في نهاية السنة الميلادية والإدارية 2014 جلستُ أتصفح حسابي على الفايسبوك وركزت على السنوات الممتدة من 2011 إلى 2014 وكم كانت دهشتي عظيمة وأنا أستعراض الأحداث التي مرت بها تونس, فكم كانت كثيرة ومتسارعة ومتناقضة ومتشعبة. في السنوات الماضية تحرك الشعب برمّته وأثيرت قضايا جوهرية وأخرى مفتعلة وتافهة وجدتُ صداها على صفحتي في الفايسبوك. وكم أسستُ من علاقات صداقة وتضامن وتآزر في أغلبها كانت ولازالت صداقات افتراضية. نعم, كنا أصدقاء افتراضيين ولكن صداقتنا كانت متينة جدا ولم يجمعنا الفضاء الافتراضي بقدر ما جمعنا الفضاء الوقعي فقط دون أن نلتقي ولكننا كنا نرى بعضنا البعض في صورة تونس الغد. في السنوات القليلة الماضية اتفقنا كثيرا واختلفنا كثيرا كذلك وانضمّ إلى صفحتي المئات من الأصدقاء الحقيقيين حيث كنا نقضي ''ليالي الترويكا الطويلة'' نتجادل ونتحاور ونبث هواجسنا ومخاوفنا لبعضنا البعض ويصيب بعضنا مسّ من الجنون لمجرد طرح فرضية أن الإسلاميين والمرتزقة والرجعيين سينقضّون تونس الحداثية المعتدلة فتضيع الصورة المشرقة لهذا الوطن العزيز. ويذكر الكثير من أصدقائي الافتراضيين كم كنت متفائلا وكم حاولت استنهاض هممهم عندما يصيبهم بعض الإحباط وكم كنت على يقين بأن وطننا سيعود إلينا وهذا ما حصل فعلا.. غير أنه كان لي أصدقاء افتراضيون آخرون خرجوا من صفحتي غاضبين وأغلبهم لم يتحمل تعليقاتي الساخرة على حركة النهضة ونقدي اللاذع لحزب المؤتمر ورغم أني كنت أعرف أنهم ''ترويكيون'' ومن رافعي شعار ''خلّي الحكومة تخدم'', إلا أني رحبت بهم في صفحتي عندما طلبوا صداقتي ولكن قلوبهم كانت أضعف من تتحمل عدم إيماني بالمشروع الإسلاموي رغم محاولاتهم الفاشلة لإقناعي وعندما يئسوا انصرفوا إلى حال سبيلهم.. إلى هؤلاء أقدم اعتذاراتي فقط على خشونة كلامي وفظاظتي عندما كان يحتدّ بيننا النقاش.. وهناك فئة أخرى من الأصدقاء الافتراضيين الذين أحسبهم مكلفين بمهمة لا غير فلا يبدون حراكا لا بالضغط على زر الإعجاب أو المشاركة أو التعليق, ولا يدخلون معك في حوار خاص. هم فقط يراقبون ما تكتب وما تقول ويُحْصُون عدد أصدقائك ويحددون توجهاتهم السياسية والإيديولوجية دون أن يشعروك بوجودهم على صفحتك, وعدد كبير من هؤلاء مازالوا محسوبين عليّ كأصدقاء افتراضيين. مرت السنوات الأهم في تاريخ تونس الحديثة في اعتقادي عندما كنا في مفترق طرق خطير جدا كسبتُ خلالها أصدقاء خطّوا على صفحتي معي سطورا أعتزّ بها كثيرا وأبتسم بكامل الرضا اليوم وأنا أعود لأقرأ تعليقاتهم على صفحتي. شكرا لكم أصدقائي على حسن المرافقة وشكرا كذلك لمن انسحب لأنه يختلف معي في وجهة النظر ولكني مازلتُ أعتقد أن الدفاع عن الوطن ليس مجرد وجهة نظر. أصدقائي الافتراضيين الباقون منهم والمغادرون تمنياتي بعام سعيد نرفع فيه راية الوطن عاليا..