السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    بمشاركة حوالي 3000 رياضي ورياضية: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عناصر من أجل تجديد الوعي الإسلامي المغربي : مصطفى المعتصم
نشر في الحوار نت يوم 23 - 08 - 2010


عناصر من أجل تجديد الوعي الإسلامي المغربي
(في حرية الاعتقاد .. )
- مساهمة في النقاش من وراء القضبان -
مصطفى المعتصم*

تقديم :
الذين احتكوا بالأستاذ مصطفى المعتصم عن قرب يعرفون تميزه بقدرة كبيرة على توليد الأفكار الجديدة في كثير من المجالات سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الفكر أو البيئة أو النموذج الإسلامي ..أو غير ذلك ، ومعروف عن المعتصم أيضا جرأته الكبيرة في التعامل مع الأشياء ، ليس فيما هو مرتبط بالموقف السياسي فقط ولكن أيضا بالتفكير في الصيغة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها الخط الإسلامي، ويلاحظ البعض أن المعتصم يذهب بعيدا في أفكاره الداعية إلى الاجتهاد حتى اخر الحدود بما يجعل بعض هذه الأفكار غير مستساغة عند جمهور لا بأس به من الإسلاميين ، وفي هذا المقال الجديد الذي كتبه على ضوء الزنزانة الخافت وصمتها ورطوبتها وقساوتها يتناول منظر ما يسميه هو " الإسلاميين الديمقراطيين بالمغرب " موضوعا على قدر كبير من الحساسية هو المتعلق بحرية الاعتقاد داخل المجتمع المغربي والذي انفجرت إحدى شظاياه مرة أخرى مع بداية شهر رمضان المبارك لهذا العام حين خرج بعض الشباب المغاربة يطالبون بأن يعطى لهم الحق في الجهر بالإفطار خلال شهر الصيام دون أن يطالهم الإجراء الجنائي

************************

قضية الحرية عموما والحرية الشخصية خصوصا وقضية حرية الاعتقاد والتدين بالتحديد من القضايا التي شغلت الفكر الإنساني منذ القدم...تناولها الفلاسفة وعلماء الكلام والمناطقة والمفكرون وغيرهم..
هذه القضية لا تزال تثير النقاش اليوم حتى في العالم الذي يسمي نفسه بالحرأو الليبرالي...عاد الحديث عن موضوع الحرية الشخصية:تعريفها وحدودها في الولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتداءات 11شتنبر 2001..ويثار اليوم في فرنسا واسبانيا وبلجيكا نقاش وجدال بل مراء حول هذه القضية وسببه ارتداء بعض الفتيات المسلمات للحجاب في المدارس،وأنا هنا لاأتحدث عن الضجة التي يثيرها البرقع أو النقاب حاليا.
نحن أيضا في المغرب في بدايات التأسيس لنقاش حقيقي حول العديد من القضايا ومن بينها أو في مقدمتها قضية الحريات الشخصية بعنوانها البارز حرية التدين والتمذهب وحرية ممارسة الشعائر التعبدية.
إن النقاش حول مفردات المشروع الحداثي الديمقراطي (الحداثة بمفهومها الابداعي وليس التقليد)نقاش مطلوب وواجب،إن نحن أردنا تجنب المآزق التي سقطت فيها بعض النخب الحاكمة في محاولتها محاكاة حداثة الأنواروفرضها على شعوبها فكانت الكوارث والمشاكل التي عصفت بدولها جراء الرفض الكبيرمن الجماهير الواسعة وبعض القوى المحافظة أو المتحفظة على الكثير من تفاصيل الحداثة خصوصا في علاقتها بالدين والأسرة (الحديث دائما عن حداثة الأنوار).
حدث هذا الرفض الكبيرفي بلاد كانط -ألمانيا-وحدث في روسيا القيصرية وحدث في اليابان وحدث في إيران الشاه وحدث في أندونيسيا سوكارنو وفي تركيا اتاتورك.
إننا اليوم في المغرب قد أصبحنا - مجتمعا ونخبا- تتقاسمنا وتتجاذبنا المرجعيات المتباينة،والمهم ونحن نسعى إلى تحديد مفردات ومضامين مشروعنا المجتمعي-مشروع الأمة المغربية-أن نسعى إلى إيجاد الآلية الناجعة لتدبير الخلاف والاختلاف خصوصا في القضايا الكبرى..والأكيد ان مشروعنا المجتمعي لن يكون إلا توافقيا ومبنيا على الاتفاق وهو أمر لن يكون سهلا وهينا وبدون آلام ومخاض عسير.
بداية لا بد من إزالة عائق خطير يهدد العلاقة بين أصحاب المرجعيات المختلفة ببلادنا..عائق الخوف والتوجس من الآخر المختلف والشك في نواياه والريبة مما يسعى إليه مستقبلا.
لابد أن يلتقي أصحاب المرجعيات المختلفة ليتعارفوا ويلقوا السمع ويجيدوا الانصات لبعضهم البعض بعيدا عن الأحكام الجاهزة والتمثلات المبنية على الشائعات.
والأكيد أن مسالة الحرية وحرية الاعتقاد والتدين واحدة من القضايا التي ستثير الكثير من الخلافات حولها ولكن لا أتصور أننا باستطاعتنا الالتفاف أو الهروب من طرح هذه المشاكل بداية في إطار نخبوي ثم بعد ذلك في إطارعام.
في العدد 198 من جريدة "أخباراليوم" وجه مؤسس مجموعة:"واكل رمضان..صايم رمضان..كلنا مغاربة"دعوة للحوار يقول فيها:"إن هذه المجموعة تسعى إلى خلق نقاش هادئ قبل رمضان،وكذا من أجل التواصل حول موضوع إفطار رمضان وحرية الأفراد في ممارسة العقيدة...".
نعم الوطن للجميع..وكلنا مغاربة مسلمين وغير مسلمين مؤمنين وملاحدة ولا يجوز المس بمواطنة أي كان بسبب أفكاره أو مرجعيته..وأضيف أن الدين أيضا للجميع والله للجميع فمن شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء أن يكفر فليكفر وليس لأحد أن يحتكر الدين أو يتكلم باسمه،كما أن الملك للجميع وليس لأحد أن يحتكر العلاقة به،والسياسة والسلطة والثروة دولة ومتداولين بين الجميع وليس لأحد أن يحتكرهم.
إنني إذ أثمن دعوة السيد نجيب شوقي إلى حوار هادئ حول مسألة حرية التدين والعقيدة أتساءل هل اللجوء إلى محاولة الافطارالجماعي العلني أو التهديد بإعادة المحاولة من مستلزمات الحوار الهادئ؟
لاأعتقد بل أكاد أجزم أن السيد نجيب شوقي ومن معه قد جانبوا الصواب وأخطأوا الوسيلة..وقد تكون خلفيتهم الثقافية والفكرية واستحضارهم للتجارب التي تغيت إحداث صدمة لدى الرأي العام في المجتمعات الأخرى من وراء اختيارالافطار في رمضان كوسيلة لاثارة الانتباه إلى مسألة حرية العقيدة.
والحق يقال أنهم صدموا الرأي العام ولكن رد الفعل الانعكاسي feed back لم يكن إيجابيا بل جاء عكس المنتظر.
صحيح أثير نقاش لكن كان لغطا شعبويا وتأليبا للرأي العام وتأجيجا لمشاعر العامة.
وأؤكد للسيد نجيب شوقي ومن معه أن موضوع الحريات العامة وحرية الاعتقاد والتدين لايمكن أن يتحول إلى موضوع نقاش عمومي إلا بعد أن يستوفي البحث والنظر بين النخب المنتمية إلى المرجعيات المختلفة ويكون قد قطع أشواطا في أفق الاتفاق والتوافق بين هذه المكونات النخبوية المؤثرة في المجتمع.لقد جرنا النقاش العمومي في قضية إدماج المرأة في التنمية ،وهي قضية لا تقل أهمية وتناولها لا يقل خطورة عن قضية الحريات الشخصية، وكاد هذا النقاش العمومي الشعبوي أن يؤدي بالمغرب إلى المهالك ويرديه في صراعات نحن في غنى عنها،ويقسم مجتمعه إلى متدينين في مواجهة علمانيين..والحال أن المسار الصحيح كان هو تشكيل لجنة وطنية بمباركة ملكية،لجنة متخصصة روعي فيها تمثيلية الجميع فوصلنا إلى الاتفاق والتوافق على مدونة الأسرة الجديدة.
إن للمغاربة احتراما خاصا وينظرون إلى شعيرة الصيام بقدسية خاصة، والافطار عنوة وبشكل جماعي لن يعتبروه إلا استفزازا لمشاعرهم الدينية واعتداء على مقدساتهم.
إن السيد شوقي نجيب ومن معه أرادوا طرح قضية مشروعة (حرية الاعتقاد)لكنهم أخطأوا الوسيلة(إفطاررمضان) في المقابل نجح بعض أعداء الديمقراطية وحقوق الانسان والمحافظين الذين يخشون من الحرية والأجواء التي تنجم عنها في تحوير النقاش.
هذا من جهة ،ومن جهة اخرى،ومساهمة مني في النقاش الهادئ الذي دعت إليه مجموعة "صايم رمضان..واكل رمضان..كلنا مغاربة.."فاقول وبالله التوفيق: أنني أعلن بداية أني أتكلم من داخل الدائرة والمرجعية الإسلامية ولكن أؤكد أني لا أمثل الدين ولا أتكلم باسمه.رأيي نسبي قد يصيب وأكيد قد يخطئ.
بالعودة إلى مسألة حرية الاعتقاد والتدين أرى أنها مكفولة بالنص القرآني الصريح..بل بالعديد من النصوص القرآنية.يقول الله –سبحانه وتعالى- في سورة البقرة ومباشرة بعد آية الكرسي:"..لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.."ويقول سبحانه أيضا:"أنلزمكموها وأنتم لها كارهون""وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد".
وبعد الايمان يكون المسلم ملزما باداء الشعائر الاسلامية والائتمار بأوامر الدين والانتهاء بنواهيه واجتناب محرماته.
واختيارالاسلام يكون عن وعي ورشد إذ إن من شروطه البلوغ والعقل أي لامعنى للاسلام بالوراثة عن أبوين مسلمين بل إن الاسلام ناهض منطق التقليد في اختيارالدين وذمه واستهجن منطق أولئك الذين يلجأون إلى منطق "بل نعبد ما وجدنا عليه آباءنا".
نعم الانتماء لهذا الدين لا يتأتى بالتمثلات والتقاليد والأعراف والعادات والتصورات الموروثة،بل من خلال الاطلاع والتمحيص والاقتناع بقيم وتعاليم الدين الاسلامي ومبادئه ومقاصده.
ولقد تبنى بعض العلماء قديما وكثير منهم حديثا المذهب الذي يقول أنه إذا كان لا إكراه في الايمان بالدين فلا إكراه على الابقاء على الايمان بالدين أي أن للمرء كل الحق في أن يتراجع عن الايمان بالاسلام ويرتد عن هذا الدين وأمره موكول إلى الله –سبحانه وتعالى- إن شاء عجل له بالعذاب والجزاء وإن شاء أجّله ليوم الحساب.
لقد أخبرالوحي الرسول - صلى الله عليه وسلم-عن أناس كانوا يظهرون الايمان وهم يستبطنون الكفر:" وإذا لقوا اللذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون،الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون".
نعم هناك من يعارض هذا المذهب ويحتج بالحديث الشريف "من بدل دينه فاقتلوه".وهو حديث غريب في متنه إذ لايقبل عقلا ولا منطقا أن يأمر الرسول –صلى الله عليه وسلم- بقتل من بدل دينه من اليهودية أو النصرانية نحو الاسلام..ومع ذلك اقول أن هذا الحديث يتممه ويفسره حديث آخر يعدد ثلاث حالات يحل فيها دم المسلم ومن بينها"...المبدل لدينه المفارق للجماعة"،أي أن الاسلام أجاز مقاتلة ومحاربة المرتد حينما يفارق الصف المسلم ويلجأ للصف المعادي ويصبح مقاتلا فيه محاربا بسلاحه.
بعض العلماء الذين يرون بضرورة معاقبة المرتد يجيبون إذا واجهتهم بالآية الكريمة "لاإكراه في الدين"بأن هذا الأمر يكون من حق المرئ قبل أن يسلم..لكنه إن أعلن إسلامه فلا حق له في الردة تحت طائلة الحد،حتى لا يصبح الدين لعبة في نظرهم مما سيمس من هيبته.والعجيب أن القرآن الكريم قد تناول هذه النازلة بالضبط في سورة النساء الآية 136،يقول عز وجل:"إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا".
إن هيبة الدين لاتكون بالاكراه أو بإرغام الناس أن يكونوا منافقين يكتمون كفرهم بالدين في العلن ويمارسونه سرا..ولن يضير الاسلام ولا المجتمع الاسلامي من اختار أن يدين بغير دين الاسلام.إن الاسلام لا يخشى من يكفر به،فحتى في أشد حالات الحصار والتشويه الممنهج الذي يتعرض له ديننا السمح في أوروبا وأمريكا اليوم،نجده الدين الأكثر انتشارا في هذه البلاد ليس فقط بين النساء والمثقفين،بل حتى بين رواد السجون.
أنا شخصيا لاأخاف على الاسلام من المعارضين والمخالفين أو من الذين لايعرفونه معرفة صحيحة نظرا لظروف ارتبطت بنشأتهم وبيأتهم الاجتماعية أو بتعليمهم.فأنا مؤمن بأن الاسلام يعلو ولايعلى عليه، ولكن خوفي من غياب الحرية ومن الاستبداد وقمع أنفاس الدعاة والمصلحين.ألم يكن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يطلب من أعداء الاسلام طلبا واحدا:"خلوا بيني وبين الناس".خوفي أيضا من تحجر علمائه ودعاته ومفكريه ووعاظه وخطباء المساجد واعتمادهم التقليد وسدهم باب الاجتهاد و عدم استيعابهم لمقاصد هذا الدين وتعاليمه السمحة.الخوف من الشموليين الذين يعتقدون- مخطئين- أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ويحتكرون العلاقة بالله سبحانه وتعالى.الخوف من أولئك الذين يشدوننا بقوة إلى الماضي ويأسروننا فيه،ولا يرون المستقبل إلا من خلال ذلك الماضي.أنا لست من دعاة القطيعة مع الماضي ولكن دعوتي تتلخص في التعامل النقدي الايجابي والعقلاني مع هذا الماضي، نثمن الايجابي فيه ونتجاوز سلبياته ومعيقاته.خوفي ممن يحرصون على التقليد ويرفضون التجديد والاجتهاد.
ليس لنا أن نخاف من المخالفين والمعارضين لديننا من المواطنين المغاربة الذين لا يشاطروننا الاقتناع والايمان بهذا الدين ولا يحق لنا أن نتهددهم أو نتوعدهم فالفكرة تواجه بالفكرة والرأي بالرأي المضاد.
أجدادنا هم من أبدع في المناظرات الفكرية والفلسفية التي طرح فيها أتباع الديانات والمذاهب الأخرى تحديات لاهوتية ومن طينة علم الكلام.أعملوا الفكر وتوسلوا بالعقل والمنطق وقدموا للعالم مقدمات حقوق الانسان عبر نظرية المقاصد التي يعد الامام الشاطبي إمام الغرب الاسلامي والأندلس أحد روادها.
ولا أظن أن أهل الاسلام من علماء ومفكرين ودعاة ستعوزهم قوة المنطق والدليل العقلي المستمد من المنهج الاسلامي في التصدي للإشكاليات والتحديات التي يطرحها علم الكلام الجديد ومفرداته:قضية المرأة – قضية حقوق الانسان – قضية حريات التدين – قضية حقوق الأقليات – قضية المواطنة – قضية الديمقراطية – قضية الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية الخ....
ما أبدع وأجمل تلك الخلاصة التي خلص إليها الدكتور والمفكر محمد خاتمي في كتابه "بيم موج" (بين الأمواج) عندما يقول أن الاسلام اليوم بين موجتين عاتيتين موجة التقليد والجمود وموجة التغريب والالحاق..إن أطبقت علينا إحداهما أو كلاهما هلكنا.
وبالتأكيد لن نفلح إن نحن رهنا مستقبلنا بهؤلاء الغلاة المتطرفين.
عود على بدء لأقول أني من داخل الدائرة الاسلامية أومن أن الانسان حر في اختيار الدين الذي يريد وحر في التراجع عن هذا الدين وقت ما شاء وأمره موكول إلى الله.وليس على الذي لايدين بدين الاسلام أن يؤدي شعائره أو يعاقب على تركها.
بقي أن أشير إلى أن في البلاد قوانين يجب احترامها ولو في حالة عدم الاقتناع بها..واحترام القانون لايعني السكوت والاطمئنان إلى استمرارية ما نعارضه فيه..بل نسعى إلى تغييره بالوسائل النضالية المناسبة والمشروعة.
هناك اليوم دستور يحتكم إليه كل المغاربة وهذا لايعني أن هناك إجماع على كل مواده التي يطالب البعض بإصلاحها..وحتى تتم الاستجابة لمطلب إصلاح الدستور إنه يبقى ساري المفعول في كل بنوده ومواده.
بالحوار الهادئ وبالقنوات المناسبة للحوار وبالكفاءات المناسبة والقادرة على قيادة هذا الحوار يمكن أن نحقق الكثير من الانجازات في أفق صياغة مشروعنا الوطني وفي أفق صياغة مواطنة مستوعبة للجميع وبالحوار نجعل حدا لمعضلة أساسية تعيق تطورنا..معضلة الاحتكار،احتكار الدين والوطنية والملك والسياسة والثروة والسلطة..

المصطفى المعتصم
السجن المحلي بسلا
31-07-2010


*المصطفى المعتصم فاعل سياسي إسلامي مغربي ، أمين عام حزب البديل الحضاري المحظور ومنظر فكرة " الإسلاميين الديمقراطيين " ، وهو محكوم بالسجن لعشر سنوات نافذة بذريعة " الإرهاب "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.