يبدو أن قرار اعفاء 82 قاضيا والذي أصدره وزير العدل نورالدين البحيري في ماي 2012، وروّج له آنذاك على أنه قرار "ثوري" سيعيد هيبة القضاء و"يطهره" من بقايا النظام السابق، يبدو انه سيمثل أحد أكبر القرارات الجائرة والارتجالية ويضع اول حجر للهيمنة واخضاع القضاء لهوى الساسة والسياسيين. ما دعانا اليوم لإعادة إحياء الملف رغم مضي أكثر من 6 أشهر على قرار العفو هو ظهور عدد من المعطيات الجديدة والأدلة التي تبرز أن القرار كان تعسفيا انتقاميا دون ادنى احترام لعلوية السلطة القضائية واستقلاليتها وهو ما صدحت به عديد المنظمات الحقوقية الوطنية مثل الرابطة التونسية لحقوق الانسان والدولية وكان اخرها تقرير منظمة هيومن رايتس وتش في 29 اكتوبر 2012. لعل أبرز هذه المعطيات الجديدة التي سعينا للتدقيق فيها هي القضية الجبائية التي حوكم فيها وزير العدل نورالدين البحيري بدفع غرامة مالية تقدر ب38.500 ألف دينار والتي دفعتنا لتتبع خيوط هذه القضية والبحث في بدايتها. وبالتحري في ارشيف المحكمة الابتدائية بتونس تمكنا من الحصول على كل الأحكام التي تخص وزير العدل وحتى زوجته مع العلم انه ووفق قانون المرافعات المدنية والتجارية يمكن لأي شخص الحصول على نسخة مجردة من كل الأحكام التي تم التصريح بها علنا. وبالرجوع إلى القضية الجبائية لوزير العدل والتي تحمل العدد1764 والتي صدر فيها الحكم بتاريخ 2006/6/15 يتضح أن تاريخ القيام بالدعوى يعود إلى 28 مارس 2006 وكان قرار التوظيف الاجباري عدد 1142 الصادر في 2006/1/27 آنذاك يطالب الوزير بدفع مبلغ : 513 .51.121 وقد خففت له المحكمة الابتدائية في المبلغ المحكوم به ليصبح 064. 25.422 (488. د 18157 اصل و 576.د 7264 خطايا) يبدو الامر عاديا إلا ان ما يثير الشكوك ويدعو للتوجس والريبة هو أن رئيس الدائرة الجبائية بالمحكمة الابتدائية بتونس طيلة 12 سنة وهو القاضي عبد الرحمان بوراس قد أعفي من مهامه خلال حملة الاعفاء الأخيرة ويبدو ان البحيري كيّف رئاسة بوراس للدائرة الجبائية أنذاك بكونه فسادا اداريا مع العلم ان الدائرة انصفته على المستوى الاجرائي والمستوى الموضوعي. ففي خصوص الاجراءات تم قبول دعواه شكلا بالرغم من انه لم يقدم مؤيدا جوهريا وهو قرار التوظيف الاجباري المعترض عليه، وكان الحكم منصفا له ولغيره وفق وضعيات مشابهة حسب اجتهاد المحكمة التي قبلت كل المؤيدات التي سبق رفضها من ادارة الجباية. مع الملاحظ ان محكمة الاستئناف لم تتجاوز هذا الخلل الاجرائي وطالبت الوزير بتقديم قرار التوظيف الاجباري وقد اذعن للحكم التحضيري وقدم ذلك القرار اما من حيث الموضوع فان المحامي البحيري طلب منه تبرير نمو ثروته اين ثبت لادارة الجباية ان مداخيله المصرح بها هي اقل من تكلفة عقار قام بشرائه وقد قدم للمحكمة ما يفيد تحصله على قرض من البنك لكن مبلغ القرض لا يغطي كامل الثمن وقد تولت الدائرة الجبائية فعلا طرح كامل قيمة القرض ولكن تولت ادماج المبالغ المدفوعة للبنك بعنوان سداد اقساط القرض في قاعدة احتساب الضريبة للسنوات الموالية للحصول على القرض وهنا يبدو غريبا ادعاء السيد نورالدين البحيري بان النظام السابق اضطهده ولم يجد زمنها قوت يومه في حين انه بلغ به الامر الى شراء عقار وهو منال بقي حلما لغالبية الشعب وحتى الموظفين منهم . ما يدعم شكوكنا بان قرار الاعفاء فيه جانب من التشفي هو أن البحيري قد أعفى أيضا رئيس الدائرة الجبائية بمحكمة الاستئناف بتونس السيد طارق براهم الذي كان يرأس الدائرة ابان نظرها في استئناف البحيري وقد تم اقرار الحكم الابتدائي وهو ما يجعلنا نشك في شبهة تعمد الوزير ''معاقبة'' كل من شارك بالاشراف على قضيته حتى وان كان قد أنصفه حسب ما تبينه تفاصيل القضية بطوريها الابتدائي والاستئنافي. هذا مع العلم انه تمت مراجعة ما يقرب ل 12 ملف جبائي صدرت فيها احكام كان اصحابها محسوبين على المعارضة وقد تم انصافهم جميعا سواء بتعديل المبالغ المطالب بها او بالغائها اصلا وقد تقاربت حيثيات المحكمة فيها وتطابقت من حيث المنهج مع احكام وملفات اشخاص عاديين . من جهة أخرى فإن قرار الاعفاء يبدو ان له صلة بالقضية الجبائية التي حوكمت فيها زوجة وزير العدل السيدة سعيدة العكرمي والتي لا تنفك تصرح بأنها تعرضت الى الهرسلة الجبائية زمن بن على وتم تجويعها في حين ان العكس هو الصحيح لانه ثبت من قرارات التوظيف ان لها مداخيل خاضعة للضريبة وانه وحتى وان تعسفت ادارة الجباية في قرارات التوظيف فان القضاء قد انصفها وتم النزول بالمبلغ المطالب به من 23 الف دينار الى 11 الف دينار ولها حكم ثان باقرار قرار توظيف خطية جبائية ب5 الاف دينار لعدم قيامها بواجب التصريح الجبائي المحمول على كل مواطن ولم تتعسف الادارة فيه وتم اقرار الحكم لدى محكمة الاستئناف. ايضا لا يمكن أن نمر مرور الكرام على تصريح وزير التشغيل في أحد البرامج التلفزية على قناة التونسية لما اعترف بعظمة لسانه أنه طلب من وزير العدل اعفاء القاضي الذي كان قد حكم في قضيته المتعلقة بالإثراء الفاحش واستخدام الفائض الربوي. أخيرا وليس آخرا فإن هذا القرار بعزل القضاة سيثير تداعيات دولية خطيرة ربما تتسبب في مقاطعة المنظمات الدولية لتونس واجهاض التجربة الديمقراطية من تباشيرها وكان آخر هذه المنظمات المنددة هي منظمة هيومن رايتس واتش والتي أشارت إلى غياب الشفافية في قرار وزارة العدل عزل القضاة خاصة وأنها منعت القضاة المعزولين من الاطلاع على ملفاتهم وحرمتهم من حقوق الاستئناف. كل هذه المعطيات والأدلة تدعم هشاشة وارتجالية قرارات الاعفاء والتي انتقل فيها موقع البحيري من علياء قوة اليقين في صحة سندها الى حضيض الشك والتخمين الذي انتهى به وفي فترة قياسية مريبة الى التراجع الجزئي فيها ويشمل التراجع تسعة قضاة وربما تبرز المعطيات التي حاولنا التدقيق فيها ايضا ان عددا اخر من القضاة الذين تم عزلهم يتوجب انصافهم ومحاسبتهم على أفعالهم إن ثبت تورطهم في فساد عبر منابر القضاء وحتى لا يكون الوزير محل شبهة ويتمتع القضاة بحقهم في قضاء عادل ومستقل. كما ان تواصل التشكيات والتظلمات من قرارات الاعفاء التي أصدرها الوزير تجعل تشكيل لجنة، مختصة ومحايدة لإعادة النظر في ملفات كل المعزولين حالة بحالة وانصاف كل من تم ظلمه ورد الاعتبار اليه وتسليط العقوبة القضائية اللازمة على كل من ثبت تورطه في فساد قضائي أو مالي، ضرورة ملحة اليوم تصب في إطار تشكيل مسار عدالة انتقالية تقوم على المحاسبة الجادة واعطاء كل ذي حق حقه. حسام الطريقي مراجع: نور الدين البحيري : عدد القضية 1764 تاريخ الحكم 2006/6/15 تاريخ القيام بالدعوى 28 مارس 2006 قرار التوظيف الاجباري عدد 1142 صادر في 2006/1/27 المبلغ المطلوب : 513. د 51121 / المبلغ المحكوم به 064.د 25422 (488. د 18157 اصل و 576.د 7264 خطايا ) سعيدة العكرمي " زوجة الوزير " : عدد القضية 1752 تاريخ الحكم : 2006/6/29 تاريخ القيام بالقضية : 2006/3/29 / عدد قرار التوظيف الاجباري 1396 صادر في 2006/2/1 المبلغ المطالب به من ادارة الاداءات 352.د 23351 / المبلغ المحكوم به من المحكمة نزل الى : 089.د 11775 من حيثيات الحكم " وحيث لما وظفت ادارة الجباية مبلغ 2400 دينار جزافيا بعنوان مصاريف مكتب سنوية تكون قد اعتمدت فرضيات لا ترقى الى مرتبة القرائن الفعلية المتضافرة والمنضبطة باعتبارها لم تقم بتقديم اسس الاحتساب ولا عناصره لتتمكن المحكمة من رقابة مضمون الاحتساب وملائمته واقعا اضافة الى استسهال اقحام ارقام دون القيام بمقارنات واقعية وثابتة المحتوى والمصدر ." الحكم الثاني للاستاذة سعيدة العكرمي عدد 3992 بتاريخ 2010/2/17 تاريخ القيام في 2009/11/19 عدد قرار التوظيف 917/2009 بتاريخ 2009/9/3 المبلغ المطلوب كان بعنوان غرامات لعدم القيام بالتصاريح الجبائية في ابانها وححد المبلغ ب 297.د 5011 تم القضاء باقرار قرار التوظيف لانه اعتمد عناصر موضوعية وهي معاينة عدم القيام بالتصريح واحتساب المبلغ حسب الجدول