كثر مؤخرا السجال في فرنسا , حول أولويات الجالية المسلمة , وكان ذلك نتيجة طبيعية لتراكم وبروز العديد من المشاكل والقضايا التي تتصل بالجالية وهمومها ومستقبلها , خاصة بعد العديد من التصريحات هنا وهناك (جون ماري لوبأن ووضعه لعلم الجزائر على خريطة فرنسا واتهامه للجالية بالسعي لاسلمة فرنسا , تصريحات وزير الهجرة واعتباره المسلمين هم الوجه البشع لهوية فرنسا , نقاش البرقع في قبة البرلمان وما أثاره من جدل حول المسلم وحقوقه وحريته داخل بلد من أهم شعاراته الحرية ...) مشاكل تظهر لأول وهلة وفي حال عدم التعمق في جذورها وأسبابها على أنها منفصلة الواحدة عن الأخرى وغير خاضعة لجدلية التأثير والتأثر ...والأصل في الشيء أنها أوضاع متأثرة بالوضع السائد في اروبا , ولا يمكن عزلها بحال من الأحوال عن المعادلة العامة والتي لا يمكن فهمها إلا بالعودة لنظرة الغرب للإسلام والمسلمين والوضع العام السائد في العالم والدي خلاصته أن الإسلام اليوم والحركات الإسلامية بالذات هي المستهدف... وما نراه هو القمة التي تخفي جبلا من الجليد يمتد من أفغانستان مرورا بالعراق ووصولا إلى فلسطين... وما يفرزه الوضع من تململ وغضبا يسود شعوبنا. ما دفعني لكتابة هذه الأسطر هو محاضرة ألقاها يوم الأحد احد الدعاة أو المفكرين , استدعته إحدى الجمعيات هنا , في إحدى مدن فرنسا , تحدث الأخ الكريم وأبدع في طرحه لكنه أثار في الأخير ضجة لا يستهان بها خاصة في صفوف الفتيات ألحديثي العهد بلباس الزي الإسلامي ( ولو لا احتواء المسالة بصورة نسبية من طرف نقاشات فردية مع هؤلاء للتهدئة من روعهم لكان لحديثه اثرا كبيرا ...) اعتبر الأخ الفاضل التركيز على حجاب المرأة وجعله القضية الرئيسية في نضالنا من اجل نيل حقوقنا يؤخرنا ولا يمضي بنا خطوات إلى الأمام , وبذلك قد نتغافل على مسائل وقضايا أخرى هي من جوهر ديننا ونحصره في موضوع الحجاب وبناء المساجد والنضال من أجل المآذن . حسب الأخ هذه ليست أولوياتنا اليوم ...كلام حسب رأيي لا يمكن أن يمر هكذا ودون تعليق , سأحاول هنا أن أركز على موضوع المرأة ولباسها ... أقول أولا : أن الأخ لم يقدر مآلات ما صرح به ...أرى من واجب العلماء التمييز بين محتوى الخطاب الذي يمكن أن يقدم لعامة الناس وعلى الهواء , كما يقال , والذي يجب أن تراعى فيه تركيبة هؤلاء إذ أنهم ليسوا سواء في مستواهم الثقافي والعلمي والمعرفي وبالخصوص الدرجة الإيمانية لديهم ثم مدى صلابتها وصمودها أمام تصريحات قد تشككها في قناعاتها ...فمن بين هؤلاء ضعاف الإيمان والنفوس وحديثي العهد بالالتزام بتعاليم الدين وخاصة اللباس ...كذلك لا ننسى أننا مقيمون في بلدان تتجاذبك فيها الفتن والمغريات من كل حدب وصوب ...الأخ بصراحة لم يراع مآلات ما قاله ...اذا يجب التمييز بين محتوى ومضمون الخطاب الذي يلقى على الهواء وبين ما يناقش ويطرح في الداخل بين مفكري وعلماء وأئمة الأمة الذين يمتازون بصلابتهم وتشبعهم العلمي وتمكنهم من تعاليم دينهم وكل ذلك يخول لهم طرح وبحث المسائل الحساسة فيما بينهم والخروج بموقف لعموم الناس ...وهذه منهجية جيدة للحفاظ على تماسك الأمة بكل أطيافها . التفكير في أولويات الجالية المسلمة وما يمكن أن يقدم من مصالح يقينية وجوهرية , وما يمكن أن يؤخر من مصالح شكلية أو ضعيفة أو مظنونة وموهومة ..يعد من المباحث التي يمكن ان يبت فيها الا أصحاب الاختصاص وبعيدا عن ضوضاء العامة لتجنب ما يمكن ان يحدثه ذلك من فتنة ... ثانيا : لا أوافق الاخ ان النضال من أجل حرية اللباس (ما يهمنا هنا طبعا هو اللباس الإسلامي ) ليس من الأولويات أو ليس من جوهر الدين , انا اعتبر أن موضوع المرأة بصفة عامة ولباسها بصفة خاصة هو من القضايا الجوهرية في ديننا , وهو اليوم أشد إلحاحا من ذي قبل , ففي داخل الجسم أو المجتمع الإسلامي هناك تيار ينمو ويسعى لتوطيد أركانه وتشريع وجوده , مهمته أفراغ الدين من محتواه : شكلا( محاربة الزي واللحية ) ومضمونا يعني إفراغ الدين من جوهره وحصره في مسائل وعبادات منقوصة وفردية والسعي لعزله عن المجتمع والشارع وحصره في الزوايا وزيارة القبور والأولياء الصالحين ...( تحدث الاخ المحاضر عن هذا الخطر وقد أحسن وأجاد في طرحه... ) وهو الداعي الى طي صفحة الدين لنبدأ في قضية تحرير المرأة من حيث انتهى فكر الحضارة الغربية ... ادعوا الى ضرورة الخروج من الفهم التقليدي لدور المرأة ووظيفتها داخل مجتمعها الى فهم شامل يضع المرأة أو يحسسها بمسؤولياتها امام الله بوضع بصمتها في البناء الحضاري و في المسار الشامل للنهوض بالامة ..والذي يتلخص في قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاءته أميمة بنت رقيقة لمبايعته مع وفد من النسوة , فقال لها : فيما استطعتن وأطقتن . بالمرأة يمكن ان نسمو ونلتحق بالركب وبها يمكن ان نسقط في أول الطريق , اذا ما نهضت المرأة نهض المجتمع واذا ما هوت الى أسفل سافلين نزل المجتمع الى الوضع الذي آلت اليه ...اتعلمون كيف ضاعت الاندلس يا مسلمون ؟ لقد اعد الفرنجة جيشا لهذه المهمة , ولكن قبل ان يتحرك هذا الجيش تنكر احد جواسيسهم في صورة تاجر ...لقد أرادوا ان يعرفوا حال المسلمين اولا ..وفي اول خطوة داخل اراضي الاندلس الاسلامية التقى هذا الجاسوس المتنكر , بصبي مسلم كان واقفا يبكي تحت ظل شجرة , قال الجاسوس للصبي لماذا تبكي هل تريد طعاما , مالا ام تقبل مني هذه الهدية ؟ لقد امسك الصبي المسلم بيد الجاسوس ثم ألقى بهديته على الارض قائلا : أتظنني طفلا حتى تضحك علي بهذه اللعبة ؟ لقد فوجئ الجاسوس بالاجابة واعترته دهشة ورعشة ثم اردف قائلا : اذن لما تبكي ؟ قال : ابكي لاني اخرج صباح كل يوم للتدريب على الرمي في هذه المنطقة وقد رايت طائرين فوق هذه الشجرة فاردت ان اصيدهما بطريقة واحدة ...غير ان طائرا واحدا سقط بينما طار الآخر ونجا لهذا حزنت ...حزنت لانني عجزت عن صيد طائرين بضربة واحدة وأخشى ان يفاجئنا أعداء الله , فلا أقتل منهم الكثير بهذه الحربة . استدار الجاسوس راجعا على الفور وأمام هيئة قيادة الجيش , قال لكبير كهنة العدو : هكذا يفكر الأطفال فكيف بالرجال من ذوي الخبرة في القتال ...ما العمل ( كانت الإجابة ) عليكم بالنساء والخمر , هذا هو السلاح الحقيقي في معركة الغد ...(استشهاد ورد في الصفحة 88و89 من كتاب أفيقوا أيها المسلمون قبل أن تدفعوا الجزية للمرحوم الدكتور عبد الودود شلبي وهو من أعلام مصر ومن الذين أدركوا مبكرا خطر التنصير على الإسلام فكان مشروعه الفكري متميزا في هذا المجال وأنا ادعوا الى قراءة مؤلفاته في هذا المجال وهي عديدة ...) عليكم بالنساء والخمر هذه النصيحة التي كان لها دور فعال في الإطاحة بحضارة ثمانية قرون تدفع بنا الى اعتبار شأن المرأة وضرورة الحرص على صلاحها من أولويات الأمة ففسادها يعني فساد المجتمع ...وهذه النصيحة التي مر عليها الآن عدة قرون هي ذاتها ولم تتغير تغيرت فقط اللهجة استهداف مجتمعاتنا واختراقها انطلاقا من إفساد المرأة بالمغريات بشتى أصنافها ( فضائيات ومسلسلات ونوادي ومحلات للملابس ومجلات ودور رقص ....تتكاثر كالفطر في بلداننا ...) يعرفون جيدا دور المرأة في تنشئة الأجيال... فأنت ان علمت امرأة علمت جيلا ووضعته على السكة الصحيحة والعكس صحيح ...وهنا يندرج منع الحجاب للفتيات في المدارس والمعاهد وغض النظر عليه في الكليات ( رغم تعرض العديد للمضايقات...) ,الهدف من ذلك واضح وهو الرغبة في ابعاد البنت عن لباسها الشرعي مبكرا , وعند ترسخ عادة العراء والتسيب منذ سن مبكرة يصعب بعد ذلك الرجوع ....وهم تخطيط خبيث يشتغل على مدى بعيد , هدفه افساد المجتمع بصورة بطيئة وخفية ...وهنا وبالمناسبة , اريد ان اعلق على فكرة وردت في كلام الاخت سامية دريس في برنامج الملف , بقناة الجزيرة , لا أوافق الاخت الفاضلة حول قولها ان المشكلة هي فلسفية وإيديولوجية بالاساس لان الدين في المجتمع الفرنسي هو رمز التخلف والاستبداد للعنصرية والثورة الفرنسية جاءت لتقضي على كل هذا فالحجاب عند ماذا يحدث الحجاب ؟ يحدث يعني زوبعة عند العقل الفرنسي لانه يذكره برجوع الدين للساحة العمومية (النص كما ورد في موقع الجزيرة ) انا لا أوافق الأخت في طرحها أي انها ترى الغرب مشكلته مع الدين بصفة عامة وليس مع الاسلام بالذات , وشكل المرأة يذكره بالكنيسة وممارساتها... هذا فهم تبسيطي للمسألة التي هي أعمق من ذلك بكثير لو كان الامر كذلك لحارب الغرب الراهبات بلباسهن ولحارب الرهبان في الكنائس... وما تقوم به الكنيسة اليوم من دور في السياسة لا يخفى على احد , كان قادة الحرب على الجزائر في القرن الماضي وما قبله يذهبون للكنائس للصلاة و لشكر الرب حسب تعبيرهم , كلما وصلتهم أنباء عن انتصارات جيوشهم .. ( هذا مجرد مثال طبعا ,وهي كثيرة ولا تحصى ولا تعد ) وفي المقابل يريدون اقناعنا بانه لنتطور علينا بابعاد ديننا عن حياتنا الاجتماعية , قال المستشرق جب في هذا السياق :لقد فقد الاسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئا فشيئا , حتى انحصرت في طقوس جامدة محددة وقد تم هذا التطور عن غير وعي ولا انتباه ...ولم يعد من الممكن الرجوع عنه ولكن هذا التطور يتوقف الى حد بعيد على القادة والزعماء في العالم الاسلامي وعلى الشباب منهم بصفة خاصة .الشباب منهم بصفة خاصة , افساده للمحافظة على التطور (تطور بمقاييسهم المقلوبة والعبثية ) , تطور نحو جهنم فيه الغاء لديننا من كل مجالات حياتنا ( هذا هو الهدف من محاربة لباس المرأة ). ثم ان حشر الكنيسة أنفها في سياسة بلدانها أصبح اليوم من البديهيات التي لا تناقش ...وأصبح رأي الباباوات من الآراء التي يعتد بها ويأخذها قادة الغرب بعين الاعتبار ...وبالأساس في محاربة الاسلام (وأقول محاربة الإسلام لا غيره والشواهد على ذلك كثيرة ولا يسع المجال لذكرها ) وفي في هذا المجال او السياق العام يندرج موضوع محاربة حجاب المرأة والذي هدفه الاساس اختراق المجتمع وافساده من الداخل وعلى يد ابنائه ( المرأة بالخصوص ) يتبع إن شاء الله مريم حمدي