بسم الله الرحمان الرحيم. بادئ ذي بدء لا بد من أن نزف أطيب التحيات لإخواننا القائمين على هذا الموقع (www.qudsday.com) بمناسبة مثابرتهم العجيبة على العناية باليوم العالمي للقدس على امتداد ثماني سنوات كاملات سائلين المولى الكريم ولي النعمة العظمى سبحانه أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم وأن يكتب لهم ولنا أجمعين صلاة في رحاب القدس الشريف أعزاء كرماء لا نحني منا الجباه والهامات إلا للواحد الأحد الفرد الصمد سبحانه، لا تحمينا الحراب الإسرائيلية المحتلة بتأشيرة مزيفة خير قالة فيها وفي أشباهها: وعد من لا يملك لمن لا يستحق. ولكن بتأشيرة من إخواننا المقدسيين المرابطين المقاومين المجاهدين بصمودهم على الأرض وثباتهم على القضية ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
معركة القدس معركة حضارية ثقافية جامعة. ليست معركة القدس معركة دينية بالمعنى الضيق للدين ولو كانت كذلك لما تبرم المحتل منا فواق ناقة ولكنها معركة إسلامية بالمعنى الجامع للدين الجامع الخاتم الذي ارتضاه سبحانه منهاجا للبشرية قاطبة وشرعة. هي معركة حضارية ثقافية جامعة بسبب أنّ الإسلام عقيدة روحها التوحيد الخالص الصافي من كل شائبة شرك وعبادة روحها الإخلاص وخلق روحه الصدق ومعاملة روحها الإخاء والتكافل وشريعة روحها العدل وحضارة روحها التوازن وثقافة روحها التكامل .هي معركة حضارية ثقافية جامعة بسبب أنّ الإسلام كما عرفه أحد سفرائه البررة الكرام المقاومين ربعي ابن عامر: إخراج للعباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الدين إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. هي معركة حضارية ثقافية جامعة لأنّ الإسلام عندما يباشر شغاف الصدور يناكحها بالأمل ويملؤها بالرجاء في الله سبحانه وفي خلق الله الذين أودعهم كلمته الأخيرة عبادة وعمارة وخلافة وأمانة وعدلا وقسطا وكرامة وتواصيا بالحق وبالصبر وبالمرحمة واعتصاما بحبله المتين ومقاومة للجور والظلم والحيف والاحتلال حتى آخر نفس من أنفاس الروح وآخر قطرة من قطرات الدم وآخر نفخة من نفخات الجهاد المستهدي بالقرآن الكريم مبدأ الجهاد الأول وموئله الآخير: "وجاهدهم به جهادا كبيرا" (الفرقان) و"جاهدوا في الله حق جهاده" (الحج). لو كانت معركة القدس معركة دينية ضيقة حسيرة أو معركة شخصية أو معركة حول حدود أرض أو غير ذلك من الاعتبارات الجزئية المتبسرة المجتزأة لكان لها شأن آخر ولكنها معركة وجود وليست معركة حدود وإن كانت معركة الوجود تقتضي بالضرورة معركة حول الحدود وحول الأعراض والأموال والنفوس والنفوذ ولكن كل ذلك لا يعدو أن تكون مظاهر للمعركة الأصيلة الأم: القدس معركة أمة ومعركة هوية ومعركة عدل وقسط ومعركة وجود حر كريم تحت الشمس وفوق الأرض فهي إذن معركة حضارية ثقافية جامعة.
معركتنا الحضارية الثقافية مع من.؟
ليس لنا نحن أن نحدد طرف المعركة الآخر ولكن القرآن الكريم هو الذي حدد لنا ذلك الطرف الذي جعل له في آيه الكريم النصيب الأوفر من الحديث ناهيك أن أحد لآليه المتألقة المائة وزيادة سماها باسم تلك المعركة: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا" (الإسراء) ناهيك أن الصحابة الكرام لفرط فقهم في الكتاب العزيز الخالد سموا سورة الإسراء: سورة بني إسرائيل. هو مثلث متكامل الأبعاد لا ينفك بعضها عن بعض: ضلع اسمه الإسراء وضلع اسمه الظاهرة الإسرائيلية وضلع اسمه المعركة بين الحق والعدل من جهة وبين الباطل والجور من جهة أخرى. معركتنا الحضارية الثقافية مع الظاهرة الإسرائيلية ليس بسبب ديانتها اليهودية (وإن كان ذلك اليوم محل ريب كبير بسبب حملات الهجرة التي تعتمدها إسرائيل بدعم من منشئها الأول فتحا لأرض الإسراء في وجوه شاهت وتاهت تخوض بهم المعركة ديمغرافيا وعمرانيا).. ولكن معركتنا الحضارية الثقافية مع الظاهرة الإسرائيلية بسبب تصهينها وعدوانها علينا باحتلال أرضنا وانتهاك عرضنا وتشريد أهلنا وليس أدل على ذلك من إعلان الكيان الإسرائيلي المغتصب اللقيط دولة يهودية ليكون ثاني لقيط ديني بعد دولة الفاتيكان الكاتوليكية استثناء من دعوة ما سمي بالمجتمع الدولي إلى عدم اعتماد الدين لونا للدول نبذا للعنصرية الدينية. لو كانت معركتنا الحضارية الثقافية مع اليهود أو اليهودية دينا لكان لنا معهم شأن آخر يوم لم يجدوا من ملاذ آمن دافئ بعد أن طردتهم الحضارات المؤسسة لحضارة الغرب المعاصرة من يونانيين وغيرهم سوى الصدر الإسلامي الحنون يؤويهم حدبا على سنة نبينا الكريم موسى عليه السلام الذي بدأ مقاومته في وجه فرعون بتحرير الإسرائيليين من مخالبه ولم يقدم عرض دعوته عليهم ولكن قدم تحريرهم ثم دعوتهم لأنّ العبد لا يطالب سوى بخدمة سيده أما الحر وحده هو الذي يختار ما يشاء من دين ومنهاج وشرعة ولو كان موسى عليه السلام ليميز بين جاهل وعابد من قومه قبل أن يتحرروا من البطش الفرعوني والعلو القاروني لما حكى عنهم سبحانه: "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون". (الأعراف 138).
معركتنا الحضارية الثقافية الجامعة مع إسرائيلية تصهينت. لك أن تقول أنها مع إسرائيلية تصهينت بمثل ما حقق المحققون المعاصرون قائلين :كانت المسيحية تروم تمسيح روما الرومانية فانتهى بها الأمر إلى عكس ما أرادت بالتمام والكمال فما تمسحت الرومية ولكن ترومت المسيحية. الداء ذاته أصاب الإسرائيلية عندما التصقت بالغرب المادي الفلسفي الذي احتضنها ليتقي بها الإسلام وآل الأمر بها بمثل أيلولة المسيحية المترومة فتغربت اليهودية بالرغم من أصلها الشرقي وتأمركت الإسرائيلية وتمددت حتى اعورت وتحولت وهي اليوم أداة لضرب الإسلام وحركة الإسلام المقاومة على كل الجبهات. اليهود المواطنون في وطننا العربي الإسلامي الكبير إخواننا في البشرية والكتابية والمواطنة ودعوتنا إليهم قائمة حتى يوم القيامة: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا وألا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله". وهو النداء ذاته إلى إخواننا المسيحيين العرب. أما من تصهين من أولئك فتغرب أو تأمرك ومن تروم من هؤلاء فناصبنا العداء في قضيتنا المركزية الأم: قضية القدس الشريف فإنّ دعوتنا إليه: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
معركتنا معركة قيمية.
وجهان لمعركتنا الثقافية الحضارية الجامعة مع الظاهرة الإسرائيلية المتصهينة المحتلة لأرضنا وعرضنا وقدسنا: وجه اسمه معركة الحق مع الباطل وروحه تخلي الإسرائيليين عن رسالة الهداية الرحمانية العالمية الجامعة بعدائهم للنبيّ العربي الأمي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام ولرسالة الحق والعدل والخير والقوة والرحمة رسالة الإسلام التي تلفظ الشوفينية القذرة والعرقية الهابطة والجنسية المتهافتة لفظك النواة وعنوانه الثوري الإصلاحي الذي لا يقاوم هو: "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم". (الحجرات). ووجه اسمه معركة العدل مع الجور والقسط مع الظلم وروحه أننا نقاوم بالسلاح وكل سلاح مناسب في أخلاقية إسلامية عالية راقية كل من يحتل أرضنا حتى آخر قطرة من قطرات الدم وآخر نفس من أنفاسنا الحرى وآخر مهجة من الفؤاد وآخر حركة في البدن المنهك. ذانك وجهان يرسمان هوية المعركة الحضارية الثقافية حول القدس الشريف مع المحتل الإسرائيلي الصهيوني. الوجه الثاني هو الذي جعل آلافا مؤلفة من أحرار العالم ومنهم يهود ومسيحيون وعالمانيون وغير متدينين أصلا يتحالفون معنا ضد إسرائيل الغاصبة المحتلة. ذلك هو معنى أنّ القضية عادلة وكل قضية عادلة هي قضية رابحة ولكن يتأخر النصر ولا يستحيل بالكلية لسبب واحد: رجال المقاومة موجودن أم لا وإذا وجدوا هل هم في مستوى التحدي المقاوم إخلاصا وحكمة أم لا.
معركة القدس حسمت. 1 ليس المقصود هنا انحسامها بالتباشير القرآنية والنبوية الصادقة المصدوقة بسبب أنّ ذلك أمر يؤسس النصر في العقول ولكن بين التأسيس وبين الإنجاز مساحات ملؤها المقاومة والشهادة والجهاد والأجيال والابتلاءات والأعمال. النصر في المعركة محقق بدء بتباشير رسمها الكتاب ذاته الذي رسم خطة المعركة وخارطة طريقها الحق. النصر تأشيرة إسلامية قرآنية نبوية صحيحة ولكن من يتحصل على تأشيرة لعبور أرض فإنّ عليه حزم حقائبه وأمتعته وبلغته استعدادا لمعركة النصر. التأشيرة نصف الطريق المضمون ونصفه الآخر ينجزه المقاومون المخلصون الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة. 2 حسمت المعركة حول القدس في الشهور الأخيرة انحساما كبيرا فكانت قافلة الحرية التي مزجت فيها إسرائيل الغاصبة دماء الأبرياء بمياه المتوسط حدثا بين عهدين: عهد يعربد فيه الصهاينة والأبرياء يتلمظون جراحاتهم الثخينة في صمت مفروض وعهد آخر جديد هو عهد تدويل القضية الفلسطينية إعلاميا تدويلا حشد الرأي العام الدولي بأسره كله تقريبا لصالح القضية العادلة فكان ذلك أول أكبر حرج بالغ معاصر للجاني الصهيوني. النصر الذي أحدثته قافلة الحرية لم يكن نصرا تقليديا عاديا ولكنه نصر دولي متألق باهر جعل المحتل المعتدي في رتباك شديد. . 3 حسمت المعركة حول القدس من جانب آخر وذلك عندما استبان الحق من الباطل والأمانة من الخيانة لأول مرة في تاريخ القضية التي يناهز عمرها ثلثي قرن كاملين. ليس ذلك الجانب سوى تميز الصف المقاوم المخلص في فلسطين عن الصف الذي يتاجر بالقضية ويتقمص عربيا ودوليا عباءة المقاومة والمقاومة منه براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام. بعدما تبين الرشد من الغي والحق من الباطل في صف المقاومة الذي ظل موحدا وحدة مغشوشة على مدى عقود طويلة.. بعد ذلك لك أن تقول أنّ القضية حسمت في جانب كبير منها، فتمحيص الصفوف شرط من شروط انبلاج فجر النصر الآتي بإذنه سبحانه في يوم لا ريب فيه. 4 حسمت المعركة حول القدس قبل ذلك بزهاء عامين كاملين وذلك عندما لجأ العدو الصهيوني الغادر إلى محرقة العصر يلهب سعيرها ضد الأبرياء العزل في غزة المحاصرة الصامدة المقاومة بالجوع والظمإ والعراء. إعلان المحرقة الصهيونية ضد غزة المقاومة الصامدة ليس سوى إفلاس آخر من إفلاسات العدو الجبان. إعلان المحرقة ضد غزة دليل كاف على أنّ الذين تعرضوا لمحرقة هتلر النازي ليسوا هؤلاء الذين يحرقون غزة بالقنابل المحرمة دوليا ولكنهم خلق آخر لا صلة لهم باليهودية ولا بأي نبي من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام جميعا من إسحاق ويعقوب ويوسف حتى موسى وعيسى عليهم السلام جميعا. عندما تفشل القوة الصهيوينة الإسرائيلية المستمدة من الحليف الأميريكي الخادع المنافق ومن حلفاء أوربيين آخرين كثر ومن متواطئين عرب علوج.. عندها لك أن تقول باطمئنان ما بعده اطمئنان: حسمت القضية والسلام. أجل... حسمت قضية القدس... والسلام... ألمانيا في: 13 رمضان المعظم 1431.