في 7/7/2014 جرت انتخابات في ليبيا انتهت بفوز الجانب المدني بأغلبية ساحقة ، وهزيمة مدوية للإخوان والداعين للدولة الإسلامية. غير أن ذلك لم يرض الإخوان والجماعة المقاتلة وعبد الحكيم بالحاج وأزلامه ، ممن يسيطرون على ميليشيات مسلحة ، بعكس الداعين للدولة المدنية ، التي كانت موضع تأييد الأغلبية الانتخابية ، فانقلبوا على الشرعية الانتخابية ، وسيطروا على المنطقة الغربية بما فيها العاصمة طرابلس ، فيما اضطر نواب الأغلبية الأحرار الذين صوت لهم الشعب ، إلى الانتقال الجهة الشرقية ، فاختاروا مدينة طبرق التاريخية كمقر للبرلمان المنتخب. ولقد ارتأت الحكومة التونسية إرضاء لشريكها حزب النهضة ، أن تكون في صف المنقلبين ، وقطعت كل علاقة مع الشرعيين ، وجاء بريمر الجديد كوبلر من الأمم المتحد لإيجاد حل " أمريكي " ، فأنشأ سلطة جديدة اعتبرها شرعية لتسلم مقاليد الأمر لم يعترف بها أحد وإن كانت قريبة من الاسلاميين ، واضطر لوضعها أي تلك السلطة بالقوة العسكرية في قاعدة بحرية ليبية تحت السيطرة الغربية. وفي وقت كانت السلطة الأمريكية بين يدي أوباما كلينتون ، بما عرف من تأييدهما للإخوان المسلمين ، انغمست أمريكا في تأييد الجهات الاسلامية حتى المتطرفة ، على حساب الشرعية الناتجة عن انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ، إذ لا ننسى أن الجهة الغربية من طرابلس الواقعة انقلابيا تحت سطوة أشتات من الإسلاميين ، من بينهم عبد الحكيم بالحاج الذي يستقبل بحفاوة في تونس ، تؤوي المتطرفين التونسيين بمن فيهم أبو عياض ، ولعله من حسن الحظ أن جهة لم تعلن عن نفسها قنبلت قاعدة لهؤلاء كانوا يعدون للهجوم على بنقردان ، فقتلت منهم 100 ، وبقي 50 هم الذين نظموا تلك العملية الارهابية التي كان الجيش والأمن التونسيين لها بالمرصاد في بنقردان انطلاقا من ليبيا ، ونجحا أي الجيش والأمن في تحجيمها قبل القضاء عليها ، وسحق رأس الثعبان وأعطاها دروسا في الشجاعة جديرة بالإشادة والتنويه ، ولنتصور أن الهجوم شمل 150 قتل ثلثاهم ، فإن جيشنا وأمننا وحرسنا كانوا قادرين على المواجهة ورد الرماح إلى رقابهم ولكن بأي خسائر يا ترى.؟ ودارت عجلة الزمن ، وأنهيت مهام المقيم العام كوبلر الذي يذكر بريمر في العراق ، وعين سليمان فياض وهو رئيس حكومة فلسطينية سابقة ، معروف بمدنيته وحزمه عين مكانه ، فيما اتقلب الحال في واشنطن كما يلاحظ. أما تونس فإنها لم تجد نفسها لا في العير ولا في النفير، فقد امتنعت عن تأييد الشرعية ، التي اعتمدت على الفريق حفتر ، والجيش الليبي ، وتنكرت لبرلمان طبرق تحت ستار حياد مغشوش ، تحت عملية إرضاء للنهضة شريكة الحكم ، وبدعوى أنها " لا تريد إغضاب المنطقة الغربية التي تجاور تونس ، ويمكن أن تصل تأثيراتها إلى بلادنا "، رغم أنها لا تخفي إيواء الارهابيين التونسيين وفي مقدمتهم أبوعياض ، ورغم التجاوزات التي تأتيها من حين إلى آخر. وبالتالي فإن تونس في النهاية ، ستجد نفسها في وضع صعب ، إذ وضعت كل بيضها في سلة واحدة ، بعكس ما يدعو إليه المثال الانجليزي الشهير ، ، بل عادت جهة متنفذة ، الشرعية إلى جانبها ورفضت الاعتراف بها ، و هي تحقق اليوم انتصارات حاسمة ، وغالبا لا أريد أن أقرن مع الرئيس بورقيبة ، الذي كان يتمتع ببصيرة سياسية ، والذي كان عند الاختيار لا ينجر إلا للجهات التي يدرك وفقا لمسار التاريخ أنها ستنتصر ، وبعضنا أي المرزوقي بالذات على إفساد علاقاتنا مع دولة الإمارات كما سبق له أن أفسدها في الأممالمتحدة تجاه مصر في خلط بين مواقفه الشخصية ، ومقتضيات الدولة ، لتقربه من النهضة التي يظن خطأ أنها ستعطيه أصواتها في انتخابات رئاسية مقبلة ، كما سبقت أن أعطته أصواتها جملة وتفصيلا ، إلا بعض الأذكياء ، فيتربع على عرش قرطاج ، كما حصل له في مرة سابقة في غفلة من الزمن فرفعته إلى سدة الرئاسة ، عندما تنكرت النهضة للباجي وللولايات المتحدة لوعودها وفضلته على الباجي قائد السبسي سنة 2011 ، بسبب ما أحرزه من مقاعد في المجلس التأسيسي ، بعضها إخواني وبتصويت شعبي نهضاوي . ولعل الغلطة في الحسابات السياسية التي تم ارتكابها خلال سنتين ونصفا ، سيكون لها أكبر الأثر ، فحفتر ينتقل من الجزائر إلى مصر ، وتستضيفه البوارج الحربية الروسية ، وعموما فهو المقبول عربيا بينما تساعده طائرات الهيليكوبتر الفرنسية أباتشي، فيم ستضطر إدارة الرئيس الجديد ترومب إن لم يكن عن اقتناع بل في اتجاه معاكس لإدارة أوباما/ كلينتون. تلك عواقب السياسات التي لا تقرأ حسابا للمستقبل