كتبه : عبد الله ولد محمد عبد الرحمن نواكشوط / موريتانيا يا لخيبة الأمل! لم تعد تعني زيارة ميتشيل للمنطقة شيئا بالنسبة لأحد ، هذا إن كانت قد عنت شيئا يوما ما ، تماما كما لم تعد تعني تصريحات اوباما ولا خطاباته ولا ما تحدثوا عنه من كاريزما شيئا ، سقطت كل الأقنعة وكل الأوجه بانت على حقيقتها فلحليمة عادة قديمة لا تتبدل ولا تتغير أسود سيد البيت الأبيض أو ابيض أو احمر لا يهم ، فأمريكا هي أمريكا، وحاولوا أن تنسوا خطاب القاهرة وما قبله وما بعده من الكلمات الجميلة الرنانة عن السلام والتعايش وتغيير السياسات في المنطقة فكل هذه كانت مجرد شعارات انتخابية ومرحلة انتقالية عاشتها الإدارة الأمريكية بعد تولي المحترم اوباما السلطة ، لن أتحدث عن الآمال العريضات ولا التهاليل التي تلقي بها اوباما ، لأن اوباما خيب كل ظن ، وكل من نادى به يوما منقذا لأمريكا والعالم لا شك أنه يخجل الآن عند ذكر اسمه خاصة في منطقتنا العربية والشرق أوسطية خصوصا ، فكل الذين برزوا بعد نجاح اوباما وخاصة بعد تعيين جور ج ميتشيل مبعوثا خاصا للشرق الأوسط مبشرين بفجر جديد للمنطقة ووجه جديد لأمريكا اوباما وسياستها الخارجية كل أولئك و بعدما ملئوا شاشات التلفاز تواروا الآن ، فكل وعود اوباما كانت كاذبة ، والسيد ميتشيل لم يغادر إلى فلسطين و إسرائيل إلا وعاد بصفعة إسرائيلية ساخنة على الخد من المستوطنات إلى رفض المفاوضات إلى أمور أخرى كثيرة وخدا الرجل احمرا وتوردا من شدة الصفع ، وكل ما بقي لديه من حلول أن يعود من فترة لأخرى ليحظى بصفعة أخرى وكأن هستيريا التردد جيئة وذهابا أصابته ،وصار اوباما أمام هذا الواقع ملزما بأن يبتلع لسانه وكلامه المعسول فهو لم يعد سوى اسطوانات مشروخة عرفنا أنها لا تقدم ولا تؤخر ، فميتشيل و إن كان نجح اليوم هناك فهو يعيش هنا وضعية مزرية سمتها الأبرز الخيبات و الفشل فمفاوضات السلام لم تتقدم قيد أنملة وسياسات إسرائيل الهمجية والعدوانية تتصاعد بشكل يومي و أمريكا لا تزال ذلك الراعي الرسمي والحليف المطلق لأمريكا وكل ما جنيناه من اوباما هو تأكيده على هذه القضية وتأكيده بأنها حقيقة ومسلمة فأمن إسرائيل من امن أمريكا كما تردد دوما السيدة كلينتون ، وليضع ذلك في جيبه من أمل يوما خيرا من اوباما ، لينظر واقع فلسطين اليوم من أمل يوما أن نهاية المأساة ستكون معه . عرفناها من البداية يا ميتشل في الأشهر الأولى لهذه الإدارة كانت زيارات ميتشيل تحظى باهتمام كبير على مستويات كثيرة وعيون العرب و الشرق الأوسط شاخصة إليه وآذانهم مشنفة إلى خطاباته و كلماته ، كان المساكين في انتظار تلك الخطوة و تلك العبارة التي ستدين إسرائيل دون تحفظ وتوبخها وهذا فقط كان يكفيهم ، ولكن من يجرؤ على إهانة إسرائيل ؟ من أهل البيت الأبيض ، بدأ السيد يحاول موازنة الكلمات وإذا ما حدث أي انزلاق فهمه الوحيد أن لا يكون باتجاه إسرائيل ولماذا إسرائيل والعرب يتحملون الأفعال المشينة بحقهم فكيف بالكلمات ، بل لا شك أن الكثيرين في الغرب متفقون مع الكثير منا بأن حكام العرب لم يعودوا ذوي حساسية لا للأقوال ولا للأفعال ، وكان العزاء أمام خيبات الأمل هذه و إخفاقات ميتشل في إقناع العرب بأدائه ، كان العزاء في ما سمعوه من وسائل إعلام بأن السيد معروف بطول النفس والتريث وهي نفس السمة التي نجح بها قبل أعوام ، لا شيء أكثر، إنها فقط السذاجة العربية المعروفة ، فعلى عكس ما انتظرناه بدأت إسرائيل تمعن في طغيانها و تطور من أشكال عدوانها وتجاوزت مع صاحب اوباما كل الأعراف الدبلوماسية من حدود اللباقة والمجاملة وما إلى ذلك ، ومن زيارة لأخرى كان قاموس ميتشل ينفذ و مصطلحاته تنبض والوضع من سيئ إلى أسوأ فاضطر للعب دور المتسول وهو يستجدي ناتانياهو خطوة واحدة يمكن أن يذكرها وما كان قلب ناتانياهو ليرق لاستجداءات عجوز اوباما المسكين ، وآخر ما اضطر للعب دوره التابع الذي يحمل أفكار ناتانياهو ويطرحها على البيت الأبيض ثم يهذبها قليلا ليختار منها ما يصلح ليتخبط فيه أمام جمع من الصحافة ، وكانت كالعادة أطرافنا المفاوضة تنتظر موافقة إسرائيل على اقتراحات أمريكا أو على الأصح موافقة الأخيرة على شروط الأولى ، وهي موافقة مسبقا في أي زمان ومكان ، وما نراه من رفض لكذا وكذا فمجرد رفض لكون إسرائيل أيضا رافضة هذا الكذا وذاك الكذا أيضا ، وما إن توافق إسرائيل حتى تجد مفاوضينا يهرولون لطاولة المفاوضات حيث سيضيعون شيئا آخر من الأرض أو العرض، ما يتقنه العرب الأحلام..والتحجج مع الزمن كان الحالمون العرب مضطرين للتخلي عن أحلامهم وعادوا للأوهام التي يبدءون يتحججون بها إلى أن يقتنعوا بها فلا تجد حاكما عربيا إلا وله كيان الوهم ذاك الذي بناه وهو وسيلته الوحيدة لتبرير ذله وانهزامه وتخاذله ، وحين تسأله أي شيء يعو د إلى تلك المعطيات الوهمية ، فلكل حكامنا الآن ما سيجيبونك به حين تسألهم عن ميتشل والمفاوضات والقضية الفلسطينية و الآن لا تزال شماعة الخلاف الفلسطيني تشكل لهم حلا ،وإذا ما اتفق الفلسطينيون سيجدون أمرا آخر لأن الحقيقة هي أن هذا الشكل هو مجال إبداعهم ، لمن سأل نفسه يوما ماذا يتقن الحكام العرب ؟ هذا فقط والتبريرات والمماطلات ، ميتشل الآن لا شك أنه لا يعرف كم مرة زار فيها الشرق الأوسط لأنه إذا اشتغل بعدها سوف لن يبقى له وقت ليعمل شيئا آخر ، والأكيد أنه يعرفه هو أنه لم يحقق شيئا وربما مع هذا يعرف أمرين آخرين في غاية الأهمية وهما أن السيد أبو مازن والمنادين بالمفاوضات من الفلسطينيين والعرب هم أناس ساذجون و أغبياء ولا يفهمون في اللعبة شيئا ، وان إسرائيل لا تريد السلام و المفاوضات بالنسبة لها مجرد فترة راحة تفكر فيها بالخطوة العدوانية القادمة وبالطريقة التي تشرع بها أعمال لا شرعية سابقة وما هي إلا فرصة لاستغلال الوقت وتضييعه ، ولا شك أنه عرف فوق كل ذلك أن المفاوضات تنازل فلسطيني وإمعان إسرائيلي ، هذا إن كان ميتشل بدرجة الذكاء التي حدثونا عنها ، حين يبحث ميتشل عن الخلاص ... وحين يجرح ميتشيل مشاعر الفتاة الرقيقة إسرائيل فلن يعدم مجلس الشيوخ طريقة يريحه بها في لحظة ستكون ملامحه المرهقة قد شحبت جدا، فأبسطه أن رحلاته صارت تشكل عبئا على ميزانية أمريكا ، كما لن يعدم هو طريقة إذا ما مل مشاهد مطارات تل أبيب و أروقة مكاتب وزراء إسرائيل ،أما زياراته إلى السيد أبو مازن فهذا إجراء أبروتوكولي خفيف تحضيرا لوجبة ناتانياهو الثقيلة والحارة والدسمة أكثر من اللازم والتي سيبتلعها ميتشل ورجله فوق رقبته كما يقولون في المشرق ، حين يمل ذلك فلن يعدم هو الآخر حيلة وأقله يحذو حذو الجنرال وله في ماكريستال أسوة حسنة ، وحقيقة فأنا ما أعجبني في السيد طاقة تحمله الهائلة ولا شيء غير ذلك ، وكل ما اطلبه منه أن يجلس إلى نفسه ويقوم بعملية حسابية صغيرة ، كم من مرة زار المنطقة ؟ ماذا حقق للسلام أو للفلسطينيين ؟ وماذا ينتظر وهل هنالك أمل ، وحين يجيب على هذه التساؤلات لا شك أنه سيريح نفسه ويريحنا ، وبالمناسبة ما يرد الآن عن مفاوضات مباشرة وغير مباشرة ما هي إلا سقطات مباشرة للسيد ميتشل أمام ضغوط ومطالب إسرائيل ولا شك أن الإسرائيليين الآن سعداء كون الخطة تجري كما يجب ، أما صحبنا نحن من المقايضين والسماسرة والمستسلمين فهؤلاء ساقطون منذ زمن وليسمحوا لي قسوة العبارة إن كانوا شعروا بها، وما هم فيه مجرد سلسلة سقطات يحملون خلالها قضيتنا وقدسنا إلى الهاوية ولا أدري حقا إلى متى سنظل نتفرج على هذا ؟