تواجه تونس تهديدا بيئيا بفعل ما تشهده من تغيرات مناخية يتعين عليها مواجهته خلال العقود المقبلة خاصة و أن جل الدراسات الدولية بينت بوضوح أن منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط تعتبر شديدة الهشاشة تجاه الانعكاسات المتوقعة لهذه الظاهرة العالمية. وتتمثل هذه الانعكاسات بالخصوص في ارتفاع معدلات الحرارة بنسب تفوق ما هو متوقع على المستوى العالمي وانخفاض هام لمعدلات كميات الأمطار وزيادة حدة وتواتر الظواهر المناخية القصوى على غرار الجفاف الطويل المدى وموجات الحر الشديدة والعواصف والفيضانات وارتفاع مستوى البحر. في نفس السياق فقد أكّدت الدراسات الوطنية أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبا على الموارد المائية والنظم البيئية والفلاحية وعلى الاقتصاد بصفة عامة ، كما يتوقع أن تزيد التغيرات المناخية من الضغوطات الحالية على الفلاحين والمساحات التي يستغلونها. و يعد ارخبيل قرقنة الاكثر تهديدا حيث تفيد عديد الدراسات ان سواحل خليج قابس وجربة ايضا مهددة بالغرق وذلك حسب السيناريوهات التي تتوقعها الدراسات المنجزة في السنوات الاخيرة وتشير بعض الدراسات إلى ان جزءا من ارخبيل قرقنة قد يبدا في الغرق بداية من سنة 2030 ، فارتفاع مستوى البحر قد يغمرها لوجودها في منطقة منخفضة. واذا علمنا ان 90 بالمائة من المنشآت الاقتصادية والسياحية كما ان جل التجمعات السكنية على السواحل لذلك فان نتائج تغير المناخ يهدد المنظومة الاقتصادية والسياحة باعتبار ان جل النزل على السواحل . و لا يقف تأثير تغير المناخ على ارتفاع مستوى البحر الذي يتسرّب تحت الارض فقد شهدت الموائد المائية ارتفاعا في نسبة التملح بسبب ارتفاع مستوى البحر وهو ما يؤثر سلبا على النشاط الفلاحي الذي يعتمد على الري بالمياه الجوفية وتعد المناطق الاكثر تضررا في تونس الوطن القبلي وتحديدا قرمبالية و تاكلسة. ويزيد الاستهلاك المكثّف للمائدة المائية من تأزم الوضع بسبب عدم قدرتها على التجدّد. كانت تونس من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية الأممالمتحدة بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في سنة 1993 وبروتوكول كيوتو في سنة 2002. من ناحية أخرى، استفادت وزارة الشون المحلية و البيئة من تواجد فروع لمنظمات تعنى بالجانب البيئي على غرار المنظمة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) و منظمة فريدريش إيبرت (Friedrich-Ebert-Stiftung) لإنشاء استراتيجية وطنية بشأن تغير المناخ (SNCC)، تأخذ في الاعتبار التحديات والاتجاهات الجديدة لتونس ما بعد الثورة. أصدرت الحكومة التونسية الأمر الحكومي عدد 263 لسنة 2018 مؤرخ في 12 مارس 2018 يتعلق بإحداث وحدة تصرف حسب الأهداف لإنجاز برنامج متابعة وتنسيق الأنشطة المتعلقة بتفعيل اتفاق باريس حول المناخ لتنفيذ الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ وضبط مهامها وتنظيمها وطرق سيرها. علاوة على ذلك فإن الدستور التونسي ينص ّ على وجود هيئة تعنى بالأجيال القادمة والتنمية المستديمة ومن اهم ادوارها الاهتمام بقضايا البيئة وتغير المناخ. و تعتبر تونس من أول الدول النامية التي اعتمدت منذ سنوات عديدة سياسات طوعية في مجال التحكم في الطاقة. ومكنت هذه السياسات في مجال النجاعة الطاقية والتطور التدريجي في استغلال الطاقات المتجدّدة من خفض نسبة نمو انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن استهلاك الطاقة و في تخفيض ملحوظ لكثافة الكربون. ومنذ دخول بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ في 2005، تم، بالتنسيق مع مختلف الهياكل المتدخلة وباستغلال إمكانيات الدعم في إطار التعاون الدولي في المجال البيئي، إنجاز عديد البرامج المتعلقة بتنمية القدرات والتكوين والإحاطة الفنية والمالية لتعزيز النفاذ إلى الإمكانيات الهامة التي تتيحها آلية التنمية النظيفة المحدثة بموجب بروتوكول كيوتو. ومكنت هذه الجهود من المصادقة، على المستوى الوطني، على عشرات البرنامج والمشاريع بكل القطاعات المؤهلة للانتفاع بآلية التنمية النظيفة إضافة الى الشروع في التنفيذ الميداني لعدد من هذه البرامج والمشاريع. و تبقى هذه الاستراتيجيات و الحلول محدودة في ظل محدودية الموارد المالية للبلاد التونسية التي تسعى الى تغطية جزء هام منها عن طريق دعم صندوق النقد الدولي و المنظمات الدولية . و يشار الى أن تونس كانت قد وقعت في شهر ديسمبر على هامش القمة الدولية حول المناخ "قمة الكوكب الواحد " اتفاقا مع الوكالة الفرنسية للتنمية للتاقلم مع التغيرات المناخية بقيمة مليون اورو أي ما يعادل مليون دينار و كانت وزارة البيئة قد أكّدت في مفاوضات مؤتمر "كوب " ان البلاد في حاجة الى اعتمادات بقيمة مليار دولار ما يعادل مليارا من المليمات خلال السنوات الخمسة عشر القادمة حتى تتمكن من انجاز مشاريع في إطار مكافحة التغيرات المناخية و لتتوفّق الى تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة.