لندن / عمرو محمد يُعدّ الدكتور عزام التميمي، مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي بلندن، واحدًا من رموز العمل الإسلامي في بريطانيا، وعضوًا بارزًا في الرابطة الإسلامية في بريطانيا. الدكتور التميمي من مواليد مدينة الخليل في فلسطينالمحتلة في العام 1955، وحاصل على شهادة الدكتوراة في النظرية السياسية من جامعة وستمنستر بلندن، عن أطروحة قدَّمها في العام 1998 تحت عنوان: (الإسلام والانتقال إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط: آفاق وعقبات) إلى جانب أنه كان قد أصدر عددًا من الكتب. في حديثه لشبكة "الإسلام اليوم" يتعرض د. التميمي لواقع الفكر العربي والإسلامي، وما يتردد عن مواجهته لأزمة، كاشفًا في الوقت نفسه عن أسباب رفض الحكومات للتيارات الإسلامية المعتدلة. ويتناول د. التميمي واقع الإعلام العربي من خلال رئاسته لقناة الحوار الفضائية، بالإضافة إلى تعرُّضه لما يتردد عن استجابة الحكومات العربية والإسلامية لضغوط من نظيرتها الغربية لقمع الإسلاميين ومنع وصولهم إلى السلطة، وتاليًا تفاصيل ما دار:
إقصاء الإعلاميين ما تفسيركم لمحاولة الحكومات العربية والإسلامية إقصاء التيارات الإسلامية المعتدلة من دخول المعترك السياسي، على الرغم من إبداء هذه التيارات لحسن النوايا في أن يكون دافعها هو مصلحة الأمة؟ الأنظمة السياسية تدرك جيدًا أن أية محاولات لتحقيق الديمقراطية، فإن هذا سيؤدي حتمًا إلى تداول السلطة وإحداث شفافية وإقامة أنظمة حكم سليمة، وستؤدي إلى كسر الاحتكار الحاصل في السلطة السياسية، ولذلك هناك ارتباط وثيق بين احتكار السلطة وبين الفساد، ولذلك يخشون من أي محاسبة في حال الانفتاح السياسي. ومثل هذه الحكومات تحاول إقصاء كل من يخالفها، ولا تفسح المجال لأحد ينافسها، فلدينا أنظمة حكم عربية ليست "مؤدلجة"، ولها مصالح، وفي بعض المواقع أصبحت كالمافيا، فهناك تداخلٌ بين المصالح بين الحكومات وبين أصحاب رأس المال. كمهتم بالشأن الإعلامي من خلال رئاستك لقناة الحوار الفضائية، ما هي رؤيتك لأوضاع الإعلام العربي حاليًا؟ لا تزال الفضائيات المملوكة للحكومات ضعيفة للغاية، على الرغم من الأموال الطائلة التي تنفق عليها، إلا أن هذه الأموال يتم إهدارها، ويحدثني مسئولون بوزارات الإعلام العربية أن ميزانيات مثل هذه القنوات الرسمية هي ميزانيات فلكيَّة. ولكن في المقابل، لا يشاهد جمهور المشاهدين العرب مثل هذه القنوات، التي أصبحت طاردةً لمشاهديها، نظرًا لنمطيتها وتقديمها لمواد "مملَّة" إعلامية، لا تعتمد على الحرفية في الكوادر البشرية، أو المهنيَّة لهم. وفي المقابل هناك إقبالٌ على القنوات التي تم تحريرها من جانب الأجهزة الرسمية، وإذا أخذنا مثالًا على ذلك، نجد قناة الجزيرة، فهي على الرغم من ملكيتها للحكومة القطرية، إلا أن من يشاهدها لا يشعر أنه يشاهد قناة رسمية أو مملوكة لدولة. وبالإضافة إلى هذه النوعية من القنوات، هناك فضائيات أخرى، ولكنها خاصة، والذي يعكر صفوها أنها تُمارَس عليها قيودٌ، ولكننا في قناة الحوار ولكوننا قناة بريطانية فلا تملك الحكومات العربية تهديدنا، سواء بإغلاق المكاتب أو منع المراسلين، لأنه ليس لدينا مكاتب أو مراسلون في العالم العربي. ولكن التهديد الذي يواجهنا هو منع المحطة من البث على الأقمار الاصطناعية العربية، ولكن في المقابل فإن الحكومات مهما فعلت من تكبيل للكلمة، فإنها لا تملك الحجر على الناس، أو مطاردة الفضائيات على "الإنترنت". ولذلك نصيحتي للحكومات العربية أن تراجع سياستها في فرض القيود على الإعلام العربي، ونطلب منهم أن ينضموا إلينا وينافسونا في حريتنا العامة، ومنها حرية التعبير، بدلًا من أن يفرضوا قيودهم على الإعلام العربي. أزمة متعددة الجوانب من خلال اهتمامكم بالواقع الثقافي والفكري للعالَمَيْن العربي والإسلامي، ما تقييمكم للأزمة التي يعيشها العالم العربي والإسلامي حاليًا؟ الواضح أن الأزمة في العالم العربي متعددة الجوانب، وليس من الإنصاف أن نحملها على جانب من الجوانب الحياتية، فجزء منها سياسي وآخر ثقافي وآخر فكري. والأمة لها عقود طويلة تحاول الخروج من أزمة التخلف الحضاري، وهذا اصطدم بعقبة الغزو الاستعماري، وكان من نتيجة ذلك أن أصبح المواطن العربي مكبلًا، وفي الوقت نفسه فإن هناك من يبحث عن حلول لإنهاء الأزمة. ولذلك فإن حالنا ليس كحال الأوروبيين، لأن أزمتهم كانت محلية، ولكننا كعرب أزمتنا في البداية كانت محلية، ثم ما لبثت أن أصبحت عالمية، لذلك فالموضوع متشابك. وموضوع الفكر والثقافة ليس بمعزِل عن الجانب السياسي، فصناع القرار يتدخلون في كل شيء، حتى في الطريقة التي نريد أن ننشئ بها أجيالنا، وهو ما يظهر في توجيه المناهج التعليمية، فضلًا عن دور الإعلام، والذي تسيطر عليه الحكومات، من خلال الإذاعة والتليفزيون والصحافة، لذلك فالموضوع في غاية التعقيد. أسباب التراجع الحضاري وما تفسيرك لأسباب التراجع الحضاري والثقافي للعرب والمسلمين، في ظل ما يذهب إليه البعض بأن هذا التراجع يأتي نتيجة حتمية للتطور التاريخي لتطور أو لضعف الشعوب، في أن يصعد فريق وليكن الغربيون على حساب غيرهم وليكن هذا الفريق هو العرب، وهو ما يعد مقابلة تاريخية، بعدما كانت الغلبة للعرب والمسلمين؟ الواضح تاريخيًّا أنه في فترة من الفترات وعندما توقف المسلمون عن الأخذ بالتطور تراجعوا، وتقدم غيرهم، وهذا يحدث منذ أن بدأ البشر في تدوين التاريخ، وهذه دوراتٌ موجودة في التاريخ، ومَن يقرأ التاريخ يدرك ذلك جيدًا. وهذه ليست ثنائية بين العرب والأوروبيين، وإن كانت المجتمعات تتبادل الأدوار، فإن هذا ليست له علاقة بين الصعود أو التراجع الحضاري للأمم، ونحن في يوم من الأيام كنا كعرب وكمسلمين مركزًا حضاريًّا مقارنةً لغيرنا. سياسة الاحتواء وكيف تنظر إلى الدور الذي لعبته الحكومات السياسية في احتواء المثقفين والسياسيين، وإحداث حالة من التراجع الحضاري داخل دولنا العربية والإسلامية؟ على الرغم من أن الأنظمة السياسية نجحت في احتواء المثقفين والسياسيين، من خلال ما تملكه من أدوات للترغيب والترهيب، إلا أنه لا يزال هناك نفر يستصعب على الاحتواء، ويؤمن بالكلمة الحرة، ويدافع عنها مهما كانت العقبات والتحديات التي تقف أمامه. ولا شكّ أن أكبر عقبة في التأثير على النهضة والتقدم هي السلطات السياسية، والتي تكبل المثقفين وأصحاب الأقلام الحرة، وهنا أتساءل: كيف يمكن أن ننهض سياسيًّا، أو ثقافيًّا، أو على أي مستوى من المستويات، وهناك قيود مفروضة على المثقفين وأصحاب الأقلام الحرة؟! وبالمؤكد فإن الكلمة هي بداية النهوض الحضاري، ولكن هذه الكلمة حينما تكون مكبلة بوسائل أو بأخرى، سواء بالتعذيب أو التنكيل أو المنع أو السجن، وأحيانًا بالتصفية الجسدية، فإن ذلك كله سيكون عائقًا نحو النهوض الحضاري، ومن ثم الثقافي. وللأسف فإن النضال من أجل الحصول على الحرية وانتزاعها، يستهلك الكثير من طاقاتنا البشرية، وكذلك من مواردنا، وله تداعياته على حياتنا الاجتماعية. الانعزال عن المجتمع هناك من يرى أن المثقفين لا يعيشون هموم مواطنيهم، ومن ثَم أعطوا فرصة لمثل هذه الأنظمة في احتوائهم، فما تعليقك؟ في الواقع، فإنه عندما يفتح القراء صحفًا أو يشاهدون فضائية، فإن هناك مَن لا يرغمهم أحد على قراءة مقال بعينه، ونفس الشيء ينطبق على الإذاعات والفضائيات، فاليوم المواطن هو الذي يختار وينتقي، ولا يتم فرض شيء عليه، على الرغم من إهدار أموال هائلة على مشاريع إعلامية، إلا أنها لا تجد تجاوبًا من جانب جموع المشاهدين أو المتلقين على وجه العموم. الآن في هذه الحالة التي نمرُّ بها، فإن المواطن الذي يسمع ويشاهد، يكون حكمه واضحًا على من يشاهده أو يسمعه أو يراه، وخاصة ممن يهتمون بأمور حياتهم، فهؤلاء الذين يعيشون في برج عاجي يعزلون أنفسهم عن المواطنين وواقعهم. ربما هذا يدفعنا إلى خطورة تأثير رأس المال على السياسي ومن ثم المثقف، كشكل من أشكال الاحتواء، كما سبق وتحدثنا؟ هي علاقة مباشرة بالتأكيد، ولكن أي جهة تحتاج إلى مال، ولكن إذا كان لرأس المال هذا تأثير وله "أجندة" على المثقف والسياسي، فإن هذه خطورة كبيرة، ولكن صاحب الكلمة الحرة لا يمكن له القبول برأس المال ذات "الأجندة"، أو يرهن نفسه لذلك، فإما أن نعبر بحرية عما يجول فينا، أو نرفض أية إغراءات لهذا المال. الضغوط الغربية وهل تعتقد أن ما يمارس بحق الإسلاميين المعتدلين من جانب الحكومات، يأتي استجابةً لضغوط غربية، فيما يرى البعض أن هناك مطالبات أجنبية بضرورة التعامل مع المعتدلين من الإسلاميين؟ لا يمكننا التأكيد حتى الآن أن هناك مطالب حقيقية من قبل صانع القرار الغربي للتأثير على صانع القرار في العالم العربي، وإن كانت هناك مراكز أبحاث وكتاب في العالم الغربي ممن يقولون بضرورة عدم تجاهل التيارات الإسلامية المعتدلة في صنع القرار السياسي. ومن المهمّ عدم الخلط بين الدعوات الصادرة عن أفراد أو مراكز أبحاث في الغرب، وبين المواقف السياسية للحكومات، وإن كانت هناك محاولات للاحتواء، على نحو ما حدث في العام 2006 عندما تم رفض شرعية حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ونجاحها في الانتخابات "البرلمانية"، وما لاحظناه فيما بعد من التفاف عليها لإسقاطها، وكانت مطالبة الإدارة الأمريكية السابقة بإجراء انتخابات في فلسطين، وكان ذلك رهانًا خاسرًا على عدم فوز "حماس" في هذه الانتخابات. لكن هذه الآراء هي آراء تمثل أقلية، ولا يعمل بموجبها صناع القرار السياسي الذين يتعاملون ويشاركون الأنظمة السياسية المستبدة في العالم العربي، ويتحالفون معها لإقصاء كل من يتخيلون أنه يعمل لتطبيق الديمقراطية