتوقع أن تشرع في منافسة الإيرباص و البوينج لدى شركات طيران العالم الثالث الباحثة عن المردود العاجل و توفير الوقود. و في نفس السياق لا ننسى بأن بيكين أنتجت أول طائرة إيرباص 320 في مصانع التجميع بمدينة تيان جين. وهو شرط فرضته الصين على شركة إيرباص سنة 2004 حين قايضت صفقة إقتناء طائرات إيرباص بتمكين الصين من تجميع الطائرات لديها بالتكنولوجيا الصينية. و للقارىء العربي أن يسأل : و نحن العرب ماذا إستفدنا من صعود الصين و لماذا نقتني طائرات إيرباص و بوينج دون أن نفرض شروط التجميع على الأقل كمرحلة أولى مادامت هاتان الشركتان تتنافسان ثم هما تعانيان أزمات مالية و إجتماعية أعاقت إنتاجهما؟ الجواب هو لأن أمر العرب مختلف تماما عن أمر الصين. فالصيني حين يتحرك يضع نصب عينيه مصلحة الصين و أغلب العرب حين يتحركون يضعون نصب عيونهم مصالح الأفراد أو الجماعات فيكون الضعف من جانبهم وهم يفاوضون. أما اليوم فأعتقد أن علينا نحن العرب أن نغتنم تعملق الصين فنعزز علاقاتنا بهذه الأمة الصاعدة و التي ليس لها ماض إستعماري معنا و لا نوايا هيمنة سياسية. فنتعلم لغتها كلغة حية ما دامت أمة الصين حية لنفتح في وجوه أجيالنا القادمة هذه الآفاق الرحبة من التعاون الدولي في التجارة و الصناعة والسياحة و الثقافة، عوض الإقتصار المنحرف على الغرب الذي بدأ يدشن عهدا من العنصرية ضدنا و الخوف منا. فإن أضعف الأيمان هو أن نعدد مصادر تعاوننا لكي لا نظل رهينة الغرب. *رئيس الأكاديمية الأوروبة للعلاقات الدولية بباريس الوطن التونسية